الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(نهر الكفرة) يفجر الأطماع المصرية بليبيا 2/2

محمد بن زكري

2020 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


تأكيدا للقول بجديّةِ و واقعيّةِ خطر الأطماع المصرية في الثروات - و الجغرافيا - الليبية ، كما تجلت حقيقتها الكامنة تحت السطح في تهديد دكتاتور مصر عبد الفتاح السيسي بغزو ليبيا عسكريا ، تصعيدا من التلميح إلى التصريح ، بحجة الدفاع (المشروع !) عن الأمن القومي المصري . و ربطا بين حلقات سلسلة المطامع المصرية في ليبيا ، امتدادا من الأمس إلى اليوم إلى الغد ، تَحيُّناً و استغلالا للفرص المواتية ، و افتعالا للذرائع ؛ نعود - من خلال شهادة محمد حسنين هيكل - إلى ما أشارت إليه خبيرة الحدود المصرية هايدي فاروق ، في حديثها عن واحة الجغبوب ، من أن الرئيس أنور السادات كان مشغولاً بهذا الملف (بشدة) ، وأنه فى عام 1977 قام بتدمير القاعدة العسكرية الليبية في الجغبوب ، وهدّد باستعادة كامل الواحة .

* و شهد شاهد منهم : هيكل الشاهد على أحداث عصره
ففي كتابه الموسوم : المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل / الجزء الثاني ، أفرد محمد حسنين هيكل فصلين من الكتاب ، استعرض فيهما وقائع و ملابسات و دوافع و تطورات الحرب التي أعلنها الرئيس السادات على ليبيا سنة 1977 ، و خاض غمارها عاقدا العزم على احتلال برقة ! حيث أتى هيكل على ذكر مسألة واحة الجغبوب ، ضمن سياق روايته عن العمليات العسكرية للجيش المصري في عدوانه على ليبيا ؛ إذْ أورد في فصل من الكتاب بعنوان « ليبيا » ؛ أنه أثناء مفاوضات فك الاشتباك عقب انتهاء حرب أكتوبر المصرية - الاسرائلية ، التي جرت (أي : المفاوضات) في جنيف أواخر 1973 و أوائل 1974 ، بين قيادات عسكرية من الجانبين المصري و الإسرائيلي ، و بينما كان الكولونيل " زيون " عضو الوفد الإسرائيلي يتحدث إلى اثنين من العسكريين المصريين أحدهما العقيد " فؤاد هويدي " ، فإذا به فجأة يقول لهما : " لماذا لا تأخذون ليبيا في الغرب بدلا من تضييع وقتكم بسبب فلسطين في الشرق ؟ ... خذوا ليبيا و لو أدى الأمر بالقوة ، و نحن لن نعترض من جانبنا عن أي عمل تقومون به ، و لن نستغل انشغالكم حتى إذا دخلتم في معركة عسكرية لاحتلال ليبيا " . (ص 232)
وعند انتهاء الاجتماع ، اقترب الكولونيل الإسرائيلي " زيون " من رئيس الوفد المصري - حسب ما يروي هيكل - و قام بتسليه مذكرة ، قائلا له : " أرجوك أن تقرأ هذه المذكرة و قد تجدون فيها شيئا مفيدا " .
و قد تضمنت المذكرة الإسرائيلية تسعة بنود ، تتلخص في البندين : رقم 3 و رقم 4 ؛ إذ يفيد البند رقم (3) من المذكرة ، بأن ليبيا لديها احتياطيّ نقديّ متوفر يزيد عن 3,4 مليار دولار ، و التقديرات في الفترة من 1974 إلى 1980 ، أنّ دخل ليبيا من البترول لا يمكن أن يقل عن 36 مليار دولار . و يركّز البند رقم (4) على أن مصر بهذا الحجم من رأس المال ، تستطيع أن تلبي كل احتياجاتها العسكرية و الاقتصادية . ثم تمضي المذكرة لتصوّر أن ضم ليبيا تحت السيادة المصرية ، هو الحل السحري لجميع المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مصر .
و يمضي محمد حسنين هيكل في سرد تفاصيل مذكرة التسعة بنود الإسرائيلية ، ليلاحظ أن الرئيس السادات قد أولى اهتماما خاصا لفقرة الـ 36 مليار دولار في البند الثالث من المذكرة ، و أقتبس : " و لم يعرف الوفد المصري كيف يتصرف في هذه المسألة ، و لكنه بعث بالتفاصيل كاملة إلى القاهرة . و من الغريب أن الرئيس السادات ، وضع بقلمه خطين تحت فقرةٍ في البند الثالث من المذكرة الإسرائيلية ، وهي الفقرة التي تقدِّر دخل ليبيا في السنوات الخمس القادمة بـ 36 بليون (مليار) دولار " . انتهى الاقتباس . (ص 233)
و في فصل آخر من الكتاب بعنوان « القذافي » ؛ يواصل هيكل كشف أسرار الغزو العسكري المصري لليبيا عام 1977 ، حيث كان الشاغل الأكبر للسادات ، هو المشكلة الاقتصادية التي تطبِق عليه و تهدده بتجدد أحداث 18 و 19 يناير 1977 (ثورة الجياع) ، و قد تفاجئه بما هو أخطر من أحداث انتفاضة الخبز تلك ، التي عمت مصر من أسوان إلي الاسكندرية ، تعبيرا عن رفض الأغلبية الشعبية - المتضررة معيشيا - لقرار الحكومة بزيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية ، بما فيها رغيف العيش (الخبز) ؛ الأمر الذي أجج غضب السادات ، فأطلق على تلك الانتفاضة الشعبية وصْف " انتفاضة الحرامية " . فيقول هيكل .. و أقتبس : " و توصل الرئيس السادات فجأة إلى حل بالغ الغرابة . خطرَ له أن يغزو ليبيا ، و في ذهنه أن يحتل ولاية برقة الشرقية (تصحيح : نظام الولايات - الاتحادي - في ليبيا ، تم إلغاؤه دستوريا ، منذ 1963) ، و فيها معظم منابع البترول الليبي ... هل تذكّر الرئيس السادات مغريات المذكرة الإسرائيلية (مقترح غزو ليبيا) التي كان عنوانها : « أمل مصر الحقيقي : ليبيا » ؟ . هل خطرَ له أنّ موارد البترول الليبي تستطيع أن تخفف الأزمة الاقتصادية في مصر ، و ربما تحلها حلا جذريا ؟ " . انتهى الاقتباس . (ص 328)
و اختصارا لرواية محمد حسنين هيكل ، في كتابه : المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل / الجزء الثاني ، حول العدوان العسكري المصري على ليبيا ، لاحتلال منطقة برقة ؛ فقد انطلقت عمليات الغزو العسكري المصري لليبيا ، بتاريخ 21 يوليو 1977 ، حيث نفذت الطائرات الحربية المصرية سلسلة من الغارات و الضربات الجوية المكثفة ، فدمرت عديد القواعد و المنشآت العسكرية الليبية ، و منها قاعدة (العدم) التي كان القذافي - بنزوعه العروبيّ الفج - قد سماها قاعدة جمال عبد الناصر ، و أيضا مطار الجغبوب .. و غيرهما . و تفاخرت وسائل الإعلام المصرية بأن جميع طائراتهم التي أغارت على ليبيا و دمرت مطاراتها و قتلت أبناءها ، قد عادت إلى قواعدها سالمة .
و هنا نتوقف لنلاحظ أنه من غرائب الصدف ، أن تتصاعد - الآن - أصوات دقّ طبول الحرب داخل مصر ، في مثل نفس التاريخ ، فيعقد البرلمان المصري جلسة « سريّة » خاصة ، يوم 20 يوليو 2020 ، تم فيها تفويض دكتاتور مصر عبد الفتاح السيسي باتخاذ قرار الحرب على ليبيا ، تأييدا لتهديده المعلن بالتدخل العسكري المباشر ، لتثبيت الخط السيساوي الأحمر ، من سرت إلى الجفرة ؛ دفعا بالانقسام السياسي إلى التقسيم الجغرافي ، بفصل شرق ليبيا - جيوسياسيّاً - عن غربها ، بما يعنيه ذلك (ضمنا) من وضع اليد المصرية على الشرق الليبي ، الذي يصر الانفصاليون و الفيدراليون على تسميته : " إقليم برقة " .
و عودة إلى ما وثقه هيكل في كتابه : المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل / الجزء الثاني ، عن حرب السادات على ليبيا ، بقصد احتلال برقة عام 1977 ؛ فإنه تحت وقع المفاجأة الساداتية ، كانت العواصم العربية لا تكاد تصدق ما يجري من عدوان عسكري مصري على ليبيا ، فظهرت طائرة الرئيس الجزائري هواري بومدين فجأة فوق الاسكندرية و طلبت النزول . و في تلك اللحظة ، حسب ما كَتَب هيكل : " كان هناك بيان عسكري مصري يقول : إنّ وحداتٍ من قوة الصاعقة المصرية ، تساندها القواتُ الجوية ، تقوم الآن بمهاجمة معسكرات ليبية في منطقة واحة جغبوب شمال غرب واحة سيوة المصرية ، كما أن الطائرات المصرية قامت بتدمير مطاريّ العضم و الكفرة و قواعد كثيرة للرادار و الصواريخ " . و كان اللقاء عاصفا بين بومدين و السادات ، دام ست ساعات و نصف الساعة ، غادر بعده بومدين إلى طرابلس ، تلاه وصول عدد من الرؤساء و المبعوثين العرب و الأفارقة ، بينهم الرئيس التوغولي أياديما ، و سكرتير عام منظمة الوحدة الأفريقية ويليام أتيكي ، و ياسر عرفات ، و عبد الحليم خدام ، و الشيخ صباح الأحمد الصباح ..
على أن السادات ، كان قد تبلّغ رسالةً من الإدارة الأميركية (في عهد الرئيس جيمي كارتر) ، أبلغها إليه السفير الأميركي لدى القاهرة هيرمان آيلتس ، بضرورة وقف العمليات العسكرية فورا على الحدود المصرية - الليبية . و ذلك آخر ما كان للسادات أن يتوقعه من أميركا : طلبٌ اميركيّ حازم منه بضرورة وقف العمليات العسكرية فورا .

* تختلف و تتناقض أنظمتهم ، و تتفق أطماعهم في ليبيا !
لقد باءت مغامرة السادات العسكرية في ليبيا عام 1977 بالفشل ، و تبدد حلمه باحتلال برقة و وضْع اليد المصرية على الثروات الليبية . لكن هل انتهى - أو سينتهي - خطر الأطماع المصرية بليبيا ؟ الجواب هو بكل التأكيد : لا ، فالأمر ظل قائما منذ أوائل القرن الفائت ، ما أن تخفت أصوات الأطماع المصرية بقضم أجزاء من إقليم الدولة الليبية الجيوسياسي في الشرق الليبي ؛ حتى تطفو على السطح من جديد أعلى ضجيجا ، كلما وجد نظام الحكم في مصر - أيّا كان شكل أو رأس النظام - أنّ موازين القوى ، تتيح له إمكانية المناورة بادعاء الحق التاريخي أو القيام بمغامرة عسكرية ، لوضع اليد على مصادر الثروة الطبيعية في الشرق الليبي ، سعيا لحل مشاكله الاقتصادية المتراكمة ، كمِثْل ما حدث في عهد السادات ، و يحدث الآن في عهد دكتاتور مصر عبد الفتاح السيسي .
و تتراوح درجة الإفصاح عن الأطماع المصرية بليبيا حدةً ، من إطلاق بالونات الاختبار لقياس ردود الفعل الليبية ، إلى تنظيم الحملات الإعلامية المكرسة للنيل من سيادة الدولة الليبية على إقليمها الجيوسياسيّ ، مرورا بممارسة شتى أشكال التدخل السياسي في الشؤون الداخلية الليبية ؛ وصولا إلى التهديد بالتدخل العسكري المباشر ، لحسم الصراع - العبثيّ - الداخلي على السلطة و الثروة ، لتغليب طرف ضد الآخر ، على نحو ما أعلنه السيسي ، بمنطق : إما هذا البيدق أو ذاك ، من صنائع النظام المصري ؛ و إلا فالحرب على ليبيا و فرض الأجندة المصرية فيها بقوة السلاح ! .
ففي عهد الرئيس محمد مرسي ، الذي رفعه حراك 25 يناير الشعبوي (الربيع العربي) ، إلى منصب رئيس الجمهورية ، عَبْر صناديق الأقتراع ؛ أطلق رئيس حكومة الإخوان المسلمين هشام قنديل (يناير 2013) بالون اختبار ، تناقلته وسائل الإعلام منسوبا إليه ، في شكل تصريح سربته صحيفة " الديار " اللبنانية ، كرر فيه تدوير أسطوانة حقوق مصر التاريخية (المزعومة) في الأراضي الليبية و النفط الليبي ، و تحديدا في الشرق الليبي (أو : إقليم برقة ، كما يصر البعض على تسميته) ، و ذلك على خلفية حقوق التنقيب عن البترول . غير أنه نتيجة لشدة رد الفعل الليبي الشعبي و الرسمي المستاء ، و استدعاء السفير المصري لدى طرابلس من قبل رئيس الحكومة الليبية (علي زيدان) لإبلاغه احتجاج الدولة الليبية و رفضها للتصريح المنسوب لرئيس حكومة بلاده ، و أن : " ليبيا لن تقبل المساس بسيادتها أو أي جزء من أراضيها .. و أن الليبيين الذين قاوموا الاستعمار الإيطالي وعاشوا في ظل ظروف معيشية صعبة ، سيقاومون أيَّ شخص يحاول التفكير في المساس بتراب الوطن ولو أكلوا الحجر " . مع طلب ضرورة التوضيح ؛ اضطرت الحكومة المصرية لإصدار بيان رسمي (بتاريخ 20 يناير 2013) ، نفت فيه ما نسب إلى رئيسها (هشام قنديل) ، من حديث عن حق مصر في ضم أراضٍ ليبية .
و عندما نقول بأن خطر الأطماع المصرية بليبيا ، كان و لا زال و سيظل ماثلا - كما هو الآن ، في عهد السيسي - يتهدد وجودها في التاريخ و في الجغرافيا ، كدولة و كإقليم جيوسياسي ، متمثلا في سعي مصر الدؤوب لابتلاع أجزاء من الشرق الليبي ، و فرض هيمنتها - اقتصاديا و سياسيا - على باقي أجزائه ، تحيُّنا للفرص المواتية ؛ فإننا لا نقول هذا من قبيل التهويل أو رجما بالغيب ، بل تأسيسا على وقائع سجلها التاريخ و تؤكدها مستجدات و معطيات الواقع الحي المتحرك .
و إذا كانت مصر الملكية لم تفلح في محاولتها قضم أجزاء من الشرق الليبي أوائل القرن الفائت ، قبل توقيع اتفاق ترسيم الحدود الليبية المصرية عام 1925 ، فإنها كانت قد عادت إلى تكرار المحاولة ، بطريقة التفافية ، إبان فترة تصفية تركة الاستعمار الغربي المباشر ، عقب الحرب العالمية الثانية ؛ إذ أن موقف مصر داخل الأمم المتحدة ، كان قد انحصر في القول بأنه إذا لم تكن الدول الأربع على استعداد لمنح ليبيا استقلالها على الفور ، " فإن مصر تطلب أن يُعهَد إليها بإدارتها ، بوصايةٍ من الأمم المتحدة . و طلبت مصر منح الليبيين خيار الانضمام إلى المملكة المصرية ، و خصت بالذكر منطقة برقة " ، طِبقا لنص ما جاء في ورقة بحثية بعنوان : الحرب على طرابلس و إرهاصات الصراع المصري التركي ، أعدها مركز الدراسات و البحوث الاستراتيجية (مقره بتونس) ، حيث مضت تلك الورقة البحثية - منشورة على الموقع الالكتروني للمركز ، و على موقع منبر ليبيا - لتضيف بالخصوص : " و كانت مصر قد قدمت مذكرات إلى مؤتمرات وزراء خارجية الدول الكبرى ، وإلى مؤتمر الصلح ، وإلى دورات الجمعية العامة الثالثة و الرابعة و الخامسة و السادسة ، مطالبةً بضم هضبة السلوم حتى تصبح مدينة البردية ضمن الحدود المصرية ، بحيث يبدأ خط الحدود إلى الغرب من البردية متجها إلى الجنوب الغربي ثم إلى الجنوب ضاما شريطا عريضا يحتوي على واحة الجغبوب ، وبوصول خط الحدود إلى أعماق الجنوب يتوسع ليشكل مثلثا كبيرا رؤوس أضلاعه (معطن سارة – أركينو – العوينات) ، بحيث تقع هذه الواحات كلها في الأراضي المصرية " . (انظر الرابط) .
https://www.minbarlibya.org/?p=15693

* الوجه الآخر لهيكل : هيكل و الأطماع المصرية في ليبيا
و بتتبعنا لتاريخ العلاقات المصرية - الليبية ، منذ العدوان العسكري المصري عام 1977 على ليبيا ، بهدف احتلال برقة - وفق ما كشف عنه هيكل - و الاستحواذ على ثروة البترول في الشرق الليبي ؛ نجد أن الأطماع المصرية في الشرق الليبي ، لم تتوقف يوما عن الظهور بأشكال و صور مختلفة تلميحا و تصريحا ، سواء على مستوى المسؤولين الحكوميين الكبار ، أم على مستوى : الخبراء ، و المفكرين السياسيين ، و الإعلاميين البارزين المعبرين عن توجهات النظام ؛ فضلا عن كاتب كبير - و مؤثر - بحجم محمد حسنين هيكل ، بما لحضوره المُلِحّ في المشهد من دلالة على مدى تأصّل الفكرة - استراتيجيّا - في الذهنية السياسية المصرية ؛ فهو ليس بالشخص غير المسؤول أدبيا ، الذي يطلق الكلام جزافا - و دون تدبر - ليتبدد في الفراغ .
و من ثم ، فلم يكن مفاجئا ما ألمح إليه هيكل أو ما أفصح عنه مرارا و تكرارا ، في كتاباته و أحاديثه المتلفزة ، من مزاعم الحق (التاريخي) لمصر في أرض الشرق الليبي ، بدعوى أنها أرض مصرية تمتد غربا إلى المرج ، شاملة كل منطقة الجبل الأخضر - و ليس فقط واحة الجغبوب - بل حتى بنغازي ، نظرا لأن منطقة برقة كانت قد وقعت تحت حكم الأسرة البطلمية (نسبة إلى بطليموس الأول) في مصر ، عندما امتد نفوذ دولة البطالمة من عاصمتهم الاسكندرية إلى قورينا (Cyrene) الليبية .
ففي أحاديث متلفزة لهيكل ، ظهر خلالها على قناة سي بي سي (CBC) مع الإعلامية لميس الحديدي ، في عدة حلقات ، تم بثها على فترات زمنية متفرقة من 2012 إلى 2015 ؛ صرح هيكل (3 أبريل 2014) بأنه : لا يخشى من الجماعات الإرهابية الموجودة في سينا ، و لا يشعر بالقلق من ناحيتها ، بل إن القلق الحقيقي على مصر يأتي من الحدود الغربية مع ليبيا ؛ مفسرا ذلك بأن ليبيا أصبحت مسرحا للميليشيات ، و أنها تؤوي ما يسمى " الجيش المصري الحر " ! غير أن التفسير الحقيقي لقلق هيكل ، ظهر لاحقا (فبراير 2015) في قوله صراحة : " إن على مصر أن تستردّ حقها في النفط الواقع في آبار الشرق الليبي ، باعتبار أنه من حق مصر " .
و في تقرير نشرته صحيفة الشعب ، بتاريخ 27 أبريل 2014 ، عنونته بصيغة استفهام تعجبي :« هل قام هيكل بتوريط " السيسى" لاحتلال شرق ليبيا من أجل البترول ؟! » ، ونقله عنها موقع مصريس (masress) الإلكتروني ، موَقَّعا باسم « المرصد العربي للحقوق و الحريات » ، ورد أنه في تصريحات سابقة لمحمد حسنين هيكل ، جاهر بها على نفس القناة ، قال : " في ليبيا هناك مشكلة كبيرة جدًا ، أتمنى أن يتنبه لها الجيش في مصر ، وأنا في حقيقة الأمر اتُهمت قديمًا أننا كنا نريد وحدة مع ليبيا وأنا كنت أريد دولة كاملة في هذه المنطقة من شرق البحر الأبيض " . وتابع قائلا : " إن منطقة برقة الليبية « الغنية بالنفط » تابعة للأراضي المصرية وعليها المطالبة بها ، وأن نفط ليبيا يتركز في الشرق الليبي ، وبوجود جماعة متطرفة في الجبل الأخضر أي بالقرب من مصر ، فإن ذلك يُعد خطرًا على الأمن القومي المصري " !
و المرء لا يحتاج إلى ذكاء فوق العادي ، ليقرأ ما بين سطور تصريحات محمد حسنين هيكل ، من إشارة ضمنية إلى أن حل المشاكل الاقتصادية لمصر يكمن في وضع يدها على البترول الليبي ، باعتبار أنه بترول مصري أصلا ، ملفتا انتباه الجيش المصري إلى التفكير جديا في احتلال منطقة برقة ، حيث يتركز النفط في الشرق الليبي ، على اعتبار أن منطقة برقة تابعة للأراضي المصرية ، و أن على مصر المطالبة بها ؛ خاصة و أن الفرصة مواتية لغزو ليبيا عسكريا ، بتوفر مصر على جيش قوي ، و بتوفر ذريعة حماية الأمن القومي المصري من خطر الميليشيات الإرهابية (أي جماهير الشعب في مناطق الغرب الليبي) ! حيث إن الخطر الحقيقي كما يرى هيكل - و يشاركه نفس الرأي ، الإعلامي المعروف عماد الدين أديب - إنما يأتي من الحدود الغربية مع ليبيا . (انظر الرابطين) .
https://www.sasapost.com/suspected-egyptian-military-intervention-in-libya/
https://akhbarelyom.com/news/newdetails/2976443/1

* هل سيغزو السيسي ليبيا ؟
أما الآن ، و قد تكاملت على المستويات كافةً - العسكرية ، و السياسية ، و التشريعية ، و الخطاب الإعلامي المتشنج ، و تعبئة المشاعر (القومية) المصرية - جميع ترتيبات التدخل العسكري المباشر في الشأن الليبي ، بمبرر الدفاع عن الأمن القومي المصري ؛ فالسؤال يطرح نفسه : ماذا سيكون من مستجدات الأطماع المصرية بليبيا ، و تهديد السيسي بغزو ليبيا عام 2020 ؟ .
و الجواب هو أن أية مغامرة عسكرية مصرية لوضع اليد على الثروات الليبية أو التراب الليبي ، أو لبسط النفوذ المصري على الشرق الليبي ، ليست مستبعدة . لكنها لن تصل - بتقديري - إلى غايتها ؛ ليس لانتفاء شهية الافتراس ، بل لأنه لن يُسمح للنظام في مصر ، بأكثر مما يقتضيه لعبُ دورٍ وظيفيّ - مأجور - يقع تحت السيطرة ، في لعبة الأمم .
لكن للغزو وجها آخر ، هو الغزو الديموغرافي القادم من الشرق ، الجاري - تراكميا و بهدوء - على قدم و ساق في الشرق الليبي ، و الآخذ بالتوسع الاستيطاني ، و اكتساب الهوية المحلية " البرقاوية " ، باكتساب الجنسية الليبية . و قد يأتي يوم تتحقق فيه الأطماع المصرية سلميا و (ديمقراطيا !) ، باستفتاء الشعب في " إقليم برقة " ، لتقرير حق المصير بالانضمام إلى مصر !
و بهذه الملامسة لنظرية الاحتمالات في مجال السياسة و العلاقات الدولية ، ننهي الجزء الثاني من المقال : (نهر الكفرة) يفجر الأطماع المصرية بليبيا . لكن للحديث صلة ... قادمة .
---------------
مصادر و مراجع وردت الإشارة إليها
- محمد حسنين هيكل : المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل / الجزء الثاني . عواصف الحرب و عواصف السلام . دار الشروق .
- مركز الدراسات و البحوث الاستراتيجية (تونس) : ورقة بحثية / الحرب على طرابلس و إرهاصات الصراع المصري التركي .
- المرصد العربي للحقوق و الحريات : هل قام هيكل بتوريط " السيسى" لاحتلال شرق ليبيا من أجل البترول ؟! / مقالة رأي . موقع (masress) نقلا عن صحيفة الشعب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطاولة المستديرة | الشرق الأوسط : صراع الهيمنة والتنافس أي


.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية




.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ


.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع




.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص