الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النمط الاجتماعى, الانتقال من مجاميع سكانية الى مجتمع حديث. الزمان العربى.

خالد فارس
(Khalid Fares)

2020 / 8 / 7
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


مقدمة:

المقال يتكون من جزئين, الجزء والأول مقدمة نظرية, الجزء الثانى محاولة تطبيق النظرى على الواقع العربى.

القسم الأول: مقدمة عن الشعب و العمل:

هل نضع كلمة "الشعب" بين قوسين, بما يعنى أن هذه الكلمة لملىء فراغ فى سياق المعنى.؟ أم نستحدم كلمة شعب كونها تعبيراً عن خصائص ذات طبيعة فاعلة تبعث خصائصها فى المكان والزمان؟ هل الشعب يتشكل فى صيرورة الانتاج, كما تصوره ماركس, أم مجرد مجاميع سكانية, واذا كانت مجاميع سكانية, لماذا نسميها شعب, وعلى أى أساس؟
بالنسبة الى ماركس وانجلز, انطلقت رؤيتهم لمفهوم الشعب, من اتحاد الجماعة فى انتاج العيش المشترك, انتاج الحياة. قد يقول أحدهم, أن هذه النظرة, اورومركزية, لان مفهوم الإنتاج, والعمل, تم صياغته أو بلورته, فى الواقع الاوروبى الصناعى. ألم يعمل وينتج الانسان منذ القدم؟

ماهو تعريف ماركس للعمل, وهل تحدث عنه فى سياق الثورة الصناعية, أم فى سياق أن العمل قضية ترتبط بتعريف الانسان, بغض النظر عن الزمان والمكان الذى يعيش فيه الانسان.
وهل شعار ماركس وانجلز فى البيان الشيوعى "ياعمال العالم اتحدوا", قصد عمال الثورة الصناعية فى أوروبا, أم تحدث عن العمال فى مفهوم كونى.؟ لسنا بصدد الدفاع عن ماركس بشأن الاستشراق (ادوارد سعيد) أو الاورومركزية (تيار من المثقفين العرب), انما نحن بصدد طرح الامور كما جائت فى سياق نصوصها.

لا ندعى أن نظرية ماركس مكتملة فى كافة جوانبها, بل نأخذ ماركس كنقطة انطلاق. ونتبنى ما قاله مهدى عامل "إن فكر ماركس تكون فى أساسه انطلاقاً من نظر ناقد فى نظام الانتاج الرأسمالى. فهو قبل كل شىء فكر غربى, أى فكر تَفَهّمَ, فى حركة بنائه وتكامله, واقعاً تاريخيا معيناً هو الواقع الرأسمالى الغربى. وبتعبير آخر, يمكننا القول بأن فكر ماركس, ومن ثم جهاز المفاهيم الأساسية للماركسية هما, دون شك, نتاج مباشر للتجربة التاريخية الغربية الخاصة" (ص 453: مقدمات نظرية لدراسة أثر الفر الاشتراكى فى حركة التحرر الوطنى: 1) فى التناقض. 2) فى نمط الانتاج الكولونيالى.).

ونعتقد, بأن السؤال الاساس, هو كيف نقرأ ماركس, وكيف نقيم التمييز بين ماهو كونى وماهو, حصراً, غربى أى فى الجغرافيا التاريخية؟.
سيكون من المجحف أن نختزل مشروع فكرى فلسفى, بثنائية كونى محلى. تتداخل الكونية مع المحلية, والسؤال, هل اتخذت مفاعيل المحلية الاوروبية الغربية دوراً مركزياً, بسبب ارادة المفكر أو الفيلسوف (فعل ارادوى), أم أن هذه المفاعيل كونية, بسبب أن الكونية يجب أن يكون لها مركزاً, وبدون مركز, تتكثف وتتراكم فيه المفاعيل, لا يمكن أن تكون كونية.؟

الكونية هى مجموعة خصائص, تنشأ فى العيانية أو فى أجزاء. مثال: حُمْرَةْ اللون, خاصية كونية, قد تكون أو تنشأ فى كرسى (كرسى أحمر) أو فستان أو سيارة... الخ, ولكن الحُمْرَة تبقى كونية. اللون الأحمر على الاشياء هو تجسيد لهذه الكونية. وقد تُفْنى هذه الاشياء وتذهب, ولكن ستبقى حمرة الاشياء, لانها كونية, المركزية.

العمل والانتاج خصائص كونية فى حياة الانسان, تنشأ فى كل مكان فى أوروبا والعالم أجمع, وليس بالضرورة أن تنشأ بذات النمط أو الطريقة. من الممكن أن يكون العيانى عمل صناعى ومن الممكن أن يكون العيانى عمل خدماتى أو صناعة محتوى الكترونى. فالعمل ليس حرفة بذاتها, فى وسيلة انتاج أو وسيلة عيش بذاتها, بل هى أساس العلاقة بين الانسان والطبيعة.

يمكن تمييز الاشياء المحددة فى العيانية, ولكنها لا تفقد علاقتها بالكونية. العمل كونى, العمل لانتاج محتوى الكترونى, يختلف فى عيانيته وليس فى أنه ليس عملاً, أو ليس إنتاجاً. تماماً, عندما ننظر الى الكرس الاحمر والسيارة الحمراء, أو ذات اللون الاحمر, لا نلغى حمرة اللون لأنه نشأ على أشياء عيانية مختلفة, بل نؤكد وجوده ونميزه فى تكونه العيانى.

من الناحية النظرية, فان مقولة ماركس وانجلز فى البيان الشيوعى, (ياعمال العالم اتحدوا), لم تختص بأمة أو مجاميع سكانية, فى جغرافيا محددة. "ياعمال العالم اتحدو", هى خصائص كونية فى حياة البشر, ويمكن قراءتها أيضا "ياشعوب العالم اتحدو", ولكن كيف تتحد الشعوب, وكيف يمكن أن يتشكل شىء يجمع هذه الشعوب, فى اطار العيش المشترك وانتاج حياة مشتركة.؟

أن كلمة عمال أو عمل, تمثل, فى الفكر الماركسى, الأساس الانطولوجي, الوجودى, لتعريف الشعوب, من ناحية أنطولوجية. لان الفكر الماركسى يقوم على مبدأ أساسى, حدده ماركس فى رأس المال, صفحة 72 من المجلد الاول يقول "مادام العمل خالقاً للقيمة الاستعمالية, أى مادام عملاً نافعاً, فإنه شرط ضرورى لوجود الجنس البشرى, بصورة مستقلة عن كل أشكال المجتمع, إنه ضرورة أبدية تفرضها الطبيعة, وبدونه لايمكن أن يجرى أى تفاعل مادى (أيض) بين الانسان والطبيعة, وبالتالى لاتوجد حياة. إن القيم الاستعمالية, كالمعطف والقماش, الخ, نعنى باختصار أجساد السلع, هى مركبات من عنصرين: المادة الطبيعية والعمل".

العمل شرط ضرورى لوجود الجنس البشرى. العمل عند ماركس, ليس مجرد عملية انتاج فى مصنع, بل هو شرط للوجود. حتى العاطل عن العمل, فهو فى عمل مجانى ولأنه لا يتلقى أجر, سيتسبب فى أن يكون عمل الآخر بأجر منخفض, أو لأنه عاطل عن العمل يؤدى أعمالا أخرى مجانية, بلا أجر, أو أنه يعمل عملاً ذهنيا ولكنه لا يعود عليه بعائد مادى.

السؤال المركزى, كيف نعمل وماذا نعمل, هو السؤال ذاته: كيف نكون وماذا نكون, وهو سؤال فى ماذا يكون وكيف يكون الانسان. اذا أردنا أن نفهمه أنطولوجيا, وليس ميتافيزيقيا, يجب أن نفهم كيف يكون فى الحياة, ماهى شروط وجوده فى الحياة. والاجابة على هذا السؤال لا تعنى انشاء مصنع أو وسيلة انتاج, بل تعنى بالدرجة الأولى, سؤال عن الانسان ومصيره فى العيش, لان العمل هو الوجه الحقيقى للعيش فى الحياة.

يستطيع الانسان أن يُكّونْ له وجود, من خلال علاقة مباشرة بينه وبين الطبيعة, أى أن حياته هى العلاقة الأيضية بينه وبين الطبيعة. وتصبح هذه العلاقة هى حياة الانسان (انتاج حاجياته) والطبيعة (انتاج بقائها وتطورها), فى آن واحد. لهذا فان الوجود, أو أى شىء له وجود, يتكون من عنصرين, الطبيعة (الثروات) والعمل (عمل الانسان).

ولكن هذه العلاقة, تتطور, لأن الانسان يقوم بتطوير ادوات عمل, ويستخدمها فى العلاقة بينه وبين الطبيعة, لانتاج حياته, أو ما يحتاجه من اجل بقائه ونموه وتطوره. هذه الأدوات تصنعها الجماعة, وهى تعبير عن علاقة الجماعة مع بعضها البعض ومع الطبيعة, كجماعة.
الشرط الضرورى لوجود الجنس البشرى, هو أن تتشارك الجماعة فى صناعة أدوات عمل تنتج لهم حياتهم من الطبيعة أو من وسيلة عيش أو انتاج. وهذه الجماعة, بحاجة الى تنظيم اجتماعى, نمط اجتماعى, هو المجتمع. وهذا التنظيم عبارة عن اتخاذ القرارات (سياسى), انتاج وتوزيع واستهلاك (اقتصادى), ولغة وفن وشعر ودين وأدب (ثقافى). هو عبارة عن نسق أو انتظام الجماعة فى علاقات متبادلة متفق عليها.

النمط الاجتماعى:

عندما درس ماركس تاريخ هذه الجماعات, قسمها على أساس اقتصادى (نمط الانتاج: المقصود نمط العيش المشترك فى الحياة): من مشاعية الى شيوعية. أراد ماركس أن يتحدث عن نمط البناء الاقتصادى للجماعة, وأسماه نمط الانتاج. ففى كل مرحلة يتشكل نمط انتاج للجماعة البشرية (الشعب), يدخل هذا الشعب فى عملية تنظيم اجتماعى, المجتمع المشاع, العبودية, الاقطاع, الرأسمالية, الشيوعية. لم يقل ماركس أن كل منطقة جغرافية, مهما كانت, سوف تعيش هذه التقسيمات. بل يمكن لأكثر من نمط أن يتعايش فى منطقة جغرافية, وذلك يعود الى ظروف تشكل الكيان الاجتماعى.

اتخذ ماركس من الرأسمالية, مختبرا للتاريخ, ودرسها بعمق وإ سهاب. ماذا قال ماركس عن العلاقة بين الجماعة أو الفرد-العمل والطبيعة, أى ماهو االتحولات التى تحدث على هذه العلاقة, فى الرحلة الرأسمالية. يقول ماركس فى رأس المال المجلد الأول: "....فالانتاج الرأسمالى إذن, لاينمى تكنيك وتركيب عملية الإنتاج الاجتماعية الا بتدمير المصدرين الإثنين لأية ثروة فى الوقت ذاته وهما: الأرض والعامل ص 621-622".

ماذا يقصد ماركس؟

يريد أن يقول لنا, بأن العلاقة بين الانسان, سواء الفرد أو الجماعة, مع الطبيعة, لا يمكن أن تكون علاقة مباشرة, كما كانت. لماذا؟, لأن الأرض التى هى الطبيعة والعامل (العمل) يتم تدميرهم. كيف؟
تنشأ الرأسمالية على الملكية الخاصة, ملكية الطبيعة (الثروات) و العمل (الانسان المنتج), لهذا يجب أن لا يكون هناك أى امكانية أو شرط أو فرصة, فى الأرض (الطبيعة) أو الانسان (العمل) أى سيطرة, لغير رأس المال, أى دور فى تحديد هذه العلاقة. فقط العلاقة الرأسمالية, هى التى تحدد العلاقة بين الانسان والانسان, بين الانسان والطبيعة, بين الجماعة والجماعة, وبين الجماعة والطبيعة. أى أنها تحتل العلاقة بين الانسان والطبيعة.

اذاً, شرط وجود الجنس البشرى, فى العصر الحديث, أصبح العمل فى كونه عنصرا, فى رأس المال محتلا ومتوسطاً العلاقة بين الطبيعة والعمل, ومسيطرا على الأرض (الثروات) وعلى الانسان (العمل والانتاج). وعندما تكون الأرض (الثروات الطبيعية) مملوكة لرأس المال, وليس للجماعة البشرية مباشرةً, وعندما يكون العمل (الانسان المنتج) مملوكا لرأس المال وليس للانسان المنتج مباشرة (الانسان المنتج يدخل فى علاقة عقد عمل تحدد شروط وجوده الاجتماعى), يصبح شرط وجود الجنس البشرى مرهونا لمالك رأس المال, أو لمجموعة مالكى رؤوس الأموال, الذين يشكلون كتلة كونية فى هيئة بنوك وصناديق استثمار وتمويلات.

الشعب فى الماركسية, هو المجاميع السكانية التى تتوحد فى مجتمع, لانتاج حياتها, أو على أساس العيش المشترك. المجتمع هو نمط وحدة الجماعة فى العيش المشترك. والمجتمع تجسيد للكتلة التاريخية المتوحدة فى اطار سياسى.
تبحث المجاميع السكانية, عن اطار يجمعها على قاعدة العيش المشترك, لكى تصبح شعبا, بالمفهوم الحديث. فهى بحاجة الى اطار اجتماعى, أو نمط اجتماعى, نطلق عليه المجتمع, لكى يتحقق للشعب, نمط من الاتحاد أو الوحدة. كل شعب بحاجة الى نمط يوحده, وهذا ما نسميه المجتمع. هو صيغة سياسية-اقتصادية-ثقافية, توحد الديمغرافيا, أو المجاميع السكانية أو الشعب. ولايعنى ذلك غياب التنوع, الوحدة, تعنى تنظيم شؤون العيش المشترك, أو عملية تنظيم للعيش المشترك. وفى حالة, عدم قدرة الجماعة أو المجاميع السكانية ايجاد نمط اجتماعى, تتوحد فيه على أسس من العيش المشترك, قد تضطر هذه الجماعة, الى القفز عن مرحلة تشكيل أو إنشاء مجتمع, والبحث عن اطار عابر للمجتمع, أو فوق المجتمع, لكى تتوحد فى اطاره., أو لكى يساعدها على التعويض عن فقدان المجتمع, وفى أحيان تلجأ الى الثورة لتأسيس مجتمعها الحديث.

يتبع القسم الثانى.
خ.ف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024