الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجندي الذهبي

مهند عبد الحميد

2006 / 6 / 28
القضية الفلسطينية


كم أنت مهم وثمين يا جلعاد! تقوم الدنيا ولا تقعد بحثاً عن سلامتك، يتحرك القادة والرؤساء والملوك ووزراء الخارجية والداخلية والسلك الدبلوماسي هنا وفي العالم الخارجي والإقليمي من أجل أن لا تمس شعرة واحدة في جسمك، وتحشد الجيوش براً وبحراً وجواً بانتظار صافرة الانقضاض على المجموعة التي أسرتك وعلى تنظيمها وكل التنظيمات، على الحكومة والرئيس والبرلمان وعلى مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة.
معك أنت يا جلعاد، زلزلت الأرض زلزالها، قطعت حكومتك الغذاء والدواء وربما الماء والكهرباء وأغلقت كل منافذ القطاع بما في ذلك منافذ الأنفاق القديمة والجديدة وأرسلت إنذاراتها الواحد تلو الآخر وساعة النهاية والبداية، ولا تتفاجأ من احتمال إعلان الفيفا إيقاف مونديال كأس العالم لكرة القدم كي لا تنصرف الشعوب عن متابعة مصيرك ثلاث ساعات في اليوم الواحد.
لقد دخلت التاريخ يا جلعاد، من باب نفق بدائي مظلم، وذلك حين كشفت على نحو قاطع عُري العالم الحر ونصف الحر، لا تستغرب فأنا لا أبالغ، وإذا شككت فلتعد بذاكرتك لأيام وأسابيع خلت، وتذكر مشهد الطفلة هدى غالية التي أطلقت صرخة النجدة للعالم أجمع وهي موزعة بين أشلاء عائلتها لم يرفع أحد سماعة الهاتف للاستفسار ولم يطالب أحد بالتحقيق في قضية إنسانية مثيرة للمشاعر، ولم يخرج لنصرة هذه الطفلة المنكوبة نصف ولا ثلث ولا حتى مستجيب واحد من بين كل الذين استجابوا لنصرتك يا جلعاد، وكأن النظام العالمي الجديد لا يكترث بالضحايا ولا بالضعفاء وخاصة اذا كانوا من الأطفال، كأن العالم يحترم المعتدين والأقوياء فقط ولا يحترم حتى الاغنياء اذا لم يكونوا أقوياء. ألم يعاقب النظام الدولي الشعب الفلسطيني على اختياره الديمقراطي بفرض عقوبات جماعية وحصار خانق! هنيئاً لكم بهذا النظام الدولي غير النزيه الذي سمح لكم بأن تكونوا فوق القانون.
قال قادتك يا جلعاد، إن المقاومة بكل أشكالها إرهاب، ورفضوا حتى ذلك الشكل من المقاومة الذي سمح به القانون الدولي واعتبره واجباً وحقاً من حقوق وواجبات اي شعب يتعرض للاحتلال. لقد تفننوا في إلصاق تهمة الإرهاب بالمقاومين وتنظيماتهم عندما كانوا يضربون أهدافاً مدنية إسرائيلية، لكنهم تعاملوا مع مقاومة جندي لجندي وداخل المواقع العسكرية بعيداً عن المدنيين باعتبارها إرهاباً أيضاً. لقد نزعتم الصفة الإنسانية عن الفلسطيني: المقاوم والمدني والطفل والمرأة الحامل والعجوز. وأجزتم قتله أو حرمانه من أبسط حقوقه، ورفضتم حقه في المقاومة المشروعة المجازة في القانون الدولي. في عرفكم ياسادة لا يحق للضحية أن تسترد حقوقها لا بأسلوب التفاوض ولا بأسلوب المقاومة ولا بأسلوب النضال السلمي ولا عبر مسيرة بلعين الأممية التي يشارك فيها إسرائيليون، ولا يجوز للضحية أن تدافع عن نفسها ولا بأي شكل من الأشكال. الجنرالات والقادة والوزراء يريدون أن تعلن الضحية هدنة من طرف واحد وأن يستمر العدوان الذي يجلب الدمار والموت لطرف واحد، إن هذا اللامعقول في طرفكم يا جلعاد خلق ثقافة شعبية عندنا لا تثق بالناظم القانوني لعلاقة الشعوب أثناء الحرب والصراع، وقد ولَّدت سياستكم يأساً شعبياً في صفوفنا من إمكانية تحقيق العدالة النسبية، وأصبح القانون الدولي والشرعية الدولية محط تساؤل.
كلما شارفت النيران على الانطفاء أيها الجندي المحظوظ بالشهرة والأهمية، أعاد جنرالاتكم إشعالها من جديد، لأنهم لا يرون غير عضلاتهم المفتولة التي يعتبرونها أداة وحيدة للقياس، فمنذ 39 عاماً من الاحتلال العسكري وهم يعتقدون بأن الحل هو عسكري أمني فني ومن خلال إملاء للشروط وفقاً لميزان القوى المختل بشكل ساحق لمصلحة إسرائيل، الجنرالات حكام إسرائيل لا يعترفون بالحقوق الفلسطينية ولا يعترفون بقدرة الشعب الفلسطيني على استمرار المقاومة والصمود من أجل انتزاع حقوقه أسوة بكل الشعوب التي انتزعت حريتها واستقلالها، لا يعترفون بحدود القوة التي يملكونها ولا باستحالة فرض الإملاءات على شعب يناضل من أجل حريته، ولا يعترفون بالطاقة الخلاقة للشعوب المناضلة كما اعترف بها كل الكولونياليين السابقين وأدى اعترافهم إلى تراجعهم عن الاحتلال والسيطرة على الشعوب الأخرى.
هل تعلم يا جلعاد أن في سجونكم ما يقارب العشرة آلاف معتقل وأسير من بينهم مئات الأطفال والأمهات والنساء ومناضلون تجاوزوا مدة محكوميتهم بكثير! هل تتخيل حجم معاناتهم ومعاناة ذويهم ليلاً ونهاراً وعلى مدى زمني طويل طويل. أنت تعلم الآن كما يعلم أهلك وأصدقاؤك معنى الأسر واحتجاز الحرية. لأول مرة في تاريخ الحروب رفضت حكومتكم الإفراج عن الأسرى في مفاوضات السلام بحجة أن أيديهم ملطخة بدماء اليهود، في الوقت الذي كان فيه أعضاء كنيست يباهون بقتل أحد جنرالاتهم أكبر عدد من الفلسطينيين، هل تعلم أيها الجندي الشهير أن التفريق بين دم ودم هو ضرب من ضروب العنصرية البغيضة. حكومتم يا جلعاد ترفض الإفراج عن الأسرى في وقت التفاوض والسلام وتضاعف عدد المعتقلين وقت الانتفاضة والحرب خمسة أضعاف.
ماذا بعد، تستطيع أيها الجندي الذهبي ومعك عائلتك ومحبوك أن تقولوا كلمة حق وتساهموا في خطوة إفراج أولى عنك وعن أسرى فلسطينيين قبل أن ترتكب حكومتك حماقة جديدة في ميدان الاستخدام المفرط لآلة الحرب التدميرية.
كاتب فلسطيني / رام الله








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اطفال الشطرة يرسمون لغزة


.. غانتس يهدد بانسحاب حزبه من حكومة الائتلاف ما لم يصادق نتانيا




.. مراسلتنا: استهداف موقع الرمثا الإسرائيلي في مزارع شبعا |#الظ


.. السعودية تشترط مسارا واضحا نحو إقامة دولة فلسطينية مقابل الت




.. الجيش الإسرائيلي يواصل تصعيده ضد محافظات رفح والوسطى وغزة وا