الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربيع بغداد ... أحلام الولي الفقيه ؟

داود البصري

2003 / 4 / 23
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

ماذا ببغداد من المضحكات ؟ .. ولكنه ضحك كالبكاء ! كما قال طيب الذكر المتنبي الكوفي وهو يصف مصر تحت حكم الأخشيد ؟ وقد دار الزمن دورته وحطت الأحداث والمصائب الجسام رحالها في عاصمة المنصور التي تحفل أجوائها السياسية والحياتية والعامة بكل جديد وغريب ومستحدث ؟ وبكل بضائع الأرض ؟ وتعج بأصناف النخاسين والسماسرة والمهربين الذين تحول بعضهم لحكام يأمرون وينهون ! فيما يستعد البعض الآخر لإشهار عصا النضال وتقديم أوراق إعتماده للشعب العراقي الذي يقف اليوم مشدوها وأشبه باليتيم على مائدة اللئيم ؟ فموسم العرض والطلب قد حل على غير عادة الإقتصاد الإشتراكي البعثي الذي قنن حتى الهواء والماء والأحلام والآمال وليس فقط نسائم الحرية العليلة ؟ وبات العراقي مشدوها بين رايات الحلفاء وهي تعلن عن طموحاتها بعراق دستوري فيدرالي حر وإقتصاد منفتح حر يتلائم وروح الإنفتاح والعولمة ، وبين بضائع وسلع قديمة ومستهلكة تحاول تسويق بضاعتها الكاسدة منذ نهاية الحرب الباردة قبل أكثر من عقد من السنين ؟ وبين جماهير جامحة ومتعطشة وجائعة لأي شيء بدءا من نعمة الإستمتاع بتذوق الكولا والهمبرغر والجينز والساتلايت والماء النظيف وليس إنتهاءا بمنظومة القيم والأفكار الحرة وحرية القراءة والإطلاع والسفر والتعرف على العالم ودول الجوار دون مذلة ركوب البحر وطلب اللجوء الذي لايأتي أحيانا بل تسبقه الكوارث ؟ العراقي يحلم بجواز سفر محترم يفرض هيبته وإحترامه على ضباط السفر والهجرة في مطارات العالم ؟ يحلم بأن يكون العراق محطا سياحيا مهما على خارطة العالم السياحية وبأن يكون ملتقى للأفكار والثقافات والقيم والحضارات ؟ بينما خفافيش الظلام التي حطت على رؤوس العراقيين في غفلة من الفكر والحضارة وفي زمن ( الفرهود ) لاتجد ماتقدمه للعراقيين سوى نفس البضاعة البعثية الفاسدة السابقة مع إستبدالها بتحسينات شكلية تبدأ وتنتهي بالبسملة والحوقلة وبالغطاء التمويهي الديني العاطفي الذي يخاطب المشاعر والنفوس آنيا ويتجاهل حل المشاكل الحقيقية ؟ وهي نفس السياسة التي إستعملها النظام البعثي المهزوم في أخريات أيامه ومن خلال هلوساته الخطابية والإغراق فيما كان يسمى بالحملة الإيمانية التضليلية التي حاول نظام البعث خلالها إنتحال الخطاب الديني ليستميل الشرائح العربية المحبطة وقد نجح في تسويق بضاعته برؤوس العرب ولكنه لم يستطع تمريرها على العراقيين العارفين ( بالبير وغطاه ) وبطبيعة  الروح العدوانية للأفعى البعثية!.

الصراع على العراق وفيه وحوله قد لامس أبعادا حساسة وباتت جميع الأوراق مطروحة مع تنامي وتصاعد فضاءات الحرية الشاملة التي لم تكن منتظرة إذ لم يكن متصورا أن نظام صدام سينهار بتلك السرعة القياسية التي حصلت فالشعب للأسف كان قد وصل لقناعة راسخة من أن نظام صدام نظاما قدريا مفروض عليهم بقوة الدعم الدولي والأميركي تحديدا ؟ ولم يكن مطروحا أن تتخلص أميركا من عميلها البار الذي وفر لها فرصا إستراتيجية لاتحلم بها ، وأدخل العراق في كواليس المخططات الدولية تحت صهيل الشعارات العروبية التدليسية ، فهو يتحدث عن تحرير فلسطين من البحر للنهر ! بينما يفقد النظام ذاته سيادته على أنهاره وأراضيه ؟ ولكن بالمقابل علينا أن نكون واقعيين ونتساءل بمرارة .. هل كان بإمكان القوى السياسية العراقية إسقاط وتغيير النظام البعثي لولم تتدخل القوة الأميركية ؟ الجواب معروف ولاداعي لأن ندفن رؤوسنا في الرمال ، ولكن ماهو الثمن الذي يريده الأميركان بعد أن أنجزوا القسط الأكبر من مهمتهم ؟ وماهي التداعيات والأسس المترتبة على مرحلة مابعد التغيير والتي نعيشها حاليا ؟ .. وبصرف النظر عن العديد مما يجري ويدور علينا أن نؤكد على حقيقة أن النظام البعثي السابق لم ينته بصورة كلية ونهائية بعد ؟ والطريقة السينمائية المافيوزية التي تحلل بها النظام وتلاشت عناصره تنبيء بأن النظام وقد ذابت عناصره في المجموع الشعبي يتحين الفرص المناسبة للتعبير عن ذاته عبر ركوب وإستغلال التيارات الشعبية السائدة حاليا وحالة الإنفلات الأمني وتدهور دور السلطة المركزية ، فنظام أمني وإستخباري إستمر لأكثر من ثلاثين عاما ونيف لايمكن أن لايترك مؤثراته وسط الجموع الهائجة التي تركب اليوم الموجة الدينية شيعية كانت أم سنية ؟ سلفية كانت أم تحديثية ؟ أصولية كانت أم إخباريه ؟ ولعل الظهور المسرحي للشيخ أحمد الكبيسي في حي الأعظمية الذي كان يعج بمؤيدي صدام وبلفيف من الإرهابيين العرب وخطبته البتراء المحمية بقوة سلاح الحماية المرافق يعطي للمرء دليلا على طبيعة المحاولات الهادفة لإستثمار الموقف وتوجيهه أصوليا وبما يخدم مخططات تفتيت الحالة العراقية في صراعات عقيمة تتجاوز حالة البناء الحضاري الشامل التي ينبغي أن تضطلع به الحكومة الوطنية القادمة لصالح هيمنة بطريركية دينية لاوجود حقيقي لها في المشروع الحضاري والإنساني الذي ينبغي أن يسود في العراق الحر البعيد عن كل صور الإصطفافات الدينية والمذهبية ، فالشيخ أحمد الكبيسي الذي يهدد الأميركان اليوم بالويل والثبور وعظائم الأمور ؟ ويستعرض قوته وقوة حمايته المدججة بالسلاح ! ليس هو ذاته الشيخ الذي كنا نتابعه في قناة ( دبي ) الفضائية وهو يطرح تصوراته الدينية وعظاته الأخلاقية ؟ ولكنه نفسه الشيخ الذي أدلى في قناة ( الجزيرة ) وفي برنامج الشريعة والحياة وأمام المذيع الذي كان يقطر سما لحظة إسقاط صنم هبل العراق صدام المهزوم المدعو ماهر عبدالله وفي حلقة يوم 23/2/2003 أي قبل شهر من الحرب بتصريحات ومواقف تحمل ضمنا الإعجاب بصدام المهزوم فقد قال وبالحرف : ( صدام فيه شجاعة غير إعتيادية )!!!

ومن يرغب بالمزيد فليطلع عليه من إرشيف ( الجزيرة نت )!! ففيه الشفاء والدواء لكل المتسائلين عن حقيقة المواقف الإنتهازية لأهل الإسلام السياسي الذين يحاولون اليوم القفز بالعراق وشعبه للمجهول مستغلين حالة الأزمة والإحباط القائمة حاليا ؟ ومن المعسكر الآخر علينا أن لانغفل العين عن المحاولات التي تقوم بها الإستخبارات الإيرانية للتسلل وإستغلال الصراعات والخلافات الشيعية/ الشيعية من أجل تمرير برنامجها في إدامة حالة التشظي والخلاف العراقية الداخلية تحقيقا لأهداف ومطامع ذات علاقة بالدور الإيراني الذي يرفض الإنحسار في حالة عودة مدينة النجف الأشرف لتبؤا زعامتها الدينية في إطار المذهب الجعفري وبما سيشكل عنصر قوة معنوي كبير للنظام الديمقراطي القادم في العراق ؟

أما من يحاول تنصيب نفسه بطريركيا مقدسا ووليا فقيها في عراق الحرية والبناء فلن يحصد سوى الخسران والنبذ بعد تلاشي الحالة الإلتباسية الراهنة وهي حالة مؤقتة تبشر إرهاصاتها بولادة عراق حر متحرر من كل صيغ وصور الهيمنة والإستغلال والضحك على ذقون البسطاء بأساليب مستهلكة ومكشوفة مراميها وأهدافها للجميع ؟ فلم يناضل العراقيون كل تلك العقود من أجل فرض هيمنة دكتاتورية بمسوح دينية ؟ كما أن تجربة دولة الولي الفقيه لم يعد لها محل من الإعراب في الواقع العراقي وإن بدت المظاهر الراهنة عكس ذلك ؟ فدماء العراقيين ليست مجالا للتجارب المخبرية ، والمكر السيء لايحيق إلا بأهله ! .

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد