الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثالثوث الدائرة المفرغة.. لماذا يتغير الواقع دون أن ندري؟

سليم صفي الدين

2020 / 7 / 22
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


صراعات الحداثة والتطور والفكر الإنساني لن تنتهي. سوف نظل في طورها ما دمنا وما دامت الحياة، ومع كل مرحلة ينتقل الصراع من نقطة إلى أخرى تليها، ومع كل نقلة يكتسب الفكر الإنساني خطوة إلى الأمام. ولكن كي يتسنى لنا القول إن الفكر الإنساني تقدم خطوة، يجب أن يكون محور النقاشات الاجتماعية والسياسية والدينية يدور بين الإشكاليات المانعة لهذا التقدم المرجو، والمشكلات التي تحول دون المساواة، ويجب أن تكون لكل أطراف الصراع نفس المساحة الحرة من التعبير والنقد وإبداء الرأي. وتلك الأطراف يجب أن تشمل الجميع من المفكرين في كل المجالات، دون إقصاء لفئة على حساب أخرى.

لكن الوضع في مصر -للأسف الشديد- آخذ في التراجع على نحو مطرد، كأن الجميع يدفع الجميع إلى السير حثيثًا.. إلى الخلف!
رغم التقدم العلمي والتكنولوجي والثقافي والمعرفي الذي غزا العالم بفعل الإنترنت، ما زالت النقاشات في مصر تدور حول المظهر، وليس العقل، والتقسيم الإنساني المجحف الذي يقسم بني الإنسان إلى جنس وجنس آخر. فمن منطلق كون المرأة هي الجنس الثاني، فإن الرجل (الذي هو أساس الجنس بما أنه الأول!) له مطلق الحرية في تقييم وتحديد وتنظيم وضع المرأة داخل المجتمع، بحسب ما يرتئيه هو، وليس من حيث ما ينظمه القانون، وما يسعى له الفكر الإنساني الذي لا يفرق بين إنسان وآخر إلا بتأثيره المجتمعي.
وعليه ضاقت حلقات النقاش –إن جازت تسميتها هكذا- حول زي المرأة، وضرورة تعليمها من عدمه، وهل هي جزء من المجتمع ككل، أم أنها خادمة للرجل وتابعة له. وإن خرجنا عن إطار تلك النقاشات الفارغة، دخلنا في الماضي من جانبه المظلم جدًّا.. التراث الديني.. لنقع في أسر صراعات الخلافة، وكتّاب السنن، وآراء الأئمة القدماء.

هذه الحلقة المفرغة التي ندور فيها منذ عقود، لها محاور ثلاثة تعمل على نحو منتظم ومنظّم، حتى لا نخرج من سجنها مهما حاولنا، وأي محاولة للجذب والدفع خارجها تعد ثورة في حد ذاتها، ولكنها للأسف محاولات فردية غير منظمة على غرار هذه المحاور، وبالتالي يكون إحباط أي محاولة سهلاً يسيرًا.


المحاور الثلاثة "السلطة.. الأزهر.. المفكرون"

من حيث السلطة
بتحليل المسألة ومحاولة فهم وقراءة ما بين السطور، نكتشف أهمية أن يبقى الوضع على ما هو عليه بالنسبة إلى هذا الثالوث، فالكل رابح في هذه المعادلة، إلا الذين يثورون من حين إلى آخر.
فالسلطة من حيث كونها تواجه تيارات دينية متطرفة تقف أمام الدولة والحداثة وتجديد الخطاب الديني، تدعم بقاء النقاشات والصراعات على هذا النحو، لتبقى السلطة فى حالة دفاع عن مدنية الدولة والحداثة، التي بالضرورة يقف ضدها من يتبنون هذا المحاور التي تشغل الناس عن الواقع المأزوم، وعليه تبقى السلطة في مأمن. فمثلاً مؤسسة الرئاسة دعت لتجديد الخطاب الديني على مر سنوات، في حين لم تتخذ الدولة إجراء حقيقيًّا على أرض الواقع يعزز تلك الدعوة. فلم تعلن الدولة عن خطة مثلاً لهذا التجديد. وهنا سؤال مطروح: هل المشكلة في الخطاب بحد ذاته؟ أم أن الإشكالية في عقول المخاطِبين؟ وهل يمكن تطوير أي خطاب دون تطوير عقل المخاطِب؟ وعليه ظلت الفكرة مجرد بطاقة يُلَوَّح بها من حين إلى آخر لاستمالة القوى المدنية طواعية، فضلاً عن مكاسب أخرى أمام المجتمع الدولي.

من حيث المؤسسات الدينية (الأزهر نموذجًا)
مع كل تصريح متطرف، سواء أكان ضد المسيحيين أم غير الدينيين أم المرأة على اعتبارها محور الشر، يتجلى دور الأزهر في إصدار البيانات والتنديدات على نحو مهندم ومنمق رفضًا لتلك التصريحات، مثلما يحدث دومًا مع تصريحات عبدالله رشدي، أو مشايخ السلفية... إلى آخره. وهكذا يظل الأزهر محافظًا على وضعه كمؤسسة "وسطية" ترفض التطرف "شكلاً لا موضوعًا". فمن يخرجون بتلك التصريحات المتطرفة يتباهون بأنهم أبناء الأزهر، في حين أن الأزهر هو من يرد بتصريحات معاكسة أو "مخفِّفة". وهو الموقف ذاته التي تتخذه المؤسسة إن أعيد إحياء تصريح لأحد رموزها التاريخيين، مثل الشعراوي الذي أقر قتل تارك الصلاة، وبرَّر التحرش اعتمادًا على زي المرأة، بقوله نصًّا إن "خروج المرأة متبرجة هو إلحاح منها في عرض نفسها على الرجل"!
إذًا الرفض لا يكون للفكر في حد ذاته، وإنما لتصريح أثار ضجة وصار لزامًا إسكاتها، فيكون الرفض مطاطيًّا يحمل عدة أوجه، بغرض كسب أرضية أكبر وشعبية أوسع.


من حيث المفكرين
الضلع الثالث في هذا المثلث يمثله المفكرون. وبحسب تعريف الدكتور نصر حامد أبو زيد "المفكر موقف". فعندما تتشابك خيوط الواقع، ويتيه الناس مع تعدد أوجه الحقيقة، يجيء دور المثقف أو المفكر مبلورًا في موقف واضح يرفع الضبابية عن المشهد ويشرحه. أما الذين يحملون لواء الحداثة والتقدم والثقافة والليبرالية الآن، فلا يرون مخرجًا من هذا المأزق التاريخي إلا بدعم السلطة! وعن هذا حدِّث ولا حرج، ناهيك بدعم غالبيتهم في كثير من الأحيان للتصريحات "الموائمة" التي يطلقها الأزهر، الذي هو في الأساس يعوق عملهم على ترسيخ مدنية الدولة!

اتفاق ضمني
إذًا نحن أمام اتفاق ضمني بين هذه الأطراف الثلاثة، السلطة والأزهر والتيار المدني. فليس من المنطق أن تسعى السلطة للحداثة في حين أن مناهج التعليم الديني تدرِّس العنصرية والتطرف، ولا يمكن قبول أن الأزهر يدعو للسلام والتعايش، وما زال التكفير لسان حال أبنائه. والأمر كذلك بالنسبة إلى التيار المدني الذي لا يتكلم إلا في قشور الفكر، ويدعم السلطة –وليس في هذا عيب إنما الخطأ في الدعم غير المشروط في رأيي- ويهلل لتصريح جيد للأزهر بعد مئات الفتاوى المتطرفة والغريبة.


المفكر الليبي، الصادق النيهوم، قال إن "الشعوب التي تفشل في تشخيص أمراضها بشجاعة، تموت نتيجة تناول الدواء الخطأ". ولا أرى علة لنا غير هؤلاء الذين يحملون ألوية العلمانية ويتبعهم الكثير ممن يرغبون في الحرية الكاملة، فتكون النتيجة أن التبعية فقط تتبدل -بوعي أو من دون وعي.. لا فرق- وكذلك ينحصر الدين الإسلامي في جبة الأزهر، الذي هو ليس منزَّلاً، ولا رجاله مقدَّسين، ولا تأويلاته واجبة التصديق مَن رفضها رفض الدين ذاته. وكذلك تستفيد السلطة برداء من القداسة يلبسه لها التيار الديني، وهو ما تمكن ملاحظته من دعوات وتلميحات محمد مختار جمعة، أو سعد الدين الهلالي، ولكليهما ثقل عظيم في الجانب الديني، فضلاً عن دعم إسلام بحيري، وخالد منتصر، وغيرهما.

إذًا يمكننا القول إن القضايا لا تنتصر بدعم طرف من طرفي النزاع، إذا افترضنا وجود النزاع من الأساس، وإنما بقراءة المشهد قراءة صحيحة. فالعواطف حين تحكم، تستبد السلطة بكل أريحية، ولن يتخطى الصراع موضع القدم، بل يعود إلى الوراء دائمًا، فنعيش في الماضي، ويصبح الحاضر عبثيًّا، والمستقبل مجهول الهوية.
بإيجاز يا عزيزي: اخرج دائمًا من النطاق الذي يُفرَض عليك.. فالمشكلات التي تطرح للنقاش، ما هي إلا أداة تغييب عن الواقع الذي يتغير أمامك دون شعور!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتداء واعتقالات لطلاب متظاهرين في جامعة نيو مكسيكو


.. مواجهات بين الشرطة الأميركية وطلاب متظاهرين تضامناً مع غزة ب




.. Colonialist Myths - To Your Left: Palestine | أوهام الاستعما


.. تفريق متظاهرين في تل أبيب بالمياه واعتقال عدد منهم




.. حشد من المتظاهرين يسيرون في شوارع مدينة نيو هيفن بولاية كوني