الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(نهر الكفرة) يفجر الأطماع المصرية بليبيا 1/2

محمد بن زكري

2020 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


* (150)عاما من المياه !
بدأ الأمر بزوبعة إعلامية أثارتها باحثة مصرية / أميركية ، تدعى إيمان محمد غنيم ، بحديثها المثير للانتباه (شعبويّاً) لدى جمهور المتلقين بالشارع المصري ، و المستفز جدا للمشاعر الوطنية الليبية ، عما أسمته : " نهر الكفرة " ، و ذلك في فعاليات مؤتمر (علمي) ، نظمته وزارة الدولة للهجرة و شؤون المصريين بالخارج ، تحت شعار : " مصر تستطيع " .
و ما برحت تلك الزوبعة تتصاعد حدةً في موجات هبوب رياح (قومية مصرية) عاتية ، عبْر ضخّ إعلاميّ مُركز يستهدف سيادة الدولة الليبية على إقليمها الجيوسياسي ، حتى تطورت إلى إعصار سياسي أهوج ، على نحو ما شهده العالم كله و شهد عليه (بالصورة و الصوت) في التهديد العلنيّ المباشر بغزو ليبيا عسكريا ، الذي أطلقه دكتاتور مصر عبد الفتاح السيسي ، في خطابٍ تعبويّ - هو بمثابة إعلان حرب - ألقاه ميدانيا على الحدود الليبية المصرية ، في أكبر استعراض للقوة العسكرية المصرية الضاربة ، حشد له مئات الدبابات و عشرات الطائرات الحربية المقاتلة ، في قاعدة البراني العسكرية المصرية ، متوعداً بالزحف على ليبيا ، لتثبيت الخط الأحمر المصري ، الذي رسمه - بمداد غطرسة القوة و النوايا الاستحواذية - داخل الأرض الليبية من سرت إلى الجفرة ! على بعد نحو ألف كيلومتر لأقرب نقطة على الحدود الغربية لمصر مع ليبيا ، بدعوى الدفاع عن الأمن القومي المصري ! .
على أنّ زوبعة (العالمة) المصرية إيمان غنيم ، و ما تطورت إليه - تفاعلا مع عناصر أخرى من نفس النوع - في إعصار دكتاتور مصر عبد الفتاح السيسي ، سبقتها مقدمات كثيرة تراكمت على مدى ما يربو عن أربعة عقود من الزمن ، كما سأحاول رصد بعض وقائعها فيما يلي بأكبر قدر ممكن من الاختصار ؛ لتنفجر فقاعتها - مؤخراً - في تهديد السيسي بغزو ليبيا عسكريا ، وصولا إلى وضع اليد المصرية على الشرق الليبي ، بما يحويه من ثروات طبيعية كالمياه الجوفية و البترول و الغاز ، و ذلك هو القصد و بيت القصيد .
في إحدى جلسات مؤتمر " مصر تستطيع " ، شدّت إيمان غنيم انتباه الحضور ، بحديثها عن وجود « نهر عظيم » عرض أحد فروعه 8 كيلومتر ، كشفت عنه تقنيات الاستشعار عن بعد ، في منطقة الكفرة الليبية ، شرق منطقة العوينات المصرية (لاحِظْ أن الباحثة المصرية تتعمد أن تمرّر توصيف منطقة جبل العوينات الليبية بأنها منطقة مصرية !) ، و هو - كما قالت غنيم - نهر جوفي يكفي حاجات مصر للشرب و الزراعة لمدة 150 عاما قادمة . و أشارت " غنيم " إلى اكتشاف وجود نهر «عملاق» ، تمت تسميته بـ " نهر الكفرة " في ليبيا ، يبلغ عرضه 16 كيلومترا ، و ينتهي بدلتا سمتها « دلتا الكفرة » ؛ حسب ما نقلته عنها صحيفة الشروق - كما كل الصحف المصرية - بتاريخ 26 فبراير 2018 . و كانت صحيفة الوفد المصرية ، قد نشرت - بتاريخ 4 يوليو 2017 - خبرا تحت عنوان : " اكتشاف نهر جوفي جديد يكفي 150 عامًا " ، مفاده أنّ دراسات حديثة أجرتها العالمة المصرية الدكتورة إيمان غنيم ، كشفت عن وجود نهر عملاق مدفون تحت رمال الصحراء الكبرى ، ينبع من السودان و تشاد (لاحِظْ أنه ينبع من السودان و تشاد ، و ليس من مصر ، و ليس تسربا من مجرى نهر النيل في مصر) ، و يربط وسط أفريقيا بساحل البحر المتوسط ، مرورا بالأراضي الليبية حتى خليج سرت ، " و تضم ليبيا ثلاثة أرباعه ، فيما تحظى مصر بالريع المتبقي " . هذا حسب ما أوردته (حرفيا) صحيفة الوفد المصرية ، التي تابعت تغطيتها الإخبارية لمحاضرة إيمان غنيم في مؤتمر « مصر تستطيع » ، و اقتبسُ حرفيا و بالنص : " و أكدت العالمة المصرية وجود نهر عملاق ، أطلقت عليه اسم « نهر الكفرة » ، و ذلك لأن مصب هذا النهر تحت الأرض ، موجود تحت واحة الكفرة جنوب شرق ليبيا . و لتوضيح حجم هذا النهر الجوفي الهائل ، ذكرت غنيم أن حجمه يعادل ضِعفيْ مساحة كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة حيث تقيم ، حيث وصفته بأنه « دلتا عظيمة مغطاة بالرمال » تستخدمه ليبيا . و مصر لم تلتفت إليه ، رغم حقها فيه . وتُقدر مساحته بحوالي 236 ألف كيلومتر مربع ، و كذلك تُقدر مساحة الدلتا العملاقة بحوالي 34 ألف كيلومتر مربع .. و شددت على ضرورة استفادة مصر من خزان المياه العملاق المشترك قبل جيرانها " . انتهى الاقتباس (أنظر الروابط - ذات الصلة - آخر المقال) .
و صيغة الخبر في الصحيفتين المصريتين سالفتيْ الذكر ، تلخص محتوى مئات المقالات و التغطيات الإخبارية التي تناولت الموضوع في شتى وسائل الإعلام المصري من صحف و فضائيات و مواقع الكترونية .
أما الموقع الإلكتروني لفضائية روسيا اليوم (RT) باللغة العربية ، فقد تناول الموضوع ذاته ، في مقالة نُشرت بتاريخ 18/7/2017 ، تحت عنوان « عالمة مصرية : نهر جوفي عملاق بالجوار .. مياهه تكفي 150 عاما » ، حيث جاء في المقالة ما أنقل نصه حرفيا لأهمية دلالته . و أقتبس : " وصرحت العالمة المصرية بأن جميع آبار النفط في ليبيا تقع حول «المروحة الفيضية» أو المصب الجوفي ، مشددة على وجوب أن تستفيد بلادها من خزان المياه العملاق المشترك قبل جيرانها (!) . وتنبأت غنيم بوجود مخزونات كبيرة من الغاز والنفط داخل الأراضي المصرية ، على أطراف الخزان المائي الممتد من ليبيا ، كما هو الحال لدى الجيران .
وقالت العالمة المصرية إن ليبيا تستغل مياه هذا الخزان فيما يعرف بالنهر الصناعي العظيم ، من دون أن تعرف أنه نهر جوفي ، مشيرةً إلى أن مياه ذلك الخزان الجوفي الضخم تكفي لمئة أو مئة وخمسين عاما .
واختتمت غنيم مداخلتها بدعوة سلطات بلادها إلى المبادرة واستغلال هذه المياه ، وقالت في هذا الشأن : (( يجب أن نضع يدنا عليها الآن )) " . انتهى الاقتباس .
و في تعليق لموقع بوابة أفريقيا الإخبارية ، نُشر بتاريخ 5 يوليو 2017 ، تحت عنوان : «تعرّف على الدعوة المصرية للاستحواذ على مياه الكفرة» ، كتب الموقع الليبي : " وطالبت غنيم الحكومة المصرية بالاستيلاء عليه بسرعة ، فمياه هذا النهر مثل الخزان الواحد لا تقبل القسمة (( يا إحنا يا هُمّا )) ، حيث لقيت هذه الدعوة ترحيبا من قِبل الحاضرين ، فيما التزمت السفارة الليبية في القاهرة الصمت ، ولم تعلق السلطات الرسمية في ليبيا حتى ساعة تحرير الخبر على هذه الدعوة " .
ومن جانبي أضع سبعة ملايين - بعدد حاملي الرقم الوطني الليبي - علامة تعجب و علامة استفهام استنكاري ، أمام تشديد (العالمة) المصرية إيمان غنيم ، في ختام محاضرتها عن " نهر الكفرة العملاق " ، على دعوتها سلطات بلادها - مصر - إلى ضرورة الإسراع بوضع يدها على مياه «نهر الكفرة» قبل جيرانها .. أي قبل ليبيا التي يقع نهر الكفرة تحت أرض إقليمها الجيوسياسي ، بمنطق : " يا إحنا يا هُمّا " ، على اعتبار أن ذلك الخزان المائي ، هو واحد لا يقبل القسمة على اثنين ، كما قالت غنيم ، التي قوبلت دعوتها الصريحة للاستحواذ على مياه « نهر الكفرة » ، باستحسان و تصفيق الحضور من صفوة النُّخب المصرية .
هذا ، علما بأن مصر كانت قد شرعت فعليا في تنفيذ مشروع زراعي ضخم بالصحراء الغربية (شرق العوينات) ، يعتمد بالكامل على المياه الجوفية ، و قد تم الانتهاء من حفر سلسلة الآبار التي تتغذى من خزان (نهر الكفرة) ، لري 1,5 مليون فدان من الأراضي الزراعية . و بتاريخ 19 سبتمبر 2014 أعلن وزير الزراعة و استصلاح الأراضي المصري عن البدء بالمشروع .
و لا يساورني أدنى قدر من الشك بحقيقة أن النظام المصري يضع عينه على ما أسمته إيمان غنيم بـ " نهر الكفرة العملاق " . و ما ذلك سوى جزء من المطامع المصرية بليبيا ، التي نجد (الآن) دليلا قاطعا عليها في تهديد دكتاتور مصر عبد الفتاح السيسي بغزو ليبيا ، تحت ذريعة الدفاع عن الأمن القومي المصري ، عند الخط الأحمر الذي رسمه داخل ليبيا ، امتدادا من سرت إلى الجفرة .
و المثير عندنا للسخرية - فضلا عن غضبنا كليبيين ، جَرّاء الأطماع المصرية ببلادنا - هو (تَوهّم) العالمة المصرية إيمان غنيم و (جهلها المطبق) ، عندما تدّعي بأن " ليبيا تستغل مياه هذا الخزان فيما يعرف بالنهر الصناعي العظيم ، من دون أن تعرف أنه نهر جوفي " ، فالسيدة غنيم لا تعرف أننا في ليبيا ، نعرف عن خزان المياه الجوفية في منطقة الكفرة ، أكثر كثيرا مما أوردته في دراستها كخبيرة ؛ و ذلك سواء في دراسات الهيئة العامة الليبية للمياه منذ 1972 - و بنفس تقنيات الاستشعار عن بعد - أم في دراسات فريق من العلماء الليبيين المتخصصين في جامعتي بنغازي و طرابلس ، بالاشتراك مع فريق من نظرائهم بالجامعات البريطانية (تحت إشراف مركز البحوث بجامعة بنغازي) .
و أجزمُ أن العالمة المصرية ، لا تعلم أنه قد تم الشروع باتخاذ الخطوات العلمية و الإجراءات التنفيذية ، لاستثمار مياه حوض الكفرة ، في مشروع طموح لأغراض الشرب و الزراعة ، إبّان عهد المملكة الليبية ، أثناء فترة حكومة السيد عبد الحميد البكوش 1967 – 1968 . فالأمر ليس جديدا علينا في ليبيا . و أشك بأن العالمة المصرية إيمان غنيم ، تعلم بوجود هيئة مشتركة (ليبية/مصرية/سودانية/تشادية) مقرها بطرابلس ، تسمى " الهيئة المشتركة لدراسة وتنمية خزان الحجر الرملي النوبي " ، عقدت - فيما أعلم - ثمانية عشر اجتماعا . و أن ثمة مسودة اتفاقية خاضعة لأحكام القانون الدولي فيما يخص الأحواض المائية المشتركة ، تم إعدادها سنة 2013 للتوقيع بالأحرف الأولى ، حيث ساهمت في وضعها عدة منظمات دولية ، غير أن الأطراف الأربعة ارتأت تأجيل التوقيع . و في عام 2015 تخلفت ليبيا عن حضور اجتماع لتعديل و تجديد مسودة الاتفاقية ، نتيجة أزمة الصراع الداخلي التي يساهم النظام المصري في تغذيتها ، فبقي الوضع على ما هو عليه .
و نحن على دراية تامة بالأطماع المصرية في مياه " نهر الكفرة " ، و يحضرني بالخصوص - كمسؤول سابق بوزارة (أمانة) الخارجية الليبية عن التعاون العربي خصوصا و التعاون الدولي عموما - ما تفاجأ به الجانب المصري ، في أحد اجتماعات اللجنة العليا المشتركة الليبية المصرية ، من مطلب الجانب الليبي بتخصيص 500,000 فدان بمنطقة وادي حلفا المصرية ، لتوطين بعض الليبيين ! في إشعار (غير مباشر) مؤداه : نحن نعرف ما تفكرون به و ما تضمرونه لنا من نوايا غير ودية .
* كنز جبل العوينات
و لا تقف تهاويل إيمان غنيم عند مياه « نهر الكفرة العملاق » ، و دعوتها سلطات بلدها إلى الاستحواذ عليه قبل الجيران ، بمنطق : " يا إحنا يا هُمّا " ، بل تتجاوز ذلك إلى التطلع نحو مخزون خام الذهب في جبل العوينات الليبي (أقصى جنوب شرق ليبيا) ، مشيرةً إلى أنها فوجئت هناك بأن المنطقة كلها (تلمع !) .
و جبل العوينات ، هو كتلة هائلة الحجم و المساحة من التضاريس الغنية جدا بمخزونها من خام الذهب ، مع كميات من خامات الحديد و النحاس و الكوبلت ، كنت قد كتبت عنه مقالة قصيرة ، نُشرت بتاريخ 28 يونيو 2010 على موقع ليبيا جيل - المتوقف منذ 2012 - تحت عنوان (ليبيا دولة ذهبية) . و ربطاً للأمور بعضها بالآخر ، لفائدة إطلاع القارئ المهتم ، أنقل هنا بعضا من فقرات مقالتي تلك : " تشير بيانات المجلس العالمي للذهب إلى أن احتياطي ليبيا من مخزون خام المعدن الثمين ، تضعها في المرتبة الثانية أفريقيّاً و في المرتبة الرابعة عربيّاً و في المرتبة الرابعة والعشرين عالميّاً .
ويتركز الاحتياطي الأساسي من خام الذهب في جبل العوينات ، الواقع على الحدود الليبية / السودانية / المصرية ؛ حيث تقع نسبة 80% من مساحة جبل العوينات داخل حدود إقليم الدولة الليبية ، في حين تقع نسبة 20% منه داخل حدود السودان ومصر بواقع 10% لكل منهما تقريبا . غير أن واقع الحال هو شروع الجانب المصري منذ زمن طويل في التعدين لاستخراج الذهب من جبل العوينات ، بل إن المصريين قد توغلوا بعيدا داخل حدود إقليم الدولة الليبية في جبل العوينات ، مستولين بذلك على حصة ليبيا من خام المعدن الثمين و معتدين على سيادة الدولة الليبية .. و يبدو أن النظام الليبي غير آبه للأمر في غمرة انشغاله بتأمين بقائه و بالتوريث .. ولعل النظام الليبي متواطئ مع نظام كامب ديفد في سرقة حصة الدولة الليبية من احتياطي خام الذهب في جبل العوينات ... " . (و طبعا المقالة موقعة باسم مستعار - بعلم مشرف الموقع - حيث إني كنت أكتب من داخل الوطن) .
و لفتني وقتها من بين تعليقات القراء ، تعليق غير عاديّ وقعه صاحبه باسم (مواطن) ، ذكر فيه أن : " المصريين سُمح لهم بالتنقيب الغير مضمون في جزء بسيط لا يتجاوز 3 كيلومترات مقابل ضخ 5 مليون لتر مكعب من الماء من حوض النوبه والذي يقع غالبه في مصر والسودان " .
و بصرف النظر عن خطأ معلومة حوض النوبة في التعليق ، فأنا أعلم يقينا - بحكم عملي السابق في موقع المسؤولية بالخارجية الليبية - أنه لا وجود في محاضر اجتماعات اللجنة العليا المشتركة الليبية المصرية ، لأية إشارة إلى اتفاق مع الجانب المصري (و هو أمر سيادي تختص به وزارة الخارجية) ، بشأن السماح للمصريين بالتنقيب في أي جزء من جبل العوينات ، داخل حدود إقليم الدولة الليبية ، سواء بالكيلومتر الطولي أم بالكيلومتر المربع . على أني لا أملك أن أنفي - أو أثبت - فرضية وجود (تفاهم شفهي ما) بالخصوص ، فيما بين نظام القذافي و نظام حسني مبارك ، خارج القواعد المتعارف عليها و المستقرة في العلاقات الدولية .
لقد كان لابد من هذا الاستطراد ، ربطا لأحداث الأمس القريب بحدث تلميح الباحثة المصرية إيمان غنيم إلى الأهمية الكبرى لمخزون خام الذهب في منطقة جبل العوينات ، و تهديد السيسي بغزو ليبيا ؛ أملاً مني في أن الشعب الليبي لم يعدم - بعد - وجود الضمائر الحية و الإرادات الحرة لدى أبنائه و بناته (من مهندسي تعدين و جيولوجيين و دبلوماسيين و خبراء ... و طلائع وطنية) المهمومين بقضايا الوطن و مستقبل أجياله ، و تلبيةً لحق المواطن الليبي في المعرفة ، كمحفز أساسي لإرادة التغيير و البناء .
* بترول واحة الجغبوب
و حالة إيمان غنيم في إفصاحها عن الأطماع المصرية بليبيا ، متمثلة في دعوتها الصريحة إلى وضع اليد المصرية على « نهر الكفرة » ، ليست الوحيدة من نوعها بين نخبة الخبراء و السياسيين و المثقفين المصريين ، في شهيّة الافتراس المتمحورة حول ابتلاع أجزاء واسعة من الشرق الليبي ؛ فها هي باحثة مصرية أخرى ، هي هايدي فاروق عبد الحميد ، تصرح لصحيفة الوطن المصرية - كخبيرة حدود - بأن واحة الجغبوب ، هي جزء غالٍ من الأرض المصرية ، و قد حان الوقت لاسترجاعه من الليبيين .
ففي حوار مطول أجرته صحيفة الوطن مع هايدي فاروق ، و نشرته بتاريخ 17 مايو 2015 ، قالت هايدي فاروق ما ملخصه أنّ : واحة الجغبوب الغنية بالبترول ، هي أرض مصرية مائة بالمائة ، غير أن مصر تنازلت عن القسم الغربي منها بموجب اتفاق تم بين بريطانيا و إيطاليا ، نظير تنازل ليبيا لمصر عن منطقة " بئر الرملة " المعروفة الآن بميناء البردية (البردي) . غير أن واقع الحال هو حسب قولها : " لا نحن احتفظنا بواحتنا المصرية «الجغبوب» ، ولا نحن احتفظنا بما أعطته لنا ليبيا نظير هذا التنازل " . و أضافت هايدي فاروق أنها نجحت ، بتكليف من القيادة السياسية في عهد الرئيس حسني مبارك ، في العثور على خارطة جغرافية تُظهر بوضوح وقوع كامل واحة الجغبوب في العمق المصري . و أشارت إلى أن الرئيس السادات كان مشغولاً بهذا الملف بشدة ، وفى عام 1977 قام بتدمير القاعدة العسكرية الليبية في الجغبوب ، وهدّد باستعادة كامل الواحة . (و هذه نقطة تناولها هيكل في أحد كتبه ، كما سأذكر تاليا في مقال مكمِّل) . و أنهت خبيرة الحدود المصرية هايدي فارق حديثها إلى صحيفة الوطن المصرية ، بقولها : إن حدود مصر الغربية تمتد حتى ما يقرب من 25 ميلاً شرقي واحة «جالو» ، وأن «الجغبوب» مصرية ، و أن الحق لا بد أن يعود إلى أصحابه .
و إذا كانت هايدي فاروق قد اكتفت بإثارة موضوع أحقية مصر بواحة الجغبوب - الغنية بالبترول كما تقول - في أحاديث تدلي بها للصحافة المصرية ؛ فإن الكاتب الصحفي محسن محمد - رئيس مجلس إدارة جريدة الجمهورية في عهد السادات - قد أصدر كتابا كاملا ، يحمل عنوانا صارخا هو " سرقة واحة مصرية " ، خصص كل مادته - من الغلاف إلى الغلاف - لإثبات أن واحة الجغبوب الليبية ، هي واحة مصرية مسروقة ، تمت عملية سرقتها من مصر و ضمها إلى ليبيا ، بمؤامرة استعمارية ، جرى التواطؤ فيها بين بريطانيا و إيطاليا . فيذكر في مقدمة الكتاب أن المؤامرة " تمت خلال 6 أسابيع فقط (!) ، أما نتيجتها فهي انتزاع 40 ألف ميل من أرض مصر " . (صفحة 3) .
أما كيفية انتهاء (المؤامرة !) إلى تلك النتيجة ، المتمثلة في سرقة واحة الجغبوب من مصر و ضمها إلى ليبيا ، فيشير إليها محسن محمد بقوله : " و استمرت إيطاليا تتطلع إلى تعديل الحدود .. و في 24 يوليو 1911 أعلن وكيل وزارة الخارجية الإيطالية في مجلس النواب في روما أن واحة جغبوب تنتمي إلى ليبيا . و كان ذلك قبل 4 شهور من الغزو الإيطالي لليبيا . و لم ترد بريطانيا .. بل التزمت الصمت " . (ص 21) .
و المفارقة في كتاب " سرقة واحة مصرية " لمحسن محمد ، أنه رغم الجهد الجبار الذي بذله المؤلف لإثبات أحقية مصر بواحة الجغبوب الليبية ، و رغم كل ما استعرضه من جهود الدولة العميقة المصرية و دبلوماسيتها العريقة سيرا في نفس الاتجاه ، فقد انتهى في الصفحات الأخيرة من كتابه ، إلى الإقرار بأن هيئة الأمم المتحدة قد أسقطت إدعاءات مصر بالحق في واحة الجغبوب ، فيقول : " و انتقلت قضية ليبيا إلى الأمم المتحدة (يقصد قضية استقلال ليبيا) ، و أسقطت لجنة التحقيق الرباعية مطالب مصر بتعديل الحدود " (ص 232) .
أما الطريف في كتاب محسن محمد " سرقة واحة مصرية " ، فهو ما ذهب إليه من أن الله قد انتقم لمصر ، من كل الذين أنكروا عليها حقها في واحة الجغبوب .. فرداً فرداً ! و منهم على سبيل المثال : علي الجربي وزير خارجية المملكة الليبية ، الذي قال - حينئذ - لمجلس النواب الليبي : " فوجئتُ بأمر على جانب من الخطورة لم أكن أتوقعه من الشقيقة مصر ، و هي المطالبة بتنازل ليبيا لها عن بعض أجزاء من الوطن المقدس و لاسيما الجغبوب الغالية " ؛ فاستقالت الوزارة الليبية بعد شهر من هذه الكلمات ! أما توماسو تيتوني وزير الخارجية الإيطالي ، الذي تسلم رسالة ملتر في سبتمبر 1919 باستلام الجغبوب ؛ فقد استقال مريضا بعد شهرين ! و أما فرانسيسكو سافيريونيتي رئيس وزراء إيطاليا ، الذي أقر معاهدة فرساي و طالب بتسليم جغبوب ؛ فقد أُرغِم على الاستقالة بعد عام من المعاهدة ! و أما اللورد جورج لويد المندوب السامي البريطاني ، الذي أرغَم مصر في 6 ديسمبر 1925 على توقيع اتفاق التنازل عن جغبوب ؛ فقد أُرغِم على الاستقالة من منصبه بفوز حزب العمل عام 1929 ! (الصفحات من 230 إلى 236) .
***
و إذا كان السادات ، قد وجد ذريعة في صفقة السلاح التي عقدتها ليبيا مع الاتحاد السوفييتي سنة 1975 ، و أن القذافي يقوم بحملة كراهية ضده - حسب ما كشف عنه هيكل - ليقوم بمغامرة غزو ليبيا عسكريا عام 1977 . و ذلك ما سنأتي عليه لاحقا ؛ فها هو السيسي عام 2020 يختلق ذرائع حماية الأمن القومي المصري (داخل الأرض الليبية !) ، و يتجهز للحرب ، متوعدا بغزو ليبيا عسكريا . و الدافع الحقيقي لدى السادات و السيسي واحد ، و هو : وضع اليد على الثروات و الأرض الليبية ، بدلالة ما عرضناه أعلاه .
يُتبع ...
------------------------
مراجع و مصادر :
- محسن محمد : سرقة واحة مصرية (كتاب)
- مؤتمر مصر تستطيع : إيمان غنيم ، و نهر الكفرة و دعوة مصر إلى احتلال ليبيا (فيديو)
https://www.youtube.com/watch?v=auVCnGW6AuE
- أحمد المسلماني : نهر الكفرة يكفي مصر لـ 150 عاما ، و به حقول نفط محتملة
https://www.elfagr.com/2658651
- برنامج الطبعة الأولى| المسلماني : نهر "الكفره" جديد المياه والنفط في مصر
https://www.youtube.com/watch?v=hCaT8wtlFUc
- الشروق : خبيرة استشعار عن بعد : هناك نهرين عملاقين في الصحراء الغربية بين ليبيا و مصر
https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=26022018&id=d6c70844-4106-45d3-946a-38dd30d97384

- الدستور : الكشف عن نهر عظيم فى شرق العوينات يكفي الشرب لـ 150 عامًا
https://akhbarak.net/articles/29637523-
- المصري اليوم : باحثة مصرية ترصد «ممراً مائياً» عملاقاً «أسفل» الصحراء الكبرى.. و«دلتاه» مشتركة بين مصر وليبيا
https://www.almasryalyoum.com/news/details/139097
- روسيا اليوم (RT) : عالمة مصرية: نهر جوفي عملاق بالجوار .. مياهه تكفي 150 عاما!
https://ar.rt.com/j09t
- الوطن : هايدى فاروق: واحة "الجغبوب" الغنية بالبترول فى ليبيا مصرية 100% (حوار)
https://www.elwatannews.com/news/details/73146
- محمد حسنين هيكل : المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل / الجزء الثاني ص 329 ، 333








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد