الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الإسلام السياسي- مصطلح ملتبس لغةً ومريب مضموناً

علاء اللامي

2020 / 7 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


"الإسلام السياسي" شاعت هذه العبارة - المصطلح في العقود القليلة الماضية، حتى اكتسبت نوعا من البداهة والحياد الاستعمالي بفعل التكرار والانتشار حتى من قبل باحثين عرب لا غبار على توجهاتهم ومنهجياتهم الوطنية والتقدمية. غير أن تدقيقا عميقا ومتمهلا في ماهيتها لغةً واصطلاحا تجعلها أهلا للشك النقدي بل وللريبة والشبهة.
لغةً، تحيلنا هذه العبارة (الإسلام السياسي) الى وصف "الإسلام" - كاسم علم لدين معروف، ومزجه بالسياسة على سبيل التخصيص ضمن التنويع، وكأن قائلها يؤمن بوجود أنواع من "إسلامات"، منها الإسلام الاقتصادي وليس "الاقتصاد الإسلامي"، وعلى هذا المنوال يمكن اشتقاق عبارات من قبيل: الإسلام الصناعي والإسلام الزراعي والإسلام التلفزيوني.. إلخ، وهذه صيغ لا معنى ولا مسوغا لغوياً لها.
أما مضمونا، فهذا المصطلح "الإسلام السياسي"، يعني توحيدا على جهة الماهية لاسم دين معروف ومحترم كسائر الأديان هو "الإسلام" بالسياسة بعُجرها وبجرها، وجعلها ماهية له مفردة به، لينتج عن ذلك شيء جديد هو دين سياسي خالص ومتفرد في ذلك ومختلف عن سائر الأديان! فهل الإسلام هو دين سياسي، أم أنه دين كسائر الأديان يستغله ويستلهمه السياسيون وأهل السلطان وأهل الفكر والعقائد السياسية لخدمة مشاريعهم الخاصة؟
المرجح عندي، بصدد ابتكار هذا المصطلح، احتمالان: فإما أن يكون من منتجات الترسانة الإعلامية والاستشراقية الغربية العنصرية المعادية للإسلام والمسلمين عموما، أو أنه هفوة من نتاج لغة مبتكر المصطلح السياسية العاجزة عن الابتكار الإصلاحي الصحيح من قبل مؤلفين ومترجمين عرب، والاحتمال الأول قد يكون أقوى من الثاني! كيف ذلك؟
بحثت عن هذا المصطلح بعد ترجمته إلى اللغة الفرنسية (L islam politique) والإنكليزية (Political Islam)، فكان موجودا في الموسوعات الحرة على شبكة النت بهذه الصيغة، وسأدرج هنا التعريف الفرنسي للعبارة بعد ترجمته إلى العربية، وهو يقول (الإسلام السياسي: هو اسم عام لجميع التيارات الإيديولوجية التي تهدف إلى إقامة دولة على أساس مبادئ الإسلام، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع. وكقاعدة، هو مرادف للإسلاموية، والمصطلح الأخير يركز على ما هو أكثر من توصيف سياسي لهذه الحركات من الناحية الدينية البحتة).
أما التعريف الانكليزي لهذا المصطلح فموجود أيضا، وهو يختلف قليلا عن الفرنسي، ويمكن القول إنه أكثر توازنا وأقل إثارة للريبة التي يثيرها التعريف الفرنسي. تقول ترجمة التعريف الإنكليزي (الإسلام السياسي: هو أي تعريف تفسيري للإسلام كمصدر للهوية والعمل السياسي. ويمكن أن يشير إلى مجموعة واسعة من الأفراد والجماعات الذين يحاولون تحويل الدولة والمجتمع وفقًا لما يرونه مبادئ إسلامية. ويمكن أن يشير المصطلح أيضا إلى استخدام الإسلام كمصدر للمفاهيم والاستعارات لتوضيح المواقف السياسية. يمثل "الإسلام السياسي" أحد جوانب النهضة "الصحوة؟" الإسلامية التي بدأت في القرن العشرين. علما أنه لا تتم مناقشة جميع أشكال النشاط السياسي من قبل المسلمين تحت عنوان الإسلام السياسي).
إنَّ التعريف الفرنسي أكثر إثارة للارتياب، كما قلت، لأنه أكثر انشدادا الى محاولة حصر هذا المصطلح بمضمون الإسلام الجهادي أو السلفي الأصولي ومن ثم تعميمه على الإسلام دينا وحضارة بائدة وبشرا معتنقين له، وهذا يعني ضمنا الشطب على التيارات الإسلامية التنويرية والديموقراطية أو المقاومة للاحتلال والهيمنة الغربية أو حتى الأصولية المسالمة أو خلطها ببعضها ومساواتها كأجزاء ضمن كلٍّ يطلقون عليه " الإسلام السياسي".
أما التعريف الإنكليزي فقد نجد فيه شيئا من الموضوعية في المحتوى، وخصوصا في احتوائه على عبارة "كمصدر للهوية والعمل السياسي" وفي اعتباره "أحد جوانب النهضة الإسلامية التي بدأت في القرن العشرين" بما يلمِّح إلى مفهوم "الصحوة الإسلامية" الشائع في النثر السياسي الحزبي الإسلامي، وهذه المفاهيم قد يكررها الإسلاميون دون تردد أو تحفظات رغم ما تثيره من إشكالات ماهوية في التحليل اللغوي والمضموني. ولكنْ كِلا التعريفين، الفرنسي والإنكليزي، لا ينفيان مشبوهية هذا الاصطلاح باللغة العربية، ويثيران أكثر من تساؤل عن انعدام نظير أو مثيل له في حالات الأديان الأخرى، ولذا يمكن الاعتقاد بأنه كمصطلح قد لا يكون منتوجا للحالة السياسية العربية والإسلامية كما يبدو ظاهرا، بل هي ترجمة لمصطلح أمني وثقافوي استشراقي للمصطلح باللغات الأجنبية روَّج له العلمانيون والليبراليون القشريون العرب والمتكلمون بالعربية من غير العرب ولأغراض معادية، ثم، وبمرور الوقت، تبعهم في ذلك جمهور عريض من حسني النوايا والمضلَّلين.
ما الدليل على هذا الاستنتاج؟ الدليل هو إننا لو بحثنا عن أي نظير مسيحي أو يهودي أو بوذي لهذا المصطلح فلن نجد. وقد بحثت شخصيا وطويلا، وباللغتين اللتين أجيد التكلم بهما بشكل متواضع وغير احترافي، وهما الفرنسية والإنكليزية، فلم أجد نظيرا أو رديفا لهذا المصطلح "الإسلام السياسي"!
فليجرب من شاء التجربة وليبحث عن معنى لعبارة "المسيحية السياسية" أو "اليهودية السياسية" أو "البوذية السياسية" بعد ترجمتهما الى أية لغة أجنبية، ثم ليتوصل بنفسه إلى الاستنتاج الذي يرتضيه ويقتنع به. وبخصوص الديانة البوذية مثلا، لن نجد مصطلح "البوذية السياسية" بل "البوذية والسياسة" ومثل ذلك بخصوص "المسيحية والسياسة" أو "اليهودية والسياسة". فلماذا اقتُصِر مصطلح "الإسلام السياسي" على الإسلام ولم يقولوا - لا باللغة العربية ولا في اللغات الأجنبية - "الإسلام والسياسة" بل قالوا "الإسلام السياسي"؟
هل هناك بديل لمصطلح "الإسلام السياسي"؟ نعم، هناك الكثير والأكثر دقة لغة ومضمونا! يمكن أن نقول: الأحزاب الإسلامية، القوى السياسية الإسلامية، التنظيمات الإسلامية، التيارات الإسلامية، ويمكن لنا أن نحدد في التفصيل أكثر فنقول "الجهادية السياسية" و" السلفية الجهادية" أو "السلفية الانتحارية" تفريقا بينها وبين الحركات السلفية السياسية المسالمة والتي تخوض العمل البرلماني ولها ممثلون في عدد من البرلمانات العربية كالكويت والمغرب بغض النظر عن فكرها وبرامجها السياسية إن كان لديها برامج، دون أن يتغير المضمون المراد، بل سيكون أكثر دقة وبُعدا عن الشبهة والريبة والاستهداف الاستشراقي العنصري.
ختاما، أسجل أن أول من شكك بهذا المصطلح هو رفيقي وأستاذي الراحل هادي العلوي في معرض نقده للعلمانية القشرية كما يروج لها المتأثرون بالاستشراقية الغربية، وقد كتب حينها (وهكذا يصبح العدو الأوحد لتسعين بالمائة من مثقفينا هو الإسلام (السياسي) هذه اللاحقة "السياسي" للتمويه، فالعدو هو الإسلام نفسه: تاريخه الحضاري وتراثه العظيم ومنجزاته العالمية التي مهدت، بالتكامل مع منجزات الحضارة الصينية، لولادة العصر الحديث. ص46 من "كتاب المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة"). ولكن العلوي كان قد استعمل عبارة (الإسلام السياسي) في حواره المطول والمعمق مع الصديق الباحث خالد سليمان وزميله حيدر جواد؛ وهو الحوار الذي تحول إلى كتاب صدر بعد وفاته عن دار "الطليعة الجديدة" بدمشق تحت عنوان (هادي العلوي - حوار الحاضر والمستقبل). في هذا الكتاب قال الراحل (بعد زوال الاتحاد السوفيتي تُفتح ساحة الصدام بين بعض الإسلام كلِّ الغرب. وأعتقد أن الصراع لن يدوم لأن الإسلام السياسي بمؤسسيَّته الدينية لا يتناقض جذريا مع الغرب خلافا لأوهام أو مصادرات الكتاب الغربيين...فالتناقض لا يكون بين الأديان أو بين الأيديولوجيات لأن أساسه سياسي واقتصادي، نعم، سوف يتجذر التناقض بين الإسلام السياسي والغربي إذا تبنى الإسلام السياسي الاشتراكية الماركسية وعندئذ سيكون الانقطاع المطلق عن الاقتصاد الرأسمالي هو التناقض الأكبر والحقيقي. ص 61). ولا يمكنني الجزم إنْ كان العلوي قد توصل الى قناعته بمشبوهية مصطلح "الإسلام السياسي" قبل أو بعد كتابته لهذا النص المقتبس، والذي نقرأه في سياق مختلف قليلا عن السياقات "العلمانوية" السائدة، فهو يقرن - استعماليا - وجود "إسلام سياسي" بـ "غرب سياسي" وقد لا يعدو الأمر كونه استعمالا آنيا أوجبته الفكرة، أو أنه كان قبل أن يرفض العلوي هذا المصلح ويشكك به في الاقتباس الأول.
*كاتب عراقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق


.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م




.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا


.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان




.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر