الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 3

دلور ميقري

2020 / 8 / 9
الادب والفن


آخر شيء قام به صالح في المزرعة، أنه استدعى الملا عشير كي يوصيه بساكنيها خيراً. هذا مع علمه بعدم جدوى ذلك، كون المالك الجديد سيقرر بنفسه مصيرَ القرويين. هؤلاء الأخيرين، وحالما علموا بتجهز سيارة المالك القديم للسفر، هرعوا لوداعه تسبقهم عبراتهم السخية. لقد كان صالح أيضاً كريماً معهم، فضلاً عما أسهم به مع امرأته في تنويرهم بأمور الرعاية الصحية. ما لم يتناهى لعلمهم آنذاك، أنه بنفسه أهمل صحته لدرجة اصابته بمرض عضال في كبده. ولا حتى ريما أخذت علماً بحقيقة مرض رجلها، لحين انقضاء أشهر على عودتهما إلى دمشق. لكنها لحظت منذ سماعها بخبر عزم الرجل على بيع المزرعة، أنه غدا أكثر عصبية وتوتراً. ما دعاها لايقاف الجدل بخصوص موضوع الثمن المقترح للبيع، الذي راعها ما فيه من غبن واستهتار.
من ناحيته، وبمجرد وصوله إلى دمشق مع العائلة، سلّم صالح نفسه ليد أخصائيّ بمرض الكبد. بيد أنه حرصاً على سريّة مرضه، كان قد اختار طبيباً غريباً. إذ كانت العادة في الحارة التطبب لدى الدكتور محمد خضر، المنتمي للعشيرة الآله رشية. أغلب جيران صالح وأصدقائه، كانوا من هذه العشيرة؛ وكان بعضهم من الأقارب المباشرين لذلك الدكتور. هؤلاء وأولئك، كانوا عادةً يندفعون للترحيب بجارهم القديم، المُعرّف بالكرم والظرافة، وذلك في أوان عودته من سفر طويل. في هذه المرة، وجدوه قد حل كضيف ثقيل لدى شقيقته الوحيدة، المختلفة في الطبع والخلق. مما أجبرهم على الانسحاب بسرعة، عقبَ تبادل كلمات التحية والمجاملة. كذلك شعروا، ولا غرو، بأن العائدَ افتقد روحه العذبة، ولو أنهم أحالوا الأمرَ لتعثر استثماراته الزراعية في الجزيرة.

***
لم يمكث صالح وأسرته في ضيافة سلطانة سوى يومين، ولقد خرجوا شبه مطرودين. الصهر موسي، الطاعن في السن كثيراً، كان بلا حول ولا سلطة في منزله. هرباً من سلاطة لسان امرأته، اضطر لفتح دكان سمانة في مدخل زقاق الكيكان، وكان يقضي فيه جل ساعات النهار. وإليه اتجهت امرأته، عندما أنكرت أن يكون في ذمتها خمسمائة ليرة: " ألم أسدد لشقيقي كامل ثمن البيت، وكنتَ أنتَ حاضراً؟ ". دمدم الرجل العجوز بكلمات مبهمة، وما لبثَ أن نهضَ ليغادرَ المجلس. على الأثر، قدّم صالح هذا الاقتراح لشقيقته: " لننسَ تلك الخمسمائة ليرة، وسأمنحك فوقها ألف وخمسمائة ليرة مقابل إعادة المنزل لي. ما رأيك، يا أختاه؟ "
" أعيد المنزل إليك؟ لا بد أن الخرفَ أصابك، شأن صهرك! "، ردت عليه قبل أن تنهض بدَورها متجهةً إلى حجرة النوم. جرى الحديث في الحديقة، التي لم يبقَ منها سوى أطلال الأشجار. فإن سلطانة، المعرّفة بالشح والتقتير، كانت تجده إسرافاً سقي أحواض الزهور. هكذا راحَ شقيقها يلقي نظراتٍ ملؤها الأسى على ما حوله، وكان في السابق ينبض بالحياة والبهجة والجمال. كذلك استعاد ذكريات المنزل، الذي قضى فيه أروع أيام عمره، وكأنه أدرك أنه لن يراه مرة أخرى أبداً: هنا في الحديقة، كان والده يستمتع بالمكوث في ظلال الأشجار بعد عودته من العمل على العربة المشدودة بالخيل. وثمة في أرض الديار، اعتادت الوالدة على الجلوس على فروة خروف بينما هيَ تراقب زوجات ابنها وأولادهن. وتلك شجرة اللوز، الكائنة وراء مدخل الدار مباشرةً، والتي سقط من أعلاها الابنُ ديبو وكان لا يتجاوز السابعة من عُمره ما سببت له عاهة مستديمة في قدمه. حاجي المسكين، وكان يعاني إعاقة من نوع آخر جعلته أبله العائلة، دأبَ على الجلوس بقرب أمه مثل طفل مدلل. ثم تلك السهرات على صوت أم كلثوم، وكان سلو يرقص فيها على أنغام الموسيقى وعلى وقع تصفيق المدعوين من الجيران والأقارب.

***
في ساعة من المساء، وكان الجو ما فتأ حاراً، وقف صالح أمام باب منزل المرحوم حسن، زعيم الحي السابق. ريما كانت تقف مع ابنتها العزباء، وأمامهما على الأرض بعض المتاع. عقبَ الطرق على الباب، ظهرَ سلو وما عتمَ أن راحَ يحدق في العتمة ليميز شكل القادم. خاطبَ بعدئذٍ صالح، مستخدماً نبرة هازئة: " أهذا أنتَ؟ والله ظننتك للوهلة الأولى، متسولاً أو متشرداً! ". كان صالح يود الاقامة في منزل ابنته، زوجة جمّو، لكنه غيّرَ رأيه على أثر ما سمعه عند الباب. إذ التفتَ إلى امرأته ريما، ليقول لها: " في وسعك الدخول للسلام على ابنتنا، وأنا سأنتظرك لدى شقيقك آكو ". قالها دونَ أن يعلّق على كلام سلو، كما أنه لم يحييه.
" ثمة قطعة أرض خلف منزلي، يملكها قريبنا هرّك. سأتكلم معه كي يبيعها لك، وفي غضون أسبوع يُمكن أن تكون قد بنيت بيتاً تعيش فيه مع عائلتك "، قال آكو لصهره. بعد موافقة الأخير على الفكرة، تم إرسال من يُبلغ هرّك بضرورة الحضور إلى منزل آكو. صفقة بيع الأرض، تمت في ذات اليوم. فلم تمضِ سوى عشرة أيام أخرى، وكان بناء البيت الأساس قد اكتمل. الغريب أن صالح، المغرم بالأزهار، لم يهتم بانشاء حديقة في الدار ولا حتى زرع فيها شجرة واحدة. فكأنه ينتقم من نفسه، التي سوّلت له فكرة بيع منزله الأول بغيَة الذهاب إلى الجزيرة والاستثمار في أرضها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم


.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع




.. هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية