الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس النكسة العربية ( 3) دور المثقفين في صناعة الطغاة

إلهامى الميرغنى

2003 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية



 


الحق قال الأولون :
( مات الذين يختشون ) !
ماتوا .. وعاش الداعرون ..
الفاجرون .
انظر إليهم يعرضون ..
عوراتهم .. مثل البغايا في المعابد !
ومثقفون ..
فيما يقال .. مثقفون !
الحق قال الأولون :
( مات الذين يختشون ) !
نجيب سرور
عندما نجتهد في البحث عن أسباب النكسة وما يترتب عليها من آثار في ظل الوجود المباشر للاستعمار بوجهه القبيح يدنس الأرض العربية وفى ظل بوادر انهيار على المستويين العالمى ( الأمم المتحدة ) حيث تحدت الولايات المتحدة وبريطانيا إرادة المجتمع الدولى وخاضوا الحرب رغم أنف الجميع مما يوحى ببداية النهاية للأمم المتحدة بوضعها الحالى ، وعلى المستوى الإقليمى في ظل عجز الأنظمة العربية وانهيار النظام العربى الذى راح يستنجد بالمستعمر في عام 1990 عند غزو الكويت والآن وقف موقف المتفرج العاجز مما دفع بعض الزعماء العرب مثل الرئيس مبارك لطرح التفكير في بناء نظام عربى جديد خارج الجامعة العربية العاجزة وبناء نظام جديد من الدول الموالية والمستسلمة للمخطط الاستعمارى والمعاونة على تنفيذ مخططات الهيمنة فى المنطقة .
وإذا كان الاستبداد وسيطرة الطغاة على الدول العربية هو سبب كل البلاء الذى وصلنا إليه وسبب كل النكسات العربية والنكبات المتوالية ، فإن المتأمل للظاهرة يجد أن بعض المثقفين أو شرائح من النخب المثقفة قد لعبوا دوراً هاماً في صنع الطغاة وصياغة خطاباتهم الوردية وتجميل وجه الاستبداد القبيح واعتلاء المناصب الرفيعة في حكومات الاستبداد بما يؤدى إلى التباس الأوضاع على العامة وانخداعهم بالأغانى التى يروجها المثقفون عن المستقبل الوردى وعن إقامة أوبرا وتماثيل رخام على الترع في كل قرية عربية.

وعلى امتداد التاريخ كان لكل حاكم شعراء يمجدونه ويمدحونه ويحيلون هزائمه انتصارات وتفاهته لمنجزات وفى عصرنا الحالى لا يزال المثقفون يلعبون نفس الدور من صعود عبد الناصر وحتى اختفاء صدام فقد ساهم قطاع من المثقفين المصريين في صنع صدام وعلى سبيل المثال فإن أثنين من أبرز مخرجى السينما العربية مثل صلاح أبو سيف وتوفيق صالح صنعوا أفلاماً تمجد صدام الأول هو (القادسية ) إبان الحرب مع إيران والثانى فيلم ( الليالى الطويلة ) عن قصة حياة صدام.
وعندما وقعت مصر اتفاقية العار في كامب ديفيد فتح صدام أبوابه لقطاع من المثقفين في ( إذاعة صوت مصر العروبة ) لينهالوا سبًا على السادات ـ وهو يستحق أكثر من ذلك ـ ولكنهم وقعوا في حبائل البعث الصدامى وتمجيده والنزح من أموال الشعب العراقى وعادوا الآن للظهور بمظهر المجد والبطولة والدفاع عن الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة ، وكما يقال فإن الأمريكان عثروا على كشوف بالرواتب والمبالغ التى كانت تصرف للآلاف من المثقفين العرب الذين اجروا عقولهم لصدام والأخ العقيد وأمثالهم دون أن يعبأو بمعاناة الشعوب التى ترزح تحت حكم هؤلاء الطغاة.
ويحضرنى في هذا المجال أن العديد من أساتذة الجامعات المصريين قد عملوا لفترات في العراق وتوجد قصة حكاها لى أحد أساتذة الاقتصاد الذى عمل لفترة كمستشار لصدام في الثمانينات وهى أن صدام استدعاه وطلب منه أن يعد كتاب عن التخطيط والتنمية لينشر باسم صدام وبعد عدة شهور أنتهى من الكتاب وذهب ليعرضه على صدام وكان الكتاب في حوالى 240 صفحة وإذا بالمهيب يقف في مجلسه ويصرخ فيه ( أيه ده يادكتور صدام يعمل كتاب أقل من ألف صفحة ) وما كان منه إلا أن اعتذر وخرج من الاجتماع وعاد إليه بعد عدة شهور بكتاب من 1200 صفحة لينشره صدام باسمه ويحصل صاحبنا على منحة معتبرة من المهيب القائد لا أرجع الله أيامه .
وهكذا على مدى التاريخ هناك من يؤجر عقله ويبيعه لمن يدفع وهو نوع من الدعارة السياسية التى يعتبرها البعض مسموح بها شرعاً وهى منتشرة على امتداد الوطن العربى من المحيط إلى الخليج ، وقد كتب نجيب سرور يصف ذلك منذ أكثر من ثلاثة عقود حين قال :
ما كان  " ابن هانىء " ..فى الحق لوطيا .. ولكن اللواطة أن تقول ..ما لا تريد ,
أو أن تريد ولا تقول !قالوا قديما : ( لا تخف إن قلت , واصمت لاتقل .. إن خفت ) .. لكنى أقول :الخوف قواد .. فحاذر أن تخاف !قل ما تريد لمن تريد كما تريد متى تريد ..
وهكذا يساهم بعض المثقفين في تجميل وجه الطاغية القبيح والمساهمة في تخدير الشعوب وبيع الأوهام والمناداة بالصبر والصمت كما كان يقال أيام السادات . وإذا كان تمثال صدام قد سقط في بغداد كأحد الأصنام العربية فإن باقى العواصم مليئة بالأصنام هبل واللاتى والعزة وعبد مناة . وقبل أن نتحرر من عبادة الأوثان السياسية للطغاة لن نتمكن من مواجهة تتار العصر ومغول العولمة.

وفى نفس الوقت فالصورة ليست قاتمة فهناك بعض المثقفين الغير قابلين للبيع والمتمسكين بمبادئهم والقابضين على الجمر من اجل مستقبل أفضل وهؤلاء عادة غير معروفين أو غير مشهورين ، بينما هناك الآن نجوم الفضائيات والأرجوزات الذين يجيدون الكلام في كل شئ والتنظير والتقعير في جميع القضايا وهم خبراء في كل مجالات الحياة رغم أن بعضهم لم يقرأ كتاباً منذ سنوات .ولكن هذه هى الحياة بثرائها وجدليتها وتفاعلها ولكن المشكلة هى أن المثقفين التجار هم الأكثر شهرة وأكثر انتشاراً ولكنهم الأقل قيمة لأنهم مجرد جوقة ومنشدين على أنغام الطغاة.

وإذا كانت مواجهة النكسة العربية الجديدة لا بد وان تبدأ وتنتهى بالديمقراطية وإنهاء حكم الطغاة وإسقاط باقى التماثيل القائمة فإن واجبنا هو فضح دور المثقفين الذين يبيعون الوهم ويساهمون في صنع الطغاة ويجملون القبيح ويضفون صفات على الطغاة ليست منهم في شئ فهؤلاء هم البضاعة الرائجة الآن في أسواق الإعلام العربى وكشفهم وتعريتهم هو خطوة هامة على طريق إسقاط الطغاة ومواجهة آثار النكسة وإزالة الوجود الاستعمارى من كافة المدن العربية ، علماً بأن تحرير القدس وتحرير بغداد يجب أن يبدأ بتحرير عمان والقاهرة وصنعاء وسقوط باقى التماثيل القابعة في الميادين العربية.


إلهامى الميرغنى
21/4/2003

 


 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي تداعيات إبطال محكمة العدل الأوروبية اتفاقيين تجاريين م


.. إسرائيل تستعد لشن هجوم -قوي وكبير- على إيران.. هل تستهدف الم




.. واشنطن بوست: تساؤلات بشأن مدى تضرر القواعد العسكرية الإسرائي


.. مسيرات تجوب مدنا يابانية تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة




.. رقعة | كيف أبدل إعصار هيلين ملامح بلدات نورث كارولينا في أمر