الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايتي مع فيلم وثائقي يمنع بثه قبل العاشرة مساء

يوسف ابو الفوز

2006 / 6 / 30
الادب والفن


ربما يتبادر الى البال سؤال: ما الذي يجعل نشرة اخبار العاشرة مساء، هي النشرة الاساسية في غالبية تلفزيونات العالم المتحضر؟ الجواب ليس من الصعوبة التوصل اليه. طوال شهر مايو (أيار) المنصرم وشهر يونيو (حزيران) الجاري، وانا منهمك مع فريق عمل، في انجاز فيلم وثائقي للقناة الاولى في التلفزيون الفنلندي، على امل عرضه الخريف المقبل. قدمت الفكرة منذ اكثر من عام، وباصرار بقيت اتابعها حتى انتزعت الاذن بقبولها، واعتكفت لكتابة السيناريو وتقديمه للجهات المعنية في الوقت المحدد. وبعد جدل طويل تم الاتفاق على انجاز الفيلم وتحديد الميزانية، وجدول العمل واسماء الفريق الفني، واسندت الي مهمة اخراجه. وعلى اثرها سمح لي البحث في ارشيف التلفزيون لاجد مادة مصورة تعزز ما كتبته، اضافة الى ما نجحت في تصويره بنفسي عند زيارتي الى وطني العراق، بعد غياب 27 عاما. واذ ان فكرة الفيلم تحاور الذاكرة وتقدم انطباعات غائب عن وطن خارج من كارثة حكم ديكتاتوري ليدخل كارثة احتلال وارهاب، وجدتني اشير الى ما جرى من جرائم في منطقة كردستان العراق، خصوصا مدينة حلبجة، حيث ان زوجتي، ابنة مدينة السليمانية، كانت من شهود ما جرى ووالدها من شهداء المدينة، وحيث قمنا بزيارة المدينة الشهيدة ومقبرة الشهداء واستطعت الخروج من هناك بمادة فيلمية جيدة. وهكذا اعتبرت نفسي محظوظا وانا اجد في ارشيف التلفزيون الفنلندي الضخم مادة فيلمية نادرة عن احداث حلبجة. وحالما بدأت بأجراءات الحصول على اذن لاستنساخ المواد المختارة وجدت فيتو شديد اللهجة على ما يخص مادة حلبجة! وتوقفت لأيام عن العمل وانا ادور بين مكاتب المنتج والخبراء القانونين والفنيين، والمشرفين على انتاج الفيلم، لاجد حلا مناسبا لقضية تبدو لهم بسيطة وبديهية، وبالنسبة لي شيئا مهما واساسيا.

ضمن الاتفاق الموقع ان الفيلم الوثائقي عند اكتماله يتم عرضه في الفترة الثقافية، التي تقع ضمن فترة البث النهاري واول المساء. وفي غرف المسؤولين عن تنظيم برامج التلفزيون، وعلى الجدران الواسعة، حيث تنتشر بشكل مبهر وجميل جداول وخرائط الايام والبرامج، وجدت ان هذه الفترة معلمة بلون محدد.

هنا، في هذا البلد حيث اقيم من عقد من الزمان، وفي جداول برامج التلفزيون، التي يمكن العثور عليها في الصحف اليومية وفي مختلف المواقع الالكترونية للقنوات التلفزيونية، هناك اضافة الى الاشارة الموجزة الى فكرة الفيلم او البرنامج، يجد المتابع دائما رموزا ثابتة ومحددة من حروف وارقام صارت معروفة على نطاق واسع، اعتقد انها تستخدم في كل دول اوروبا. هذه الرموز تعفي القارئ من صرف مزيد من الوقت للقراءة، فبمجرد رؤية تلك الارقام والحروف يصير مفهوما لديه نوعية ما سيرى، وان هذا البرنامج يحوي مشاهد رعب وقتل او مشاهد اباحية او انه مجرد فيلم اثارة وتشويق او انه مجرد فيلم كوميدي للصغار او للكبار وهكذا. وبما ان ساعة نوم الاطفال في هذه البلاد، وبشكل عام، هي بين التاسعة والعاشرة مساء، فان افلام الرعب والتشويق والاثارة وكل ما هو مخصص للكبار تعرض دائما في فترة ما بعد التاسعة.

واذ اعود الى عملي في الفيلم الوثائقي، وجدت ان الجهات المعنية تستند في عدم منحي الاذن باستخدام صور مدينة حلبجة الى كون الفيلم الوثائقي وحسب الاتفاق سيعرض في فترة ما قبل التاسعة، حيث ان الاطفال لم يذهبوا بعد الى اسرة نومهم فكيف نعرض لهم جثث القتلى المتناثرة في شوارع المدينة؟ وصرت مخيرا إما بالموافقة على نقل موعد عرض الفيلم الى فترة البث ما بعد الساعة العاشرة، وعندها يمكن لي استخدام ما اريد من الصور، وهذا يعني انني سأفقد مساحة واسعة من المشاهدين الذين ذهبوا الى اسرة نومهم، او ان احافظ على فترة البث ما قبل التاسعة، لكن ذلك يلزم استبعاد الصور التي يحرم القانون وتقاليد العمل التلفزيوني في هذه البلاد استخدامها. وبمساعدة خبراء قانونيين وفنيين، توصلنا الى حل وسط يرضي الجميع، والحفاظ على ساعة بث الفيلم ضمن الفترة الثقافية في اول المساء.

ولنعد الى نشرة اخبار الساعة العاشرة التي اعتقد انه صار معلوما جدا سبب اهميتها، لانها عادة تكون نشرة شاملة، وحسب قوانين البلاد والتقاليد الاعلامية التي تراعى فيها الجوانب التربوية والصحية، يمكن فيها بث اخبار الكوارث والحروب والقتلى، حيث تطمئن الاسرة والجهات التربوية والصحية الى ان الاطفال والمراهقين والمرضى، بعيدون عن الشاشة فلا توجد مخاطر لنشوء امراض نفسية ما، او حالات هبوط في الضغط او ارتفاعه او جلطات دماغية او قلبية.

بعد كل ما تقدم ثمة سؤال يتبادر الى الذهن: ما هي مسؤولية القنوات التلفزيونية في العالم العربي عن الصحة النفسية للمشاهد المسكين، وهي تقدم له من الصباح الباكر مناظر تلال الجثث وبحيرات الدم والرؤوس المقطوعة والمفخخات وشهادات الانتحاريين مزهوة بما تسميه السبق الصحافي الذي سيقود وباقتدار امة بكاملها الى المصحات النفسية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير


.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام




.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي