الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية رايات الموت

الغربي عمران

2020 / 7 / 31
الادب والفن


رايات الموت.. تماس معنى التطرف..
جلدية الارهاب والدين ..
هاني القط.. روئي وقاص مصري يمزج في أحداث روايته "رايات الموت" بين ما وقع والمتخيل ليعيد لنا مشهد مجزرة معبد حتشبسوت في وادي الموت بالأقصر.. تلك التي راح ضحيته قبل عدة سنوات أكثر من ستين سائح ومواطن مصري. وبفنية يبدأ بوصف ما حدث.. لحظات أمطر المتطرفين بزخات من الرصاص. ليتساقط العشرات بين قتيل وجريح.. بل وتمادوا إلى استخدام الخناجر والفؤوس تقطيعا.
القط يبدأ بوصف المجزرة.. ثم على مدى 330 صفحة.. توزعت على 31 فصلاً.. يعود بالقارئ ليسرد ماضي شخصيات الرواية.. من سعيد عضو المجموعة التي نفذت المجزرة.. إلى ويليام.. أحد الضحايا.. وهو شاعر إنجليزي. إلى شخصيات أخرى منها: جانيت زوجة ويليام.. مالك الإدريسي الجراج الذي حاول إنقاذ ويليام.. جاسمين باحثة عن شهرة تحاول تأليف كتاب حول المجزرة.. زينب زوجة المتطرف سعيد وحبيبة المرشد السياحي احمد الرفاعي.. أبو مصعب زعيم متطرف.. إلى شخصيات أخرى منهم ضباط مباحث.. وجيران.. وزملاء الرحلة.. وزملاء سعيد من أعضاء الجماعة.
الكاتب لم يدن أي طرف بصورة مباشرة.. فبعودته إلى ماضي تلك الشخصيات نجد أن الضحية والجلاد.. من ويليام إلى سعيد وتلك العناصر التي تجندها الجماعات المتطرفة.. ما هي إلى نتاج ظروف أنتجتها.. من الفقر إلى البطالة.. وخراب التعليم.. إلى بيئة الأحياء المهمشة التي تعيش مجتمعاتها بعيدا عن رعاية الدولة أو الاهتمام بشبابها. ليستنتج المتلقي بأن الجميع ضحايا بداية بمن قُتلوا في تلك المجزرة.. ونهاية بالقتلة وقد ساهم الجميع في ماهم عليه من سوء.
بناء الرواية لم يأتي تقليدي.. أي في مسار تصاعدي.. إذ عمد الكاتب إلى نسج أحداثها في عدة مسارات.. منها الحاضر المتصاعد.. ومنها تلك الخلفية التي أنتجت سعيد الإرهابي.. ومسار لحكاية جانيت وويليام بداية من لقاهم الأول في إحدى الأمسيات الشعرية. وهكذا بقية المسارات الحكائية. أثناء القراءة يخال للقارئ أن تلك المسارات لن تلتقي.. فسعيد المتحرش يعيش في حي الشافعي بـ"أمبابة".. التي يتندر المصريون بتسميتها الصين الشعبية.. ثم تلك العلاقة بأبي مصعب القيادي في إحدى الجماعات المتطرفة.. والتي نشأت بحكم الجيرة. إلى زينب وزواجها من سعيد.. وحكاية حبها لأحمد الرفاعي .. وهكذا إلى آخر تلك المسارات التي تشابه روافد نهر الرواية الواسع.
الكاتب عالج ثيمة العلاقة بين أجهزة المخابرات وتلك الجماعات المتطرفة.. من خلال سعيد المتحرش.. وكيفية تجنيد تلك العناصر.. من قبل الطرفين.. بداية وقوع سعيد في قبضة الشرطة بعد أن ضبط متحرشا بسيدة وسط زحام الأوتوبيس. ما أن تعالى صراخ السيدة .. حتى هرع من حولها بأحذيتهم وأكفهم وأقدامهم ضربا ولطما "سيتحدث معظم الركاب بفخر بقية اليوم في كل مكان يذهبون اليه عن بطولاتهم تلك.. وكذلك سينسج الجبناء الذين لم يبرحوا مقاعدهم بطولات زائفة". ثم سلم لأول كمين عسكري. وبعد التحقيق في القسم.. فكر المحقق بتجنيده بعد أن عرف بأنه من سكان حي أمبابه حيث أوكار عناصر الجماعات.. أن يرصد حركة أحد الرؤوس الخطرة ..وأن يكون عينهم هناك "فور علمهم من مصادر بخبر عودة أبو مصعب من أفغانستان مرورا بالسودان التي تسلل منها إلى مصر". ليطلق سراحه بعد موافقته "حينها اخبره انه في طريقه ليكون رجلهم.. وعندها سيجد كل ابواب الدنيا مفتوحة على مصراعيها". ذلك حدث منذ مدة .. ليستمر الكاتب يحكي تنافس أبو مصعب والشرطة على تجنيد سعيد.. حينها نجح في استقطابه بعد أن عقد له على إحدى عناصرهم.. شارطا عليه ثلاثة شروط.. الالتزام بالصلوات الخمس.. التردد على مسجد الفتح بابمباة .. بيع نفسه لله. وحتى بعد أن أعادت الشرطة اعتقال سعيد مرة أخرى.. كان ميله قد حدد مع الجماعة التي أخرجته بعد الإفراج عنه إلى الصحراء ليتلقى تدريبات على استخدام السلاح.. وتأهيله التأهيل الجهادي.. وحتى تنفيذه العملية ضمن مجموعة تتكون من ستة عناصر.
الكاتب ل يعواد بالقارئ إلى مضاي كل شخصية.. لتتقارب الأحداث وتتصل حتى وقوع مجزرة معبد حتشبسوت بوادي الموت.. ثم ينتقل بالمتلقي للحاضر ومعاناة وليم الذي سكنت جسده عدة طلقات احداها في جدار القلب.. ما جعله لفترة بين الحياة والموت.. حتى قدوم زوجته جانيت من لندن.. والكاتبة جاسمين الحالمة بمجد انجاز كتاب عن علاقتها المزعومة به.
ثيمة أخرى.. وهي توجيه أصابع الاتهام إلى الأجهزة الأمنية.. وتلك الممارسات الوحشية على كل من يقع بين مخالبها.. وقد صور الكاتب تلك الممارسات اللا انسانية.. ناقلا لنا عبر سعيد الذي اقتياد مرة أخرى.. ليودع في أحد السجون.. ويودع في زنزانة انفرادية لعدة ليالي.. خلالها كان يسمع صراخ المعذبين ليلا ونهارا من زنازين مجاورة "يتم التعذيب بواسطة خبراء مدربين.. وفقا لأصول علمية مدروسة بدقة.. يتم ذلك بالتدرج كي يل المعذب متوقعا ماهو اقسى ... وفور استشعار تبلد احساسه يكون لزاما ان ينتقل التعذيب إلى مراكز عصبية حساسة".
لم يهر الكاتب متحيز.. رغم تخييله المدهش.. مقدما سرد تجريدي.. لتتوالد تساؤلات تلو أخرى. راسما جغرافية لتشعبات الأحداث.. ليضع القارئ أمام صورة بانورامية شاملة.. تبدأ من الأحياء الشعبية والهامشية.. لتمتد إلى مدن داخل القطر ومنه إلى دول أخرى لتشمل جغرافية الإرهاب وكأنه اخطبوط يسيطر بأذرعه المتعددة من مصر إلى السودان والأردن وباكستان إلى افغانستان...
قلة من الأعمال الروائية التي ناقشت قضايا الإرهاب.. ومنها ما تميز بكشف فكر وخبايا تلك الجماعات التي تمثل خطرا على المجتمعات الإنسانية.. ووسيلتها تأجيج الصراعات ونشر ثقافة الكراهية والفرقة بين بيني البشر.....
لغة الرواية جاءت سلسة.. أقرب إلى لغة الصحافة..كما حرص الكاتب على تباين خطاب ومفردات كل شخصية.. مع قلة الحوارات.. والاتكاء على الوصف الباذخ.. ذلك الذي يرسم من خلاله لوحات ومشاهد وصور غاية في الدقة.. ما يشعر القارئ أثناء الإبحار فيها بأنه ضمن شخصيات تلك المشاهد..
حرص الكاتب على تلك النهايات المشوقة التي كانت تنتهي بها فصول الرواية الواحد والثلاثين.. بما يثير التساؤلات والتشويق للبحث عما يصل ما أنقطع في الفصول اللاحقة.. وما يزيد التشويق هو انتقال الكاتب من موضوع إلى موضوع في الصفحة الواحدة.. ليجمع عدة أزمنة وأمكنة بخفة ورشاقة ممتعة ضمن حيز سردي محدود.. فمثلا في صفحة 130 ينتقل من وصف توجيهات المرشد لأعضاء الفوج السياحي أثناء سير الحافلة التي تقلهم.. ثم ينتقل إلى حادثة انهيار العمارة المقابلة لسكن المرشد.. والتي كان يقطنها والدا زينب.. ثم ينتقل المرشد بذاكرته إلى كيفية توظيفه في إحدى شركات السياحة. ثم يعود الراوي إلى وصف جمال عيني المشرد ونقاء سمرته.. وبهاء ابتسامته التي يسحر بها من يصادف من البنات. لينتقل في الصفحة اللاحقة إلى وصلت جانيت من لندن إلى القاهرة. نقلات سريعة ومترابطة.. من خلالها يصل الكاتب أحداثا بأحداث.. إضافة إلى تلك العلاقات بين شخصيات الرواية.. وصلاتها بأحداث سبقت وأخرى متتالية.
خيوط يظن القارئ في بداية تداخلها بأن الكاتب سيفقد إحداها.. إلى أنه يفاجئ بأن تلك النقلات الفنية محسوبة بدقة.. وموظفة لتضيء جوانب ومسارات الأحدث وعلاقة تلك الأحداث بتلك المجرزة..
الرواية بها قدر من المعرفة.. فاذا صنفت بالوصفية.. يمكن أن نضيف إلى ذلك وصف المعرفية.. مستشهدين إلى ما ورد في بعض صفحاتها.. ومنها: ص103 يذكر الكاتب على لسان الجراح "مالك الإدريسي" شارحا لويليام استحداث كوة تفضي إلى سراديب بداخل الهرم الأكبر.. أمر بها الخليفة المأمون بحثا عن كنوز الفراعنة. وفي ص 74 ذكر السبب حول تسمية سوق "خان الخليل" بالقاهرة حين "هاجر إليها عدد من سكان الخليل المتصلين بالنسب للأمير المملوكي الشريف الخليلي.. الذي بنى الخان على اسمه وذلك في عصر السلطان برقوق". وفي ص140 يذكر الكاتب ضمن سياق الحكي معلومات حول نقل جماعة الاخوان مركزهم القيادي من مصر إلى باكستان.. عقب حرب 1945..حينها تحمل أبو العلا المودودي القيادة .. مضيفا فكرة الجهاد.. وفي الصفحة التي تليها ذكر الكاتب معلومات حول ثورة جهيمان السلفية.. واحتلاله للحرم المكي عام 1979. لينتهج بعدها النظام السعودي خطة للتخلص من تلك الجماعات.. أفضت إلى ماهي عليه من محاربة تلك الجماعات اليوم.
الرواية ثرية بمواضيع نقاشها.. كما أن الكاتب حاول أن يأتي بالجديد في جوانب فنية للسرد.. والافلات من التقليد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث