الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس : الوضع دقيق .

فريد العليبي

2020 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


الوضع دقيق والرؤية غائبة ، اللوحة قاتمة والليل بهيم زاحف ، والضباب كثيف. الجميع تقريبا موقن أنه أصبح غير قابل للتحمل ، في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والأخلاق . وبينما ينشغل تجار الأزمات باستثمار الانهيار لكسب الربح يبحث الشعب في تاريخه وجغرافيته عن منابع قوته، لكي تنتصب قامته مثل نخلة قادرة على السير في الدروب السهلة والوعرة .
حكومة حلمت بالبقاء خمس سنوات فماتت خلال أشهر قليلة ، رئيسها الذي اعتقد أن نهايتها بعيدة استيقظ ليجد أن أجلها قد حان ولم يبق الا وضعها في الكفن ، أحزاب النظام تتصارع على وراثتها ، و مناورات ومماحكات لا تنتهي فصولها في النهار الا لكي تنطلق مجددا في المساء ، تتحالف ثم تتخاصم، تتقارب ثم تتباعد ، تتضامن ثم تتقاتل .
برلمان ميت مثل جثة يتصارع الدود داخلها على ما بقي من لحمها المتعفن، وبعض ذئاب تنظر اليها بخبث ، فقد نهشتها ولم يعد لها فيها ما يُغري بمواصلة أكلها فقد اقتسمتها ولم يبق الا بعض لحم يكسو عظامها فاستعدت للمغادرة ، بينما يسمع في الأرجاء طنين ذباب .
رئاسة دولة تبحث بين الرفوف عن أسلحتها فتجدها في صواريخ جاهزة للانطلاق وعندما يتكلم ساكن قصرها عن المؤامرات الخفية، التي يتعانق في حبكها ونسج خيوطها أشرار الداخل والخارج ، تدرك أن الملفات التي أمامه خطيرة، والا ما تكلم بتلك العبارات ، يلومه بعضهم على عدم البوح بحقائقها ولكنه يضحك في سره ليقول إن وقت كشفها لم يجن بعد ، وأن الأهم من الإفصاح عنها هو افشالها واحباطها ، حتى لو كانت أحلاما أو أضغاثها ، سلاحه حتى الآن الدستور، ولكنه يحتفظ بأسلحة أخرى يمكنه الدستور نفسه منها ، وقد اختار في أحيان كثيرة ساحة تحذير السابحين في بحيراتها الراكدة باحات المؤسسة العسكرية ، وكان الجنود الواقفين قبالته يرددون تصميمهم على المواجهة ، بما يعنى أن معارك كبيرة على وشك أن تندلع.

شعب حزين و متعب ، تم وضع أعز ما فيه من قوة، ونعني شبابه على هامش التاريخ فتدافع بين أمواج البحر المتلاطمة للنجاة بجلده في برور أخرى ، وبين ميت في أعماق اليم وميت في غياهب سجن ، هناك بعض الناجين الذين تنتظر الدولة منهم بعد سنين مورد رزقها من العملة التي يصعب عليها الفوز بها .
يقول الحكام إن الوضع دقيق ، ولكن ليست هذه هي المرة الأولى التي يعبرون فيها عن ذلك ، فقد رددوا تلك الجملة مرارا وتكرارا ، كما أن حلولهم المقترحة لإصلاحه هي نفسها بين لحظة وأخرى من لحظاته ، مثل تكوين حكومة مصغرة ومحاربة الفساد ، واغلاق باب الانتداب في الوظيفة ، وتشجيع الاستثمار ودعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة ، والاقتصاد التضامني وأخلقة السياسة ، والتوقيع على مواثيق الشرف ، ولكن دون نجاح يذكر.
يقول الشعب أيضا إن الوضع دقيق ، ولكن قواه الحية المغلولة يداها لها حلول أخرى، مثل تغير النظام السياسي والاقتصادي جملة وتفصيلا ، بقطع يد " الخارج " ويد " الداخل " الشريكين في الاستغلال ، بناء السيادة الوطنية وحمايتها وتوزيع الثروة بالعدل ، الاستثمار الوطني رئيسيا في الصناعة والفلاحة والصحة والتعليم والثقافة ، تصرخ دماء الشعب في عروقه مستعدا للموت لكى يعيش الوطن ويحقق تلك الآمال ، ويلعق جراحه ،ويتعافى جسده ، وتتجسد أحلامه في الحرية والعدل .
لقد جربت حلول الحكام فلم تأت بغير المزيد من المعضلات ، وبقي تجريب حلول الشعب ، ولكن التجربة في التاريخ غير التجربة في مخبر علم ، فهى تتعلق باستراجيا العمل ، وفق ما تفرضه موازين القوى ، قد تأتي تلك الحلول اليوم وقد تأتي غدا ، ولكن مجيئها لا ريب فيه ، ووقتها فإن تونس القادمة ستصبح حقيقة واقعة ليرقص الشعب..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين