الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلْمليشيات وَتهديد سِيادةِ اَلسُّودان ..!

فيصل عوض حسن

2020 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


تَمَنَّيتُ في مقالتي السَّابقة (اَلْسُّوْدَاْنُ وَاَلْمُهَدِّدَاتُ اَلْسِيَادِيَّةُ اَلْمُتَعَاْظِمَة)، الإسراعِ بِحَسْمِ المُهَدِّدات الخطيرة قبل استفحالها، لتأثيراتها الكبيرة على (سِيادَتنا) الوطنِيَّة وبقائنا كدولةٍ وشعب، ويأتي على رأس تلك المُهدِّدات تَحَدِّي (تحقيق) السَّلام، يليه تَزَايُد المُجَنَّسين ودورهم المحوري في تغيير التركيبة السُكَّانِيَّة، ثُمَّ الاصطفاف أو التحشيد القَبَلي/الجِهَوِي، فالاحتلال بِقُوَّةِ السِّلاحِ أو المال، ثُمَّ تحدِّي الاقتصاد. وأرجأتُ تَحدِّي المليشيات، لاتِّساعِه وتَشَعُّبه وحاجته لتفصيلٍ أكثر.
مُنذُ سَطْوِهِمُ على السُلطةِ، شَكَّلَ المُتأسلمون مجموعة من المليشيات، كجهاز الأمن العام والطُلَّابي والدفاع الشعبي ولاحقاً الجِنْجِوِيْدْ وغيرهم، حيث مَارَسَت هذه المليشيات كل أنواع الإجرام ضد السُّودانيين، تمكيناً للمُتأسلمين وتحقيقاً لأهدافهم المُتطرِّفة. وعقب الحِراكِ الشعبي في ديسمبر 2018 وما تلاه، وحينما شعروا بقُوَّة الشعب ورفضه القاطع لوجودهم، سَارَعَ المُتأسلمون لِتقوِيَة مليشيا الجِنْجِوِيْد المُسمَّاة (الدعمِ السَّريع)، وسَخَّروها لضرب الثورة والثُوَّار، وهي مليشيا تَكَوَّنت أساساً على أُسُسٍ قَبَلِيَّة/جِهَوِيَّة من عُدَّة بلاد، ومُقابل المال لا يتوانون عن ارتكاب أي جريمة، بدءاً بالنَّهبِ والاغتصاب والإرهابِ وانتهاءً بالإبادةِ الجماعِيَّة، مما دفع العديد من الدول الأفريقيَّة لطردهم، وهي (ثوابتٌ) مُوثَّقة ومعلومة لا يُمكن إنكارها.
البشير وعصابته الإسْلَامَوِيَّة عملوا بجدِّيَّة لتفكيك وتمزيق السُّودان، وأفصحوا عن ذلك صراحةً عبر رُؤيتهم الشيطانِيَّة "مُثلَّث حمدي"، والتي تَناوَلتُها في مقالاتٍ عديدة آخرها (اَلْمَشَاْهِدُ اَلْأَخِيْرَةُ لِمَخَطَّطِ تَمْزِيْقِ اَلْسُّوْدَاْنْ) يوم 21 أبريل 2019، فضلاً عن مقالاتي (اَلْسُّوْدَاْنُ مَسْرَحُ اَلْدُّمِي) بتاريخ 5 أغسطس 2018، و(اَلْتَحَاْلُفُ اَلْإِسْلَاْمَوِيُّ اَلْصَهْيُوْنِيّ: مِنَ اَلْخَفَاْءِ إِلَى اَلْعَلَنْ) بتاريخ 6 ديسمبر 2018 وغيرها. وأمَّا الجِنْجِوِيْد فيحلمون بـ(وطنٍ) يحتويهم بعدما طردتهم العديد من دول المنطقة، ليكون ملاذاً لهم ومُنطلقاً لأعمالهم الإجرامِيَّة و(ارتزاقهم) الدولي والإقليمي، وهكذا اِلْتَقَت مصالح الخَوَنة والسُفهاءِ والمُجرمين لِلْنَيْلِ من السُّودانِ وأهله. وتبعاً لهذه المصالح التَشابُكِيَّة شَهِدَت بلادنا أبشع جرائم الإبادة الجماعِيَّة، والقمعِ والاغتيالِ والاغتصابِ والنَّهبِ على أيدي الجِنْجِوِيد المدفوعين من المُتأسلمين، الذين لم يكتفوا بإفساد حياتنا وأمننا الاجتماعي والإنساني، وإنَّما صَدَّروا إجرامهم للخارج مُقابل المال الإماراتي والسعودي، على نحو ارتزاقهم باليمن ومُؤخَّراً ليبيا وما خُفِيَ أعظم!
أصبحَ الجِنْجِوِيْدُ الآن دولةً قائمةً بذاتها دَّاخل السُّودان، لها ميزانيات (مُنفصلة) وعلاقات خارجِيَّة ودَّاخِليَّة (مُسْتَقِلَّة)، وتعمل هذه المليشيا (ظاهرياً) تحت إمْرَة المُرتزق حِمِيْدْتِي، لكن وفق مُوجِّهات ورغبات العصابة الإسْلَامَوِيَّة، التي تُوجِّه وتُراقب وتُشرف على جميع مُمارسات هذه المليشيا. وبعبارةٍ أُخرى، دَمَجَ المُتُأسلمون غالِبِيَّة مليشياتهم خاصَّة (عصابة الأمن) بتشكيلاتها المُختلفة في مليشيا الجِنْجِوِيْد، وألْحَقوا بها عناصرهم بالجيش والشرطة، وسَلَّحوها بأضخم وأحدث الأسلحة، ومَكَّنوها من جميع الأنشطة والمُؤسَّسات الاقتصادِيَّة النَّاجحة، مع تكثيف استيعاب الأجانب و(تجنيسهم)، بالتنسيق مع آكلي الفِتَاتِ من مُمثِّلي العشائر والإدارات الأهلِيَّة. وبالتوازي مع ذلك، تمَّ تشديد (الخِناقِ) الاقتصادي والمعيشي، لإذلال السُّودانيين وسَلْبِ إرادتهم وتحوير قناعاتهم، ولقد نجحوا نسبياً في ذلك، تبعاً لحملات (التلميع) المُتلاحقة لمليشيا الجِنْجِوِيْد وزعيمها المُرتزق حِمِيْدْتِي، رغم إجرامهم المُتزايد في جميع أنحاء السُّودان!

إنَّ اختيار المُرتزق حِمِيْدِتي تَمَّ بعنايةٍ فائقة، فهو لا ينتمي للسُّودان (جينياً أو أخلاقياً) ولا يهتم بسيادته وسلامته، و(الخيانةُ) تسري فيه سريان الدم في العروق، وله استعدادٌ فطريٌ عالٍ للغدر والرُضوخ لمن يدفع أكثر، وجميع جرائمه (مُوثَّقة) مما يُسهِّل ابتزازه (داخلياً وخارجياً) كالبشير تماماً، الذي لم يَتَوَانَ عن خيانة السُّودان والتضحية بسيادته ومُقدَّراته الوطنِيَّة، وجعل بلادنا مُسْتَبَاحَة للقاصي والدَّاني. وحالتنا مع حِمِيْدْتي ستكون أسوأ بكثير، فهو بالنسبة للسُّودان كحِصان طرْوادة الذي استخدمه الإغريق لضرب الطُرواديُّون من الدَّاخِل، وتجدون تفاصيلاً أكثر في مقالاتي (تَحْجِيْم حِمِيْدْتِي: مَطْلَبٌ حَتْمِيٌ لِإِنْقَاْذِ اَلْسُّوْدَاْن) بتاريخ 6 أبريل 2019، و(حِمِيْدْتِي: خَطَرٌ مَاْحِقٌ وَشَرٌّ مُسْتَطِيْر) بتاريخ 29 أبريل 2019، و(فَلْنُعَجِّلْ بِإيْقَاْفْ تَمْكِيْنْ حِمِيْدْتِي حِفَاْظَاً عَلَى اَلْسُّوْدَاْن) بتاريخ 15 مايو 2019، و(اَلْسُّوْدَاْنُ تَحْت اَلْاِحْتِلَاْل اَلْجَنْجَوِيْدِي) بتاريخ 3 يونيو 2019، و(اَلْسُّوْدَاْنِي اَلْأصِيل وَاَلْجَنْجَوِيْدِي اَلْمُرْتَزِق) بتاريخ 5 يونيو 2019، و(السُّودان بين مليشيات المُتأسلمين والجَنْجَوِيْد) بتاريخ 14 يونيو 2019 و(مَتى نَحْسِمْ الأفعَى الجَنْجَوِيدِيَّة) بتاريخ 9 أكتوبر 2019 وغيرها.
رغم قُوَّة المُتأسلمين وسيطرتهم شبه الكاملة على المُرتزق حِمِيْدْتِي، إلا أنَّ هناك احتمالاً كبيراً لتكرار حالة تشارلز تايلور مع نظام صمويل دو في السُّودان، خاصَّة مع الدعم الإماراتي والسعودي الذي يجده حِمِيْدْتي، بضوءٍ أخضرٍ ومُباركةٍ من أمريكا وأزلامها. وللتذكير، فإنَّ تايلور هذا كان (أداة) نظام صمويل دو، لتصفية وإبادة جماعتي (جيو ومانو) في ليبيريا، ثُمَّ اسْتَغَلَّ تايلور منصبه كرقيبٍ على مُمتلكات الدولة وجَمَعَ ثروةً هائلة، فطرده صمويل دو من منصبه بتُهمة الاختلاس، وسافر تايلور لأمريكا ثُمَّ عاد لليبيريا عبر بعض الدول الأفريقيَّة. وعقب اندلاع الثورة الشعبيَّة في ليبيريا بسبب تَرَاجُع الاقتصاد واستشراء الفساد، واحتكار ثروات البلاد، شَكَّلَ تايلور جبهة (NPP) وشَنَّ هجماتٍ مُتلاحقة على النظام الحاكم، وقبض على صمويل ومَزَّق جَسَده وَ(صَوَّرَ) ذلك للعالم أجمع! وحينها اعتقد الليبيريُّون أنَّ ثورتهم نجحت فأيَّدوا تايلور، الذي انتهز الفرصة وصَفَّى مُعارضيه، فحدثت انقسامات في الجيش واشتعل الصراع في ليبيريا، وانتهى بتأييد المُجتمع الدولي لتايلور خاصةً أمريكا، واسْتُكْمِلَت التمثيليَّة بانتخاباتٍ (صُوْرِيَّة)، اعترفت بنتائجها الأمم المُتَّحدة عام 1997، وهكذا تَكَالَبَ العالم على ثورة الليبيريين. بعدها انفرد تايلور بالسُلْطةِ هو ومُعاونيه، وأتاح ثروات ليبيريا للطَّامعين الخارجيين وعلى رأسهم أمريكا، مع قتل وتشريد ثُلُث الشعب الليبيري، وهذا السيناريو من المُحتمل جداً تكراره عبر المُرتزق حِمِيْدْتي، الذي لا يَتوانى عن فعل أي شيء مُقابل المال، ويكفي أنه يبيع أفراد مليشياته بالرأس كما تُباع الخِراف!
الآن يَتَسارَع إيقاعٍ استكمال مُخطَّط تفكيك ما تَبقَّى من البلاد على أكثر من صعيد، حيث ارتفعت تَجَاوُزات الجِنْجِوِيْد (غير المُبَرَّرة) ضد مُواطني دارفور، التي تَمَّ إفراغها من أهلها الأصليين و(وَطَّنوا) آخرين مكانهم، ومنحوهم الجنسيات والأسلحة والأموال، وكذلك الحال في الشرق حيث (التجنيس) والاستيعاب في المليشيات المُختلفة خصماً على أهلنا بالشرق، بخلاف التَرَاخي مع الاحتلالين الإثيوبي والمصري، وهذه جميعاً مُهدِّدات لا يُوليها السُّودانِيُّون حقَّها من الاهتمام والتَدَبُّرِ و(الحسم)، حيث ينشغل الغالِبِيَّة بإلهاءات القحتيين وصراعاتهم (الهايفة)! أمَّا حمدوك الذي تَمَّ تضخيمه بنحوٍ أُسطوري/خُرافي، فلم يَكتَفِ بغض الطَرفِ عن إجرامِ العسكَر ومليشياتهم الجِنْجِوِيْديَّة، و(شَرْعَنَتِهِم) دولياً وإقليمياً ومُشاركتهم حفلات (تخريج/تفريخ) المُرتزقة، وإنَّما (مَهَّدَ) بِخُبثٍ لقطع الطريق أمام أي ثورة شعبِيَّة، قد تُعيق استكمال مُخطَّطات تفكيك وتمزيق ما تَبَقَّى من البلد، عبر طلبه التَدَخُّلِ الدولي في السُّودان، وهو طَلَبٌ ظاهره فيه الرحمة وباطنه يحوي هلاكاً لا فِكاك منه. فالعالم يكتفي بالفُرْجَة على تَجاوُزات وجرائم الجِنْجِوِيد اليوميَّة ضد المدنيين، دون أن يحسمها بما في ذلك الجرائم التي تتم داخل مُعسكرات النَّازحين الواقعة تحت الحِماية الدَولِيَّة، لكنهم سيتدخَّلون حينما يشعرون بقُوَّة وجِدِّيَّة أي حِرَاك شعبي قادم، ويُعطِّلون مساعينا لتحقيق التغيير المنشود، تنفيذاً لطلب حمدوك الذي لم نستوعب خطورته حتَّى الآن!
الرَّاجح، بل المُؤكَّد، أنَّ جميع الأطراف سيُواصلون (مُجتمعين/مُنفردين) ضرباتهم وتَدَخُّلاتهم في السُّودان، وسيكون المُرتزق حِميْدتي (أداة) تنفيذهم الرئيسيَّة، ومسئوليَّة مُواجهته ومليشياته (تَضامُنِيَّة)، منوطٌ بها جميع السُّودانيين، بمُختلف أطيافهم/مناطقهم، وتُحتِّم علينا تقبُّل بعضنا وزيادة ترابطُنا وتراحُمنا لو أردنا الحياة بأمانٍ وسلام، فليتنا نَسْمُوا بأنفسنا وننتبه لِمَا يُحاكُ لنا ولبلادنا. وبدلاً عن التَنَاحُرِ والتحشيد القَبَلِي/الجَهَوِي، و(التَهافُت) المرحلي/الإلهائي على المناصب، علينا الاتِّحاد بِقُوَّة، لتحجيم الجِنْجِوِيْد وسادتهم الطَّامعين بالخارج، بذات الطريقة التي أجبرنا بها البشير (على الاختفاء)، وابن عوف على التَنَحِّي.
أُكرر دعوتي لـ(صغار) الضُبَّاط والجنود بالجيش والشرطة، بأنَّ القضية تَعدَّت الولاءات الحزبيَّة والطائفيَّة/العشائريَّة، وأصبحت قضية (وطن) يتلاشى بمن فيه، وبدلاً عن (الفُرجَة) على إجرام الجِنْجِوِيد وغيرهم، انحازوا للشعب وأعملوا معنا لإنقاذ ما تَبَقَّى من البلاد والعِباد، بمن فيهم أُسركم وأهاليكم قبل فوات الأوان.. وللحديث بقيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة