الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة فاشلة أم وصاية دولية؟

خالد قنوت

2020 / 7 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن مفهوم الدولة الفاشلة حديث الوجود لكنه قديم جداً و هناك دراسات و تعاريف عديدة معتمدة لدى الامم المتحدة و مراكز الدراسات السياسية الدولية بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي مع الازمة المستمرة في الصومال, أهم تلك الدراسات كانت الأولى دراسة جيرالد هيرمان – ستيفن واتنر عن الدولة الفاشلة و نشرت في مجلة السياسة الخارجية الامريكية عام 1993 و الثانية دراسة وليام زارتمان عام 1995 عن الدولة المنهارة, أفضت إلى الوصول إلى مصطلح الدولة الفاشلة يتناول قدرة الحكومة على القيام بواجباتها السيادية على ما تملك بأكمل وجه, وأنه كلما ضعفت و تفككت و كانت على وشك الانهيار, كلما باتت الدولة اقرب إلى الفشل.
في عام 2005 حددت منظمة صندوق السلام و مجلة السياسة الخارجية خصائص رئيسية للدول الفاشلة و هي:
- فقدان سيطرة الدولة على اراضيها أو جزء منها, أو فقدان احتكار الاستخدام المشروع للقوة و السلطة داخل اراضيها.
- تآكل السلطة الشرعية, لدرجة العجز عن اتخاز قرارات موحدة.
- عدم القدرة على توفير الخدمات العامة.
- عدم القدرة على التفاعل مع الدول الاخرى كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي.
و وضعت منظمة صندوق السلام مؤشرات ثلاث لتصنيف الدول الفاشلة في العالم:
المؤشرات السياسية: أهمها مدى درجة شرعية و مصداقية نظام الحكم, تراجع الدولة عن تقديم الخدمات العامة, تعطيل تطبيق حكم القانون, انتشار ممارسات انتهاك حقوق الانسان, تنامي حالة ازدواجية المسؤولية الأمنية بحيث تتمتع بسلطة تضاهي سلطة الدولة, وجود حالة من عدم الاستقرار السياسي خاصة على المستوى المؤسساتي, تزايد حدة التدخل الخارجي.
المؤشرات الاقتصادية: أهمها عدم انتظام معدل التنمية الاقتصادية, استمرار تدهور وضع الاقتصاد الوطني و ازدياد معدلات الفساد.
المؤشرات الاجتماعية: أهمها الضغوط الديموغرافية, انخفاض نصيب الفرد من الاحتياجات الاساسية, تزايد حركة اللاجئين بشكل كبير خارج الدولة, أو تهجير السكان من منطقة داخل الدولة بشكل قسري, انتشار ظاهرة هروب العقول و الكفاءات.
لا يحتاج المرء لشديد عناء كي يستنتج أن مصطلح و تصنيفات و مفهوم الدولة الفاشلة تنطبق على الدولة السورية الحالية و ربما الدولة الأسدية منذ نشوئها و لكن ما قامت به إدارة بشار الأسد و عائلته للأزمة منذ انتفاضة السوريين ضد استبدادهم في ربيع 2011 و فشلها الحتمي نتيجة عدم الكفاءة و تواضع الاستقلالية في اتخاذ القرارت الوطنية و بالتأكيد إلى النزعة الاستبدادية و العنجهية الموروثة في التعاطي مع الشعب السوري, اماط اللثام عن عمق الدولة الفاشلة التي اسسها حكم الأب حافظ الأسد بدماء و عذابات السوريين على مدى سنين حكمه المرعبة و كنتيجة عجز السوريون, و النخب منهم تحديداً, عن القيام باستعادة نشاطهم السياسي الوطني رغم كل التضحيات التي قدمتها الثورة الشعبية و حاضنتها مما أدى إلى ظهور العفن الاجتماعي على سطح الحراك و تصدر القوى المضادة لشعارات الثورة و قوى الابتزاز و الارتزاق للمشهد العام و ارتهان بعضها الكثير للقوى الاجنبية إلى جانب ما قدمه النظام الأسدي من اراضي و مصالح و استثمارات للقوى الحليفة له على حساب المصالح و السيادة الوطنية السورية, كل ذلك يعطي مؤشرات سوداوية للغاية عن مستقبل سورية كدولة و عن ترابط و انتماء السوريين للدولة التي دفع اباؤهم و اجدادهم الغالي و النفيس من أجل قيامها و ضمان سيادتهم و وطنيتهم.
أقتبس من موقع الامم المتحدة التقرير التالي عن نظام الوصاية الدولي:
(في سنة 1945، وبموجب الفصل الثاني عشر من الميثاق، أنشأت الأمم المتحدة نظام الوصاية الدولي للإشراف على الأقاليم المشمولة بالوصاية الموضوعة تحته بموجب اتفاقات فردية مع الدول القائمة بإدارتها.
وبموجب المادة 77 من الميثاق، يطبّق نظام الوصاية على الأقاليم الداخلة في الفئات التالية:
• الأقاليم الموضوعة تحت انتداب نصت عليه عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى.
• الأقاليم المقتطعة من "دول الأعداء" نتيجة للحرب العالمية الثانية.
• الأقاليم التي تضعها تحت الوصاية بمحض اختيارها دول مسؤولة عن إدارتها.
والغرض الأساسي من النظام هو النهوض بالتقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي للأقاليم وتطورها نحو الحكم الذاتي وتقرير المصير. وقد شجع النظام أيضاً احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والاعتراف باستقلال شعوب العالم.
وقد أنهى مجلس الأمن في سنة 1994 اتفاق الأمم المتحدة للوصاية الخاص بآخر إقليم ـ وهو إقليم جزر المحيط الهادئ (بالاو) المشمول بالوصاية، كانت تديره الولايات المتحدة ـ بعد أن اختار الحكم الذاتي في اقتراع عام أجري في سنة 1993. وقد أصبحت بالاو مستقلة في سنة 1994، وانضمت إلى الأمم المتحدة باعتبارها الدولة العضو الخامسة والثمانين بعد المائة.
وفي سنوات الأمم المتحدة الأولى، كان 11 إقليماً مشمولاً بنظام الوصاية. أما الآن، فقد أصبحت الأقاليم الأحد عشر جميعها دولاً مستقلة أو ارتبطت طواعية بدولة. وانتهى نظام الوصاية من أداء مهمته التاريخية، بعدم بقاء أية أقاليم مدرجة على جدول أعماله) انتهى الاقتباس.
بعد الحرب العالمية الأولى (1919-1914) أقامت عصبة الامم المتحدة نظام الانتداب (سيء الصيت؟) على الاقاليم التي انتزعت من ألمانيا (بروندي, غينيا الجديدة, توغو..) و تركيا (مثل سورية الكبرى و العراق..) و ينص النظام على مساعدة الاقاليم التي لم تبلغ الدرجة التي تمكنها من الاستقلال بنفسها و تقديم المساعدات الادارية إلى أن تسمح لها بالاعتراف مؤقتاً بوجودها كدول مستقلة, طبعاً تم استغلال ذلك النظام من الدول الاستعمارية آنذاك و حاولت الحاق تلك الاقاليم بها و استخدمت الاساليب العسكرية و السياسية القسرية مع أن ذاك النظام نفسه هو من ادى لانشاء البنية التحتية الضرورية لقيام نظام الدولة كمفهوم حديث.
في الاقليم السوري و بعد تقسيمه الى اربع دول مستقلة و نشوء دولة سورية حددت مساحتها و حدودها و ثبتت دولياً رغماً عن اجندات القوى الاستعمارية آنذاك, استقلت سورية و استفادت من النظام الادراي و القضائي الذي فرضته فرنسا و هو ما عمل نظام الأسد الأب على تحطيمه و بناء نظام السلطة الواحدة الرعوية فأضاع على السوريين فرصة بناء دولة حديثة و متجددة و قادرة على ممارسة السيادة و على الاستقلال الاقتصادي و النمو و تطوير العمل السياسي و الاجتماعي حيث كانت عشية الاستقلال من اوائل الدول في معدلات النمو و القدرات الاقتصادية و درجة وعي اجتماعي مقبولة و قابلة للتطور في ظل سيادة القانون و استقلاله.
ديمومة الدولة القاشلة أم حل وطني لم يظهر بعد؟
من الواضح جداً, أنه و منذ قيام الثورة الشعبية السورية 2011 جهد الكثير من النخب السورية لقيام حالة سياسية وطنية تقود المرحلة بعقلانية و موضوعية لتجنب الانزلاقات الكارثية التي حدثت و لكن كان هناك تلاقي مصلحي لقوى داخلية يمثلها النظام الأسدي و بعض قوى المعارضة المعادية للحرية و الديمقراطية و قيام دولة المواطنة و لقوى أجنبية اقليمية و دولية لها مصالحها في دولة فاشلة كسورية, أطاح بكل الجهود لقيام تيار وطني سوري له قدرة العمل المستقل تموله حاضنة شعبية سورية و هذه الحالة مستمرة و إلى أجل غير مسمى مما يعطي حالة ديمومة لانهيار الدولة مترافق مع اجتزاء و تبعية الاراضي السورية و فرض حالة تغيرات ديمغرافية في كافة المناطق الواقعة تحت سلطة النظام الأسدي و التي خارج سلطته و تقع تحت سلطات الامر الواقع الايرانية او الروسية او التركية او الامريكية, بمعنى آخر أن الحل الوطني مازال حالة افتراضية و لا يملك امكانيات الولادة و الاستمرار و قد يكون لم يتشكل بحالة جنينية بعد, للأسف.
دولة فاشلة أم وصاية دولية؟
لا يمكن لأي عاقل أن يقبل ياستمرار الحالة في سورية بكل اشكالها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية إلا من كان في مصلحته ديمومتها و لكن حتى الدول التي استثمرت بالحرب على الاراضي السورية و دعمت النظام الأسدي أو التنظيمات العسكرية المرتهنة للايدولوجيا الاسلامية المتطرفة أو المرتهنة للدول الاجنبية تحتاج لأن تجني ارباحاً لاستثماراتها و أن تتوقف على الاقل عن دفع فواتير الحرب و المعارك التي تشارك بها للحفاظ على حدود مصالحها اليوم المهددة غداً فجميعها ترى شرعية وجودها من شرعية وجود النظام و وجود التنظيمات المتطرفة على الأرض.
بالمقابل, لا يوجد سوري وطني يرضى بغياب دولته و تناثر الوطن بين انياب القوى و المصالح الاجنبية وسط عجزه عن القيام بأي عمل وطني إنقاذي و لو كان بسيطاً فكيف بتحريره و متابعة مشروع بناء دولته من جديد كهدف اصيل للثورة الشعبية و لكن كيف السبيل إلى ذلك؟
من باب الأمل و لو أن الآمال و الأحلام خارج الواقع و الموضوعية و لكن قد يكون طرح هذا الأمل كمطلب من قبل السوريين و شكلاً لحل سياسي قد تحتاجه كل القوى الاقليمية و الدولية المتورطة بالمستنقع السوري و التي تسعى للخروج من عنق الزجاجة, و قد يكون هذا واقع حقيقي ليس تمني, أعتقد أن اتفاق الغالبية من السوريين على الطلب من الأمم المتحدة, المستبعدة من الفعل الحقيقي منذ بداية الازمة, بوضع سورية تحت الوصاية الدولية ضمن شروط واضحة و صارمة و ملزمة للجميع, كما يلي:
1- إصدار قرار من مجلس الامن تحت البند السابع بوضع سورية على كامل حدودها المعترف بها دولياً تحت الوصاية الدولية.
2- تكون هذه الوصاية بقيادة دولة محايدة بمعنى أن لا تكون من أي من الدول التي تملك حق الفيتو في مجلس الأمن و ليست دولة إقليمية و تكون هذه الدولة قادرة عسكرياً و مادياً و بغطاء أممي على تنفيذ مهمة الوصاية بشكل حيادي دون أن تكون لها أطماع بالبقاء بسورية أو إحداث تغيرات في التركيبة الديمغرافية لها, كدولة مثل دولة كندا أو ألمانيا أو اليابان و تشاركها دول محايدة من العالم لا تتقاطع مصالحها و المصالح الوطنية السورية بالمطلق.
3- أن تكون مهمة و مدة الوصاية واضحة و ضمن استراتيجية تقوم على مساعدة السوريين في إعادة بناء بلدهم و دعمها اقتصادياً و إدارياً و ارساء أسس دولة المواطنة و احترام حقوق الانسان و تقديم المشورة في كتابة دستور و تشكيل مؤسسات الدولة الحديثة الحيادية تجاه كل القوى السياسية و أهمها مؤسسة الجيش و القوات المسلحة.
4- اعتبار كل القوى العسكرية المحلية غير شرعية و التفاوض معها لتسليم سلاحها لدولة الوصاية أو الانضمام إلى مؤسسة الجيش و القوات المسلحة الوطنية ضمن برنامج إعادة تأهيل وطني و أخلاقي و إنساني لتلك المؤسسة كأي جيش وطني في دولة تحترم مواطنيها و قوانينها الوطنية.
5- اعتبار القوات الاجنبية المتواجدة على الاراضي السورية قوات غير شرعية و على دولة الوصاية مهمة التنسيق مع الدول كافة لخروج قواتها المسلحة من سورية بجداول زمنية ملزمة و قطعية.
6- الحفاظ على كامل الحدود السورية دون أي اجتزاء و مساعدة السوريين في تقديم صيغ لمفهوم الهوية الوطنية و الانتماء للدولة السورية الجديدة كأي دولة تعيش فيها مجموعات بشرية ذات تنوع اثني و ديني و طائفي و فكري تحت سقف القانون و في جو ديمقراطي حقيقي.
7- المساهمة القوية في بناء قضاء وطني عادل و مستقل يقوم بمهمة محاكمة و محاسبة كل من شارك بجرائم في سورية خلال حقبة الأسدية أو على الأقل خلال فترة الصراع منذ ربيع 2011 دون تمييز أو انتقام أو محسوبيات.
8- الحفاظ على الخصوصية الوطنية السورية و على علاقات سورية مع جوارها الاقليمي و الدولي و المساعدة على بناء علاقات ثقة و تعاون سياسي و اقتصادي و اجتماعي مع الجميع بما يؤمن مصالح سورية و شعبها.
9- المساهمة الفاعلة في القضاء على بؤر الارهاب و الفكر المتطرف بكل اشكاله و نشر ثقافة التنوع و قبول الآخر و المواطنة بغض النظر عن اي اختلاف اثني أو ديني أو طائفي أو جنسي أو فكري.
10- يحق لدول الوصاية الاستثمار بإعادة إعمار سورية على اسس حديثة و متطورة شريطة أن تكون الكوادر العلمية و الادارية و الايدي العاملة بمعظمها من القدرات الوطنية ضمن برامج اعادة السوريين لأراضيهم و مدنهم و قراهم و استعادة المهجرين السوريين إلى سورية باختيارهم الحر.
11- المساهمة في انشاء منظومة تعليمية وطنية حديثة تعمل على بناء العقل السوري الحر المبدع و الخلاق و ترسيخ اسس العمل الجماعي و الانفتاح على العالم و ثقافاته.
12- العمل على استقطاب رؤوس الاموال السورية اولاً و العربية و الدولية ثانياً لبناء اقتصاد وطني حر و متطور.
لقد استطاع نظام الأسد أن يفي بما وعد السوريين و أعادهم إلى حقب بعيدة من الزمن عندما انتفضوا عليه في 2011 و ساعدته فعلياً القوى اللاوطنية و الاسلامية المتطرفة و غير المتطرفة و كذلك عجز و تقاعس القوى اليسارية و كيديتها, مما أدى إلى رمي السوريين إلى ابعد من حقبة الاستعمار العثماني و نتائجه الكارثة.
إن السوريين, و حتى المستقبل المنظور, عاجزون عن إيجاد الحلول للخلاص من كارثتهم الوطنية في ظل وجود كل هذا القهر و تداخل المصالح الدولية و ضياع دولتهم التي سرقت منهم منذ 1971 و تحولت لدولة فاشلة اليوم بكل المعايير الدولية, هم اليوم بأمس الحاجة للمطالبة بتدخل أممي و لوضع سورية تحت الوصاية الدولية المقوننة و بقوات عسكرية أممية لفترة زمنية مدروسة حتى يستطيع السوريون من استعادة دولتهم و وطنهم و أهلهم المنتشرين في اقصاع الأرض و بناء هويتهم الوطنية الصحيحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -