الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعب يريد عودة الاستعمار

موفق الرفاعي
كاتب وصحفي

(Mowaaffaq Alrefaei)

2020 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


بلغ الحال بنا نحن العرب حد أن صرنا نطالب بوضع بلداننا تحت الوصاية الدولية (الانتداب)، بعد عقود من الكفاح للتحرر من الاستعمار.
ما ومًن الذي أوصلنا إلى هذا السقوط المدوي سوى الفشل السياسيّ، الأخلاقيّ كما وصفه الرئيس الفرنسي في زيارته الأخيرة للبنان، وتغوّل الساسة الفاشلون.
عشرات ألوف اللبنانيين حتى اللحظة والعدد في تزايد، يقدمون مضبطة للرئيس الفرنسيّ ماكرون يتوسلونه فيها أن يضع لبنان فيها لعشر سنوات قادمة تحت وصاية بلاده.
ولا أستبعد أنه لو أجريّ استفتاء في كثير من البلدان العربية غير المستقرة المصنّفة ضمن الدول الفاشلة والتي توضع في جداول وقوائم منظّمات عدة، باعتبارها أسوأ الدول في العالم من مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن فسوف يصوّت المواطن العربيّ الحزين فيها لصالح عودة الاستعمار.
في الثاني والعشرين من تشرين الثاني سنة 1943 منحت فرنسا لبنان الاستقلال التام بعد نجاح ما أطلق عليها بصيغة (رياض الصلح/بشارة الخوري) التي تتلخص في أن يتنازل المسيحيون عن مطلب وضع لبنان تحت الوصاية الفرنسية مقابل تنازل المسلمين عن مطلب الانضمام إلى سوريا.
المطالبة اليوم بعودة الاستعمار وطلب اللبنانيين وضع بلادهم تحت الانتداب الفرنسي معناه أنهم يلعنون تلك الصيغة التي فتحت الباب واسعا أمام الطارئين والفاسدين ومافيات الطوائف من الإمساك بتلابيب الدولة من أجل أنانياتهم ومصالحهم وأمام مشاريع دول إقليمية حوّلت لبنان إلى ساحة للصراع فيما بينها، ليصبح اللبنانيّ فيها "غريب الوجه واليد واللسان" ويتحول لبنان إلى دولة فاشلة بامتياز.
إنهم يلعنون استقلال بلادهم. وربما يلعنون حتى رموز الاستقلال.
بلد يعيش فيها المواطن وسط النفايات وبلا كهرباء منذ انتهاء الحرب الأهلية سنة 1990 وبلا وظائف ويفكر بالهجرة لا في البقاء في بلاده التي يفتقد فيها إلى الكرامة قبل أي شيء. ومؤخرا، خسر حتى ودائعه البنكية (شقاء عمره).
من هنا على المعنيين من مفكرين ومثقفين وأنثروبولوجيين، البحث عن الأسباب الحقيقية في تبدل مواقف وقناعات كثر من الناس وبخاصة جيل الشباب اليوم، من كثير من البديهيات والثوابت والشعارات الوطنية. بدلا من لومهم وقبل توجيه الاتهامات المعلبة، الجاهزة.
في العراق، مرت علينا هذا العام، ذكرى ثورة حزيران سنة 1920 الشعبية وانقلاب تموز 1958 العسكريّ. فوجئنا من مواقف الكثيرين من ذينك الحدثين المفصليين. مواقف لم نعتدها منذ وقوعهما. كانت مواقف صادمة لنا نحن الجيل الذي نشأ على دروس التربية الوطنية وتأثر بالحركات السياسية على اختلافها واختلاف أهدافها وشعاراتها. توزّعت تلك المواقف بين التشكيك بدوافعهما والاتهامات لرجالاتهما بل وحتى السخرية من منطلقاتهما. جرى ذلك وسط أجواء من الندم على ما فات والرثاء على ما ومن مضى قبلهما.
على المعنيين البحث عن الأسباب الحقيقية التي غيّرت من قناعات الناس قبل البحث عن من يقف وراء تلك التغييرات ونكوصها عمّا كانت تؤمن به وتقدّسه.
فعندما يُستقبل ماكرون في بيروت وهو يتجول وسط الدمار، استقبال المنقذ بعد أن يئسوا من منقذ وطنيّ وتهتف الجماهير أمامه مطالبة بالثورة وإسقاط الحكومة والعهد. فمعنى ذلك أن خللا فادحا قد أصاب الوعيّ لدى المواطن تسبب به أؤلئك الذين أوصلوه لدرجة الكفر بكل شيء.
لقد هان الحكام على أنفسهم فهانوا عند شعوبهم وفي أعين الآخرين المتربصين. فعندما يقول ماكرون أن الأزمة في لبنان سياسية وأخلاقية وأنه سوف يساعد اللبنانيين مباشرة في إشارة إلى عدم ثقته بالمسؤولين. ويعِد الجماهير طرح حلول سوف يتابعها ويؤكد أنه سيكون مسؤولا أمامهم عن تطبيقها. ومع هذا يُستقبل بكل ود وخضوع، من قبل رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان وقادة الأحزاب والكتل السياسية وكأنْ لم تبلغ مسامعهم تصريحاته المُهينة تلك.
الحديث عن ما جرى في لبنان ينطبق على دول عربية أخرى. كما هو في العراق وسوريا وليبيا.
فقد شاهد العالم كيف دخل مصطفى الكاظمي حافيا حضرة المرشد الإيرانيّ واضعا يديه الاثنتين على صدره وهو يكرر انحنائه، بينما خامنائي بقىّ واقفا ولم يرد عليه لا بأحسن منها ولا حتى بمثلها كما يأمر الدين الإسلاميّ وكما تقضي الأعراف في مثل هذه المناسبات.
قبلها هبط ترامب من السماء في قاعدة عين الأسد دون معرفة حكومة عبدالمهدي بذلك. وما زلنا نتذكر كيف تخلى المالكي من قبلُ عن ربطة عنقه وهو في حظرة الوليّ الفقيه.
أو حيدر العبادي الذي يتحرق ببلادة وهو ينظر إلى ساعته انتظارا لالتفاتة من الرئيس أوباما الذي لم يعره أي اهتمام لوجوده فيدير له ظهره قبل أن يغادر.
كما شاهد العالم كيف يهبط بوتين في قاعدته في حميميم ليرسل على بشار الأسد مستدعيا له اللقاء به. وكيف منعه الحارس الروسي بعد انقضاء اللقاء بوضعه ذراعه أمامه ليحول بينه وبين التقدم قريبا من بوتين. مازلنا نتذكر ابتسامته البلهاء ردا على ذلك التصرف المُهين.
شاهد العالم كذلك، فائق السراج وهو يقف مستكينا، ذليلا أمام السلطان أردوغان وهو يشير إلى لحيته التي أطلقها، وقد كان من قبل حليقا. ربما ليوحي لمرشده من وراء ذلك أنه يمكنه الاعتماد عليه كوالٍ صغير، ذليل لطرابلس أمام الباب العالي.
هؤلاء أراغوزات وليسوا حكاما. إنهم أذلاء وقد ذلت الأوطان في عهودهم. ولهذا كفرت الشعوب بكل تلك الشعارات النبيلة التي حملوها عندما خدعوهم بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و