الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لكي لا تواصل اسرائيل تجاهل الممكن والبحث عن المستحيل

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2020 / 7 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


هل اسرائيل دولة عاقلة؟
قد لا يُستصاغ طرح سؤال كهذا من قبل من لا يدركون الكلية العقلانية لسلوك الدولة الطبيعية، وان كل مظاهر عدوانيتها انما هي اسقاطات من يحكمون تلك الدول. كما قد لا يقبل ممن لا يستطيعون النفاذ لامكانية الفصل بين الدولة واحد اهم اركان وجودها، ولكن تلك هي الحقيقة التي بها نُبرأ الجامد من حولنا من دنس ميولاتنا العدوانية، اومحدودية رؤيتنا للمتغيرات فيه.
فبمقاييس القوة والضعف التقليدية، اسرائيل دولة قوية او هكذا نريدها في مخيالنا حتى لا نبحث عن المعادل الذي يمكننا من استئناف الصراع وادارته وفقا لارادة تحقيق الانتصار بادوات غير تلك التي تجرنا اليها اسرائيل كادوات لا بديل عنها.
ولان الدولة عاقلة وعقلانية فان سلوكها يصبح كذلك عندما تتفق خيارات قادتها مع متطلبات تنمية قوتها التي تكون قد اصبحت عقل قادتها، ودافعهم في البحث عن تلك المتطلبات، كما نشاهد في السلوك القيادي الصيني الذي يتنزل اتصال الرئيس شي جين بينغ الاسبوع الماضي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اطاره لا في اطار صداقة شخصية تربط بين الرجلين وان كانت امكانية ذلك واردة. فسلوك الدولة العاقلة تحدده فقط الرغبة الواعية لدى قادتها في البحث عن تنمية قوتها وزيادة نفوذها.
ايضا ما زال الطرح غير متوازن ويفتقد لحجة الاقناع، ففلسطين واقصد هنا مناطق السلطة الوطنية ما الذي تملكه ظاهريا لكي لا يبقى اتصال جين بينغ بنظيره عباس عاديا وبروتوكوليا وفي افضل احواله رسالة لجهة ما ينوي من ورائها مكسبا ما.
لنتوقف عند هذه النقطة الاضعف في سياق الحدث الذي ينطوي على ما هو اكبر حيث يكفي ان نتأكد ان مجرد اعتبار فلسطين ورقة ما يمكن لدولة مثل الصين ان تفكر في استخدامها في اطار تفاعلاتها داخل الاقليم لنصل الى قناعة اننا قوة ما يمكن من خلالها الى جانب انواع اخرى لم نكتشفها بعد ان نعيد تركيب الصراع واستئنافه داخل مربعات تفتقر لها اسرئيل حتما لانه لو كان لديها مثيلا لها لما بحثت الصين عنها لدينا.
والعارفون في السياسة يدركون اهمية ان يبادر الرئيس شي جين للاتصال بالرئيس ابو مازن كما يدركون ما يقف وراء هذا الاتصال من اهداف، خاصة عندما يقال ان الرئيس الصيني اكد لنظيره الفلسطيني تمسك بلاده بحل الدولتين ودعمها لمقترح الرئيس عباس أمام مجلس الامن الدولي لعقد مؤتمر دولي للسلام وانها مستعدة للعب دور بناء وداعم لجهود الرباعية الدولية.
وفي خطوة للتأكيد على ما ذهب اليه الرئيس جين فان سفيره لدى السلطة قوه وي في مقابلة مع وكالة وفا بالاضافة الى تكراره لما جاء على لسان الرئيس وخاصة من دعم بلاده لحل الدولتين، فانه أوضح أن بلاده ستواصل تبادل الخبرات مع فلسطين دون تحفظ، وستفعل ما بوسعها لتوفير الدعم المادي والفني لتنفيذ المشاريع التي تؤدي إلى الدفع بالاقتصاد الفلسطيني، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين
وبدون العودة لتاريخ العلاقات الصينية بقضايا الصراع في الشرق الوسط فانه يمكن ان يلحظ بوضوح أنها علاقات تقوم على تبادل المصالح بعيدا عن الالتزام بالعقائد، وأن خط تلك السياسة متوازن، وهو في أغلب الأحيان يميل إلى التحفظ وتحيُّن الفرص وعدم الانجرار وراء المواقف العاطفية والقفز في الفراغ.
فعلى الرغم من انخراطها منذ اواخر اربعينيات القرن الماضي بالانحياز اكثر لقضايا التحرر في المنطقة غير انها لم تتخل عن نظرتها لاسرائيل كلاعب اساسي فأبقت على شعرة معاوية معها خاصة خلال فترة التحول في علاقاتها مع الاتحاد السوفييتي والاعتماد على الذات في التموضع داخل خارطة تفاعلات النظام الدولي.
ولكن المؤسف ان انهيارات النظام الاقليمي العربي التي بدأت مع كامب ديفيد واستمرت الى يوما هذا وترافقت مع تغيرات على مستوى النظام الدولي اعاد لشعرة معاوية تلك مزيدا من الحيوية تناسبت وحجم هذه الانهيارات من ناحية والتغيرات النوعية في فلسفة السياسة الخارجية الامريكية منذ وصول ترامب الى البيت الابيض من ناحية الثانية.
فقد احيت حكومة نتنياهو فكرة بن غوريون حول ضرورة الاهتمام الاسرائيلي بالدور العالمي للصين المستقبلية ونجحت في بناء علاقة خدمية معها اثارت قلق الولايات المتحدة ودفعت بومبيو لزيارة اسرائيل وتحذيرها من مخاطرعدم الانتباه إلى الاستثمارات الصينية ووجهت إنذارا واضحا بعدم السماح بزحف الأعمال الصينية إلى اهم موانئ اسرائيل حيث وقّعت مجموعة موانئ شانغهاي الدولية عقدا لبناء جناح في ميناء حيفا الذي يستخدمه، الأسطول السادس مع استئجارالمنشأة لاحقا لمدة 25 عاما. كما لوحظ نزوعا صينيا مماثلا نحو مدينة أشدود الساحلية.
واذا صح بعض ما تداولته وسائل الاعلام الإسرائيلية والأمريكية حول نجاح نتنياهو باقناع بومبيو بضرورة استمرار التعاون مع الصني لابقاء التمدد الصيني تحت العين المشتركة لهما فان مبادرة الرئيس شي جين للاتصال بالرئيس أبو مازن وحماسته لتبني مواقفة ودعوته لمؤتمر دولي تحمل في طياتها العديد من المؤشرات على الدور الحيوي لفلسطين في تفاعلات صين المستقبل الإقليمية، وضرورة اقلاع إسرائيل عن التشبث بالمستحيل والانصياع لمستلزمات هذا الدور المستقبلي الذي يقتضي سلوكا إسرائيليا عاقلا وعقلانيا يتحرك في اطار الممكن ويعترف بالحقوق الوطنية الفلسطينية كما اقرتها قرارات الشرعية الدولية.
ويبقى على القيادة الفلسطينية البحث عن سبل تطوير هذه الرؤية الصينية والدفع بها لتتحول الى جزء من آلية عمل على مستوى اختياراتها الاستراتيجية في الإقليم من شأنها وضع حد لسياسات اسرائيل بتجاهل هذا الممكن والبحث عن المستحيل.
هاني الروسان/ أستاذ الاعلام والاتصال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب