الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة خاصة للعلمانية

محمد الحاج ابراهيم

2006 / 7 / 1
ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع


العلمانية مفهوم صار حوله جدل كثير جال بين ألحدته ونزع هذه الصفة عنه بدأت في نشأته بوجهتي نظر مختلفتين /الفرنسية،الإنكليزية/ وذلك حسب دور الدين في كلا المجتمعين الذي حدده الظرف التاريخي الذي ساهم وأسس لهذا المفهوم، والنتيجة أنه تفكير اجتماعي عنى المجتمع بمواطنه وشمل كل البنى الفلسفية والفكرية والسياسية، وانطلق من أمور الحياة باستخدام العقل المتجاوز للأحكام المسبقة كحضور فردي منتمي إلى مجتمعه، فالعلمانية ليست مذهبا إنما شكلا من أشكال التعايش القائم على التنوع المستمد شكله وحالته من الطبيعة والطبيعي، لكن كونها طُرحت بظل مجتمع تديُّني إيماني تم افتراضها على خصومة مع الدين وهي ليست كذلك، بل أن الدين مشمول بها كواقع موضوعي وليس كرسم مُفترض، هكذا قرأتها كخصوصية عربية بمعنييها التاريخي والمعاش، متجاوزا خصوصية التفسيرين الفرنسي والإنكليزي لها ،أي حاجتنا لعلمانية تناسبنا كبنى ثقافية وفكرية وعلاقات وطنية يمكن ترحيلها تلقائيا للأجيال القادمة لتشكل ناظما نسبيا لمستقبلهم .
تكمن أهمية العلمانية بتعزيز إنسانية الإنسان النابعة من فلسفة الحق، فتلغي التمايز وتعزز الحضور على قواعد إنسانية حقوقية وليست سياسية أو دينية على أسس عصبوية، أما الأسس الاقتصادية لها فتقوم على خلق وتعزيز المشترك الاقتصادي التبادلي والتكاملي بين أبناء المجتمع، الذين يبغون الكفاية وسد الحاجات من مصادرها، دون قيود تفرضها المعتقدات بكل أشكالها كون الاقتصاد أحد الأركان الأساسية للحياة.
كثير مايتم استخدام مفردة العلمانية بسياق وآخر كتعبير عن وصفها إلحادا وهذا أكثر ماكان في العالمين العربي والإسلامي حيث الإشكالية مع الدين تختلف عن أوروبا بأسباب دور الدين في كلا الموضعين ،رغم أنها ليست بهذا الاتجاه ولا بنقيضه أيضاً، إذ أن هذا الشكل من التوصيف نتج عن شكل من المغالاة غايته الإساءة لهذه المفردة، وذلك على خلفية الأحكام المسبقة على الكثير من الحالات والمفردات، وربما جاءت هذه الألحدة من تعريفها المختزل الذي يقول:فصل الدين عن الدولة أو السياسة/التعريف الفرنسي المُعتمد/،هذا الفصل القادم من خلفية قسرية وصراعات بين قديم مُفوّت وجديد أكثر فواتا منه قائمان على ثقافة المسح المتبادل ذي الخلفية الاستبدادية المُدّعية الديمقراطية القابعة في الخطوط العريضة الفوقية ، غايته الحضور التاريخي كل على حساب الآخر/الموروث السياسي العربي/، رغم أنها كجوهر تعني إقرار المشترك القائم على الحق والقانون.
العلمانية تستمد مقوماتها من الحقيقة العلمية، لأن العلم هو التعبير الموضوعي عن الواقع الطبيعي كما هو دون إضافات أو اختزالات، أي أنه التعبير عن حقيقة الأشياء وليس توصيفها، وقد تناولت الإنسان وعلاقته بمحيطه المادي والاجتماعي، وأقرّت حقوقه العامة التي يشترك بها مع الآخر، وحقوقه الخاصة وأهمّها الثقافية التي شكّلها التراكم بشكله التاريخي، وشكّلت التقاطع الحقيقي بين البشر المختلفين حول قراءة الكون بين مادي ومثالي، أي أنها الإقرار بالتنوع الطبيعي وليس المُصنّع المُناسب كما يحلوا للبعض افتراضه.
عندما تسأل أحد المهتمين بالشأنين الثقافي أو السياسي عن تعريف للعلمانية تكون الإجابة المعهودة أو المعروفة أو المُتبنّاة ثقافيا والمُروّج لها بأنها:فصل الدين عن الدولة، وكأن الدين جاء من عالم الفراغ ليبقى في هذا الفراغ، دون إدراك أن الدين وُجد لحل مشاكل الإنسان في هذا الكون على أساس العلاقة بين الله والإنسان المجرد دون خلفيات بيضاء أو سوداء وهذه أهم أولوياته، لأن العابد هو الإنسان المخلوق وليس المتموضع، فلابد من تهذيبه وتشذيبه ووضعه على الطريق الصحيح ليقوم بأداء حياتي سليم يُحقق له الخطوة الأولى نحو الجنة الموعودة، أي أن من أولويات تحديد حالة التدين بعدها الإنساني ليتم قبول هذا الإنسان في جنان العالم الآخر، وبالتالي لم يكن من صلب مفهوم العلمانية تحييد الدين أو إقصائه إذ أنه يمثل الحالة الروحية لأي مجتمع كان، وله دور مهم في حياة الناس، لكن العلمانية انتقدت ما وقع به البعض من رجال الدين من أخطاء أودت بالإنسان للعبودية باسم الدين عندما أوهموا الناس بأنهم ظلال الله على الأرض وهم بشر كغيرهم غير معصومين ولا استثناء لهم في الدنيا أو الآخرة كما تنص عليه الشرائع ، تلك هي النقطة الهامة التي نقدتها العلمانية، ولم تتطرق أو تنفي روح المجتمع بل على العكس،يُضاف له التفرقة التي صنعها رجال الدين بين دين وآخر تحت ذريعة الدفاع عن الله الخاص بكل حالة من مُنطلق الاحتكار الذي أسس للتكفير من ثم الإلغاء .
ما أوصل العلمانية في الوسط العربي إلى الانتكاسة تبني القمعيين والمستبدين العرب لها على اعتبارها تشكل تبريرا لهم في قيادة مجتمعاتهم على أسس يرونها عصرية وهي خلاف ذلك، وبذلك فهي على خلاف معهم من حيث أنها تعبيرٌ عن التنوع وعن السياسة بتبنيها الديمقراطية كأداة سياسية رغم التقاطع بينهما بالمجتمع.
بين العلمانية والديمقراطية تقارب كبير إنما يتحدد الفارق بينهما كون العلمانية تفكير اجتماعي، بينما الديمقراطية تفكير سياسي يعني الاحتكام للبشر الذين يُشكّلون المجتمعات الإنسانية والمقصود بالبشر أي العقل البشري الذي يقرر شؤونه.
التقارب يُصبح أكثر مع المجتمع المدني الذي يُعتبر شكل وتركيب اجتماعي مديني وحديث لبناء المجتمع والدولة ومؤسساتها، (والمقصود بالحديث :الانتماء الأوسع وهو الوطن والتحرر من الانتماءات الماقبل وطنية) ومن علاماته وأسسه على الأرض هو حرية وقانونية اجتماع وتجمع الناس حسب رغباتهم ومصالحهم وميولهم.

سعت الأنظمة الاستبدادية للتمايز فتبنت العلمانية كعصرنة زيّفتها فجعلتها على قدها لتتقدم بها كحكام حضاريين يقودون بلادهم على أسس عصرية، على شاكلة تبنيهم لتحرر المرأة الذي اختزلها هذا التبني أكثر مما كانت تعاني منه من اختزال قبل بروز هذه الأنظمة الثوراوية، وربما أضاف لها من التشويه أكثر حيث اعتمدت هذه الأنظمة سطحية التحرر وليس الجوهر وهذا ما أصاب العلمانية، وبالمناسبة لم يأت تعريفها فصل الدين عن الدولة من مبدعيها، بل كان هذا التعريف نتاج منظومات استبدادية فردية وجماعية، لذلك وبالتدقيق نستنتج أن هذا التعريف تكوّن على قاعدة قسرية غايتها الدين كخصم، كونه كان يُنظر إليه ولازال كحالة مُتخلّفة يُفترض تجاوزها.
تمتاز الأنظمة الاستبدادية (المُتعصرنة)بالانتقال النوعي أو اعتماد القفزة النوعية في نقل المجتمع إلى الأمام المُفترض كما حدث لعلمانية ستالين (التعبُّد المُقونن للمواطن السوفييتي)وعلمانية أتاتورك (أردوغان أرسل ابنته إلى جامعة شيكاغو نتيجة لمنعها من دخول الجامعة في تركيا بسبب الحجاب)وعلمانية شاه إيران (العداء السافر للعمامات التي أطاحت به)، قفزة اعتمدت العلمانية التي ناسبتها ففرضت قسرا تغييرا في بنية المجتمع لم تتمكن من التجذر فيه بل بقيت سطحية وسقطت لدى أول امتحان لها (إيران)بالاصطدام بالواقع حين كانت علمانيتها (العصرنة وليس الحداثة)نتاج قرار سياسي يتناقض جوهريا مع الوعي العام والحالة الثقافية المجتمعية التي كانت سائدة آنذاك.
تتميز التشريعات الدينية بالثابت المطلق فإن بقي هذا الثابت متمحورا على التموضع لا يمكن له أن يحقق مجتمعا علمانيا وديمقراطيا، لكن إن استطاع هذا الثابت أن يتأنسن أعتقد يمكن ذلك من منطلق أن العلمانية والدين يتقاطعان بالإنسان، لكن الإنسان الذي أعنيه هو ذلك الكائن المُكرّم والحر وليس المستعبَد أو المُستعبِد.
العلمانية تقوم على الحرية والاحترام العميق للإنسان، وأي منظومة لا تحترم حرية الآخر وحقوقه لايمكن لها أن تتفق والعلمانية، وإلا ستكون كما ذكرت في البداية غايتها التمايز كحضور وقيادة نوعية عصرية شكلا ومتخلفة مضمونا، وفي الوطن العربي لامناخ للعلمانية بظل نظم الاستبداد الاجتماعي والسياسي والمعتقدي، لأن هذه المنظومات لازالت تعتمد إلغاء الآخر معتقديا واجتماعيا وسياسيا، والإلغاء هذا أهم عنصر مُعوّق للعلمانية إن لم يكن ساحق لها.
أهم ما يميز الدولة الحديثة هي المواطنة المصانة بالقانون صياغة وفعلا على الأرض، وليس المصاغة قانونيا ومهدورة على الأرض، أمّا المواطنة فتُحدّد مواطن المجتمع المدني أو الديمقراطي المُنتمي إلى وطن وليس إلى عصبيات فيه يُحدّد وجوده صون حقوقه كإنسان مُنتمي إلى الجغرافيا السياسية وإلى الثقافة التنوعية التي تُشكّل ثقافة هذه الجغرافيا السياسية، لذلك هناك تقارب كبير بين العلمانية وبين مناخ الدولة الحديثة المؤسساتية وربما تكون أحد أبرز تعبيراتها كمجتمع مدني يعني البشر دون أحكام مسبقة أو تمييز على أسس ما قبل وطنية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا