الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يحمل الغرباء في سوريا السلاح؟

سلطان الرفاعي

2006 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية



منذ أكثر من خمسة عشر يوما، تقدمنا بطلب إلى الجهات الأمنية، من أجل القيام برحلة إلى كفر سيتا، القريبة من طرطوس، على البحر المتوسط. قيل لنا تحتاجون إلى موافقة أمنية، تقدمنا بها، وفرح الجميع، فالرحلة قد تحدد وقتها، 25 من الشهر الجاري. الجميع يتحدث عن الرحلة، الكبار والصغار، وينتظر؟ ولم تحضر الموافقة الأمنية، ولم يفرح الأطفال، وبات الحزن والوجوم يعلو سحنة الكبير والصغير. لماذا ؟ ألا نستطيع أن نقيم رحلة، داخل القطر العربي السوري.

كيف نبرر لصغار قبل الكبار، أننا لا نستطيع أن نذهب إلى البحر، لأن الموافقة الأمنية، المكرمة الشاهانية لم تحضر.

قال أحدهم بأسى: منعوا علينا كل شيء.سوى الحد الأدنى للحياة حتى لا نموت بالجوع أو ننزل إلى الشوارع لنتسول


عند مدخل دمشق، وأنت قادم من حمص أو حلب، ترى مكاتب السيارات، أو بالأحرى يرى المواطن السوري مكاتب السيارات. ولعله يتساءل متى نبتت كل هذه المكاتب؟ وكيف يزداد عدد المكاتب والسيارات ، ويزداد الفقر في بلادي أكثر وأكثر.

مطاعم، ملاهي، كافيتريات. تزداد ويزداد الفقر معها.

التاجر السوري(المسؤول أو أبنه)، ولأنه يعيش في حال من عدم الاستقرار، يريد أن يأخذ أرباحه، وبسرعة قصوى، غير عابئ لا بمواطن ولا بوطن.



وورن بافت -اوماها-نبراسكا. أمريكا- ثاني أغنى رجل في العالم، قرر أن يهب الجمعيات الخيرية، والتي أسسها السيد بيل غيتس، أول غني في العالم، قرر أن يهبها، 80% من أمواله، نعم ثمانون بالمئة من أمواله الطائلة.

تصرف هذا الأمريكي يطرح عدة تساؤلات. هل يدخل الجنة أولا؟ . هل هناك ما يماثله في بلادي ثانيا؟ أين تجارنا من المشاريع الخيرية ؟

تد ترنر زوج جين فوندا السابق، تبرع بمبلغ مليار وليس مليون ودولار وليس ليرة سورية، لمنظمة اليونسف، من أجل الاهتمام أكثر والاعتناء بالأطفال، المشردين.

حادثة جرمانا، لم أكن أريد الحديث عنها أبدا. عدة اتصالات من عدة وكالات للأنباء، سألوا ما لذي حدث في جرمانا؟ وكنت أجيب الجميع: لم أكن حاضرا، مع العلم أنني كنت في القصة منذ بدايتها.

عندما يركض الطبيب والمحامي والمهندس، وراء مكرو الباص، محملا بحاجياته ، ويُلقي بتعبه وألمه على مقعد المكرو، ويطل من النافذة، ليرى الخليجي والعراقي والغريب، ممتطيا أفخم السيارات. يدمع قلبه، هل سمعتم بأن القلب يدمع، نعم قلوبنا تدمع. القلب يدمع عندما يشتهي هذا المواطن، فروج البروستد، يأكله مع زوجته وأولاده، ويُشاهد الغريب، في المطاعم، يأكل، أو يحمل ما لذ وطاب. يدمع القلب، عندما يمر المواطن، من أمام باعة الخضار والفواكه، ويُدير وجهه، أو يُغير طريقه، خوفا من سؤال ولده: عن اسم نوع من الموجودات والتي لا يعرف حتى اسمها.

يدمع القلب، عندما يُشاهد كل هذا الغنى الذي تتمتع به الشعوب المجاورة، وهو مكتوب عليه الفقر والتعتير، لأنه ولد هنا، وسيموت هنا.

لماذا على المواطن السوري، أن يدفع رفاهية، لأبن المسئول حتى يتمتع؟ بينما المواطن لا يحق له أن يعيش حياة كريمة ما لم يدفع ضريبة الرفاهية.

أعود إلى قصة جرمانا، وهي مرتبطة بكل ما سبق، الذين خرجوا، ليس لديهم ما يخسروه، شباب عاطل عن العمل، يعيش على لقمة الغريب، يعيش على ما لم تستطع دولته أن توفره له، وبالتالي فهو عاطل، ليس لديه ما يشغله، ولا يهتم بمصيره، إذا كان السجن أو القبر.

قصة جرمانا، ليست قصة شخص قتل شخص، بل هي قصة ممكن أن تحدث في كل القطر. إنها قصة فقر قتل شعب.

عندما خرج شباب جرمانا خلف فقيدهم، يُطلقون النار في الهواء، ليس حزنا فقط عليه، إنما حزنا على أنفسهم، ومستقبلهم، وما تخبئه لهم الأيام القادمة. يُطلقون النار ألما وحرقة على وضعهم المزري.

في أيار عام 1968، أطلق الشباب الفرنسي من على مدرج جامعة السوربون شعاراتهم التي حملت العبارات التالية:

الثورة البرجوازية ثورة قانونية.

الثورة البروليتارية ثورة اقتصادية

أما ثورتنا فهي ثورة ثقافية نفسية.

وأما ثورتنا فهي اجتماعية اقتصادية.

الطلب الأخير لم يكن للشباب الفرنسي، إنما هو طلب الشباب في مدينة جرمانا.

منذ عشرات السنين لم نر في مدينة جرمانا مشروع اقتصادي واحد. تقوم به الدولة لصالح هؤلاء الشباب، العاطلين عن العمل، والذين لا يجدون أمامهم إلا المكاتب العقارية ومشاكلها ليعملوا بها متخلين، عن كثير من مبادئهم وقيمهم، في سبيل لقمة العيش، والتي أصبحت ملوثة.

الفيلسوف النمساوي، اريك هوم: إن سنوات الانتظار -انتظار الشباب وانتظار الموت- ليست داخلة في الحسبان فالعمر هو ما يعيشه البشر، وليس ما يتواجدون فيه مجرد تواجد على الأرض.وبالتالي فالشباب يمثل العمر الحقيقي للإنسان، ونرى كيف يمضيه شباب جرمانا. وعلينا ألا نغفل أن الشباب هم أكثر فئات المجتمع تأثرا بنتائج التغيرات الاجتماعية السريعة، وهو ما يحصل اليوم في جرمانا، فمنذ خمس سنوات فقط، لم يكن هناك مطعم واحد، واليوم ترى العشرات من المطاعم، وحتى أماكن اللهو والبلياردو، وبأعداد كبيرة.

الشباب في فورة محاولاته التخلص من كافة الضغوط وأشكال القهر المتسلطة عليه من أجل التأكيد على التعبير عن ذاته، يصطدم بواقعه المؤلم. الذي لا فرار منه. فأبواب العلم، قد أغلقت بسبب الفقر، وأبواب الرزق ضاقت، ولم يبق إلا أبواب الشطارة وال-----.

لا تلوموا شباب جرمانا على (الخطأ) الذي ارتكبوه، ففي كل قلب شلالات من الدموع والأسى، لا تحتاج إلا لثقب صغيرة حتى تنفجر وتسيل، وتجرف كل ما يقف في طريقها.



فيما يتعلق برؤية الطبيعة الإنسانية يقف (هوبز وروسو) موقفان متناقضان : الإنسان بطبعه شرير(هوبز)

الإنسان بطبعه خير (روسو).

في جرمانا كنا نرصد بوضوح أخلاق شعب يغني قصائد الرجولة، والتسامح وحماية الضعفاء، والتضامن والنضال، والشجاعة، واحترام المرأة والدفاع عنها، الأخلاق العائلية، الشعور بالكرامة، و----أشياء كثيرة أخرى.

واليوم، وفي خضم الفقر والجوع والبطالة، يبدو أن كل هذه القيم بدأت تضمحل وتذوب، ليحل مكانها الغضب والأسى والألم وفقدان التسامح.



كان العراقيون القاطنون في جرمانا يقولون: إن الشعب السوري شعب مهذب جدا.

نعم نحن شعب مهذب، ولكن إلى حد ما!

لماذا يحمل الغرباء في سوريا السلاح؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 59.39%.. نسبة المشاركة الأعلى منذ الدورة الأولى من انتخابات


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: لماذا الإقبال -القياسي- على ص




.. الانتخابات التشريعية في فرنسا.. ما دور الجمعية العامة؟


.. أميركا.. بايدن يجتمع مع عائلته اليوم لمناقشة مستقبل حملته ال




.. 3 قتلى من حزب الله في قصف إسرائيلي على بلدة -حولا- جنوبي لبن