الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو عيش اللحظة بتفاصيلها

هادي معزوز

2020 / 7 / 29
العولمة وتطورات العالم المعاصر


ـ فرانسواز داستور ـ
ترجمة وتقديم: هادي معزوز

عندما نتلقف كتابات نيتشه بنهم، سواء المتقدمة منها أو المتأخرة، نشعر أننا اكتسبنا جرعة زائدة جدا في الحياة ونحوها أيضا.. ولا شك أن تباشير الإرث الإغريقي خاصة ثنائية الأبولونية والديونيزية، إضافة إلى تأويل القصة الشهيرة التي حدثت بين أبولون والملك ميداس وبان pan، ناهيك عما تركته لنا التراجيديات الكبرى في هذا الصدد، لا يمكن إلا أن يجعلوا من نيتشه نبي القرن التاسع عشر وإن كانت النبوة هنا ترفض الأتباع ولا تؤمن بثبات النص المقدس، بيد أن أهم درس يمكن استخلاصه في هذا الصدد يكمن في استعادة الحياة والتصالح معها.. تصالح يعبر من ضفة الرفض إلى مأمن القبول.. يقول لنا بكل ثقة في النفس: "اقبل بما يحدث لك لأنه تمكن من الحصول وفق شروط معقدة، بل ووفق إرادة قوة ليس لك منها سوى الطاعة والإذعان.." صحيح أنه تمرين شاق جدا لكنه يمنحنا بالضرورة جرعة استقبال الحياة بدل طردها ورفضها.. في هذا النص القصير للفيلسوفة الفرنسية فرانسواز داستور، يمكن أن نلمس حضور هذه الروح التراجيدية وإن كانت بعيون فينومينولوجية تروم إعادة قراءة مصير إنسان الأزمنة الحديثة، إلا أنها تمكنت وبفنية منقطعة النظير من أن تقدم لنا قراءة ممتعة لأبرز حدث طبع هذه السنة التي نحن فيها، ألا وهو تفشي جائحة فيروس كوفيد ـ 19.. نص يعيدنا ومن حيث لا ندري إلى لغز الحياة وعلاقتها بالإنسان.. نص يمكن اعتباره بمثابة لقاح معنوي ضد الفيروس.. أي ضد الخوف من الموت، وإن كان الوقوف "ضدا" في هذه الصدد يروم الاقتراب وليس الابتعاد، التناقض وليس الاكتمال، وأخيرا هو ضد يسعى إلى قبول ما لا يُقبل دون حضور الرفض أي الانفلات مما يحدث..
إن أهم شيء بات موضع تساؤل جدي في أيامنا هذه هو موضوع العولمة، والحق أن هذا الأمر سيدعونا لا محالة إلى إعادة ربط حوار مع كتاب مؤسِّسٍ طبع سنوات الستينات في هذا الشأن، ألا وهو المؤلَّفُ الموسوم "بالإنسان ذو البعد الواحد." لأحد تلامذة الفيلسوف الألماني هايدغر، والذي ليس إلا هربرت ماركوز. عندما نعود إلى الكتاب سالف الذكر نجد أن تيمته كانت تصب بالأساس في نقد اختزال إنسانيتنا، وذلك من خلال مرجع وحيد ألا وهو "البعد الواحد" الذي يجعل من الإنسان كائنا مستهلكا، بل وخاضعا إلى أشكال عيش نمطية بما أنه بات منتوجا من طرف الصناعة الليبرالية.
وبناء على ما تقدم، فقد بات الشغل الشاغل لحضارتنا هو الترويج للسياحة الجماعية وفلكلورية الثقافات، إنه بمثابة ترفيه متجانس (ظهر بشكل كبير في الولايات المتحدة الأمريكية) حيث حلت فيه اللغة العفوية وغير المهيكلة مكان التنوع اللغوي. وكنتيجة لهيمنة ثقافة الترفيه هذه، أصبحنا نحاول الانفلات من همِّ التعمق في الأشياء، والذي هو من صلبنا في الأصل: إنه ذلك المتعلق بضرورة الوعي بما هو مهم بالنسبة للفانين الذين هم نحن، بل والعمل على العودة إليه.
تمكن الحجر الصحي من أن يعيدنا إلى أنفسنا، لقد دعانا إلى إعادة التفكير في سؤال امتداد الزمن وطوله، بل واستفسرنا عن طبيعة علاقتنا بالبيئة الحالية وعن مدى عيشنا حقا لحاضرنا، لأن الحاضر هو هذا البعد المهم الذي يتراجع فيه كل الماضي، و يتوقع من خلاله كل المستقبل، وهو ما يطلق عليه مفكر الزمن هوسرل اسم "الحاضر المعاش" وذلك من أجل تمييزه عن الحاضر الميت الذي يتلخص في هذه الذرة والتي ليست إلا اللحظة المنشطرة بشكل دائم على مسار الزمن.
أن تعيش في اللحظة معناه أنك تنفتح على الوضعية التي نشغلها في العالم، إننا نجعل منها لحظة قابلة للتجدد باستمرار كما يقول هايدغر، والبنسبة إليه وكما هو معلوم فإن الإنسان كائن وُجد من أجل الموت، أي أن مآله الموت ولا شيء غيره. وقد سمى هذا الأمر بالإنسان الذي سيصير ميتا. بيد أن هذا لا يعني مجابهة التفكير في الموت والتعرف عليه عن قرب، ولكن من أجل النظر إليه كامتياز بدل اعتباره اكتمالا وهذا هو عمق الوجود الإنساني بطبيعة الحال. وتبعا لذلك فإن قلق الموت ليس متوافقا مع مرح الوجود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟