الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-مشروع تثقيفي- لتطهير الذهنية البرلمانية

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 7 / 24
دراسات وابحاث قانونية


بحثتُ، ونحن مقبلون على مناسبة انتخابية؛ ما الذي ينقصنا بإلحاح - في هذا الصدد- لنتممه؛ فوجدت أن ما ينقصنا بحق: مشروع مؤسساتي لتثقيف كل من الأعضاء المرشحين والناخبين على السواء؛ وتوكل مهامه لمنظمات "الحقوق المدنية" المستقلة، وغير الربحية، والتي يجب تدشينها لهذا الغرض، ضمن إطارها القانوني. والحرص على تبسيط هياكلها الإدارية، وإنشاء لجنة تنفيذية بمدير تنفيذي ومجلس إدارة مؤهل وواعٍ وكفوء، والدفع بها للمشاركة المباشرة في البرامج الانتخابية بكل مراحلها، والتنسيق مع مختلف الأحزاب السياسية، ومسؤولي كل من السلطة الانتخابية (اللجنة العامة للانتخابات وفروعها) والمسؤولين عن أمن الناخبين، ومنظمات المجتمع المدني، وكل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
ويمكن التنسيق في بداية هذا الصدد مع "منظمات حقوق الإنسان" الموجودة في البلد. لأنني لطالما تناقشتُ مع المعنيين من الطرفين؛ ووجدتُ حالة من الجهل المدقع بأساسيات ومتطلبات وحقوق وواجبات كل من المرشحين والناخبين في أغلبهم.
فبالنسبة للمرشحين يجب أن يكونوا على دراية بأنهم عند تمثيلهم للشعب؛ سيصبحون من "صناع القرار". ولصانع القرار عدة مواصفات شخصية، يجب عليه تنميتها، فالقدرة على صنع القرار المناسب واتخاذ الخيار الأنسب، خاصة؛ في الأزمات والمواقف الصعبة والعصيبة؛ منوطٌ بقدرة المرء على فصل الحقيقة عن الخيال أولا (وتلك سمة يلزمها رصيد معرفي وثقافي كافٍ)، خاصة؛ مع ذهنية مثل ذهنيتنا التي لا تخلو من ميراث خيالي طال أغلب جنبات حياتنا. ثم تحديد طبيعة القرار ثانيا. والقدرة على جمع المعلومات ثالثا. وتقييم القرارات البديلة، التي ترتبط بقدرته على ترتيب الأولويات، وتقييم نتائج قراراته، من ناحية؛ وما إذا كان سيلبي الحاجات المحددة سلفا، من ناحية أخرى، رابعا. والتعامل بوعيٍ ظرفيٍّ مُحنك مع الأمور؛ سيكون له، بلا شك، أبلغ الأثر في عمليتي صنع واتخاذ القرار.
ويكون النائب على وعي بكيفية تصرف السياسيين في علاقاتهم بالإداريين. وضرورة أن يتخذ النواب المنتخبون والمعينون قرارات تستند إلى العقلانية السياسية بدلاً من معيار شامل يحدد علاقتهم بالإداريين. بمعنى أن ينظر "صانع القرار السياسي" إلى المسؤولين الإداريين على أنهم شركاء متساوون، وليسوا مجرد تابعين للسياسيين؛ لتلتقي هنا السياسة والإدارة بسلاسة وبما يخدم الصالح العام. بمعنى آخر توخي روح الإنسانية في جملة العلاقات. لأن مجموعة القواعد القانونية العامة الملزمة الصادرة عن السلطة العامة المختصة في الدولة وفي وثيقة مكتوبة، و التي تبيح أو تحظر أو تنظم حق أو مجموعة حقوق؛ هي قواعد مجردة صماء.
وعلى وجه العموم؛ تتدرج أنواع التشريعات في أهميتها وقوتها حسب الدور الذي تلعبه في تنظيم الحياة الاجتماعية؛ ومن مظاهر هذا التدرج: "التبعية" أو خضوع البعض منها للبعض الآخر. هذا الوضع يمكن أن يستغله صاحب النفوذ "غير المسئول" أسوأ استغلال. وهذا ما نحذر منه. ويجب أن يعي كل نائب بأن المجلس التشريعي أو "مجلس الشيوخ" بعد تعديل المسمى؛ تنحصر سلطته المختصة "بحسب الأصل" في التشريع أو سن التشريعات. كما ويعي بأن التشريع قابل للإلغاء أو النسخ؛ بحيث يمكن إزالته ووقف العمل به برفع قوته الملزمة بالنسبة للمستقبل ويكون الإلغاء صراحة أو ضمنيا. ويعلم بأن "الدستور" هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة)، ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري)، وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية)، وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بين السلطات وحدود كل سلطة، والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، ويضع الضمانات لها تجاه السلطة. ويشمل اختصاصات السلطات الثلاث (السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية). وتلتزم به كل القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي. فالقانون يجب أن يكون متوخيا للقواعد الدستورية، وكذلك اللوائح يجب أن تلتزم بالقانون الأعلى منها مرتبة، إذا ما كان القانون نفسه متوخيا القواعد الدستورية. وفي عبارة واحدة تكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة دستورية واردة في "وثيقة الدستور".
ويجب على من يصوغون مثل هذه الأدبيات من الأكاديميين أو ممارسي الإدارة العامة ومجلس الدولة وبعض المسؤولين المنتخبين؛ أن يتخففوا من "النزعة السلطوية الفوقية" المتغلغلة في نفوسنا جميعاً، والتي تسببت في خلق حالة من "الشيزوفرينيا" في السياسات الإدارية والإدارة السياسية، إن جاز التعبير، وأدت، مع الوقت؛ إلى اتساع الشرخ الحاصل بين السياسة والإدارة. والذي يمكن أن يُرد في جذوره إلى المناهج الأكاديمية العقيمة في كل من القانون والعلوم السياسية والإدارة العامة. إن عدم توجيه الانتقادات الفعالة لمثل هذه العقائد السياسية/الإدارية؛ هو ما ساعد الكثيرين لأن يسعوا جاهدين بكل الوسائل التشريعية المختلفة للحفاظ على "الحياد السياسي" في الإدارة، وتقييد المشاركة السياسية من قبل الموظفين الحكوميين قدر ما يستطيعون.
ويجب أن ينصب التركيز على الأولويات والترتيبات؛ بهدف تحديد ما إذا كانت الأحكام في التشريع تتناول أو لا تتناول الجوانب المهمة من هذا "الحياد السياسي" والمشاركة السياسية، وما هي الآثار المترتبة على "الحوكمة" أو تقنين الجودة والتميز في الأداء وصولا إلى القدرة على التواجد في الساحة الدولية والمنافسة العالمية. مع مراعاة أن الديناميكيات والتعقيدات تختلف في إقامة توازن مناسب بين السياسة والإدارة بشكل كبير. وللمساهمة في حل مثل هذه التعقيدات؛ يمكن تقديم "مطالبات سببية" أو "تمييز أنماط محددة" تساهم في الحد من التشرذم وتوطد من العلاقة بين السياسة والإدارة.
وبالنسبة للناخبين توكل لمنظمات "الحقوق المدنية" المزمع إنشاؤها، مهمة إقناع العديد من المؤسسات الربحية وغير الربحية لتمويل أعمال تسجيل الناخبين، خاصة في القرى والنجوع والمناطق النائية، ومحو الأمية الانتخابية وزرع الثقة في نفوس البسطاء من أن العملية الانتخابية مهمة ومناسبة وفعالة في اختيار الحكومات وتعزيز السياسات وتحسين أحوال البلد. وعقد ورش العمل والندوات والبرامج التوعوية والتدريب على القيادة، وتبني برامج للتربية المدنية للمرأة الريفية والبدوية على وجه الخصوص، والعمل التوعوي الدؤوب على تطهير ذهنية هذه المجتمعات الذكورية من رواسب التفرقة والتمييز بين الرجل والمرأة.
وتشكيل خلايا شبابية نشطة تساعد الناخبين أولاً على توعيتهم بإجراءات التصويت الأساسية، وإرشادهم إلى مراكز الاقتراع، وتعمل دون كلل على تحليل المؤشرات والاتجاهات والتوجهات، وتبني دراسات حول قضايا سياسية محددة، وجمع الإحصائيات التقييمية للبرامج الخاصة وإبلاغ نتائجها إلى الجمهور.
وتوعية الناخبين بحقوقهم المدنية والدستورية، وحثهم على ممارسة تلك الحقوق الممثلة في التصويت بشكل فعال والتعبير عن إرادتهم السياسية من خلال العملية الانتخابية. وذلك من خلال التأكيد على العلاقة بين المواطنة النشطة- كشكل من أشكال النضال الاجتماعي-والمجتمع الديمقراطي السليم والصحيح. وحبذا لو طُبعت "كُتيبات" تشرح وتوضح مثل هذه الحقوق والواجبات، وتشجيع وتعبئة الناخبين والتوعية بأهمية الحرص على المشاركة في كل أعمال الانتخابات؛ والقضاء على هذه الروح السلبية التي عشعشت في نفوس الغالبية؛ مع تراكم السلبيات التي شابت العملية السياسية على مدى قرون؛ لأهمية ذلك للشعوب ولمستقبل الأوطان.
ويمكن أن تصبح مثل هذه "المنظمات المدنية" المزمع إنشاؤها مراكز أبحاث معروفة كمصدر موثوق لإحصاءات الانتخابات، بل وللدراسات السياسية والاستراتيجية وصنع القرار، مع الوقت. ومع الوقت وتكرار التجربة؛ تصبح العملية الانتخابية محط ثقة الناخبين بمؤسساتهم السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكات | تفاصيل صفقة تبادل الأسرى ضمن الاتفاق الذي وافقت عليه


.. الدبابات الإسرائيلية تسيطرعلى معبر رفح الفلسطيني .. -وين ترو




.. متضامنون مع فلسطين يتظاهرون دعما لغزة في الدنمارك


.. واشنطن طالبت السلطة الفلسطينية بالعدول عن الانضمام للأمم الم




.. أزمة مياه الشرب تفاقم معاناة النازحين في ولاية القضارف شرقي