الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الزمن ورمزية الشخصية الفنية والفضاء في مسرحية الأسطورة لمينا ناصف

محمد سمير عبد السلام

2020 / 8 / 3
الادب والفن


"الأسطورة" مسرحية حديثة للشاعر والمؤلف المسرحي مينا ناصف؛ صدرت في طبعة خاصة ضمن سلسلة أسسها الكاتب بعنوان مسرحيات مصرية للجيب سنة 2018؛ ويقوم النص المسرحي على التعارض البنيوي بين موقفين فكريين من الوجود؛ أحدهما يرسخ للاستغلال، والهيمنة، واستنزاف البنى الحضارية، والثقافية، والآخر يقوم على الخطاب العقلاني، والانحياز للتنوير الممثل - في الفضاء السيميائي للمسرحية- في علامة مكتبة الدرويش؛ يجسد الحوار المسرحي – إذا – المواقف الفكرية للشخصيات بالدرجة الأولى؛ أما الحدث الدرامي فيتوزع بين زمنين يقعان بين الماضي، والمستقبل؛ وكأن المؤلف يوحي للقارئ بدائرية هذا الصراع الفكري دونما نهاية حاسمة، ويدفع المتلقي كذلك للتفكير، والسؤال؛ وهو ما يؤكد أن النص المسرحي يقوم على التوليف الفني بين كل من التجريب في بنية الزمن، والحوارات الساخرة الكاشفة عن العوالم الفكرية للشخصيات، فضلا عن بعض ملامح المسرح الملحمي كما هو عند بريخت، وإن لم يرتكز النص كليا على تقنيات المسرح الملحمي، وأهمها التغريب، وكسر الحاجز بين المتلقي والعرض.
يعزز النص – إذا – من بعض تقنيات المسرح الملحمي البريختي التي تجلت جماليا في التركيز على الإضاءة في توجيهات المؤلف، وتخييله للمشاهد؛ فهو يربط بين الإضاءة القوية المسلطة على الدرويش مثلا في سياق الكشف عن وعي الدرويش الفكري بالمؤامرات الدرامية، وصلابته التنويرية المضادة؛ ولم تكن التعارضات الفكرية أيضا منفصلة عن ملامح السخرية، والكوميديا في خطاب بعض الشخصيات؛ وقد أسهمت هذه السخرية في التخفيف من حدة التعارض الدرامي، وعززت من الصراع المتكرر بين الموقفين الفكريين في العمل.
وقد انطوى العمل على وجود بعض الرموز المتعلقة بالشخصية، والفضاء؛ وبعض التكوينات السيميائية المقترحة للعرض؛ مثل رمز نبيل، ورمز المكتبة، والتكوين السيميائي للكرسي في بداية العرض، وهذه الرموز جميعها ترتبط ارتباطا وثيقا بالفكر، والصراعات حول مدلول الحضارة نفسه في الوعي؛ فنبيل مثل رمز أو أسطورة تتراوح بين الحضور، والاختفاء في الحوارات الفكرية، والمؤامرات الدرامية بشكل تجريبي؛ أما المكتبة فترمز للأصالة في مواجهة الاستغلال، والاستنزاف لبنية الحضارة، وقد تخيل الكاتب الكرسي – في بداية العرض – ممزوجا بالكتاب؛ ليكشف عن ارتباط الحدث الدرامي بفانتازيا التاريخ، وربما يشير الكتاب إلى بقاء الصراع الدائري حول مضمون المكتبة الحضاري، وتخييل فضائها بين الاتصال بالوعي، أو الصمت الرمزي، أو إمكانية حضور خطابها العقلاني الإنساني الذي قد يصير شعلة للتنوير، أو يتعرض للاستنزاف، دون نهايات حاسمة.
وأرى أن الأثر الجمالي الكلي الذي تحدثه مسرحية مينا ناصف في المتلقي يعزز من هذه الملامح البريختية السابقة؛ إذ يولد النص المسرحي هذا التعارض الفكري أو الحضاري بصورة دائرية من جهة، ويدفع المتلقي لأن ينتج وعيا مغايرا، أو منحازا لعلامات المكتبة، والتنوير، والحضارة من جهة أخرى؛ وقد تذكرت – في هذا السياق – بعض رموز بريخت الفكرية في مسرحيته المعنونة بدائرة الطباشير القوقازية؛ فالطفل يجسد ذروة الصراع بين الأم، والخادمة / الأم الثانية بصورة تجسد التنازع الفكري، والسؤال الدائري، ودائرة الطباشير هي فضاء رمزي سيميائي يوحي بمجال التنازع، وإعادة التساؤل حول مدلول الأمومة نفسه في التلقي الفكري للعمل؛ هكذا تدفعنا رمزية المكتبة – عند مينا ناصف – إلى التفكير في مدلولها الأوسع الذي يجسد التنازع البنائي حول مدلول الحضارة نفسه، وإمكانية عبوره للزمن، ودرجة حضوره التي تجلت – في النص – في سيمياء الضوء، والظلام التي رافقت تعددية الشخصيات، والأزمنة.
ويلخص خطاب الراكب دار الشعري دائرية الصراع الفكري الدرامي بين استنزاف الحضارة، والإحساس ببهجة التنوير، والغنائية؛ يقول الراكب دار في نهاية العرض:
"والقمر لاح
ليلك السارح
منتشي ونسان
ماشي فملكوتك
مسحوب ورا صوتك
بينادي الصباح
لياليكي ملاح" مينا ناصف، 2018، ص-ص 153، 154.
وإذا تأملنا كلمات الراكب دار السابقة سنجد أنه أنتج مثل هذا الخطاب ضمن سياق التهديد الذي جاء على لسان بعض الأصوات الخارجية على المسرح؛ وكأن الراكب دار يتوحد بمدلول الحضارة في الطبقات العميقة للفضاء، وللمكتبة، وللخطاب الحضاري المتجدد، وأرى أن أغنية الراكب دار قد أسهمت في إيقاف تطور المؤامرة الدرامية؛ ومن ثم تجدد الصراع الفكري مرة أخرى، ولكن بصورة تحتفي بالمكان، والتاريخ الإنساني ككل؛ فالشخصية الفنية هنا تعاين البهجة الغنائية الممكنة خارج بنية الحدث، وتستمد مثل هذه الطاقة الإيجابية من روح المكتبة ورمزيتها في النص.
وأرى أن النص المسرحي يعد مفتتحا لتجارب أدبية أخرى لمينا ناصف تحمل طاقة تجريبية ممزوجة بالحس الدرامي، والحوار الذي يومئ إلى الكتابة الشبابية التي تختلف أحيانا عن الأجيال السابقة في حسها الساخر، وطريقة تخييل العلامات، والرموز في بنية النص الدرامي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | الفنانة اللبنانية هبة طوجي في حديث عن الأولمبيا وز


.. شاهد: -ربما يتحركون لإنقاذنا-.. شابة غزيّة تستغيث بالغناء فو




.. عمل ضجة كبيرة ومختلف.. أحمد حلمى حكالنا كواليس عرض فيلم سهر


.. بتهمة -الفعل الفاضح- والتـ.ـحرش.. شاهد أول حديث لسائق أوبر ف




.. من هو نجم العراق الأول اليوم؟... هذا ما قاله الفنان علي جاسم