الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علمانية الدولة ضمانة للديموقراطية..!

هادي فريد التكريتي

2006 / 7 / 1
ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع


مفهوم العلمانية ، عن قصد ، شوهه وحرفه المتعصبون من دعاة الحكم الديني ، لاستغلال مشاعر وعواطف المؤمنين من عامة الناس لأنه لا يخدم أغراضهم في الهيمنة على شؤون الدين والدنيا في وقت واحد ، بالرغم من أن العلمانية لا تسيء للدين في شيء ، بل تضعه في موقعه الذي يستحقه من القدسية في قلوب وأفئدة المؤمنين بالله ، وتصون مبادئه ، وتحمي أحكامه ، من متاجرة المتاجرين به ، من رجال دين مزيفين ، وسياسيين يسخرون الدين والطائفية ، أداة فرقة لتحقيق أغراضهم ، وأشباه هؤلاء كثير ، من العابثين بمصير الوطن ، الذين يلهثون خلف المال والزعامة ، هؤلاء ، كلهم ، لا تهمهم قيم الدين إن علت أو سفلت ، بقدر ما تهمهم تحقيق أغراضهم عن طريق الحكم الذي يحقق لهم حياة مترفة وعيش هني ، على حساب كدح ومعاناة الجماهير ، هذا ما كان ، عند تواطؤ رجال الكنيسة واللاهوت مع قياصرة وأمراء دول أوربا، في القرون الوسطى ، وما يحصل عندنا في الوقت الحاضر بعد زوال الدكتاتورية في العراق ، حيث ُتَسًعر الطائفية بشقيها ، الحقد والكراهية ، بين اتباع الدين الواحد ، في المجتمع العراقي ، فالدين والرب قد اختطفهما المتاجرون بهما ، وارتهنوهما فيما بينهم لمن يدفع فدية أكثر .
العلمانية كمفهوم يحرر الدين والرب من آسريه ، ويطلق حرية المؤمنين بأن يعبدوا الله بالشكل الذي يجب , وتحول العلمانية دون تدخل مؤسسات الدولة في انتهاك هذه الحرية ، كما هي ، أي العلمانية ، َتفِصل ، أو ُتفِرق ، بين علاقة المؤمن بربه ، وما عليه لله من حقوق ، وبين علاقة المواطن بدولته وماله من حقوق أيضا ، دون أن تتداخل هاتان العلاقتان مع بعضهما ، عن طريق وسيط في الدين أو في السياسة ، وهي كذلك ، أي العلمانية ، تمهد أرضية لنشوء حكم ديموقراطي حقيقي ، يضمن المساواة والحرية لكافة أفراد المجتمع ، على اختلاف طوائفهم ومعتقداتهم الدينية ، وفئاتهم الاجتماعية ، وفوارقهم الجنسية ، لنيل الحقوق على أساس المواطنة ، وليس على أي شيء آخر .
الدين الإسلامي والخلافة الإسلامية منذ نشأتهما في الجزيرة العربية ، وانتقال الخلافة ، بعدئذ إلى الشام في العهد الأموي ، وإلى العراق في العهد العباسي ، كانتا متداخلين فيما بينهما ، فالخليفة هو الحاكم المدني ، كما هو القيم والمنفذ لأحكام الشرع ، فلا حرية لفكر ولا حرية لمفكر ، خارج إطار الفقه والشريعة الإسلامية ، ما عدا بعض فترات ترف ، أو مرض ، معلومة من حياة بعض الخلفاء ، يتنازل فيها عن حقه لبعض الفقهاء في إمامة المسلمين ، أو الجلوس للقضاء ، وبعد أن اتسعت حركة نقل كتب العلوم والطب والفلسفة وعلم الكلام ، وازدهار ترجمتها من السريانية واليونانية والإغريقية واللاتينية إلى اللغة العربية ، أعطت مردودا لحركة فكريا وثقافية لم تعهدها عصور الخلافة من قبل ، كما هو الحال في عصر المأمون ، نتيجة لرخاء مادي وثقافي ، في هذا الوقت ، ازدهرت حياة الترف لخاصة الناس من القادة والأمراء ، وبعض الفئات القريبة من القصر والحاشية ، وعاشت الخلافة العباسية فترة مزدهرة في كافة جوانبها ، أفسحت في المجال ، أو قل أغضت الطرف قليلا عن التشدد، فبرزت تيارات فكرية وفلسفية وأدبية ، لم يكن مسموحا لها أن تنتعش وتزدهر ، لو لم يكن الخليفة نفسه مشجعا له أو منخرطا فيها ، فتحرر الفكر نوعا ما من رقابة الدين ، ولفترة قصيرة ، إلا أنها كانت كافية لأن تبدأ بشحذ أذهان الكثير من المفكرين وتحررهم من هيمنة الدين وسطوة رجاله ، في التحليل والتحريم ، فبرزت أفكار لجماعات فكرية ، كثيرة ومتعددة ، تتعارض وتتناقض في طرحها وفهمها ، عما ورد في القرآن والسنة من رؤى الخلق ، والنشر والميعاد ، والجنة والنار ، وغيرها من منطلقات ما كان لها أن تبرز ، لولا هذا التلاقح الفكري الذي أوجدته حركة الترجمة والنقل ، والحرية الفكرية ، النسبية ، التي أطلقها عصر المأمون ، وما كان يمكن ، أيضا ، أن تنوجد الكثير من المدارس الفقهية والفلسفية والعلمية من طب وفلك ورياضيات وموسيقى وغيرها من علوم ، أغنت حياة الناس آنذاك ، وكانت أساسا لتطور الكثير من العلوم في أوربا ..
بعض تراخ في سلطة الدين وسيفه المسلط على رقاب المفكرين والمبدعين ، لفترة زمنية قصيرة نسبيا ، وكفه عما كان يمارسه من ضغط وإكراه ، على حرية الفرد وتحرره الفكري ، أدى إلى تنوع وازدهار حضاري ، لم تر المنطقة له مثيلا من قبل ، فكيف الحال لو رفعت عنه نهائيا ، وانشغل كلٌ في تطوير قدراته ورؤاه لخير المجتمع وتقدمه ؟ بالتأكيد كان يمكن أن تعود على الدين وعلى المؤمنين ، وعلى كافة المؤسسات الثقافية والعلمية وباقي مجالات الإبداع الأخرى ، بالإزدهار والتآخي ، بدلا" عن الإحتراب والتكفير بين أصحاب الدين والمذهب الواحد ، وبعد أن عادت سلطة الدين تمارس دورها الرقابي في الممنوع والمسموح ، واتهام المفكرين والمبدعين بالشعوبية والزندقة والتكفير ، تلاشى ألق المعرفة والعلم ، التحضر والبغددة من أرض الرافدين ، ليعم المنطقة كلها ظلام التجهيل والخرافة والشعوذة ، وهذا نتيجة لحكم الدين والدنيا في آن معا ، منذ زوال ما يسمى بالعصر الذهبي للدولة العباسية ، وطيلة سيطرة الحكم العثماني ، وحتى سقوطه ، كان العراق يعيش في مأساة التخلف والجوع والحرمان ، وإذ لاحت في الأفق حياة أفضل أمام العراقيين بتشكيل حكومة مدنية ، وسن دستور مدني في بداية عشرينات القرن الماضي ،اتسم بطابع علماني خجول ، أقر ببعض الحقوق المدنية للمواطن ، من حريات خاصة وعامة ، إلا أن الدين وما طرأ عليه من تشوهات طيلة 1400عام كان يمارس دوره ، و تأثيره بارز ومشهود على مؤسسات المجتمع ، وفي مجالات كثيرة ومتعددة ، في التعليم والقضاء ومؤسسات المجتمع المدني ، بالرغم من تواضعها ، والموقف من المرأة وَتَمْيز الرجل عنها ، والانتهاك الفاضح لحقوقها ، والموقف من القوميات والأديان والطوائف غير المسلمة وعدم الإعتراف بحقوقها ، كل هذه الأمور وغيرها كان الدين يمارس سلطة القمع والتحريم عليها ، مما أعاق تنفيذ برامج التنمية الاجتماعية ، وحال دون تطور حياة مجتمع متعدد الديانات والطوائف والقوميات ، بشكل طبيعي وسليم .
التطور اللاحق بعد سقوط الملكية ، أثر سلبا على حياة المجتمع ومؤسسات الدولة ، فمنذ ثورة 14 تموز ومرورا بالانقلابات التي جاءت بحكم القوميين والبعث ، خلقت أوضاعا سياسية في العراق ، سيئة وغير مستقرة ، وعاش المجتمع بدساتير مؤقتة، وكثيرا" ما تم خرقها وإبطال مفعولها بقرارات استثنائية ، نتيجة لعدم وضوح رؤيا الحكم في شكل الدولة التي يسعى لتأسيسها ، لذلك كان نظام الحكم يمارس التضييق على الحريات العامة ، والخاصة ، مستعينا بالمؤسسة الدينية ، منتهكا حقوق المواطن ، فلا انتخابات حقيقية ، ولا حرية للرأي ، ولا يسمح بتشكيل أحزاب سياسية تمارس عملها خارج خيمة الحكم ورغبته ، وهذا ما أدى إلى نشوء دكتاتورية مطلقة بقيادة حزب البعث ، أشعلت نيران حروب داخلية وخارجية ، دمرت كل ما بناه الإنسان العراقي طيلة عشرات السنين ، ليسقط هذا النظام بغزو أمريكي ، يدمر كل مرافق الحياة العراقية ، التي لم يكن النظام الفاشي قادرا على تدميرها ، تحت شعارات زائفة وغير حقيقية ، بما فيها " بناء الديموقراطية في العراق " ، وبعد تجارب متعددة لأشكال الحكم ، وإجراء أكثر من عملية انتخاب برلمانية ، تمت صياغة دستور دائم ، أقره الشعب العراقي عن طريق استفتاء عام ، نال موافقة أكثرية الشعب العراقي ، صاغت مواد هذا الدستور وأخرجته بشكله النهائي ، هيئة مشكلة من قوى في الجمعية الوطنية ، يغلب عيها النهج الديني ـ الطائفي ، لذلك جاء متوافقا مع اتجاهات هذه الهيئة ، حيث أُعتبر" الإسلام مصدر أساسي للتشريع .. " و ( ـ أ ـ لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام ) هذان النصان أحكما الحلقة حول نظام الحكم واستبعاده من أن يكون نظام حكم علماني ، يسعى لتحقيق الديموقراطية ويحقق الحرية لإقامة مجتمع مدني متطور ، وبعبارة أخرى ، توجهات هذا الحكم باتجاه فرض حكم ديني ـ طائفي ، يغلق منافذ الحرية والديموقراطية والمساواة ، أقوى احتمالا من التوجهات الديموقراطية المقيدة بعدم التعارض مع ثوابت أحكام الإسلام ، وهي كثيرة وتكاد ومتعددة الأشكال والصور ، وهذا يعتبر نكسة خطيرة وتراجعا عن المفاهيم الديموقراطية وحقوق الإنسان ، قياسا على ما كان عليه أول دستور للحكم الوطني قبل أكثر من ثمانين عاما ، والدساتير المؤقتة التي صيغت بعد سقوط الملكية ، خصوصا عندما تكون النزعة الطائفية على أشدها ، وتساندها مليشيات طائفية مسلحة ، خاضعة لقوى وأحزاب دينية ـ طائفية ، تأتمر بأمرها ، و تمارس الإرهاب والقتل كما هي عليه الحال في الوقت الحاضر .
الدستور نص على الحريات الديموقراطية ، وحق تشكيل منظمات المجتمع المدني ، وحق ممارستها يصونه الدستور للمواطن ، وفق الضوابط الإسلامية !، إلا إنه يطلق الحرية لوزير الدفاع الحالي ( ربما وفق هذه الضوابط )، بأن يهدد بالقضاء على الشيوعية ، على الرغم من أن الحزب الشيوعي العراقي له ممثلين في البرلمان ومشارك في الحكم بوزير ، لكنا لم نجد من يحاسب هذا الوزير أو يسائله عن تصريحه هذا والأسباب الموجبة له ، ويقول له : موقفك هذا ينتهك الدستور ومواده ، التي ضمنت حقوق المواطنين المدنية ، وحرية منظمات المجتمع المدني ، بما فيها الحزب الشيوعي العراقي..!.
الدستور ومؤسسات الدولة كلها ، بما فيها ، هيئة الرئاسة ، والمجلس النيابي والسلطة القضائية والتنفيذية ومؤسسات المجتمع المدني كلها على المحك في هذا الموقف ، وهذا أول امتحان لهذه المؤسسات لتبيان موقفها من هذه القضية المعادية لصلب الديموقراطية التي ضمنها الدستور ، التي ينتهكها الوزير ، عضو في اللجنة التنفيذية ..!

لا يصلح نظام حكم للعراق غير الحكم العلماني ، لتعدد دياناته وطوائفه ، فأن لم يكن الأمر كذلك ، فكل حديث عن ديموقراطية ومساواة المواطنين أمام القانون ، يعتبر باطلا . الدستور يقر حق أي مواطن ، بالمطلق ، رجلا كان أم امرأة ، دون تحديد لدينه أو معتقده أو قوميته ، أن يعتلي أعلى منصب في الدولة ، وفق حيازته على المؤهلات المطلوبة ، فهل يحق للمواطن الغير مسلم أو للمواطنة العراقية أن تتسنم منصب رئاسة الدولة ؟ فإن كان القول نظريا بنعم ، فهل ُيَجوُز الإسلام هذا ؟ لا شك أن الضوابط "الإسلامية " التي تقيد حقوق المواطن ، تعتبر انتهاكا لهذه الحقوق ، وعلى المدى البعيد تشكل هذه الضوابط بؤر احتقان في المجتمع ، تراكماتها تعود بنا القهقرى لظهور دكتاتوريات من نوع جديد .

العراق ، كالكثير من الدول العربية لها دساتير تشرع لضمان الحريات الخاصة والعامة في المجتمع ، وبعضها تدعي علمانية الدولة ، إلا أن الواقع هو غير ذلك ، فالعلمانية تتطلب فصل الدين عن الدولة ، فعلا لا إسما ، وعدم تدخل الدين في شؤون الدولة ، وهذا غير موجود ، فكثيرا ما يهرول الحكام إلى مرجعيات الدين ، طالبين فتاواهم ومباراكاتهم وإضفاء صفة الشرعية الدينية على انتهاكهم لحقوق مواطنيهم ، والتغاضي عن خرق مبادئ ومواد الدستور ، من أجل أن يستبدوا في مناصبهم والبقاء في كراسيهم لأطول قترة ممكنة ، فالتعاون قائم على قدم وساق بين مؤسسات الدين ومؤسسات الحكم وقواه الأمنية ، وكل منهم يحتاج الآخر لفرض سلطته وديمومة تأثيره ، لهذا لم نر تقدما وازدهارا لهذه المجتمعات ، على الرغم من وفرة الثروات الطبيعية ، وتواجد العقول والأيادي العاملة ، إلا إن الواقع يؤشر على قمع سياسي بالغ الخطورة ، وتضييق على الحريات العامة والخاصة ، أدى إلى تزايد هجرة هذه العقول والأيادي إلى خارج أوطانها ، ليس طلبا للرزق فقط ، بل طلبا للحرية وللأمان المفقود في هذه الدول ، واستغاثة من جور حكامها وظلم أنظمتها ، في القمع السياسي والفكري ، ولجم الصحافة وحرية التعبير ، والتهديد بالقتل للمفكرين وأصحاب العقول العلمية ، فالتضييق على مجمل حريات المجتمع المدني ، كلها أمور تساعد على تدهور الحالة الاجتماعية والمعاشية للمواطنين وتزيد من بؤس الحياة العامة ، الحاضنة الأساسية لقوى الإرهاب ، الساعية لتدمير المجتمعات ، عن طريق فرض أفكارها المشحونة بالتطرف الديني والطائفي البغيض ، والدولة بكل مؤسساتها الحاكمة ، لن تكون بمنجى عن هذا الواقع الذي ساهمت وتساهم في خلقه ، عن طريق الخلط بين مؤسسة الدين والسياسة ..!

25 حزيران 2006












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج