الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضرورية العلمانية بالنسبة للدولة الحديثة

سعيد علم الدين

2006 / 7 / 1
ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع


العلمانية ليست من الكماليات المتممة لتجميل الدولة الحديثة، كحلق السياسيين للشوارب واللحى، ولبس السيدات لآخر تقليعات الأزياء الباريسية، وظهور الرؤساء بالبدلات الفاخرة وربطات العنق الأنيقة وإلى جانبهم عقيلاتهم، أو كتزيين الشوارع بالمصابيح الكهربائية والأشجار، والساحات العامة بالمقاعد ونافورات المياه، ومراكز البلاد بالبنايات الشاهقة وأسواق الشراء المتلألئة بالأنوار، ليس هذا من العلمانية في شيء وذاك، وإنما هي ضرورة من الضروريات الأساسية المتممة لقيام الدولة الحديثة بواجباتها الملقاة على عاتقها على أتم وجه: كدولة عصرية تقود سياسة البلاد باعتدال وحكمة وعقلانية تؤدي إلى النجاح، وتعمل بدراية وصمت على تحقيق الأهداف التي يتوخاها مجتمعها منها، وليس برفع الشعارات التي لا يمكن أن تحققها حتى في أحلام أطفالها. وكدولة تعمل على تطبيق القانون على جميع مواطنيها بالتساوي لا فرق بين هامات سياسية ومقامات دينية، ولا بين رئيس جمهورية وعامل بلدية، فالكل أمام القانون سواسية. وكدولة تحكم مجتمعها بسلطاتها الشرعية المستمدة من إرادة شعبها الحرة الديمقراطية والسير به بتؤدة إلى العلا: عِلما وفكرا وتقدما وحضارة وانفتاحا على العالم. كدولة تتعاطى مع العالم دون تعقيد تاريخي وعقد ماضوية بائدة، ومن خلال قرارها السياسي الحر المتحرر من كل الهيمنات وبالأخص الهيمنة الدينية التراثية التقليدية الثقيلة الوطء المتجذرة منذ آلاف السنوات بإيجابياتها وسلبياتها والتي تبجل القديم إلى حد القداسة وتنظر إلى كل تقدم وجديد وفكر منفتح على روح العصر بريبة وخوف وذعر، وعناد صبياني، شرس عدواني، غير عقلاني، جامدة لا ترضى بالتغيير إلا بعد أن يفرض عليها فرضا، رافضة لا تقبل الإصلاح المطلوب إلا بعد أن تسير الأمور بالمقلوب، فارضة بذلك على مجتمعها التأخر عن المجتمعات الناجحة الأخرى مئات السنوات الضوئية. ولهذا فلا عجب أن تصل ناس إلى القمر وناس تعيش في الحفر.
وكما هو معروف في علم التربية ومن تجارب الحياة، فإن الطفل العنيد لا يمكن التعامل معه بالرضوخ لعناده وتلبية طلباته تنفيذا لإرادته الصبيانية، وإنما بمعالجة شراسته بحزم، وردع عدوانيته بلجم، والتغلب على عناده بلطف، تماشيا مع قواعد التربية الصحيحة، وإلا فإننا نضره بليونتنا، وتراخينا ضررا شديدا ونعمل دون أن ندري على تحويله إلى :
- طفلا مدللا لا يعجبه عجب، إذا سلمته إصبعا طلب اليد كاملة حتى الكتف، هذا إذ لم يحرق أصابعه وبيته ومجتمعه بعيدان الثقاب التي يشعلها فرِحا، أو بمعاركه التي يلهبها حمقا، وحروبه الضروس التي يضرسُ بها شعبه ألما،
- وشابّا فاشلا، مهملا لا يرى أخطاءه، بل يتذاكى بتبريرها ويُحَمِّلُها بخفة للآخرين، ومغرورا متعجرفا لا خير فيه لنفسه، فكيف لمجتمعه!
- ورجلا متهورا في تصرفاته، مغامرا خطِرا يُقْدِمُ على ما لا تحمد عقباه. فكيف إذا كان رئيسا تافها، ارتكب بحماقته إجراما، أو أشعل حربا دمر وطنا!
ومن هنا فعدم الرضوخ لتحقيق طلبات الطفل العنيد ووضع الحدود له ليعرف قدره ويقف عنده، ويمد رجليه على قد بساطه، مهم جدا لتشذيب سلوكه، وإصلاح شخصيته، وعقلنة تصرفاته. الحدود المطلوبة هنا بالنسبة للدولة الحديثة هي في كيفية التعامل مع طفلها العنيد، اي الفصل الكامل بين السياسة والدين ونقصد سياسة الدولة ومن يمثلها من نساء ورجال وأنظمة وقوانين، والدين ومن يمثله من رجال تستغله في معظم الأحيان لمآربها المادية قبل الروحية، وحركات سياسية تُسيسه وتدغدغ بشعاراتها مشاعر الجماهير للوصول إلى أهدافها السلطوية التسلطية للاستبداد بالمجتمع.
وهل تتعامل مصر التي تدَّعي العلمانية كدولة حديثة عصرية متطورة مع طفلها العنيد حركة الإخوان المسلمين تعاملا ناجعا؟
لا نعتقد بذلك!
فالدولة المصرية عندما تشن من خلال الأزهر حربا شعواء لمنع الكتب ومصادرتها، وملاحقة الكتاب وتهجير المفكرين وقمع الشعراء الأحرار، ونفي المجتهد د. نصر حامد أبو زيد والتفريق بينه وبين عقيلته، الأستاذة ابتهال يونس. ومحاولة التفريق الفاشلة بين الكاتبة الجريئة د.نوال السعداوي وزوجها. وعدم استطاعتها حماية الكاتب المستنير سيد القمني من تهديد الجهلة مما أدى إلى هجرته إلى أمريكا. هناك أمثلة كثيرة جدا من القهر والقتل والتهديد والقمع والسجن وقطع الأعناق والأرزاق والطرد من الوظيفة لأصحاب العقول الحرة في مصر وكل العالم العربي. هنا في الشرق المنكوب الآية تقرأ بالمقلوب، فالمجتهد المفكر اللامع بدل شكره على تقديم عصارة أفكاره لخدمة مجتمعه والمساهمة في تقدمه، يحارب بكل شراسة من قبل الأنظمة المتسترة بالعلمانية وهي في الأصل دينية مزيفة تحكمها جماعات الإخوان من وراء الستار، بالتهديد والوعيد والإرهاب لكل من يعارض أطروحاتهم حتى الحكومة تهابهم.
وماذا يبقى لأنظمة الحيص بيص وجماعات التنصيص عندما يهاجر العقل العربي ويترك أمته ويبدع في الغرب؟
إن مصر كأكبر وأعرق دولة في المشرق العربي تتحمل مسؤولية كبيرة في تنوير المنطقة وتقدمها، ولكن للأسف فما يحدث في مصر يدل دلالة واضحة على أنها دولة دينية متخلفة على النسق الأزهري الأخواني تتستر بقشور العلمانية من ملبس ومظهر، وتتبرقع بالديمقراطية تبرقعا كالبرقع الأفغاني.
فكيف ستكون مصر دولة علمانية تفصل بين السياسة والدين عندما تعتبر أن القوانين في دستورها مستمدة من الشريعة والكتاب والسنة. هي بذلك تكون قد ضربت علمانيتها في الصميم وكافأت طفلها العنيد بل شجعته ومعه كل الحركات الجهادية على أسلمة المجتمع والمطالبة بالمزيد بدل لجمه ورسم الحدود له. فالحركات الإسلامية كلها حركات قامعة لمجتمعاتها وإذا سلمتهم الإصبع بلعوا اليد كاملة حتى الكتف.
كيف ستكون مصر دولة علمانية حيادية عصرية حديثة وهي ما زالت تعمل بقانون الحسبة الذي يذكرنا بالقرون الوسطى ومظالم محاكم التفتيش لمحاربة المسلمين الأندلسيين وتنصيرهم ومعاقبة الخارجين عن المسيحية بتهمة الزندقة والتجديف بالحرق والقتل والاضطهاد والسحل.
لقد أعطى قانون الحسبة المصري النائب العام الحق في تحريك دعوى الحسبة ضد الشخص الذي يتعرض للأديان أو الثوابت. وهل الأديان والثوابت عاجزة إلى هذا الحد للدفاع عن نفسها بالحجة والمنطق والفكر والكلمة، وبحاجة إلى نائب عام ليدافع عنها؟ وكأن الكتاب والمثقفين والمفكرين يهاجمونها بالمدافع والصواريخ؟ مع أن وسائل الإعلام كلها وفي كل الدول العربية والإسلامية بأيدي الثوابت والاسلاميين وثرثرتهم التي ملأت الأرض والسماء ضجيجا.
لقد تم على يد نابليون بونابرت تخليص البشرية من مظالم محاكم التفتيش، من يخلص المثقفين المصريين والعرب من مظالم قانون الحسبة ؟
ولهذا نستطيع القول أن علمانية مصر هي علماشية. أي علمانية على الماشي وهذه مضرة جدا للدين والدولة ولمفهوم العلمانية الذي يتحول إلى مشجب مريح يعلق عليه الإسلاميون خيباتهم وأهل النظام إخفاقاتهم. ولا عجب بعد ذلك أن ينجح الإخوان بالانتخابات من خلال دغدغة المشاعر الدينية واللعب بعواطف السذج.
ما يدعو هنا إلى عجب العجاب كيف أن دولة الخلافة العثمانية داس عليها عسكر أتاتورك بالقبقاب وكيف أن حركة الاخوان المسلمين قامت من أجل المطالبة بعودة دولة الخلافة، مع أنه لو أن دولة الخلافة بخير لما غرقت أصلا في مياه الحمام التركي دون عودة.
" الإخوان المسلمون" هم طفل مصر المدلل ولقد دللهم السادات فاغتالوه. اذا أرادوا الخير لشعبهم حقا فعليهم أن يطالبوا بفصل الدين عن السياسة فصلا قاطعا تماما ككل الدول الناجحة المتحضرة في العالم. ويستطيعوا المشاركة في الحكم من خلال النظام الديمقراطي العلماني التعددي الذي يتسع لكل الديمقراطيين المسلمين وغير المسلمين ولا يعادي الدين بل يحافظ عليه اكثر من الدولة الدينية التي تشوهه.
يقول الكاتب المصري مأمون فندي عن الطفل العنيد في إحدى مقالاته في " الشرق الأوسط" التالي: لذا أراه واجبا واساسيا ان تردع كل الدول العربية جماعات الاخوان المسلمين في بلادها، قائلة لها ان أمن الاردن واستقراره هو خط أحمر، وليس خطاً من خطوط المناورات السياسية".
أزيد على ذلك قائلا أنه ليس استقرار الأردن وإنما استقرار العالم العربي كله خط أحمر. ويكفينا ما سببته الحركات الإسلامية من مآس ومجازر تقشعر لها الأبدان في الجزائر. برلين 06.06.26








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فولكسفاغن على خطى كوداك؟| الأخبار


.. هل ينجح الرئيس الأميركي القادم في إنهاء حروب العالم؟ | #بزنس




.. الإعلام الإسرائيلي يناقش الخسائر التي تكبدها الجيش خلال الحر


.. نافذة من أمريكا.. أيام قليلة قبل تحديد هوية الساكن الجديد لل




.. مواجهة قوية في قرعة ربع نهائي كأس الرابطة الإنكليزية