الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة الهجرة، إصرار وواقع.

دينا سليم حنحن

2020 / 8 / 2
الادب والفن


كان قرار لا رجعة فيه، بداية مخيفة ونهاية مختلفة لمشوار حيّاتي طويل، وجدت نفسي في مطار أثينا، على متن طائرة متجهة إلى عالم آخر، كوّنتُ عنه صورة في خيالي فقط، أستراليا، حيث شاءت الظروف أن أبدأ حياة جديدة أسّستها بيديّ بعد رحلة العمر الصعب في الشرق الأوسط.
انطوت المسافات عبر الريح، جلستُ على جناح طائرة حملت عشرات الأنفس، تعقّبتُ خارطة للكون التي أرشدتني إلى الأماكن التي تخطّتها المسافرة بهديرها غير المسموع، وبألقها المخيف.
اجتازت الطائرة عقارب الساعات فاجتزت معها أعلى تصوراتي، خضت وحدي مغامرة الاكتشاف، لا أحد يستطيع أن يطفيءَ حرائِقهُ إلا بالحرائق، فتحتُ النار على أبواب الوجود بعمق، وجسّدتُ رحلتي في لحظات صدق، كانت رحلة عمري، لم تشبه رحلاتي السابقة.

العالم ظلام دامس، حدّقت فيه بينما كنتُ سجينة نافذة مستديرة وصغيرة، عكست وجهي الشاحب ونظراتي الخائفة.
مرّت الساعات الطويلة ونظراتي معلّقة على خارطة الإرشاد، عيّنت الأماكن التي مررنا بها، تركيا، أرمينيا، أذربيجان، داغستان، عدت بذاكرتي عند الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف عندما قال:
- " يخرج المسافر في سَفر، ماذا يحمل معه؟ احمل معك أغنيتك، فحملها ليس بالثقيل".

لا تزال أستراليا بعيدة الهدف، قلتُ في سرّي.
فتحتُ دفتر ألحاني، بحثتُ في مدونتي عن صفحة بيضاء، الدفتر الذي كان أحمره في جيبي، أجده فقط في محطات التوقف.
قال لي الجالس قربي: هذا أحمر، قلت: هذا دفتري، ردّد آخر: هذا أخضر اُعبر. ضاع مني الدفتر، وما زلت أبحث عن دفتر يشبه نفسي!

أخذتني أسئلة كثيرة من حيث أتت بي الريح، وإلى حيثُ سوف ترميني، لم يكن مني سوى الصمت والانتظار، انتظار الساعة الحادية عشر ليلا، حتى أستمر في رحلتي نحو القارة الجنوبية.
طرتُ من سماء هونغ كونغ، استمرارا فوق مانيلا، بابوا غينيا الجديدة، المحيط الهاديء، حتى وصلت كوينزلاند.

في اللحظات الأخيرة، وقبل الوصول، سألتُ نفسي السؤال الصعب:
- أخطأ هو أن أكون بعيدة عن الوطن، وهل سأتوه في الغربة، وأسئلة أخرى كثيرة لا حصر لها، في لحظة ما، رغبت في العودة، قلت لنفسي مراوغة:
- أجهلُ طريق العودة!

يوم ونصف من الانطلاق، وبعد غفوة خاطفة أحببتُ أن تطول، أيقذني ضجيج العالم حولي، صفّق الرّكاب فرحين بوصولهم بالسلامة، لم أسمع هذيانات نفسي، سقطت فجأة في ذهني ذاكرة المشي عندما شاهدت سحر المكان الجديد من الجوّ، حطّت بنا الطائرة سالمين في مطار (بريزبن) الدولي، ومن هنا بدأت الحكاية.

حملت حقيبتي على كتفي وخطوت معية المسافرين إلى قاعة الاستقبال، أحاطتني كلاب مدرّبة حطّت الرعب في قلبي، توسلتها عيناي، ونهتها إلى عدم الاقتراب، تبخترت الكلاب على رسلها وتقدمتني ببطء، شمشمتني وأشيائي ومتعلقاتي، جابت بأنوفها المفطسة ثنايا ملابسي وما حملته في حقيبتي، عادة مشروعة ومتّبعة في جميع مطارات أستراليا.

التقطتُ أشيائي وتدرجتُ نحو باب الخروج، استوقفني أحدهم، استرجل حتى انفلق حاجبيه، وداهمني بأسئلة وشروحات رمى بها فوق رأسي، وحدي أجبته عن تساؤولاته الكثيرة، وإذ به يريد مساعدتي، أرشدني إلى موقف سيارات الأجرة، وساق حقائبي، تعلمت الدرس الأول، ألا أسحب معي عادات وأفكار بلادي إلى هنا، فكل شيء مختلف، حتى ابتسامات الرجال، ذوي الوجوه الخشنة في القارة الخشنة والجميلة.

شكرت نفسي لاحقا على الخطأ الجميل، إن سمي خطأ!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع