الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أستاذنا العزيز..وصلت الوصية، ولكن ما باليد حيلة! - تعقيب على رسالة أستاذي كاظم حبيب،

كفاح حسن

2006 / 6 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


رسالة جوابية

قرأت بإهتمام بالغ رسالة أستاذي كاظم حبيب، و التي وجهها إلى معشر الشيوعيين العراقيين، سواء الموجودين داخل الحزب أو الذين لا زالوا مناصرين له.
و إهتمامي يعود لكون الأستاذ أبو سامر كان مدرسا لي، و على قول العرب من علمني حرفا ملكني عبدا. وكلينا نشأنا في أجواء مدينة الطف بما في هذه المدينة من وقع على تربيتنا الفكرية و الثقافية لاحقا. و كلينا خضنا تجربة الأنصار في شمال العراق بما في هذه التجربة من عبر و دروس.
وفي سطوري هذه لا أود الرد على رسالة إستاذي العزبز. ولكنني أود إستكمال الأفكار الواردة فيها. حيث رغم إن رسالته كانت مفصلة، و لكنها أغفلت عدد من الحقائق،و التي لها تأثير كبير على مسيرة وواقع الحزب الشيوعي و الحركة الوطتية.

و من أهم الحقائق التي أود الإشارة لها، هي ظاهرة إنحسار الحركة اليسارية في المنطقة بشكل عام وفي العراق بشكل خاص. لقد فقدت الشعارات و الأفكار اليسارية بريقها وسط الجماهير. حيث توجهت جمهرة الفقراء و المعدمين نحو الأفكار الدينية الأصولية و المتطرفة. و نتحمل نحن اليساريين مسؤولية كبيرة في إبتعاد الجماهير عن شعاراتنا. حيث كنا نعيش في وهم إن اليسار له جذور عميقة وسط الناس، بحيث يصعب قلعها. و هذا قادنا إلى المبالغة بثقلنا و تأثيرنا، إلى حين صحونا على وضع يتنافى مع أحلامنا. إن تراكم التأثيرات الناجمة عن الأخطاء السياسية التي إرتكبتها الحركة اليسارية خلال نصف قرن من تأريخ العراق الحديث، كان أحد الأسباب في إنحسار الجماهير عن اليسار. و لكي يستعيد اليسار موقفه يحتاج الأمر إلى سياسة واقعية و عمل صبور و طويل.

و الحزب الشيوعي كفصيل مهم في الحركة اليسارية في العراق، يجد اليوم نفسه في وضع لا يحسد عليه. فبعد أن كان الحزب حزبا مؤثرا و فاعلا في الحياة السياسية في خمسينيات و ستينيات القرن الماضي، يعيش الحزب اليوم وضع صعب في نضال من أجل البقاء! و كما أشرت يا أستاذي العزيز في رسالتك، فهناك أخطاء و تصرفات إرتكبت داخل الحب خلال السنين الإثنى و السبعون من مسيرته، جعلت من الحزب في حال يعيقه من التجدد و الإنطلاق بصورة و هيئة جديدتين. ولايستطيع الحزب بشعاراته و تركيبه التنظيمي اليوم أن يكون داينمو للحركة اليسارية في البلاد كما كان عليه في الفترات المنصرمة من تأريخ العراق الحديث. إن بلادنا بحاجة إلى حزب يساري جديد يستطيع أن يطرح شعارات يسارية قريبة من طموح الجماهير، شعارات تتفهم واقع العراق السياسي و القومي و الإجتماعي، حزب يستكمل مسيرة الحركة اليسارية ، و لكن لا يستنسخ شكله و بنائه من التنظيمات القديمة لليسار.

إن تسلط الأفكار و التيارات الدينية أمر غير غريب، و حدث في كثير من بقاع العالم بعد إنهيارالأنظمة الشمولية و الدكتاتورية. إلا إن هذا التسلط محدود ، بسبب عجز هذه التيارات عن إدارة دفة الدولة. إن الأحزاب الدينية إذا أرادت الإستمرار عليها أن تتخلى عن طابعها الطائفي الضيق.

و من الإمور المصيرية الأخرى التي ينبغي التوقف عندها .. مسألة الإبقاء على وحدة البلد. إن تشكيل الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي سار بشكل ناجح خلال فترة الحكم الملكي. و ما أن إنهار هذا الحكم،دخلت البلاد في دوامة الإنقلابات العسكرية و نظم الحكم الإستبدادية، حتى بدأ الخطر يهدد هذه الدولة ووحدة كيانها. و إننا نقف اليوم في مفترق طرق مصيري، حيث هناك خطر في تفكيك الكيان العراقي إلى دويلات "فدرالية" يربطها إتحاد هش. وواقع الحال اليوم في العراق يعبر عن دولة مفككة. و أعود و أقول إن هذا الأمر ليس بالغريب، فإن إنهيار الدولة العراقية بعد الإحتلال الأمريكي للعراق، فتح الطريق أمام تفكيك البلاد إلى مقاطعات و محميات متحاربة! و هذا ماحدث في كل دولة هزها إنهيار مرافق بإحتلال أجنبي خلال تأريخ البشرية الطويل.فهذا ما حدث مع الإمبراطورية العباسية ، و قبلها الإمبراطورية الرومانية. و كذلك الحال مع الإمبراطورية العثمانية. و هذا الخطر يهدد اليوم البلاد. علما بأن تشكيلة الأحزاب السياسية الحاكمة في العراق أو في المعارضة، قائم على أساس تفتيت البلاد إلى دويلات ، و ليس على الإبقاء على العراق ككيان موحد. إن اليسار العراقي ليس لديه موقف موحد من هذا الأمر. وحتى الحزب الشيوعي العراقي إنجر في السنين الأخيرة نحو شعارات الفدرالية دون أن يحترس من خطر هذه الشعارات ، حيث ينطبق عليها قول الإمام علي "كلمة حق يراد بها باطل".

و أثار إنتباهي في رسلة أستاذي أبو سامر تبنيه لأفكار عدوه اللدود الإقتصادي كينز، حيث سمى مدرسته بتسمية محسنة "مبدأ إقتصاد السوق الإجتماعي". و لكن مع الأسف، فإن المدرسة الكينزية في الإقتصاد التي نجحت في تخليص الإقتصاد الأمريكي من أزمته العميقة في ثلاثينيات القرن الماضي، فقدت أدواتها مفعولها في الإقتصاد العالمي الراهن. حيث إن المدرسة الكينزية تعتمد على سياسة مالية محكمة من قبل الدولة في السيطرة على حركة العجلة الإقتصادية. و تعتمد هذه السياسة على أدوات محدودة، هي الضرائب و نسبة الفوائد المصرفية لضبط حركة العجلة الإقتصادية . كما إن الكينزيون يحاولون إنتشال الإقتصاد من حالة الركود من خلال تدخل الدولة المباشر لتخفيض معدلات البطالة عن كريق زيادة عدد الوظائف الحكومية. إن هذه السياسة مكلفة إقتصاديا، و تفقد مفعولها في ظل عولمة الإقتصاد،و حرية إنتقال رأس المال عالميا. و مع صعود تاتشر و ريغان في ثمانينيات القرن الماضي برزت المدرسة الليبرالية الإقتصادية الحديثة، كبديل عن الكينزية في إيجاد حلول للأزمات الإقتصادية التي عصفت في العالم الرأسمالي. و إجمالا فإن المدرستين الكينزية و الليبرالية لايقدمان بمفردهما علاج فعال للعجلة الإقتصادية، ولن الضرورة تستدعي الجمع مابين أدوات عمل هذين المدرستين من خلال سياسة مالية و سياسة نقدية متلازمتين. كما إن الإبقاء على الإقتصاد الوطني في وضع صحي يتطلب إبتعاد الدولة عن التدخل في الإقتصاد، لن تدخلها من عمل آلية الإقتصاد الذاتية. إن مهمة الدولة تتركز في عملها على توفير الضمانات لسير عجلة الإقتصاد بشكل طبيعي بدون عراقيل.

لقد تضمنت رسالة أستاذي أبو سامر تردد في طرح أفكاره و آرائه خوفا من سوء فهم . و إنني أتفهم هذا التردد. وهذا التردد هو نفسه الذي يمنع جمهرة كبيرة من حاملي الأفكار الماركسية أو الشيوعية من المجاهرة بآرائهم ، و خوفا من سوء الفهم. و مع الأسف ينجر الكثير في مجاراة الخطأ رغم معرفتهم بجسامة الخطأ. و لا أريد تذكيركم يا أستاذي بالمواقف التي إنجررنا لإتخاذها، رغم معرفتنا بخطأها، إتخذناها فقط لكي لا نبرز كمعارضين لسياسة الحزب العامة ، والتي رسمها أشخاص محدودون.

و رغم الحرص الواضح في نصائحكم الواردة في رسالتك ، إلا إنني لا أعتقد إنها ستجد تأثيرا لها. فمؤتمرات الحزب تحولت إلى مهرجانات خطابية لمباركة سياسات موضوعة مسبقا، كما هو حال مؤتمرات الأحزاب الشيوعية في النظام السوفييتي المنهار..

إن وصاياك الواردة في رسالتكم ، وصايا حريصة و أمينة..و لكن يا أبو سامر ليس في اليد حيلة!

تلميذكم المخلص
كفاح حسن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية