الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفق ومستقبل العلمانية في العالم العربي

عواد احمد صالح

2006 / 7 / 1
ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع


مشكلة العلمانية احدى اهم المشاكل المزمنة التي تواجه العالم العربي في سياق المرحلة التاريخية الراهنة – مرحلة التحديث والديمقراطية ومرحلة التحدي المزدوج القائم الآن تحدي نظام العولمة وتحدي التطرف الإسلامي وانتشار الاسلمة والتعصب على اوسع نطاق ... التحدي الاول خارجي يحاول تكييف الاوضاع العربية المعقدة وفق رؤيته الخاصة التي تحكمها نظرة استعلائية وعوامل المصلحة الستراتيجية ، الشعوب العربية في منظور سدنة العولمة شعوب قاصرة وبدائية وماتزال في مرحلة التأهيل .ان النظرة الغربية الى موضوع التحديث في العالم العربي نظرة مغرضة ومصلحية تنطلق من فكرة سكونية شعوب الشرق وعدم قدرتها على استيعاب معطيات الحداثة وبذلك فان قدرتها على التغير –وفق هذه النظرة – غير ممكنة خارج اطار معتقداتها وافكارها وتقاليدها واديانها . امكانية تجاوز ماهو قائم في وعي او لاوعي هذه الشعوب يبدو عند بعض الغربيين في عداد المستحيل .
****
التحدي الثاني الأكثر قسوة تحدي داخلي نكوصي ورجعي يهرب الى الماضي ... الماضي الأكثر بؤسا وتعقيدا وبدائية يترجم منطلقاته وفق عقلية متحجرة ظلامية يواجه معطيات الحضارة المعاصرة بنظره ضيقة الأفق تقوم على العنف والتعصب والغاء الآخر وتكفيره ومحاربة كل مظهر عصري كتعبير عن شعور مرضي مزدوج بالنقص والعجز ازاء الآخر من جهة وشعور واهم بالأصطفاء تولد عن الموروث الديني . بموجب هذا الشعور سقطت الذات العربية في وهم محاكاة ماضيها التليد تارة والأستغراق في الطقوس والشعائر الدينية تارة اخرى لمحاولة البحث عن حلول غيبية لواقع شديد التعقيد بهدف توفير عزاء نفسي ازاء اوضاع متشابكة لا تملك لها حلولا .
****
يجب ان تنطلق النخب المثقفة العربية والقوى الديمقراطية في دعوتها الى العلمانية من اسار اللاممكن الى فضاء الممكن والحتمي والضروري .. بالعمل على نشر ثقافة عصرية تنطلق من كون الشعوب العربية لا مستقبل لها خارج مستقبل البشرية ككل كما يقول العفيف الاخضر وانها قابلة كسائر شعوب الأرض للتغير والتطور واستيعاب القيم والمفاهيم الجديدة ومنها العلمانية .وان موجة التغير العارمة لابد ان تأتي على جبل الجليد الشرقي وتذيبة فيكون رافدا ايجابيا في بناء حضارة انسانية تقوم على الديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان والغاء الأستغلال واللامساواة بين الشعوب .
****
مستقبل العلمانية في العالم العربي محكوم بالتغيرات الجارية الآن : كلما عظمت موجة التطرف الديني والأرهاب وتعاظمت الصراعات الدينية واشتد التمايز بين الطوائف الدينية العربية التي تدعي كل منها انها تملك الحقيقة " انا صح وغيري خطأ " ... وكلما ضغط نظام العولمة والليبرالية الجديدة على الانظمة والشعوب العربية كلما برزت الحاجة الى ضرورة البحث عن نظام يوفر التوازن والعدالة في العلاقات الاجتماعية الداخلية وفي العلاقة مع الأخر المتفوق . وفي هذا السياق فان العلمانية التي هي احدى اهم ركائز الديمقراطية ستكون هدفا موضوعا على جدول العمل السياسي وأحد اهم الحلول التي تنقذ الجماهير المظلومة من اهوال التطاحن الطائفي والمذهبي والعرقي والديني (كما يحدث في العراق حاليا .)



****

قد لا نظيف جديد في مفهوم العلمانية فهي باتت معروفة لدى الجماهير البسيطة في الشارع التي لم تعد تجد تناقضا بين فهمها للدين وضروره فصله عن السياسة لتحقيق الأنسجام الوطني الغائب في كثير من الدول العربية : العراق ،مصر ، السعودية لبنان ، وغيرها . يجب ان لايكون الدين او الهوية الطائفية مقياسا للمفاضلة بين هذا المواطن اوذاك . لن تنتقص العلمانية من مكانة الدين او تحاربه كما سيوحي بذلك المتعصبون ورجال الدين بل هي الحل الأمثل للفصل بين المقدس (الدين ) والمدنس (السياسة ) ..وكما اشار د.شاكر النابلسي " يردد بعض رجال الدين من أن العَلمانية ضد الدين. ولكن العلمانية ليست ضد الدين، بل إنها تحمي الدين بإبعاده عن السياسة. أي إبعاد المقدّس عن المدّنس. وإبعاد الثابت (الدين) عن المتحول (السياسة). وعدم الخلط بين السماوي والأرضي، والواقعي والميتافيزيقي.. الخ."(( العلمانية في العالم العربي : الى اين ؟ الحوار المتمدن 5-5 –2005 ))
ولو سألت أي مواطن عراقي ذو وعي بسيط اليوم شرط ان لا يكون متعصبا عن أي نظام اكثر فائدة وملائمة للعراق لقال لك النظام العلماني ..
وقد افاض عديد من الكتاب والمفكرين في تفصيل معاني العلمانية وجوانبها وافضل من كتب في هذا المجال العفيف الأخضر انظر مقاله في الحوار المتمدن بتاريخ 2005 / 4 / 29 (( العلمانية هي مفتاح المواطنة الكاملة بين الرجل والمرأة والمسلم وغير المسلم )) وهي بمثابة دراسة تعليمية تثير اسئلة وتجيب عليها حول مختلف جوانب العلمانية وهي في غاية الاهمية والوضوح للقارئ المبتدأ والمتخصص معا .ومما اوردة في تعريف العلمانية :" يعرف معجم روبير العلمانية (بفتح العين)، نسبة إلى العالم (بفتح اللام) بأنها مفهوم سياسي يقتضي الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، الدولة لا تمارس أية سلطة دينية والكنائس لا تمارس أية سلطة سياسية". وهذا التعريف للعلمانية هو الذي صاغه محمد عبده في قولته الشهيرة "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين" وهو الذي صاغه الأزهري سعد زغول في قولته الشهيرة أيضاً:"الدين لله والوطن للجميع" .."
****
من شروط العلمانية اذن فصل الدين عن السياسة ، اقرار حرية الضمير والمساواة بين الأديان اعتبار المواطنة والأنسانية اساس لهوية الفرد وليس دينه او قوميته او عرقه او جنسه .. " فالعلمنة تحرر الدين من الأنتهازيين والمستثمرين وتحرر العباد من استثمارهم بأسم الدين وتحرر نصوص الدين من رجال الدين المحترفين والكتاب والمؤلفين بأسمه الذين يتصورون ان كتاباتهم هي ما جعل عبادة الله في الأرض ممكنة "(( سيد القمني :شكرا بن لادن :دار مصر المحروسة ،القاهرة 2004 ص ص 142 –143 )) كما انها ضرورية لتحرير المجتمع - مثال العراق ولبنان ومصر – من الصراع الديني الطائفي القائم بين السنة والشيعة والأقباط والمسلمين في مصر والمسيحيين الموارنة والمسلمين السنة والشيعة والدروز في لبنان ...تطبيق مبدأ المساواة بينهم كمواطنين وكبشر بصرف النظر عن المعتقد اوالعرق اوالجنس وهو ما يعني " اهلية كاملة للمرأة مع الرجل سواء في الشهادة او المواريث او تولي الولاية العامة بألوانها او كل لامايتعلق بتمامية الخلقة وعدم النقص الذي يلاحقها في ماثورنا " (( سيد القمني : المصدرالسابق /142 )) .
****
العلمانية شرط لازم للديمقراطية لايمكن ان تكون هناك ديمقراطية مبنية على اسس دينية او مذهبية او عرقية لان الديمقراطية تعني حق المواطنين جميعا – على قدم المساواة - في تقرير الشأن السياسي وفق مقتصيات ظروفهم ومصالحهم ومتغيرات عصرهم وزمانهم ..خارج اطر المعتقدات والافكار الموروثة والجاهزة ..والديمقراطية ليست عملية شكلية كما تريدها قوى الاسلام السياسي ، استخدام صناديق الأقتراع للوصول الى سدة الحكم وبعدها ينتهي كل شيء ، احترام الحريات السياسية والأجتماعية وخيارات الأخرين وضمان حقوق الأنسان باوسع المعاني بما فيها حرية الرأي والتعبير والمعتقد والملبس واقامة وسائل اللهو والترفية جميع هذه الأمور من لوازم الديمقراطية ولايمكن ان تكون الديمقراطية في المجال السياسي فقط .
واخيرا فأن طريق العلمانية في العالم العربي طريقا شائكا فهي تواجه حرب شعواء من قبل القوى الدينية المحافظة ضدها تحت ذريعة إن العلمانية تحارب الدين وتحت حجج اخرى كثيرة تهدف الى تأبيد سلطة الديني على حساب المدني والحفاظ على امتيازات رجال الدين المادية والمعنوية .. كما يهدف بعض الأفراد والمؤسسات من خلال ادعاء الحرص على الدين وصيانته الى جعل ذلك تجارة رابحة بهدف تعزيز مكانتهم المادية والمعنوية واستعباد الجماهير البسيطة والأمية ومسح عقولهم وتوجيههم الوجه التي يشاؤون ...
ان العلمانية تتطلب قدرا اكبرمن الوعي بأهميتها التاريخية وضرورتها سواء من قبل النخب والأحزاب الديمقراطية واليسارية او من قبل سواد الناس لأنها تمثل حلا متوازنا بين الديني والدنيوي وهي تطرح جانبا الأحقيات والمفاضلات الطائفية بين هذا المذهب او ذاك وهذا الدين او ذاك لصالح حق المواطنة والأنسانية ، وبعد ذلك لابد من نظرة منفتحة تجاه العلمانية من قبل شرائح عريضة من المجتمع العربي ممن لايجدون تناقضا بين معتقداتهم الدينية وطقوسهم ومتطلبات الوضع السياسي واسس الحياة العصرية .
23 –6- 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل