الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البقاع ..البقاع ..

مظفر النواب

2020 / 8 / 8
الادب والفن


قصيده البقاع .. البقاع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مظفر النواب .





لم يَعُدْ في المحَطَّةِ إلاَّ الفوانيسُ خافِتةً
و خريفٌ بعيدٌ .. بعيدٌ .. بعيدْ
و تَتركُ حُزنَكَ بين المقاعدِ ترجوهُ يُسْرقُ
تُعطي لوجهِكَ صمتاً كعودِ ثُقابٍ ندِيٍّ
بإحدى الحدائقِ
إنْ فَركَتْ وردةٌ عيْنَها يَشْتَعِلْ
و تُجاورُ خَطَّ الحديدْ
كأنَّكَ كلُّ الذينَ أرادوا الصُّعودَ و لم يستطيعوا
أو انتظروا
أو كَهاوٍ قد اكتظَّ دفترهُ بالدُّموعْ
دُموعُكَ صمتْ
ثِيابُكَ بِدعَةُ صمتٍ مُقلَّمةٌ بالبنفسجِ
لم يبقَ زِرٌّ بِها
و حقيبةُ حُزنِكَ قد ضَيَّعتْ قُفْلَها
لم تُزرِّرْ قميصَكَ ... بِنطالكَ الرَّخْوَ
لم يبقَ شيءٌ يُزَرَّرُ
لا أنتَ
لا صَوْتُها
لا المحطَّةُ
لا الأمسِ
آخرُ قاطرةٍ سلَّمتْ نَفْسَها لم تُقاوِمْ
على فِكرةٍ :
صَوْتُها طائِرٌ يَنهَلُ الصُّبحَ مِن لوْزةٍ
سَلَّمتْ نَفْسَها
آخرُ القاطِراتِ انتهَتْ ..
سَلَّمتْ نَفسَها لم تُقاوِمْ
أخذتُ رجائي و صَغَّرتُهُ سَنتينِ
و أجلسْتهُ فوقَ مَصطَبةٍ سَكَرَتْ مِن أريجِ النِّساءْ
لا تُقَلِّبْ مَتاعي الحزينَ أمامَ الأجانبِ
فالثِّيابُ القديمةُ مِثلُ البُكاءْ
و أخذْتُ الهويَّةَ مِنهُ
و وجهُ الهويةِ مِمَّا مَسَحتُ الإساءاتِ
لم يبقَ فيها انتِماءْ
لم يَعُدْ في المحَطَّةِ إلا الفوانيسُ خافتةٌ
و خريفٌ يسيرُ بعُكَّازِ وردٍ
و تَتركُ حُزنَكَ بين التَّذاكرِ
ترجوهُ يُذكَرُ في منزِلٍ
في طريقٍ بَطيءِ التَّذكُّرِ
قاطِرةٍ أصبحَتْ مَسكَناً
و تُقدِّمُ وجهَكَ عودَ ثُقابٍ
لِكُلِّ الذينَ قد استُهلِكوا
و على عُلبةِ الأمسِ
تَقتاتُ
تَسحَبُ نَفْسَكَ
أمْسَكَ
في نَفَسٍ هادئٍ
و نِساءٍ بِبَهوِ الثَّلاثينْ ضاعَتْ تذاكِرَهُنَّ الرَّخيصةُ
تَدفعُ تذكَرتيْكَ و تَبتاعُ لمسةَ نهدٍ مُصَغَّرةٍ
و على فِكرةٍ :
أنتَ مِن شِدَّةِ الحزنِ و الصَّمتِ
تَقطعُ تذكِرَتيْنِ لِنَفْسِكَ
تَقطعُ حُزنينِ .. حُزنينِ
تَقطَعُ كُلَّ القِطارِ تبيعُ الدُّموعَ
لأنَّ القِطارَ بِلا امرأةٍ أو صديقٍ
و أنتَ دَخَلْتَ ليالي الشِّتاءْ
ساكِناً كالصُّخورِ الحزينة ِفي قِمَّةِ اللَّيلِ
تبكي بُكاءَ الصُّخورِ المنيعةِ
تَجتازُها الرِّيحُ في آخرِ اللَّيلِ
لم يبقَ مِن نَجْمَتَيْكَ
سِوى ثُؤلولَتَيْنِ و تَبتسِمانِ
تَبتَسِمانِ كثيراً
وَ وَجهُكَ عَرشٌ مِن الشَّهواتِ تَهَدَّمَ
طالَ احتِرامُ النِّساءِ لهُ
و السُّكارى حزيناً
كأنَّ حِصاناً مِن الشَّمعِ قَبلَ الصَّهيلِ يَذوبُ
كأنَّ خطيباً مِن الشَّمعِ لم تَنطبِقْ شَفَتاهُ ثلاثينَ عاماً
و تَهربُ مِن قاعةِ الشَّمعِ
مِن خُطَبِ الشَّمعِ
و الحاضِرونَ يذوبونَ فوقَ الكراسي
تَمَنَّيتَ لو كُلُّ هذي الثَّلاثينَ عاماً
تُنظِّفُ مَغْسَلةً
أو تُبلِّطُ حُفرةَ حُزنٍ
تَمُدُّ الحديقةُ سَكْتَتَها النَرجِسِيَّةَ صَوْبَكَ
أنتَ مرايا تَصيرُ إذا لمَستكَ الحديقةُ
أو غَمَزَتْكَ تَنامُ بِزهْرَتِها في المساءْ
كيفَ تَستأجرُ الإنتحارَ لِعِقْدٍ طويلٍ
و تَقطعُ تَذكِرةً و تُمزِّقُها و تُقَرِّرُ ثانيةً
تَستدينُ مِن الصَّحبِ جُرعَةَ خَمرٍ
و تَذكِرةً ثُقِبَتْ مَرَّتيْنِ
و رُقعةَ وِدٍّ
كأنَّكَ صُندوقُ جَمعِ الإعاناتِ للحُزنِ
و تَخدَعَهُم في القطارِ :
- تَفضَّلْ
و تَحني أمامَ المُفتِّشِ رأسَكَ ليْسَ احتراماً لهُ
بل لِثُقْبِ البِطاقةِ :
- مثقوبةٌ
- مرَّة ... مرَّةً سيِّدي
- مرَّتينِ
و يَلبسُ وجهاً
مِن الشَّمعِ يأخذُ مِنكَ اشتِياقكَ
يأخذُ مِنكَ البِطاقةَ
يأخذُ مِنكَ الهوِيَّةَ :
- اِنزِلْ ..
- نَزَلنا
و يَلقى الهويَّةَ قد مُسِحتْ مرَّتين
صَحبُكَ المُدمِنونَ على نَفْسِهِمْ غادروا مرَّتين
أغلقوا بالحجارةِ و الصَّمتِ و اللامبالاةِ أبوابَهُمْ
و الغبارُ بِلونِ البنفسجِ يا سيِّدي
إنَّهُم يَكنُسونَ السُّكارى
مُناخٌ مِن الذِّكرياتِ المطيرةِ
مَن عَبَّروا الجِسرَ لم يَعبِروا
و الذي غَنُّوا الأُغنياتِ أُقيمَ السُّكوتُ عَليهِم
و هذي البِطاقةُ قد عَبَّرتْ أحداً مرَّتينِ
ريقُها باردٌ ... باردٌ مِثلُ جرَّاتِ قبرِ الحُسينِ
كُنتَ في حاجتينِ لها
تَفتحُ البابَ في رِقَّةٍ كبكاءِ الحريرْ
و تُفتِّحُ أكمامَها و حكاياتِها و بِطاقتَها النرجِسيَّةَ
في دِفئكَ العائِليِّ الخطيرْ
ثُمَّ تَرفعُها آخِرَ اللَّيلِ قارورةً مِن عقيقٍ
و تَسْكُبُها في ذكاءِ السَّريرْ
كُنتَ في حاجةٍ لكتابةِ شيءٍ أخيرْ
لم يَعُد أحدٌ في المحطَّةِ
عادوا لأحزانِهم أو هُمُ اختُطِفوا
مِثلَما يَحصَلُ الآنَ في كُلِّ يومٍ
أو استُعمِلوا كالقناني الجميلةِ
أو بالقناني الجميلةِ
أو استُهلِكَتْ نارُهُمْ
و غفوا في رمادِ السِّنينْ
لم يَعُد سيِّدي ...
و رجائي رجاءَ البنفسجِ أتلفتَ نفسكَ بالشُّربِ
أيُّ قطارٍ لهذا المساءِ الحزينْ
انْتظِر .. انْتظِر
انْتظِر أيها الصَّاحي جِداً
هُنالِكَ قاطِرةٌ للبكاءِ تُقِلُّ المُغَنِّينَ و الحالمِينْ
أُلْغِيتْ
خُذْ إذاً جُرعةً
رَغْمَ أنَّ الخُمورَ و غيرَ الخُمورِ بهذي المحطةِ مَغشوشةٌ
رُبَّما تَفْهَمِ اللُّغزَ
سَوْفَ أُوري المَحطةَ تَصفِرُ
تُسدي دُخاناً بِلونِ المناديلِ و القُبَّعاتِ
تَهزُّ قناديلَها و نُسافِرُ أكثرَ مِمَّا لنا
كَتبَ اللّهُ فوقَ الجبينْ
إنْ تأخَّرتُ ... أُبرِقُ برقيةَ الحُزنِ للصَّمتِ
قد أخَّرَتْني
و أُبْرِقُ للياسمينْ
أَغلقتْ بابَها
ما طَرَقتُ احتراماً لِغَفوتِها و لِعِشقي
و لمَّا تأخَّرَ بالبابِ حُزني طويلاً
رأيتُ مفاتيحَ غُرفتِها
و مَشابِكَها
و مَشَدَّاتِها
و انتظاري بأيدي سُكارى المواني
بكيتُ البِلادَ التي تَقتُلُ العاشقينْ
أين كانت كلابُ حِراسَتِها
أم تُراها تَهُزُّ الذُّيولَ لِمنْ يَعتليها
و تُرسِل أنيابَها في الشَّحاريرِ
إنْ كانَ صوْتي أقلَّ الشَّحاريرِ شَأناً فلم يرتجفْ
و المخالبُ تقدحُ حوْلي
و لا غيَّرتْ دَوْزَناتي لغيرِ الهوى و الحنينْ
أغربُ الأمرِ .. بَعضُ الشَّحاريرِ
لمَّا رأتْنيَ لستُ أحُطُّ على الفَضَلاتِ كأحوالِها
نَبحتْ كالكِلابِ
إلهيَ إنِّي كفيلٌ بِتلكَ تَكَفَّلْ بِهذي
فأنتَ خَلقتَ جناحاً لها لتُغنِّي
فصارت تَهِرُّ .. تَعِضُّ
و أخشى تَعِضُّكَ أنتَ كما الآخرينْ
لم تَعُد بلدةٌ لا تُرَبِّي كلاباً مُدربةً
ضِدَّ مَن يرفعونَ مزاميرَهُم للصَّباحِ
فأينَ البِقاعُ ؟
أُحذِّرُهُ مِن دُخولِ الكِلابِ بِكُلِّ انتِماءاتِها
ليظلَّ بِلادَ البنادقِ و الأغنياتِ
و كُلِّ الذينَ على دهْرِهِم خارجينْ
سَوْفَ أُوري المحطَّةَ
بيتٌ لنا بالبقاعِ أمينٌ .. أمينْ
يُعَشِّي البساتينَ ..
يَملأُ مَخزَنَها بالرَّصاصِ
و بينَ حِراساتهِ
أغنياتٌ عن القاعدين بِحُضْنِ المنافي
أيَبقَوْنَ في حُضْنِها قاعِدين ؟
وَلَدَتْنا البنادقُ يومَ الكرامةِ
و الأُمَّهاتُ لهُنَّ حُقوقٌ على البالغين
أنتَ يا مِدفَعاً
يا إلهاً يَمُدُّ بِقامَتَيْهِ بينَ زيتونتينِ بقاعِيَّتينِ
و ينشَقُّ خَطَّينِ مِمَّا ارتفاعُكَ في الجوِّ
لونُ السَّماءِ و سِربُ الغَمام ِو سِربُ الحمامْ
كأنَّ حديدَكَ يَفْقِدُ وزنَ الحديدِ لسُرعَتِهِ خلفَ أسرابِهم
ليتَ كُلَّ المدافع ِتَقرأُ ما أنتَ قارِئَهُ في الظَّلامْ
أرفعُ الكَفَّ صُبَّيرَةً جَرَحَتْ نَفْسَها
لوَّنَتْ وَجهَها وردةً
في الضَّبابِ المُشاغبِ عِشقاً
و أتركُ خَطوةَ حُبٍّ
تُغَرِّدُ ما بيننا بالرِّضا و الرُّؤى و السَّلامْ
باليدين ِالفدائِيَّتينِ غَدوْتَ إلهاً
و إلاَّ فإنَّكَ مِمَّا يُكَدِّسُ أهلُ الكلامْ
ثَمِلٌ ليسَ عيبٌ على ثَمِلٍ بالسِّلاحِ
فإنَّ العِراقَ قديمٌ بهذا الغرامْ
أيُّها السُّكرُ كم قد سَكِرتَ بِنا بالعراقِ
و أسْكَرتَنا
نمْ بِنا الآنَ في غُربةِ العُمرِ
بعدَ العِراقِ جَهِلْنا نَنامْ
و افترَشْنا لهيبَ الرِّمالِ
فواحاتُها غازَلَتْنا بِجُرعَةِ ماءٍ
رأيْنا الخناجرَ فيها
و ما للغريبِ سِوى واحةٍ أنْ يكونَ الصِّيامْ
أرفعُ الكَفَّ صُبَّيرةً جَرَحَتْ نَفْسَها
كذبوا .. ما انتميْتُ لغيرِ لهيبِ الدُّهورِ
كَذَبَ المُنتمونَ لِكُلِّ نِظامْ
إنَّني شارةٌ في طريقِ الجماهيرِ ضِدَّ النِّظامْ
يَتباركُ هذا الضُّحى
مَخملٌ يَلمَسُ الرُّوحَ تبكي
فتىً يَرزُمُ الشَّمسَ في غابةِ الصَّمتِ
و الآخرونَ استقَلُّوا فُتُوَّةَ أقدامِهِمْ
غازلتني البنادِقُ زيتِيَّةَ النَّظراتِ
وَضَعْتُ قميصي بِرَحمَةِ صَفْصافةٍ
لم تُسَيَّجْ بغيرِ رِضا الشَّمسِ عنها
و أرجوحتانِ مِن القُبَّراتِ
تُوالِفُ صوْتَ الرَّصاصِ الفَتيِّ
يُضَرِّجُ خَدَّ البساتينِ
مرحى لهذي البُيوتاتْ
مرحى لهذي القواعدْ
مرحى لهذي البساتينِ
تخرجُ للصُّبحِ عذراءَ
ماءُ اليَفاعةِ يَكشِفُ عن جِسمِها
تَفرُشُ للفَرحِ الحُلوِ سَجَّادةً :
اُجلُسوا يا رِفاقُ .. خُذوا قهوةَ الصُّبحْ
شَقٌّ كَشقِّ الفواكهِ في القلبِ
مَن أنتَ ؟
يا أنتَ ..
يا قاحِلاً ليسَ فيكَ سِوى الحُزنْ
يُمسِكُ رشَّاشةً في الهجيرِ
استرِح لحظةً يا حبيبي هُنا قهوةُ الصُّبحْ
أو تشتهي بالذَّخيرةِ تَدخُلُ في سورةِ الذَّارياتِ
تُعانقُ قَنْطَرةً ...
سَتمرُّ عليها مُدرَّعةٌ باتِّجاهِ الشَّمالِ
اختفِ .. اقتربتْ
قبَّلتْ طَرَفاً مِن حِذائكَ
اتلُ فلسطينَ قَبلَ الشهادةِ
اسْحبْ أمانكَ ..
اسْحبْ أمانكَ ..
اسْحبْ أمانَ أمانِكَ .. نارْ
حَملَ النَّهرُ شِلْوَ مُدَرَّعةٍ
لا تَزالُ بِكفَّيْنِ مَقطوعتيْنِ
تَشُدُّ على صَدرِها
تَقبُضُ الرُّوحَ مِنها
و تُرخي يَديكَ قليلاً و تَفرحُ
ثُمَّ قليلاً و تَفرحُ
تَطْفو جَنازةَ وردٍ
و تذهبُ بينَ البساتينِ
بين القُرى حبَقاً
و حكاياتِنا حبَقاً
تختفي كالمصابيحِ
أعمِدَةِ الكهرُباءِ
وجوهُ القُرى في دُخانِ القِطارْ
خرجوا في أعالي الدُّجى
و القلوبُ بِقَبْضاتِهِمْ تنثرُ النُّورَ
في غابةِ اللَّوزِ و العِشقِ و الذِّكرياتِ
و لم يتركوا قريةً .. فتَّشوا عنكَ
لم يَلقوْا البُندُقِيَّةَ
لم يعرفوا أنتَ للنَّهرِ سلَّمْتَها
و نَمَتْ نعنعاً لا يُقاوَمُ إغراؤهُ
فِرقةُ اللَّيلِ عادت بِثوبكَ
و الأغنياتُ تُعَسكِرُ بينَ البساتينِ
رافِعَةً شارةَ الانتصارْ
يتباركُ هذا الضُّحى .. لفَظَ النَّايُ أنفاسَهُ
قطعةُ القَصبِ الحُلوِ أدَّت نشيدَ الخُلودْ
وجَدنا الشَّظايا الطَّروبةَ فاغِرةً فَمَها
تتملَّى النُّجومَ
و تَلقُطُ مِن كَرمةٍ في الجليل و تَصعدُ
كانَ يُراقِبُها و تَركناهُ
كانَ يريدُ يَظلَّ وحيداً
أمامَ فَلسطينَ يحكي هواهُ
تركناهُ كاللَّوزِ يَعقِدُ بينَ عُيونِ دلالٍ
و بينَ الشَّهادةِ في الخالِصَة
نحنُ جئنا إلى العُرسِ من آخرِ المُدُنِ العربيةِ
مِن زمنِ القَمعِ و القَهرِ و القَتلِ و التَّرِكاتِ الثَّقيلةِ
شَقٌّ كَشَقِّ الفَواكِهِ في القَلبِ
لم يَحمل السيِّدُ البُندقِيَّةَ مِثْلَ اللُّصوصِ بَغِياًّ
إلى بيتهِ
بل عروساً
و قد عُقِدَ العُرسُ في زهرةِ التِّينِ
كُلُّ الدَّساكرِ جاءت بثوبينِ مِن خالصِ الفجرِ
بعضُ القُرى قَدِمتْ بالهدايا البسيطةِ
كانَ المُهِم المَجيءُ
بْعَلْبَكُ جاءتْ ... و عامِلُ
عامِلُ طيَّبَها اللّه أُمَّاً و شَيْخاً و راغِبَ حربٍ
فَهُم مُنذُ خَيبرَ في وارِدِ البُندُقِيَّةِ
جَداً و أبْ
إيهِ أهلَ الحَمِيَّةِ ..
أنصارُ يجثو على صدرهِ بابُ خيْبرَ
فاقتلِعوهُ لديكُم بهذا نسَبْ
و هو السيِّدُ الآنَ يَمسحُ أنفَ العَروسِ
مسافةَ حُزنينِ بالوردِ
و السيِّدُ الآنَ شَدَّ على قَهوةِ اللَّيلِ و الصَّبرِ
أعصابهُ قاذِفاتِ اللَّهبْ
أمَرَ النَّارَ فاسْتبسلتْ في نقاءِ الذَّهبْ
صَدَّرَ الأمرَ للراجِماتِ
تُوازي رِضا اللهِ عنها و عِزَّتَهُ و الغضبْ
مَسَحَ الجُرحَ في قَدمٍ ثَبُتَتْ
ليتَها ثَبُتَتْ مِثلما قدميْكَ جيوشُ العَرَبْ
أبعدَ اللهُ عنكَ وجوهَ المشاريعْ
تَجعلُ حتى البنادِقَ تَزني
و لا تُطلِقُ النَّارَ
إلاَّ كما تُطلِقُ النَّارَ بعضُ اللُّعبْ
رافَقَ الصَّمتَ يحملُ نعشاً مِن القُبَّراتِ الحزينةِ
في حَدقاتِ البساتينِ
تأتي القواعِدُ باقاتِ وردٍ
و يأتي الرَّصاصُ دُموعاً و حلوى
و تَخفِقُ في الدُّربِ أُمٌّ كرايةِ حربٍ
برَغمِ التَّمزُّقِ رايةُ حربٍ
و شَقٌّ كَشَقِّ الفواكهِ في القلبِ
أرجوكِ سيِّدتي ...
لا تُزيحي نِقابَ القتيلِ
فلم يبقَ إلاَّ أصابِعَهُ طوَّقتْ مخزنَ النَّارِ
و اسْتَرسَلتْ في الطَّربْ
وَجَدنا قريباً مِن الدمِّ كِسرةَ خُبزٍ تُزغردُ
لا بُدَّ أَطْعَمَ بعضَ العصافيرِ
غنى لها أغنياتِ الوحيدِ أمامَ الدُّروعِ
و لا بُدَّ .. لا بُدَّ
ضاجَعَ هذي القناطِرَ واحدةً بعدَ أُخرى
و لا بُدَّ عانقَ سَطحَ مُدَرَّعةٍ
حلَّ خوذتَها بِهدوءٍ
و ألقى الفواكه تُفَّاحتيْنِ مِن الصَّمتِ
تُفَّاحتيْنِ مِن النَّارِ
تُفَّاحتيْنِ الجحيمَ .. الجحيمَ
و لا تنتهي
أنتَ لا تنتهي
حُزنُ يومِ خُروجِكَ مِن بيروتْ
للمِلحِ ... لليَّمِّ كاليُتْمِ
كاليُتْمِ لا ينتهي كالقدرْ
أنثُرُ الآنَ وجهيَ رايةَ عِشْقٍ لديكَ
فصبَّارةُ العُمرِ تسمعُ عِندكَ ماءً لأسقامِها
قَطعوا الماءَ عَنها فَلمْ تَنحنِ
هكذا كُلُّ صُبَّارةٍ سيِّدي
إنْ رَماها الظَّمأ أو رماها حجرْ
هكذا جِئتُ كُلُّ المحطاَّتِ صَفَّاً ورائي
فَمَنْ لا يَجيء بِقاطرةٍ بالمحطَّاتِ يأتي
فإنْ لم يِجدها يُسافرُ يا سيِّدي بالسَّفرْ
يا عريسَ البِقاعِ تَسَيَّجْ
فَبعضُ الذي يَحملونَ الزَّفافَ يُريدُ العَروسَ
و بعضُ الزَّغاريدِ يوجِبُ أقصى الحذرْ
مِن زمانٍ يُبرِّحُ عِشقُ البنادِقِ غَرَّافَنا و غَرانيقَنا
و نُسورَ العِراقِ
و عِشْنا على جمرةِ الصَّمتِ
و الوحلِ .. و البردِ
مِن زُرقَةِ الشَّفَتيْنِ كَتَبنا الأغاني الحزينةَ
كانَ البنفسجُ ينمو بأضلاعِنا آخرَ اللَّيلِ
ينتظرُ الشَّمسَ ..
لم نَدرِ مِن أينَ في بادئِ الأمرِ جاءَ الرَّصاص
تَثَقَّبَ ضِلْعي و ضِلْعُ رفيقي
و لمَّا يَكُنْ جاوَزَ الوردتيْنِ و شهراً
و مِن يَومِها و ضُلوعي مَزاميرُ للحُزنِ
يا سيِّدي و السَّهرْ
و زَرَعتُ حُقولاً مِن الأسبرينِ المريرِ بِجِسمي
كأنِّي صُداعٌ بِهِم ليسَ يَشفى
انتظَرتُ خِياناتِهِم تنتهي
فأُعاتبُ شيئاً يُساوي عِتابي
أعيدُ الدُّموعَ القديمةَ فوقَ الرُّفوفِ مع اللُّعبِ الخزفيَّةِ
إلاَّ كما لا أُصَرِّحُ يا سيِّدي
دمعتيْنِ سَأُخْفيهِما تُؤلمِاني
و في مَدخلِ البيتِ أسترجعُ الزَّنبقاتِ
وَ عودَ أبي يَنثُرُ الفُلَّ في حُجرةِ الشَّاي
علَّمني أَتَدَوْزَنُ قبلَ لِقاءُ الضُّيوفْ
و قبلَ ارتفاعي إلى شرفِ البُندُقِيَّةِ
كانَ يقولُ الأغاني كَشَقِّ الفَواكهِ في القلبِ
كانَ يقولُ :
أهمُّ المُغَنِّينَ مَن يُشْعلونَ الأغاني
و مَن يُمطرونَ المطرْ
قالَ و العودُ شارَفَ آخِرَ أحلامِهِ
و المفاتيحُ لمَّا تَعُد تَستجيبُ لهُ :
أينَ أنتَ ؟
لماذا تأخرَّتَ عن موعِدِ النَّغماتِ الأخيرةِ و الشَّاي ؟
قُلتُ : أُقَبِّلُ كَفَّيْكَ في غُربتي
لا أزالُ بِأرصِفةِ اللَّيلِ
كُلُّ العِراقِ بأرصِفَةِ اللَّيلِ يا والدي
كُلُّ هذي البِلادِ بأرصفةِ اللَّيلِ للشَّحنِ يا والدي
غيرَ أنِّيَ ما بِعتُ عودي
و لا مِثْلَ شيخِ الغِناءِ الرَّخيصِ
رَقَصتُ بِها كُلَّما جاءَ بغدادَ والٍ جديدْ
كثيرونَ باعوا
كثيرونَ ناموا هُنالِكَ و استغرقوا
و بَقيتُ مُغنِّي المحطاَّتِ
و العَرباتِ التي لا مَصابيحَ فيها
و أسحبُ جَفْنَ الذينَ ينامونَ في الذُّلِّ
أَنظُرُ ماذا بأعيُنِهِم
يا عُيوني .. لماذا تنامونَ ؟
إنَّ المُغَنِّي يُغَنِّي
عن الفَجرِ بالدَّشْتِ و الرَّسْتِ
و الرَّسْتُ هذا أميرُ المَقاماتِ قبلَ الَّصباحْ
أميرُ الشِّعر ..
فاعِلٌ .. فاعِلٌ
داد دداد .. داد دداد
قَبضوا ..
أصبحوا الآنَ أرصِدةً و انتهوْا كرِجالْ
داد .. دداد
باعوا الحَقْلَ يا سادتي
و المُغَنِّي بِحبَّةِ قَمحٍ يهيمُ على وجههِ
دَفَعَ العُمرَ مِن أجلِها و سقاها على البُعدِ بالدَّمعِ
يا ربُّ إحفظْ بلادي
و أطفالَها و الأَزِقَّةَ و الأُمَّهاتِ
وَ عودَ أبي ..
و اجتِماعَ رِفاقَ السِّلاحِ على خِطَّة ٍللنِّضالْ
ربِّ لم يبقَ في العُمرِ شيء
سِوى ساعتيْنِ صباحاً على دِجلَةٍ و العِراقُ مُعافى
نُزيلُ المنافيَ عن الرُّوحِ نَغسِلُها و نُوافيكَ
غيرَ حَزانى
و أَنظَفُ شيءٍ بِنا القلبُ و الرَّاحتانْ
و أغنيةٌ للوِصالْ
و هو السيِّدُ الآنَ يَعقِدُ .. يدعو البساتينَ
و الزَّمنَ العربيَّ بِثوْبِ القِتالْ
و تأتي مِن النَّهرِ مَقبرةٌ قَبَّلَتْ خَدَّها المرمريِّ الشُّموعْ
و تَفتحُ مِثلَ المدارسِ في ساعةِ الإنصرافِ
إلى البيتِ أبوابَها
يخرجُ الشُّهداءُ الصِّغارُ إلى العُرسِ
مَن كانَ مِنهم رضيعاً بِصبرهِ
يَبقى على حُجْرِها ضاحِكاً
يَتركُ السيِّدُ الآنَ خَيْمتهُ و يَجيءُ إليها
و يَنفرِدانِ
تُسلِّمُهُ إصبعاً لم تَجِد غيرَهُ
مَن تُراه ؟!
تُقَرِّبُ مِن رأسها رأسهُ
يبكيانِ ..
و تُخفي أساها و يُخفي أساهُ
تُقَبِّلُهُ و تعودُ إلى حُزنِها المرمري
كما للسَّواقي تعودُ الظِّلالْ
و تعلو الزَّغاريدُ في خَيْمةِ العُرسِ :
يا شعبُ ...
عادَ الوسيطُ الجديدُ إلى أمِّهِ فاتحاً فَخِذَيْهِ و يَعرِجُ
ماذا بهِ يا رِجالْ ؟!
رُبَّما الإجتماعْ
رُبَّما .. رُبَّما
صوتُ رشَّاشةٍ صارَ فَتقاً بهِ و اتِّساعْ
بيجنٌ ... ريجنٌ ... شولتِزُن
فهدِزُن ... سُلطانِزُن
كتائِزُن ...
كُلُّ هذا نِهايَتُهُ في البِقاعْ
صاحِبي ليسَ يُعطي المفاتيحَ
كُلُّ المزاميرِ تَجلسُ بينَ يَديْهِ
و كُلُّ الموازينِ تَجمعُ ميزانَهُ للصِّراعْ
صاحِبي صاحِبُ الدَّهرِ هذا البِقاعْ
كُلَّما ارتَفعت رايةٌ عانَقَ الإرتفاعْ
فإذا رايةٌ أَنِفَتْ مِن يَدٍ نكَّسَتْها
تَخطَّفَها عالياً ...
تَتمرَّى النُّجومُ بِها و تَغارُ القِلاعْ
عَلَّمَ البُندُقِيَّةَ عِزَّ الهُجوم و جَنَّبَها الذُّلَّ
فاسْتَبْسَلَت و كأنَّ هُجوماً بِها في الدِّفاعْ
في غَدٍ في البِقاعِ أُعانِقُهُم
و أرى قُبَّةَ البيتِ مَزْهُوَّةً في وُجوهِ السِّلاحْ
و أسمعُ مِثلَ الصُّنَوْبَرِ يصعدُ بالشَّمسِ أمرَ الصَّباحْ
يُنادي الصِّلابَ الجميلينَ
أنْ يَغسِلوا ليلةَ الأمسِ
أنْ يَنشُروها على طولِها
بينَ مُشْمُشَتَيْنِ و يرفوا جميعَ الجِراحْ
و غداً في البِقاعِ أُقَبِّلُ
عَزْمَ الشَّبابِ
و عَزْمَ السَّماءِ
و عَزْمَ التُّرابْ
هو مِن كامِدِ اللَّوزِ
عيْناهُ عبَّارَتانِ على الأَوَّليِّ يُحِبُّهُما
تَعبُرانِ المساءِ المُحَلَّى كشايٍ ثَقيلٍ يُعيدُ التَّوازنَ
أَحصى الرَّصاصاتِ في حُجرهِ
جَدِباً كالجدائلِ
حاوَلَ يُحصي المرارةَ و الحِقدَ و الشَّوقَ
هذي التي ليسَ تُحصى
تَلَفَّتَ في قَلبِهِ .. رائعٌ كُلُّ شيءٍ
سيضرِبُ رَقْماً جديداً
سيسمعُ وَجْرَ الذِّئابِ
ينوحُ النُّواحَ القديمَ
و طَرَّى خُشونةَ كفَّيهِ بالرَّقرقاتِ الحزينةِ
كانَ يَغصُّ كنهرٍ مِن العِشقِ
تَنهلُ مِنهُ الذِّئابْ
سَحَبتْ نَفْسَها الشَّمسُ خَلْفَ الفواكهِ
ظِلُّ الرَّصاصاتِ صارَ طويلاً
و لولا البريقُ الفِدائيُّ في بُؤبُؤِهِ بدا كَرمةً
صَمْتَ تُفَّاحةٍ
مُشْمُشاً .. مُشْمِساً
أو غِناءَ طُيورٍ يُحَيِّرُ مِن أينَ يأتي
كُهولةُ دهرٍ بعينيهِ أو جَبَلٌ في الشَّبابْ
ليسَ شيءٌ يُغرِّدُ مِثلَ سِلاحٍ خفيفٍ
تَخاطفَ كالصَّقرِ
زارَ البيوتَ الصَّغيرةَ
قَبَّلَها عُتبةً .. عُتبةً
و تَرَقْرَقَ
باغَتَ وجهَ العَدوِّ و ثَبَّتَ فيه ِمواقِع للذُّلِّ
و انسابَ في النَّهرِ مِثلَ الهُدوءِ
و أَحصى الرَّصاصاتِ
لم يبقَ إلاَّ ثلاثةٌ
واحدةٌ للرُّجوعِ إلى كامِدِ اللَّوزِ
و الأُخريانِ لهُنَّ بكُلِّ نظامٍ حِسابْ
هو مِن كامِدِ اللَّوزِ لكنَّهُ لم يَعُدْ
صارَ في كامدِ اللِّه
نامَ على كَتَفِ الأوَّليِّ
لقد علَّم الكَرمَ أنْ يُطلِقَ النَّارَ
نافِذةً أنْ تَمُدَّ البنادِقَ جِسراُ على الأَوَّليِّ
تَعلَّمَ مِنهُ الشَّجاعةَ
حينَ يَمرُّ الشُّجاعُ بِشيءِ فَيُصبِحُ شيئاً .. شُجاعْ
في غَدٍ كامِدِ اللَّوزِ
تَخرجُ تلقاهُ غَطَّى ذوائِبَهُ بالنَّدى السُّندُسيِّ
و في صُدْغِهِ المرمريِّ كشاهِدةٍ
قمرٌ عربيٌّ مِن الزُّعفرانِ
يَميلُ إلى الإرتِفاعْ
لم تُتَوَّج على الدَّهرِ وردةُ عِشقٍ
كهذا التُوَيِّج الحزينْ البهيجْ الأميرْ اليَفاعْ
سيِّدي كامِدَ اللَّوز :
عَلِّم جُيوشاً تُحارِبُنا في الشَّوارِعِ
أنْ تَتَخلَّقَ خُلقَ الرِّجالِ و ليسَ الضِّباعْ
سيِّدي كامِدَ اللَّوزِ :
خُذْ مِن غِنائي الذي يَمسحُ البُندُقِيَّةَ
و اترُكْ حُروفَ الدُّموعِ
فَهُنَّ العِراقُ يَنوحُ بِنا في اللِّقاءِ
ينَوحُ بِنا في الوداعْ
العِراقُ طِباعٌ بهِ عاشِقٌ مُدمِنٌ شاعِرٌ
إنَّما البُندُقِيَّةُ أُمُّ الطِّباعْ
لم يَعُد في المحطَّةِ إلاَّ غِناءُ المُُغَنِّي
و سافَرَ هذا إلى جِهةٍ ليسَ يَعلمُها أحَدٌ
تركَ العودَ في آخرِ المصطباتِ حزيناً
و كُرَّاسة للأغاني الجديدةِ
للقاطِراتِ التي لا مصابيحَ فيها
لتذكرةٍ ثُقِبَتْ مرَّتينِ
لمَِنْ فَضَّلوا أنْ يضيعوا على أنْ تضيعَ الأغاني
سلامٌ عليكُنَّ أرصِفةَ الليَّلِ
سلامٌ على العَرَباتِ التي احتملَتني
أنامُ بِها ساعةً في أمانٍ
سلامٌ ...
فإنَّ الكِلابَ تُحيطُ بِقلبي
سادتي .. سيِّداتي :
انتهتْ آخرُ الأُغنياتِ التي يُمكِنُ
الآنَ إنشادُها
رُبَّما يَقتُلونَ المُغنِّي
و يُخْفونَ آثارَهُ
رُبَّما سَيُذَوَّبُ أو يَختفي
مِثلَما يَحصَل الآنَ في كُلِّ يومٍ
و لكنَّها الأُغنياتُ
ستبقى تُذوِّبُهُم أَبَدَ الآبدينْ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??