الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القاهرة الساهرة: نوّرت مصر

هويدا طه

2006 / 6 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


اللذيذ في القاهرة (يبدو أن كل شيء هنا هو لذيذ) أنها مدينة عجيبة.. تستغرب مع طلعة كل صباح كيف استمرت فيها الحياة حتى الآن؟! (مدينة.. كفاءة!)، القاهرة التي تمثل مصر كلها.. سكانها يزيدون عن عشرين مليونا (حاجة كده بحجم الشعب العراقي كله أو السوري أو خمسة أضعاف سكان الأردن كلها!).. لا يمكن أن تتوقع أنهم يشاهدون في بيوتهم التليفزيون.. فهم لا يقرون أصلا في البيوت! فيما عدا الموظفين والمدرسين والطلاب.. فإن سكان القاهرة هم كائنات غير صباحية! لا يبدءون يومهم إلا بعد الواحدة ظهرا! ويستمر يومهم هذا حتى ما بعد الفجر.. أحد مواعيد العمل التي أخذتها من أحدهم كانت حين قال لي" موعدنا في المكتب الساعة اتنين.. تعالي حتلاقيني هناك عندي شغل"، الساعة اتنين التي قصدها كانت الثانية صباحا! وتذهب إليهم فإذا بالمكتب خلية نحل! الناس يعملون.. في الثانية صباحا! لكن المقابل بالطبع.. هو أنك لا تجد أحدهم في اليوم التالي إلا بعد الثانية ظهرا! فإذا كنت كائنا صباحيا- من هؤلاء الذين اعتادوا بدء يومهم في السابعة صباحا مثلا- فما عليك إلا الانتظار إلى أن يصحو هؤلاء! وتظل مشلول الحركة طوال فترة الصباح في انتظارهم، التليفزيون بالطبع مفتوح طوال الليل في أماكن العمل.. لكنه على ما يبدو ليس للمتابعة بقدر ما هو فقط من أجل أن يكون هناك (ونس) في المكان بالصوت والصورة! كنت دائمة المتابعة لبرنامج العاشرة مساء على قناة دريم أو برنامج القاهرة اليوم على أوربت الذي يبدأ قبل منتصف الليل بقليل أو حصاد اليوم الإخباري على قناة الجزيرة الذي يأتي في الحادية عشر مساء.. وكنت اعتبرها جميعا برامج تأتي (في وقت متأخر) ضمانا لعودة الناس إلى بيوتهم واستقرارهم أمام التليفزيون! لكن منذ حللت على القاهرة لم استطع مشاهدة تلك البرامج.. التي تبدأ في تلك الساعة (المبكرة)! القاهرة إذن مدينة ساهرة، كثيرا ما كتب الأدباء الذين قرأنا لهم في الصغر عن هذه (القاهرة الساهرة) بلغة غزل للسهر.. لكنك حقيقة تندفع للتساؤل.. كيف نحلم بالنهضة والتنمية لبلد ينام نصف سكانه على الأقل حتى ما بعد الظهر؟!.. أي (ثقافة إنتاجية) يمكن أن تنمو وسط أناس ينامون نهارا.. وهو الوقت الذي نهضت الأمم المتقدمة عندما عملت بكد وجهد فيه؟! في فرنسا رأيت الناس في السادسة صباحا يتدفقون إلى محطات الترام والمترو رغم أن الجليد يغطي كل الأرض والأسطح والشوارع.. بينما في مصر سألت أحدهم لماذا لا يصحو مبكرا ليعمل بالنهار وكان حينها فصل الشتاء.. فأجابني بكل أريحية:"يا مدام فيه حد في الشتا دي يشتغل الصبح؟"! عندما تفتش في التاريخ.. لا تجد أمة واحدة تقدمت إلا وكان يومها يبدأ في الصباح، نحن لا نبدأ في الصباح يومنا.. فكيف ننهض ونتقدم وتتملكنا ثقافة الإنتاج؟ لابد من تغيير ما في ثقافة المصريين يدفعهم جميعا (أو يعني أغلبهم) إلى الاستيقاظ مبكرا.. هذا السهر مثير للاستفزاز واليأس، لكن عودة إلى التليفزيون.. من إذن يشاهده إذا كان كل هؤلاء في الشارع يتواعدون على (بدء) اللقاء والعمل بعد منتصف الليل.. كل تلك البرامج التي تناقش الحالة السياسية والاجتماعية والتي كنت أظن أنها مشاهدة.. من يشاهدها؟ فهم في الشارع ليلا ونائمون وقت إعادتها نهارا! على قناة دريم هناك إعلان (سياحي) يجتمع فيه فنانون مشهورون ليقول فيهم الواحد تلو الآخر: نوّرت مصر، وعبارة نوّرت مصر هي عادة عبارة تقال لأي شخص يحل على مصر (ضيفا)، وهي بالتأكيد موجهة لمواطنين عرب (يشاهدون التليفزيون في بيوتهم) بدولهم لحثهم على السياحة إلى المحروسة، ولطالما تساءلت ما هو أصل هذه العبارة الشهيرة.. لماذا بالذات كلمة (نوّرت).. وليس مثلا أسعدت أو شرفت أو آنست... الآن يمكن الاستنتاج لماذا يرحب القاهريون بالناس بعبارة (نوّرت) مصر... فهم سهارى! وأزهى ما في الليل هو النور.. لهذا يقول القاهريون لضيفهم.. حتى بالنهار.. نوّرت مصر!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: مقتل 7 فلسطينيين بنيران القوات الإسرائيلية في


.. زيلينسكي يطمئن الأوكرانيين ويعيد التأكيد على الحاجة الماسة ل




.. الأطفال في لبنان يدفعون غاليا ثمن التصعيد في الجنوب بين -حزب


.. ردود فعل غاضبة في إسرائيل على طلب إصدار مذكرات توقيف بحق نتن




.. جيل شباب أكثر تشدداً قد يكون لهم دور في المرحلة المقبلة في إ