الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فارس كمال نظمي بين الكتلة التاريخية والمأزق الشكسبيري

جلال الصباغ

2020 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


نشر أستاذ علم النفس السياسي فارس نظمي مقالا تحت عنوان(حكومة الكاظمي بين استنساخ الماضي وترميم المستقبل..!) يشرح فيها تصوراته حول سياسة حكومة الكاظمي، باديا المقال بمجموعة من التساؤلات ، ومختصر هذه التساؤلات هو هل أن حكومة الكاظمي نابعة وممثلة لانتفاضة أكتوبر؟ أم هي وسيلة النظام للخلاص من ضغط الانتفاضة عن طريق التسويف المستخدم تجنبا لإسقاط النظام، ومختتما إياه بتساؤلات أخرى من نفس النمط فيقول "إلى أين سيتجه الكاظمي؟ إلى متحف عبد المهدي حيث المحنطات السياسية بأسعار بخسة؟ أم إلى أفق أليندي حيث ترميم المستقبل ولو بأثمان غالية؟ أم هي الاستقالة وربما الإقالة؟"

في بداية مقاله يقر نظمي ان من الصعب بل المستحيل التنبؤ بما ستؤول إليه الأحداث وما سينتج عن حكومة الكاظمي على اعتبار أن عمر الحكومة قصيرا والمتغيرات المتحكمة بالواقع في العراق معقدة ومتشابكة، وهنا ينطلق نظمي من موقع الفكر العدمي غير القادر على التحليل والنقد والتنبؤ، كونه فكر يقف على ارض رخوة تتجنب الواقع الموضوعي والصراع الحقيقي، لتحاول- رغم عبثية المحاولة- أن تقفز على الواقع عن طريق اللغة والفلسفة المعلقة في الفراغ.

ينطلق الكاتب من محاولة جعل حكومة الكاظمي حكومة صدفة، وضعتها الظروف فيها رغما عنها، ويصور عبر تساؤلاته تعميق عدم المعرفة بتبعية هذه السلطة،فهل هي خيار الجماهير ام خيار النظام ام هي خيار الاثنين معا؟ في لعب على الكلمات والأفكار ليس له ما يبرره سوى محاولة إعطاء هذه الحكومة فرصة كما يدعوا لذلك الكثير من المثقفين.

الكاظمي هو خيار قوى السلطة الإسلامية القومية المدعومة أمريكيا وإيرانيا، وأي مواطن بسيط يدرك أن الكاظمي إنما جاء بصفقة لإنقاذ هذا النظام والالتفاف على مطالب انتفاضة أكتوبر، التي وان لم تعبر بكل شرائحها وفئاتها بشكل سياسي صريح عن رغبتها بإسقاط النظام إلا إن كل دعواتها كانت ساعية للخلاص من تحكم أحزاب الإسلاميين والقوميين والليبراليين بمستقبل الجماهير.

يتجنب فارس نظمي أي حديث عن الصراع الحقيقي بين النظام والجماهير، باعتباره صراعا طبقيا بامتياز- خصوصا وانه تجاوز كل أشكال التصنيفات التي خلقها النظام- ويعطي للكاظمي الفرصة لان يكون بطلا إصلاحيا يستطيع أن ينتشل البلاد من المستنقع الذي وضعته فيه قوى وأحزاب السلطة طوال الفترة الماضية، فهو يضع الكاظمي كما يقول في مأزق شكسبيري، فأما أن يكون امتدادا لسلفه عبد المهدي وإما ان كانت لديه الإرادة فسيكون كالقائد التشيلي الثوري سلفادور أليندي الذي انقلب عليه العسكر بمساعدة أمريكية وانهوا حكمه، في مغالطة دائما ما يمارسها هذا الفكر، فهو يساوي بين النقيضين، ويصور أحداث وشخوص التاريخ على أنهم متماثلين، فهو فكر يساوي النقيضين هكذا وبكل بساطة بعيدا عن أية منهجية أو علمية، فما الذي يجمع قائد يساري ثوري استطاع الوصول إلى السلطة، وبعدها قامت المخابرات الأمريكية بالإطاحة به عن طريق انقلاب عسكري، وبين رئيس وزراء كان مدير جهاز المخابرات ابان حكم عبد المهدي وهو جزء أساسي من النظام، وساهمت المخابرات الأمريكية والمخابرات الإيرانية في تنصيبه رئيسا للوزراء، على اعتباره المنقذ لنظامهم الذي نصبوه بعد العام 2003. هكذا بالنسبة لهذا الفكر اللابس ثياب الفكر العقلاني العلمي، يحاول أن يخلط الأوراق عبر استخدام المصطلحات الفلسفية والعلمية، فهذا الفكر لا يمتلك سوى الكلمات رغم إنها في محصلتها النهائية جوفاء.

يؤكد فارس نظمي ان الشباب المنتفض مغترب عن أية ايدولوجيا وكأنه يريد القول أن الابتعاد عن الايدولوجيا هو الحل، وبالفعل فأن هذا الفكر هو ذاته يصنف نفسه خارج الايدولوجيا، في سعي منه كحال مثقفي الفكر العبثي الذين يساوون بين كل الأيديولوجيات ويعتبرونها في خانة واحدة، لأنهم غير قادرين على تحليل الواقع موضوعيا وفق رؤية مادية حقيقية قائمة على صراع حقيقي بين طبقة برجوازية تابعة للرأسمالية العالمية وطبقة العمال والكادحين والمهمشين والمعطلين عن العمل، فعند هؤلاء تتساوى وتتماثل الإيديولوجيات فلا فرق عندهم بين الشيوعية والليبرالية او بين الإسلاميين والقوميين أو بين الثوريين والرجعيين، فكل الايديولوجيات واحدة وتتماثل ويجب الخلاص منها، هكذا يتساوى النقيضين بطرقة سحرية غرائبية!

لقد ساهم أصحاب هذا الفكر ومنهم فارس نظمي في وقت سابق بالدعاية والترويج لضرورة التحالف بين الحزب الشيوعي العراقي وبين التيار الصدري، وبالفعل فقد حصل هذا التحالف عن طريق ما سمي في وقته "الكتلة التاريخية" ولان الشيوعي العراقي يبحث عن الامتيازات والمصالح الذاتية والتيار الصدري يبحث عمن يجمل صورته ويلغي تاريخه الموغل في القتل والإجرام والنهب فقد وافق على هذا التحالف، وكلنا يعلم أين وصلت أطروحات هذا الفكر وما هي نتائجه، فهو ينطلق من مواقع السلطة حتى وأن صور نفسه بموقع المعارض.

إن الرؤية السياسية التي تنطلق من الأفكار وتحاول ان تغير الواقع عبر المفردات متجاهلة الواقع الموضوعي الذي يحصل داخله الصراع، إنما هي رؤية جوفاء غير قادرة على تحليل الواقع مهما استخدمت من مفردات وحاولت التفلسف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح