الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيها العقابي إذهب أنت وأعتذر أما أنا فلن أفعل ذلك

جعفر المظفر

2020 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


أعتقد أن ثمة أمرين بحاجة إلى وقفة جادة ومهمة وضرورية, أولهما الإنتهاك الصارج لكرامة الطفل العراقي التي لا شك أنها أثارت غيرة وألم وقرف كل عراقي وكل إنسان لديه إعتبار لكرامة الإنسان وحقوقه, أما ثاني الأمرين التي علينا أيضا الوقوف أمامها بكثير من الإهتمام فهي نوبة العصبية والإنفعال وفوضى الأفكار التي عانى منها رجل إعلامي بوزن الدكتور هاشم العقابي.

بالنسبة لي فإن القضية التي صارت أمامنا الان هي قضيتين في ذات اللحظة, وأجزم أن قضية (النوبة وهيجان الإعصاب وفوضوية الأفكار) التي أصابت هاشم العقابي وهو يتعرض لقضية الطفل الضحية صارت تحتل منزلة أكثر ضررا من تلك التي نتجت عن قضية ذلك الطفل المعذب والمهان.
.
من رأى الإعلامي الشهير وهو يعلن توبته وإعتذاره عن الكتابات والتصريحات التي أثارها ضد صدام حسين وجرائمه, وإعلانه أن صدام كان محقا في كل ما فعله, وكل ذلك بسبب ما أثارته لديه قضية الطفل المهان, يجعلنا نعتقد أننا نعيش حقا في بلد كسويسرا أو الدنمارك أو النرويج حيث أن كل شيء فيه هو عال العال, حتى كأن الشعوب جميعها كانت على وشك إرسال وفود من مختلف الإختصات العلمية والإنسانية لدراسة تجربة العراق الراشدة على صعيد بناء بلد ومجتمع لا جريمة فيه ولا خروج على الأخلاق.
لكن فجأة سيكتشف هاشم العقابي أن جمهورية إفلاطون التي نسجتها مخيلته قد أصيبت بمقتل كبير.

نعم وبكل تأكيد, أن ما حدث للطفل المهان يجب ان يدان منا جميعا بكل قوة, وهو جريمة يجب أن يعاقب عليها من إرتكبوها بأقصى درجة من العقاب, لكن الكل يعلم أنها لم تكن الجريمة الأولى, إذ خلال طيلة عمر هذا النظام كانت الجرائم وما تزال تجري على مدار الساعة, وهي جرائم تغطي آلاف الكتب. وحتى لو أنها أدرجت بصفحة واحدة فستكون تلك الصفحة كافية للتأكيد على أن هذه الفئات الحاكمة تشترك جميعها في جريمة سياسية لا ترتكبها سوى عصابات غازية متوحشة من القرون الوسطى.

لكن من يرى إنفعالات (العقابي) سيظن بان الرجل كان من (أهل الكهف) وكان قد ترك البلد قبل أن ينام على أجمل وأنظف وأسعد وأرقى حال. ثم أنه حالما إستيقظ كان أول ما رآه هو تلك الجريمة الجلل, فاصيبت أعصابة بالتلف وأحاسيسه الرقيقة بالقرف, فراح يشتم بالجملة معلنا في نفس اللحظة ندمه عن كل حرف قاله ضد (صدام حسين) الذي ظهر لديه أخيرا أنه كان على حق, وعلى قدر كبير من الأخلاص للشعب والوطن. ثم أنه لم ينسَ أيضا فإمتد تأنيبه إلى القائمين على أمر طائفته من رجال الدين ومعلنا خروجه على المذهب الشيعي الذي تسبب بهذه الكارثة.
__
بالنسبة لي لا تهمني إلى أية طائفة ينتمي العقابي, لكني أريد أن أنبهه إلى أن مثات بل ألوف المثقفين من الشيعة كانوا أول من أعلن تمردهم ضد القائمين على أمر الطائفة, سياسيين كانوا أم عمائم, بسبب ما إرتكبوه من جرائم وإنحرافات, وأنا كنت واحدا من هؤلاء الذين ظلوا يؤكدون على ان الجريمة التي إرتكبتها الغالبيىة من عمائم الشيعة, من أولئك المشاركين في العملية السياسية او المؤيدين لها أو الساكتين على جرائمها يجب أن يحاسبوا غدا عليها مثلهم مثل السياسيين المجرمين بحق عموم الشعب من مختلف الأديان والطوائف. لكنني مع ذلك حرصت على أن اقول ذلك بهدوء ولم أشعر مطلقا إنني بحاجة إلى هيجان الأعصاب وإلى حالة تقريع الذات كمثل تلك التي تفضل بها علينا الدكتور العقابي.

إن ما حدث للطفل حامد, رغم بشاعته, لا يعادل غير جزء بسيط مما عانى ويعاني منه الآن الملايين من أبناء المخيمات وعشرات بل ومئات الألوف من الشعب العراقي من الموصل إلى البصرة نتيجة بيع المالكي ومجموعته لقضية شعبنا العراقي إلى داعش ثم بعد ذلك جاءت طائرات التحرير لتهدم المدن على ساكنيها.

وربما لم يسمع العقابي بقضية الإيزيدين وكيف بيعت نساؤهم كإماء وجواري وبقضية أولئك وأولئك وأولئك الذين وصلوا إلى الخمسة ملايين مهجر عراقي من خيرة كفاءات البلد وعلمائه. فلماذا أجلت إنفعالك هذا لكي تفجره على قضية كلنا تألمنا منها لكننا لم ننفعل بطريقة هستيرية لندين ونبرئ هكذا دون مسؤولية وإدراك.

ونأتي الآن إلى المسألة الأهم .. إن الإعلامي الصادق مسؤول عن بناء وعي رصين وغير مشوش او إنتهازي أو نفاقي أو وصولي, وما أراه بكل اسف أن هاشم العقابي الذي يؤاخد عليه حديثه دائما بصيغة (الأنا) قد ضخم إنفعالاته من القضية بحيث تراجعت أمام قيمتها قضية شعب بكامله, وقد كان عليه أن يعالج القضية صمن سياقها العام لقضية عراقية غاطسها أوسع بكثير من طافيها.

أما الجانب الأخلاقي الذي اضر به كثيرا هذا الإعلامي الحاصل على شهادة الدكتوراه في الإعلام فهو محاولته الهستيرية لمسح عار الجرائم التي قام بها صدام بممسحة الجريمة التي قام بها رجال من عصابات النظام الميليشاوي المتعفن. وهنا فهو لاشك قد أخل بالجانب الأخلاقي لمهنته حينما أسقط دموية مزاجه وإنفعالاته الشخصية لكي يعيد الإعتبار لرجل كان هو أحد الأسباب الكبرى التي أدت إلى هذا المصير العراقي المؤلم وأقصد به صدام حسين.

ولست الآن مطالبا بتعداد المواقف المؤذية والمهلكة التي تسببب بها صدام لشعبه, إلا إنني أريد أن اذكر الإعلامي الرصين بواحدة فقط من تلك الجرائم وهي جريمة قاعة الخلد عام 1979تلك التي غدر صدام فيها برفاقه ولو أنه, أي العقابي, كان إطلع على فنون التعذيب والمهانة التي أتبعت بحق رفاقه أنفسهم لعرف أن من بين تلك الطرق كان إشرافه شخصيا على الإعتداء على (شرف) أولئك الضحايا, اي انه لمرات عديدة كان حاضرا في وقت تلك الإعتداءات المهينة بحق أولئك الرجال.
صدام حسين ورجالاته كانوا حريصين على الإعتداء جنسيا على البعض من السجناء لضمان سكوتهم وكوسيلة للإنتقام منهم تغطية لنقص فيه ولأن ما كان يفعله ينسجم وينطلق من ثقافة البدو الغزاة ومن الشقاوات الذين كانوا يعتبرون العدوان الجنسي ضد سجنائهم بمثابة (كسر عيون) خصومهم.

لم يكن حريا بك أن تنفعل يا عقابي وتتصرف كانك في مستشفى للأمراض العقلية لأن بعض ما عانى منه هذا الفتى العراقي قد عانى مثله وأكثر شهداء تشرين وجرحاهم والآخرون من المعذبين في كل المدن الأخرى.
وإنه لخروج أثيم على الأخلاق أن تمسح جريمة مجرم سابق بجريمة مجرم لاحق.
أنت بحاجة لا شك إلى علاج نفسي قبل أن تظهر علينا من خلال أي شريط مصور آخر لتقص علينا من خلاله كل قصصك الممتعة ..

إذهب يا عقابي وأعتذر على طريقتك وأقطع أزرار ثوبك دليلا على هيجانك, أما أنا فأعرف أن صدام كان قد أجرم كثيرا بحق الشعب العراقي, وخاصة بعد أن ألقاه في محرقة الموت في الكويت ثم ذهب إلى قصره لكي يحتفل بعيد ميلاده بينما كانت جثث العراقيين لم تدفن بعد على طريق الموت بعد الهزيمة الماحقة في الكويت.

إن لدينا الآن مجرمين وكان لدينا قبلهم مجرمون .. وكل مجرم يؤاخذ بجريمته, وليس هناك في القانون أو الأخلاق أو السياسة جريمة سابقة تمسحها جريمة لاحقة يا سيدنا الإعلامي وحامل الدكتوراه العظيمة

يا عقابي اذهب أنت وإعتذر أما أنا فلن أفعل ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ الكبير الدكتور جعفر المظفر
وسام يوسف ( 2020 / 8 / 3 - 21:19 )
رغم اني اؤيدك في كل كلمة قلتها لكني اعتقد ان ما قاله الدكتور العقابي يسمونه في الغرب
Exaggerating for Effect
اي المبالغة لايصال الفكرة
قذارة الجريمة تتضاعف لانها ضد طفل حدث ولانها ارتكبت ممن يسمونهم قوات حفظ النظام ، وهو اسم على مسمى فواجبهم حفظ النظام الطائفي القذر
اعتقد ان الدكتور العقابي اراد تهييج الشارع اكثر وارعاب هؤلاء السفلة والحد من تجاوزاتهم باسماعهم كلاما لم يتعودوا عليه من معارض شيعي لصدام ادى الى اجبار الكاظمي على اتخاذ اجراءات عقابية اعتقد انها ما كانت ستحدث لو اخذنا الامر بهدوء وروية اصبحت اليوم مدعاة للسخرية مع نظام داس على كل ما هو مقدس
بوركت من قلم هو سيف للحق


2 - اهداء الى القائد الضرورة
طلال السوري ( 2020 / 8 / 4 - 20:42 )

هاف بوست عراقي ـ رصد المحرر- كتب، الناشط والكاتب، عباس الكتبي: في عام 1983، حين زار صدام حسين مسرح الرشيد، لحضور مسرحية نشيد الوطن لقاسم محمد، وعند خروجه أستقبله هاشم العقابي بعبارات شعرية نارية مديحاً له! بعدها قال له:

(سيدي أبحث في فكرك برسالة ماجستير، وأريد أن أكمل البحث في رسالة دكتوراه بلندن).
فأجابه صدام: (عفيه وشكثر؟ كم سنة؟)
ثم ألتفت إلى لطيف نصيف جاسم وقال له:(أربع سنين مو لطيف).
فهب العقابي بصوت عالٍ: (لا سيدي فكرك چبير وغني ويحتاج إلى ثمن سنين) .
أجابه صدام: (خلص روح ثمن سنين).
وصدر به أمر رئاسي خاص، ثم ذهب إلى جامعة كارديف في ويلز في بريطانيا، لنيل الدكتوراه.

أما بخصوص شهادة الماجستير، قدّم رسالته الموسومة: (القيم الخالدة أو السائدة في أحاديث القائد صدام حسين)، وكتب العقابي كلمات الاهداء :

( إليك سيدي القائد، يا أرق من قنينة العطر، وأنظر من ورد الجوري، وأدق من حديث السيف، أهدي ثمرة جهدي هذا)، المقدمة إلى كلية التربية بجامعة بغداد، كجز من متطلبات نيل درجة الماجستير، وهناك بعض الكتاب من وثق هذه الأطروحة، فصورها ونشرها على مواقع الأنترنيت.

اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا