الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العروبة بين الاختراق القطري والمنقول الفكري السطحي والارتباط

سليم نقولا محسن

2006 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


كانت العروبة مُسلّمة ثقافية، يعيش في حالتها الوجدان العربي ، فلم تكن موضع شك لديه، ولا كانت تحتاج مسألة معايشتها إلى برهان، وكانت تُكسِب ناسها وضعاً متمايزاًً عن الشعوب الساكنة ضمن السلطنة العثمانية، إلا أنها كصفة أو هوية غامضة المعالم لسكان المنطقة، تختلف عن كونها ذات مقومات يمكن الاستناد إليها في تكوين دولة في المفهوم الحديث.

تعاظم جور السلطنة العثمانية على شعوبها في أواسط القرن التاسع عشر جراء خلل حدث في جسم السلطنة، وتحولها من السلطانية بمفاهيمها الشرقية الحاضنة للشعوب والملل إلى دولة عصرية ممسوخة عن النموذج الأوروبي لمفهوم الدولة والسلطة المتقدم عنها بما لا يقاس، والمرافق لانتشار وسيادة مبدأ القوميات في أوروبا المتصادمة معها آنذاك. وأدى شيوع هذا المبدأ إلى حروب واقتطاعات أجزاء من جسم السلطنة. وتولد، بناء عليه، نزعات مطلبية سياسية من قبل الشعوب الداخلة تحت الرعاية السلطانية ردا على التمايز الحاصل اتجاه بعضها لسوء إدارة الدولة الهجينة آنذاك، الذي أدى تفاقمه إلى انحيازات في الولاء من قبل سكان الأطراف الى الدول المجاورة للسلطنة، بغطاءات من مقولات أبرزت التفاخر بالأصول المختلفة بين شعوبها، اختلط فيها المفهوم العرقي والديني بالقومي برر لبعضها الانفصال، وكان من جرائها حدوث اضطرابات ومجازر لقوقازيين وأكراد وأرمن وعرب مسيحيين. الأمر الذي هدد بقاء السلطنة ورجح بدوره مسعى القوميين الأتراك بضرورة شد لُحمة دولة السلطنة بالدعوة إلى التتريك والى إقامة دولة قومية تركية حديثة للحاق بالدول الأوروبية، مما أخرج الدولة السلطانية عن مفهومها السياسي الرعائي، والى تفككها عقب الحرب الأولى.

وقد جابه العرب واقعهم المتخلف المعاصر بفيض من ماضوية مبهمة مشبعة بالرومانسية، عن أمجاد حضارية لحضارات بادت يجب أن تعاد، ساهم المنقول الغربي السطحي، عن كيفية توظيفها لإقامة الدولة الواحدة المنشودة، إلى بلبلة واختلاط المفاهيم، وبالتالي إلى تعثر قيامها.

وعوضا عن تحريض الحاضر المتخلف لنفض عباءته بجذبه إلى تصور مستقبلي، كانت مجابهته باستحضار الماضي حرفيا والتعصب له، أوالى إلباسه أشكالا مضحكة من مجتمع متقدم له أصوله المغايرة، استجرها منه هذا كيفما اتفق، في الوقت الذي كان قد بلغ فيه هذا المجتمع الغربي حينها أوج تقدمه عن مفهوم الدولة القومية ومفرداتها كتعبير عن مجتمع المواطنية، التي كانت قد سادت في القرن19 في الغرب الأوروبي.

وهكذا تم نقل المفاهيم القومية، التي تناسبت مع طبيعة مجتمعاتها وتطورها، إلى مجتمعات كانت قد عادت في تخلفها إلى البداية المجتمعية وإلى البداوة، لذا فان القومية العربية المعادلة بالمعنى للجنسانية الغربية الآخذة بمبدأ الولادة على أرض الوطن - ولا نعني هنا الأصل- أو ما يماثله، بقيت بعيدة التطابق مع مثيلتها الأوروبية، وإذا كانت الأرض: هي الأم المنجبة والمرضعة والمربية والملاذ المستقر حيث يأخذ مفهوم الوطن عنها أبعادا مغايرة، فان الأرض بالعودة إلى الجذر العربي - من باب المقارنة- لم تكن بالنسبة للانسان العربي غير محطات ومادة للذكرى والبكائيات، عندما يقف بعد رحيله عنها على أطلالها، وما هو منتقل إلينا من التاريخ الموروث لم يكن العرب سوى قوم راحلين مع الأنعام أو تجار ينتقلون مع قوافلهم في رحلات الصيف والشتاء بين جنوب جزيرة العرب وشمالها، ولم يكن ملوك العرب بحماة للأرض بل كانوا يحمون مواقع السحاب، حيث الأهمية في النهاية إلى السماء، التي استمد منها العرب مع الشعوب البعلية المجاورة مفاهيمهم، وقاسوا عليها كل معاني الحياة.

لذا كان العرب بما عرفوا عليه كشعب -أي فرع- قوماًً رحلاً في وضعِ مجاورةٍ ومساكنة مع الدول المستقرة المتاخمة لديارهم، حتى توطدت التجارة لديهم، وتطلبت تجميع أديان القبائل وناسها في بعض حواضرهم كمكة ويثرب، لذا سمي "قصي" مجمعا أو مقرشا، إلى أن تمكنت وتطورت هذه المجتمعات لقبول التوحيد بالأمر الإلهي، لذا غلب على معنى الأمة لديهم: المفهوم الديني "أمة إبراهيم" وأمة كل نبي حيث تعبر الأمة عن الشرعة والطريقة والدين ففي التنزيل "كنتم خير أمة" أي خير أهل دين، " وإنا وجدنا آباءنا على أمة"، "وكان الناس أمة واحدة" أي كانوا على دين واحد. وهذا يتعارض مع مفهوم وحدة الناس على أساس الجنس بمعنى المولودين على أرض واحدة، حيث تضم الأرض الواحدة عدة أديان.

ومع أن القومية العربية: هي معاشة حياتيا، ويشعر بها الناس ويحيونها منذ إقامتهم وبدء تاريخهم، أي هي مفهوم بديهي، لكن كان القصور عن إيجاد منظومة فكرية مترابطة بها إحكام منطقي، يتناول المفاهيم القومية البديهية لهذه الشعوب الواحدة: التي هي نتاج للتعدد السكاني المتنوع وثمرة الجهد على الأرض الواحدة وسط عالم طامع معادي، قد أدى إلى خلط بين عدة مفاهيم منها مثلا: الخلط بين مفهوم المجتمع الديني ومفهوم المجتمع السياسي، فالمنتظم الاجتماعي السياسي الذي اتخذ صيغ الدولة، تسوده عادة العلاقات السياسية، التي تتبع الشرائع والقوانين الوضعية لتنظيم العلاقة بين الناس على أساس المساواة في الحقوق والواجبات، وإجراءات تطبيقها العادل بينهم، بينما المجتمع الديني: هو علاقة إيمانية بين الخالق وجماعة المؤمنين تسوده الإرشادات، التي يجهد من لهم القول فيها على هدى الشرائع السماوية لتبيان الحق من الباطل لهداية الناس إلى سواء السبيل.

ان الدولة السياسية الحديثة المقامة بموجب اتفاق مواطنيها على أساس المساواة والعدل، ليس بها أكثريات أو أقليات أكانت أثنية أو طائفية دينية، بل يعيش بها مواطنون، يحكمهم القانون، وعلى العكس من ذلك الدولة الاثنية أو الدينية حيث ينقسم فيها المجتمع وتتراتب كتله الاجتماعية إلى أكثرية وأقلية، ولأصحابها حق بسلطتها وبحكم سكانها، كما يزعمون بتفويض من الرسالة السامية المعطاة لعنصرهم المتفوق أو دينهم "النازية وإسرائيل" دون بقية السكان على اعتبار أنهم أقليات منحطة مهملة ملحقة بجسمهم الاجتماعي والدولة على ما يؤدي هذا المنطق من إلحاق الاضطهاد والاستئصال بالآخر، وليس من العقل أن تقام الدولة القومية العربية على هذه المقومات.

إن مهام الدولة في تأمين الحاجات السكانية الضرورية للحياة، بما يتفرع عن تأمين العمل والسكن والغذاء والأمن، يجعل من توجهات المجتمع السياسية قضايا مبدئية، بينما الممارسات السياسية الدولية لإدارات الدول براغماتية، وفي دول ناشئة كدول المنطقة، فان محاولة سلطاتها الجاهدة للنهوض بها لتجاوز التخلف بالتحرر الاجتماعي والسياسي - مبرر تواجد قياداتها- غالبا ما كانت تتعرض للاستهدافات الخارجية لتناقض مشروعها النهضوي بشروطه القومية مع المخططات والمصالح الغربية، بما اعتادت عليه تلك من نهب للشعوب، وذلك بالعمل على إفشالها بمحاصرة تلك الدول وخلخلة بنيتها والحرب عليها واحتلالها والقضاء على قياداتها "تجربة ثورة ناصر المصرية، وتجربة صدام حسين العراقية."

مما سبق نرى بأنه كان من السهل تقصي الثغرات الكامنة في بنية الفكر العربي وبالتالي سهولة اختراق حياة المنطقة – استقرارها وعقائدها وقيمها وقلب حقائق وجودها وشحن البغضاء والتفرقة بين تنوع سكانها- ومنها صنع أساطير الهولوكوست العربية والترويج لها ضد الأقليات في الدول العربية، وضد الطوائف الشيعية والمجتمعات الكردية في العراق، أو المزمع إقامتها من عرب الجوار ضد اليهود في فلسطين، وبينما كانت النخب العربية وشعوبها، تبني الآمال على تحقيق طموحات، نمت منذ الانفكاك عن الدولة العثمانية في المشرق العربي وقيام ثورة مصر ببرنامجها الثوري، حتى تتالت الهجمات والحروب المتلاحقة، التي استهدفت الشعب العربي على امتداد الساحة العربية وخاصة على العراق وقيادته لمحاولته تثمير ثرواته الوطنية والنفطية لإقامة النهضة العربية بنموذجها العراقي، لتختتم بغزو همجي قل نظيره لم تحتمله شعوب المنطقة العربية، وكان أكثر إيلاما من كل الكوارث والنكبات من فلسطين إلى حزيران، إذ كان احتلال العراق إعادة مأساوية لشريط التاريخ، وما اختزن منه في الذاكرة عن بدايات الضعف العربي باحتلال الفرنجة للقدس أواخر القرن 11م إلى تدمير هولاكو بغداد ومقتل الخليفة العربي إلى احتلال تيمورلنك دمشق وإباحتها في أوائل القرن15 م لتتعاقب بعدها الاحتلالات ونماذج الحكم والحكام.

لقد كان احتلال العراق محاولة لإنهاء مسار جماعة التقدم العربي ووضع خواتم مهينة لقادة تياره ولإعلان عجز العرب في العصر الحديث عن حماية أنفسهم من هجمات الضباع الشرسة الرابضة: بإقامة مجتمعهم المأمول بعد كل الجهد ونضالات الشباب وتضحياتهم وتكاثر شهدائهم على امتداد القرن الماضي إلى الزمن الحالي، ليس هذا فقط بل انتقاما منهم وعقابا لهم، وكان الانتقام بقدر خطورة فعل الثورة العربية عليهم ومن شعب وثق بنفسه وقيادته على صنع المستقبل الذي يريد، كان انتقاما من كل رموز النهضة العربية منذ محمد علي إلى عبد الناصر، وهو عقاب ليس لسلطة الدولة العراقية فقط وإنما أيضا للشعب العربي من المحيط إلى الخليج على جرأته في صنع مستقبل مستقل يناقض الغرب ومشروعه، ويحاصر ويرفض كيان دولة إسرائيل، وعقابا لشعب الجزائر على ثورته عام 54 ولشعب فلسطين على مقاومته البطولية، وعلى هذا لا يمكن وضع سياق محاكمة الرئيس الشرعي للعراق الأسير صدام حسين إلا في هذا الإطار ولا يمكن أن نفهم إجراءاتها التشنجية ومسارها الحقدي إلا من باب الإصرار على محاكمة الرئيس الراحل عبد الناصر وقادة العرب أصحاب المشروع القومي النهضوي بأشخاص الأسر من قادة العراق المقاوم لإدانتهم، حيث لم تكن الظروف تسنح لعقابهم زمنها على دورهم في عرقلة وإفشال مشروعهم ألاغتصابي، فصبرت عليهم هذه القوى العالمية حتى الآن، وبالمقابل لإعطاء صك براءة لعملائهم التاريخيين الراحلين واللاحقين بهم الآن، أبطال مشروع الاستسلام والالتحاق، أصحاب الهداية في احتلال العراق.

ويشير مسار الوقائع السياسية السابقة لمنظومة الدول الغربية مع ملحقاتها من المنظمات، التي اتخذت طابعا دوليا، أن استهدافاتها للدول المستضعفة ومنها الدول العربية، لم تنته مع انطواء عهود الاستعمار، وإنما بقيت تعتبرها مجالا حيويا لأنشطتها منذ أوائل القرن التاسع عشر، يعطي الحق لها في استنزاف ثرواتها وشعوبها واستخدام أراضيها، بما يتناسب واستراتيجية تلك الدول ومصالحها الاقتصادية والسياسية العالمية.

إلا أن هذه الدول، التي أقيمت في المنطقة على مساحات جغرافية عقب الحرب الأولى، وكانت قد ألحقت بها قبلا تنوعات سكانية من أطراف دولة السلطنة المخترقة آنذاك بهدف خلخلة تركيبتها، فقد ترسمت لهذه الدول حدود وأنظمة سياسية، بمعزل عن إرادة شعوبها وطموحاتهم، الذين كانت تحتويهم فيما سبق دولة واحدة لها مفهومها المغاير في تراتبية الحكم وتمثيل التنوع السكاني وتمايزه اثنيا أو طائفيا وخضوع الرعية للأحكام ضمن موجبات الحاكم والمحكوم بما هو متعارف عليه في آداب السياسات السلطانية.

ومن ناحية مقابلة تشير الوقائع إلى أن سلطات تلك الدول المحدثة قد تصرفت على عكس ما يقتضيه الحال من واجب المجابهة دفاعا عن مصالح شعوبها، إذ هي بعد أن وعت بأن وجودها محدد بالمعادلة المشروطة الموضوعة من قبل الدول صاحبة القرار، وباستحالة بقائها خارجها بحسب ذهنية منشئها وآلية تكوينها، فقد عمدت هذه السلطات، منذ ذلك التاريخ على العمل بانسجام مع إدارات الدول الغربية، وعلى إظهار خضوعها وأمانتها الوظيفية في ضمان تنفيذ مشاريع تلك الدول في المنطقة العربية.

وإذا كان كل ما حدث من قبل الدول الكبرى اتجاه دول وشعوب المنطقة على ما فيه من إجحاف كان مشفوعا بشرعية قرارا ت المنظمات الدولية المحكومة من توازنات الدول الكبرى ومصالحها، ويعتبر ضمنيا ملزما لتلك السلطات لنشوئها وبقاء كياناتها الدولتية خاضعا لتلك المنظمات وقراراتها.

فان هذا قد يسمح على ما يبدو بأن يطرح سؤالا حول جدية المقولات والتحركات السياسية الوطنية لسلطات تلك الدول، وما يفترض أن يترتب عنها من مواقف اتجاه الأحداث والنكبات المتلاحقة التي ألمت في المنطقة وأيضا المساءلة عنها من قبل شعوبها، منذ نكبة 15 أيار عام 1948 وضياع فلسطين إلى نكسة الجيوش العربية في حزيران عام 1967 وبينها نكسة الوحدة السورية المصرية في أيلول عام 61، حيث أن الفارق شاسع بين الشعارات الطموحة وبين ما كان يصير إليه الحال.

وهكذا نستطيع أن نفسر منطقيا المواقف المتواطئة الباردة من قبل هذه الحكومات اتجاه الأحداث المشتعلة التي عصفت بالمنطقة - بالرغم من انحيازات كتلة الدول الشرقية لقضايا المنطقة- إن كان في حرب استرداد فلسطين أو حيال تطورات أحداث لبنان عقب عام 75 على ما كان فيها من دلالة اتجاه بنية الفصائل الفلسطينية و مصيرها وفي نقل الصراع من الإطار الوطني إلى الطائفي، أو إيران وحربها ضد العراق بموجاتها البشرية منذ أوائل الثمانينات إلى احتلال العاصمة بيروت عام 82 من قبل إسرائيل إلى المشاركة في حصار العراق عام 91 وتجويع شعبه إلى غزوه الهمجي عام 2003.

لذا فعلى الرغم من تضحيات شعوبنا في معاركها الاستقلالية الوطنية في الداخل، فان منح الاستقلال وتثبيت حدود كيانات تلك الدول، وان كان يعود إلى الحالة الدولية الناشئة بين الدول المتصارعة عقب الحرب الثانية عام 45، والى دراية بلعبة التوازن بين رغبة قوى الداخل الوطنية وتلك القوى الخارجية ومؤيديها، فان هذا الاستقلال ما كان له أن يظهر إلا بعد تكوين وتأمين طبقة إدارية وسياسية مرتبطة به ويطمئن لها، تقود تلك الدول الناشئة ومؤسساتها، ويجري من خلالها تأمين المصالح الدائمة للغرب الأوروبي ونفوذه.

وان هذا بما يعني تعارض مسار سلطات هذه الدول الوكيلة مع طموحات شعوبها، حيث كانت تتوق طموحات هذه الشعوب إلى الانعتاق والتقدم، بينما كانت سلطاتها تدفع بها إلى قبول القيود والاملاءات الخارجية عبر عملية إخضاع قهرية مزدوجة لها باستعمال القمع ضد النشاط ألمطلبي الوطني وفي زيادة تخلفها وإفقارها عبر سلسلة إجراءات استغلالية ترتبط بعجلة الاقتصاد الغربي.

لذا كان من الطبيعي أن تظهر هذه الشعوب استياءها وأن تعبّر عن تعارضها مع سلطاتها الحاكمة المباشرة، بعدة انتفاضات غاضبة واتجاهات سياسية، احتوتها جماعات وحركات وأحزاب وطنية عربية، كان لها جذورها في زمن النهضة أوائل القرن 19، تؤمن بفكرة العروبة ووحدة أقطار العرب وتدعو للعدالة الاجتماعية، كالبعث وحركة القوميين العرب، تمكنت بعض طلائعها من الصعود والإمساك بالسلطات في عدة دول، كالثورة المصرية تموز عام 52، وثورة الجزائر الاستقلالية عام 54، وثورة 14 تموز 58 في العراق، وثورة اليمن، وثورة فلسطين عام 67، سمحت بها الظروف الدولية المساعدة آنذاك، والى أن تتطور هذه بمسار كسرت فيه قيد التبعية ويعاكس اقتصاديا وسياسيا توجهات الدول الغربية ومصالحها، مما أدى إلى استفحال صراع اضطرت معه تلك الدول إلى حسمه بفرض حصار على الدول "المارقة" بشن حروب غازية عليها- العدوان الثلاثي على مصر عام 56 وحشود على حدود سوريا- والى احتلال سافر.

وعليه فإذا كان حال السلطات في دول المنطقة منقسما: بين من كان تابعا لقوى الغرب ومعاديا بالضرورة لشعوبه، وبين خائف من الغرب المرعب وسلبي أمام مطالب شعوبه، فان التحرر والتقدم العربيين لا أمل بتحقيقيهما طالما أن المعضلة تكمن على ما يظهر في السلطات العربية الحاكمة المركبة على دول قطرية مصنعة - مجزوءة مساحاتها ومحدودة مواردها – محكومة بالتبعية إلا إذا استطاعت هذه السلطات تخطي عجزها.

وإذا كان لا أمل يرجى على المدى المنظور تأسيسا على المواقف الرسمية لهذه السلطات المضمرة أو المعلنة، وهي على اتفاق ضمني على الأرجح فيما بينها للتخلص من النزعات التحريرية لدى شعوبها، وأيضا بالإجراءات التي يمكن أن تتخذها الدول الكبرى المعلنة عن طريق المنظمات الدولية، بما يتعلق بذلك أو بأوامر الاحتلال المباشرة. إذن يبقى الحل الآخر وهو الذي دعت إليه الحركات التحريرية التقدمية العربية بداية - المتهمة بالشعبوية- والقائل بتعاون الشعوب فيما بينها لاستعادة دولها ومؤسساتها، وأخذ المبادرة في تولي مهام المحافظة على كيان أوطانها وتحرير ما اغتصب منها بخيار المقاومة بكل أشكالها.

لكن هذا الخيار كان مرافقا لظروف ملائمة تم استغلالها زمن الحروب العالمية الأولى والثانية والحرب الباردة، حيث كانت هذه الدول مرهقة في الصراع فيما بينها، إلا أن هذا لا يمنع من إعادة طرحها ضمن شروط أخرى، ويقع على عاتق المثقفين الثوريين في العالم أيا كانت بيئاتهم وطبقاتهم ومواطنهم التوقف أمام هذا المنعطف الخطير من تطور النهب الكوني للعمل على اكتشاف سبل جديدة للمقاومة ومنظومة قواعدها تناسب الوضع الجديد، والى توحيد نيران القتال اتجاه العدو الواحد وهو الغرب ألأوروبي بقيادة الولايات المتحدة، الذي لم يزل يتبع ذات النهج الهمجي في تعامله مع الشعوب وان كان بطرق مغايرة، اذ أن المعركة واحدة ضد إفقار الشعوب والهمجية والتخريب الكوني، فالعدو ضعيف في حالة تخبط، ويعاني من أزمات وارتدادات أفرزتها الكونية الجديدة، لم تسلم منها دوله، لذا عمد إلى تصديرها، فليس مأزقه الحالي كما يُروَج، كان سببه احتلال العراق، بل أنه بسبب مأزقه الداخلي والعالمي، قام بغزوه الهمجي على العراق.

الا أن السلطات الحاكمة في معظم الدول المتخلفة، قد طورت من طبيعة علاقاتها مع إدارات الغرب المتقدم كمشاركة في نادي الحاكمية، ولبست كتابع وإنما في الإعداد وتقاسم الأدوار، ليأخذ مسارها الموارب أمام مطالب شعوبها ومصالحها اتجاها آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة ترفع شعار -الخلافة هي الحل- تثير مخاوف عرب ومسلمين في


.. جامعة كولومبيا: عبر النوافذ والأبواب الخلفية.. شرطة نيوريورك




.. تصريحات لإرضاء المتطرفين في الحكومة للبقاء في السلطة؟.. ماذا


.. هل أصبح نتنياهو عبئا على واشنطن؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. طبيبة أردنية أشرفت على مئات عمليات الولادة في غزة خلال الحرب