الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سرد واقعي: المُنازلة

لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)

2020 / 7 / 25
الادب والفن


.. هو فعلا يعرفني جدا و كان جارنا يسكن في حينا على بعد عشرات المنازل و قريبته كانت تدرس معي في الابتدائي تُكنى « أماني » على ما أذكر .. كان عمرنا لا يتجاوز الـ 12 عاما . كانت " أماني " تنافسني و ما استطاعت إلا قليلا ؛ لكنها كانت تلميذة نجيبة و متفوقة، رياضية ، ممتلئة بالحياة ، كانت تغار مني و تحبّني بصمت في آن .. كنت ( استفزها بتفوقي ) و كنت أحبها - حب الأطفال - على مخيال الكبار! أذكر أن هذا التنافس ـ الدراسي ـ أوصلنا إلى مواجهة ميدانية عنيفة بتصادم جسدينا . أذكر بينما كانت " أماني " توجّه لي الضربات و اللكمات كنت أرد أنا ضرباتها و خدش أظافرها بتقبيلها و بعنف متلهف فيجن جنونها أكثر لأني نلت من وجنتيها و وجهها الأملس الأشقر و شفتيها الحمراوتين الكرزيتين .. كانت تنظر إليّ بجنون هائجة كونها لا تريد استيعاب : كيف تجرأت و استطعت تكرار وابل التقبيل فيها معلنا الضرب بالحب عليها بينما هي كانت تشد شعري و تغرز مخالبها في لحمي كما القطة البرية.. كنت أقاوم ما جرحت يديها و أتحداها بـ -الذكر - الذي بداخلي الذي كان يشتهيها و بإمكانه انتزاع ما يريد منها غصبا في أوج المعركة ، ففي مجتمعنا من الصعب الظفر بشهوتك و انتزاعها و الدفاع عن رغبتك الفطرية ... كانت تدافع و تهاجم في وقت واحد . كانيبدو عليها أنها جَائِعَتُِني و لكنها لا تريد أن آكل من ثديها ـ هكذا تخيلت بكل نرجسيات الطفولة ـ ، تقاوم باستماتة اللبؤة الشرسة ، كنّت نحيفا بالوراثة طويلا لكن قوي الحراك و الصولات، إلا أني كنت أتصنّع ضعفي و وَهنِي حتى أوهمها بالسيطرة عليّ فتقترب هي أكثر مني فأعنفها ثالثة و رابعة و عاشرا تقبيلا (قلت في نفسي وقتها - نبرّد قلبي فيها !) - حضور أصدقاءنا المشتركين أحرجها كثيرا ؛ لأنهم كانوا شهود عيان على « غزوة التقبيل » العنيف لها دون رضاها الظاهر كرد فعل - تأديبي- لها.. كم هو عنيف الحب في المجتمع البربري الشرقي ! كنت أنظر إلى عينيها و هي تتحاشى قهقهة زملاءنا و هم منبسطون ، فكهون على صخر كبير بجانب مدرستنا متكئون يضحكون بسخرية مبالغ فيها ، ليس مني (ذاك الصّبي الذكر) الذي كان يواجه الضربات و العض من كل صوب، فمخيال المجتمع عاداتيا و دينيا لا يقبل و لا يتصور أن يتعرض الذكر لضرب أنثى فهي من المحرمات تكاد أن تكون شركا بالله .. في مجتمعنا الأنثى تُضرب و لا تَضرِب ، كانوا ينظرون إلي بعين البطل المغوار الذي لم ينقطع في تكبيد خصيمته و منازعته أشنع الخسائر و السقطات ، في أوطاننا و مجتمعاتنا العربية ـ الأنثى ـ سواء كانت قد أغتصبت أو استسلمت ، أو اعتدت أو أُعتدى عليها مسؤولة عن عدم الحفاظ على نفسها و رد الأذى قُبَلا كان أو نكاحا استسلاما للشهوة و الغريزة التي أودعها الله فيها ابتلاءا للأنفس ؛ إلا أن الإجحاف المبني على نفاق و انفصام شخصاني مجتمعي بحكم أن شهوة و نزوة الذكور متسامح فيها و نغض أطرافنا عليها بينما نسارع إلى إدانة الأنثى طفلة أو إمرأة شابة اذا قضت وطرها من قبلة أو سكنها ذكر تحبه و يحبها خارج إطار الشرع و العادة و الأعراف.. راضية أو مجبرة فهي " عار " نقض لشرف قبيلة بأسرها ؛ مأساة مجتمعنا العربي الإسلامي عندما يُختصر الشرف في فرج لا حول و لا قوة له و لا يسمن و لا يغني من جوع الشباب من الجنسين للسكن في الآخر و كفى بالله مشرعا و شهيدا. قوّضنا قدر و شأن و كيان الأنثى و اختصرناه في « صَدَفَةٍ » لحمية بها شق خلقي قياسه 7 سنتيمتر و لا يتجاوز الـ 12 سنتيمتر في أقصى الحالات و عمقه لا يتعدى الـ 8 سنتيمتر، فلا أفهم هوس معظم الذكور عندنا من أعضائهم ـ الرخوية ـ الصغيرة ، كان الأحرى بهم التركيز على عمق تفكيرهم لا طول زائدتهم الجنسية الذكرية ،لا اعتقد أنهم يعرفون كل هذه التفاصيل في ـ التشريح العلمي ـ لفروجهم و فروج نسائهم ! كل المقاس المتبقي من قوام و حجم المرأة لا معنى له ، بل يعتبرونه أقل شأنا من تلك « الصدفة » اللحمية المفوّهة و المفرزة لفضلات معاناتها البيولوجية الهرمونية و تستقبل من نفس المكان أي موضع - و موطن شرف الأمة - فضلات الذكور باسم القوامة أي باللغة العلمية تلقيح البويضات .. تحوّل فرج المرأة المكان نفسه الأمثل لمعالجة الشرف و رسكلته ؛ أما عقلها فهو - زائدة أنثوية - تثير الغصَّات الأنفوية لمجتمعات ذكورية ..هذا العقل ليس مهما ، قاصرا ، ناقصا ، صوتها عورة ، شعرها عورة ، مشيتها عورة ، ضحكتها عورة و حرام ، مقدمتها عورة ، مؤخرتها عورة ، صدرها عورة ، عينيها و أنفها و فمها عورات ، و يدها أيضا عورة حتى لو كانت مبتورة !
بالمحصلة التطرفية العاداتية ـ التَّدَيُّنَيَّة ـ كل هيكلها، كيانا، و عظمها و لحمها ( مشكلة وجودية في وجود مجتمع الذكور ) ؛ أقرها مجتمع دجال أعور ! هؤلاء القوم أو هذه الأمة المنافقة بمجتمعاتها خانت التشريع الإلهي. " الحافظون لفروجهم" على هواهم ؛ بتعنيف الأنثى و مضاعفة رسم الخطوط الحمراء و اعتبارها قاصرة طول حياتها و إذا انتفضت يُفقع طرفها بتهمة ـ التقصير ـ .. شرف أمتي يحيض ، يتبوّل ، يتعرّق ، تنبت فيه فطريات و جراثيم ، يصاب بالجفاف و بالرطوبة المتزايدة (المتعفنة و الالتهابات و درجات الحموضة الفرجية المنخفضة و المرتفعة) ، و بالنزيف المصاحب للدورات الشهرية أو بعد تأخرها، شرف أمتي يعاني آلام تذبذب " المبايض" و من الأورام و الأكياس المائية ، في هذه البيئة المحاصرة بين فخذين و التي لا تتجاوز الـ 12 سنتيمتر طولا و 8 سنتيمترات عمقا!
تُلقي فيه - فضلات - بذور أغبى و أحمق و أنفق ذكور الأمة على أمل أن تعطينا هذه الأنثى أشرف و أعدل و أعلم و أرقى و أتقى خلق؛ أميرا صالحا يسيُّر أمور الدولة و الأمة ككل !
- على كل أذكر ، لما انتهت معركتنا و تم تفرقتنا أخيرا من قبل مارّ بالغ في السّن، رحلت "أماني" غاضبة باتجاه بيتهم منكوشة الشعر الذهبي ، محمرة الوجه من التقبيل العنيف.. و عدت أنا و صحبتي و هم في انبساط لا حدود له مني، فخورين بي على نجاح غزوتي، لكن لا أحد منهم انتبه للجروح السطحية التي تركتها " الأماني" على جلدي الأسمر !
- في الغد أبلغوني في ساحة مدرستنا الرائعة « شرْفة الخُمَيسي » أن مجهولا كتب على جدار المدرسة الخارجي " أماني مرْت" فيصل ( يعني الأنثى التي نكحها فيصل !) في وقتنا كنّا ننكح إناثنا بالأساطير أو بالقبل ، كأقصى الإيمان ...
- علمت أماني بذلك « الإشهار الجداري » الذي نال من شرفها أو وشى بها مع التضخيم و عانت الأمرّين بين أوساطنا في ساحة المدرسة و خارجها ؛ إلا أني لاحظت عليها فيما بعد ظهور مرونة مختلفة اتجاهي و صارت تُقصر الطرف كلما رأتني أتأملها ، يبدو عليها الخنوع و الرضا بي و هي تبادلني نظراتها المسترقة و كلها رقة و استحياء .. كأن سلوك « أماني » تلك الطفلة البريئة الطاهرة يعكس لا إراديا فيها جينات المرأة البربرية الشرقية المتعلقة بعلاقتها مع الجنس المعاكس أي (الرجل) و تعمد و بترصّد و إصرار كبيرين على أن ينتزع منها المرشّح « الذكر » عن طريق النزال معها بعض من ثمراتها الغالية عليها، فلا تتأتى له دون أن يبرهن لها أنه جدير بالظفر بمقوّمات الشرف ـ حسب النمطية (العرب ـإسلامية). لهذا كثير من النساء في الوطن العربي تلوم الخائن من الرجال بأنها سلّمته كل و أعز ما تملك ( فرجها) فخذلها و أخلف متلاعبا بوعوده و تركها لمصيرها لأجل غيرها؛ لأنه تمّ تكييفها بهذه العقلية: أن كلها و طهرها مختصر و قابع يتعرّق بين « فخذيها » و أما الباقي منها ـ بنظرهم ـ يرمي كجيفة للكلاب من البشر .. لا يساوي شيء !
- على كلّ ، أنا و « أماني » في ثمانينات القرن الماضي زوَّجنا ذلك الجدار المدرسي بفعل كاتب آفك و موثق مجهول!
- كنت أشعر بعزة و رفعة و انتشاء النصر على تلك الأنثى و إرغامها على حبي و ترويضها ... بعد عمر طويل و مرير بالتجارب اكتشفت أني كنت أعيش وهم الانتصار على الأنثى ! الواقع هو أن كلانا خسران ، كلانا خسران ، كلانا خسران !

*ـ كتبه من طفولته: لخضر خلفاوي

ـ باريس في 24 جويلية 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل