الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما وراء الشعر وقبله2

وسيم بنيان

2020 / 8 / 10
الادب والفن


حرف الخون*
اوقد السقاف(عوده الهندي)كي يلج مبخرا الى عبق ابو الطيب1.فاستهل،وهو على العتبة،بقول المتنبي:
بأبي من وددته فأفترقنا
وقضى الله بعد ذاك اجتماعا
فأفترقنا حولا ولما التقينا
كان تسليمه علي وداعا
يلخص هذا المدخل منهجية القارئ،بمعزل عن المقروء،ويجمل تفاصيل رؤيته الشعرية.اذ ان العلامة يتبنى مفهوما محددا،للمواضيع المؤثرة في القصيد،هو(شكوى الفراق).وقد استل قناعته تلك من الآية 3 في سورة يوسف.وبعد ان يحكي منهجه لأستاذه مشفوعا بالقرءان؛وقد كان الاستاذ قبلها يعتقد بأن احسن الشعر هو(الغزل والنسيب) فبذلك كان شعراء العرب يفتتحون قصائدهم؛يعدل الى رأي تلميذه فورا.لكن الملفت في الحكاية/الحوار غياب التأمل،فلا الاستاذ الذي قبل تلميذه بين عينيه اكراما له على فطنته المبكرة،ولا المترجم باذيب وقد اشاد بذكاء التلميذ ونجابته2،توقفوا هنيهة امام دليل التلميذ،وقد خلط لفظ القصص الوارد في الآية بالشعر،وصبهما في طبق واحد،دون ان يرف له نقد!
وفي وصفه للكتاب يسجل الجاسر انه:من احفل كتب الادب بالفوائد والفرائد من الاشعار والاخبار،...مع ايراد ما قد يتحاشى البعض من ايراده من النكت والنوادر3.
وهذا لا يتوافق مع ما ذكره محمد مصطفى الخطيب محقق الكتاب في مقدمته الشيقة، حيث انتقى نبذة قيمة عن تاريخ الادب ومفهومه،معددا امهات الكتب الادبية من بيان وتبين الجاحظ،وكامل المبرد الذي قدم لكتابه بهذه العبارات:هذا كتابا الفناه،يجمع ضروبا من الاداب،ما بين كلام منثور،وشعر موصوف ومثل سائر،وموعظة بالغة،واختيار من خطبة شريفة ورسالة بليغة4،وغيرهما ومعلوم ان المبرد متوفى(285هج).
خلاصة ما ينتهي اليه المؤلف الحضرمي،بعد استعراضه لعدة ابيات ومواضيع للمتنبي، وارجاع جذورها الى شعراء سبقوه،ان كثيرا ما نقول في هذه المجالس:هذا مأخوذا من هذا،وهذا ناظرا الى هذا،وبعضه لا يمكن اطلاق السرقة عليه،لأن المعاني الظاهرة [تعتورها الأفهام،وتتوارد عليها الخواطر،فهي مشاعة بين الناس] (ولا يقضى فيها لأحد بالسبق.)ثم يصف المتنبي بكونه:يشبه عصا موسى ...يلقف كل ما يأتي به الشعراء، فيجيد احيانا ويسيء اخرى.غير انه والحق يقال:[كثيرا ما عمد الى ما رخص فيغليه، وإلى ما امتهن فيعليه،ويعيد له جدته،وينشر له رفاته،ويبعثه في خلق جديد،ابهى من سابقه]...
وبعد ان ينقل ابيات للمتنبي عن العكبري، يعلق:[وما كان لأبي الطيب ان يموت بحسرة على الامارة وقد فتح هذي القلاع،ووفق لهذا الابداع،وانني لكثيرا ما امر بهذه القصيدة** فيحدث لي عند كل مرة من روعة حسنها...ما لم اجده من قبل،فسبحان المانح،هذا والله(السحر الحلال)،والعذب الزلال والحديث الذي(لا تزيده الاعادة الا جدة،ولا التكرار الا لذة)]5.
وخلاصة ما نود قوله،كذلك،في هذه المراجعة النقدية المختصرة ما يلي:اثقل الكتاب بمقدمات ما من داع لها،وبدت كاستعراض عكاظي لا يملك الاعراب عنه صبرا،ويكفي الكتاب مقدمة المحقق الشيقة والتي تنم عن حسن ذوق وقريحة،وما اسجله عليها وقوعها في فخ الاجترار بخصوص ترجمة الاعلام.اذ اصبح ذلك منهجا مقدسا للمحققين،لازم لزوم الفاتحة للصلاة، وهكذا ترجم المحقق للمتنبي في 5 وريقات كاملات.وهذا التقليد السخيف مضيعة للوقت.فالمتنبي،وكل الاعلام،سودت صفحات لا تعد ولا تحصى في تراجمهم،جيل بعد جيل.وما ينبغي على المحقق،او الناشر،ان يشير الى مصادر الترجمة القديمة لاغير،الا ان كان ثم جديد يدلي به،وهذا في غاية الندرة.وكذلك ترجمة باذيب كان لا بد منها،مع غض الطرف عن طولها نسبيا.ويطيب لي ان اتوقف عند تفصيل صغير منها هنا.اورد باذيب تفسير السقاف للآية 69 من سورة يس،واصفا التفسير انه بعكس مفهوم المفسرين...وزبدة قول السقاف:ان الآية تدل على فضيلة الشعر وعلو مقامه6.وهذا معنى لطيف،لكن المشكلة بان السقاف يبني دليله هذا على برهان ليس واضحا،بل ومشكل بأدنى تأمل،ذلك انه يقول:فكونه-اي النبي-اميا لايقرضه-الشعر- ابلغ في الاعجاز!
ولم يتبين لي مراده من (الأمي) هنا،فان كان السقاف يعتبر ان كل من لا يقرض الشعر اميا،فتلك كارثة! او انه يقصد ان النبي(اميا) في الشعر والكتابة،وذلك ليس بصحيح قطعا،فالتحقيق دل على ان (امية النبي) ليس بمعنى انه لا يملك(ملكة الكتابة) بل انه لم يخط قبل القرآن شيئا،وعدم الفعل لايدل بالضرورة على عدم القدرة،والفرق واضح. وقد اورد اهل التحقيق دليلا قرآني على عدم ارادة المصطلح القرآني من(الامي)غيرالكاتب،بل قصد انه غير ذي كتاب،واستدلوا بالآية 2 من سورة الجمعة.مع ان العرب ليس كلهم غير كاتبين،بل ثم الكثير من المرويات التاريخية التي تثبت وجود كتابا عرب قبل الاسلام،لكن الامية هنا تعني انهم ليسوا(اهل كتاب).فلا ادري ما هو مراد المؤلف من الامية،ولا اعتقد ان عند باذيب الخبر اليقين!
واخيرا لم يكن صاحب العود الهندي موفقا في باقي العنوان،وانه نسب المتنبي الى قبيلة (كندة) وهذا مما لا دليل عليه ولا يكفي لاثباته ان(مالئ الدنيا وشاغل الناس)ولد في حي بالكوفة الشريفة؛بمسجدها وبيت اميرها امير الفقراء والمؤمنين طرا على مرقده الشريف في (نجفها) الف تحية وسلام؛سكنه اكثرية من قبيلة كندة.وهذا عين ما يقوله محمود شاكر في كتابه عن ابو الطيب،وكلها شنشنات ليست مدعمة بأدلة قاطعة.كما ان مقدمات الكتاب ضجت بالإطراء المفرط المبالغة.

*بضم الخاء،جمع خوان(بكسر الخاء وضمها)
1-يرى باذيب،ان المؤلف اختار الشق الاول من عنوانه ليتناسب مع(الطيب) في كنية الشاعر.كما انه يوافق سجعه؛اي في شق العنوان الاخر وهو(...عن امالي في ديوان الكندي)؛اللقب الذي اطلقه على المتنبي وهو الكندي.هذه فحوى عبارته في ص 35.
2-راجع الحادثة في ترجمة السقاف،بقلم محمد ابو بكر باذيب،ص34و35.وقد المح الى براعة الاستهلال استنادا لتك الحوارية، التي رأى انها لا تحتاج لأي تعليق.
3-تنظر فقرة حمد الجاسر كاملة في ص35.
4-انظر ص21 و 22 من مقدمة المحقق والمعلق.ومنها تقف على خفة عائض القرني، وقد كتب المقدمة الاولى للكتاب بعد تصفحه. ولا يمكن وصفها بغير الارتجال الانشائي، والخفة التي تليق بشيخ سلاطين مثله.فما اطربه واطار لبه،هو عين ما وصفه المبرد في كتابه.لكن القرني يكتب،بعد مطالعته للعود الهندي:نسيت كل كتاب ادبي او ديوان شعري قرأته،مع العلم انني من الصبا وانا ابدي واعيد في الموسوعات الأدبية! (ايباخ!!!)وهذه المفردة مني،وليست واردة في المقدمة.
**اورد السقاف نتفا من تلك القصائد في ص800،لكن المحقق،او لعله المراجع او شخص اخر من اللجنة،يورد القصائد المعنية بتمامها،من هامش برقم 2 في ص802 الى ص808، ذاكرا ما قاله العكبري قبلها وهو:قد اجمع الحذاق بمعرفة الشعر والنقاد ان لابي الطيب[نوادر لم تأت في شعر غيره،وهي مما تخرق العقول].وحسنا فعل من نقل هذا القول،وارود القصائد كاملة.
5-انظر خاتمة الكتاب بعنوان(تنبيهات)،ينظر لمراجعة الفقرات كاملة ص799و800و801.ووضعها بين [ ] ليس في المصدر،بل وضعتها لابرازها.
6-في ص34.



الحانة الكونية
في إنبيق مولانا،يستحيل الكون بمجمل شراشره،الى دن عميق.تصهر فيه يواقيت جميع الكائنات الحيوانية والنباتية وما بينهما،بمختلف الالوان،لتثمل في سكر تكويني جمعي صرف،غير قابل للفساد.ولا يتسنى ليد الاختيار ان تحرك اصبعا واحدا للسيطرة عليه.كما لا يتاح للجبر الفلسفي ان يشمخ بانفه،زاعما انه نعجة في حقل مبانيه العقلية.اذ جل ما تدل عليه الثمالة،قهارية لزومية للفقر الرابض في هوية الموجود،اكان غنيا مترفا في ظاهره،ام فقيرا درويشا.كل مخلوق خاضع،شرب الكأس ام نبذه،لسكر الاحتياج.وقد يطيب لك التأمل في الجذور، فيشير لك الرومي ان:(جذور تلك الاشجار تحتسي الخمر خفية).ولو تعرضت لما تكره وانت تعيش بين المخمورين،ينبهك هامسا:(ان اصبت بلطمة من سلوك السكارى لا تتألم...).وقبل ان تهيأ في ذهنك عبارة للاعتراض يباغتك مضيفا:(...متى يمشي الثمل مستقيما في وجود هذا الساقي والمطرب).وان كنت من السقاة سيخاطبك:(...لتوحد خمرك فحتام العربدة...).واذا ظننت ان الاحبة يرتعون في حدائق الصحو وانهم في وارد اخر غير ما يفعله العصاة، يباغتك مقررا:(...فالأحبة ثملون بالإقرار والأعداء ثملون بالإنكار).وحين يرفع راسه ثملا الى السماء يناجيها:
(حتام تدورين.انظري الى دوران العناصر فالماء ثمل،والهواء...والتراب...والنار ثملة).
من ثم يستفهم ضميرك:(اذا كان هذا هو حال الصورة فما بالك بحال المعاني...).
يفتح اخيرا باب الحانة على مصراعيه،تاركا الصرير يستقبل شمس تبريز مرحبا:(...لا يوجد مفيق قط،فالكافر والمؤمن كلاهما مهدم،والزاهد والخمار).
بنى جلال الدين قصيدته/حانته من 14 عقيقة صوفية.اذ تسلسلت فقراتها من307 الى320 وقد وسمها ب(الكون ثمل) في ديوانه(شمس الدين التبريزي)1.ولعله سبكها بهذا العدد تحديدا،لان الدورة الكونية الجديرة بالنظر في الروزنامة الزمنية هي(السنة)،التي تقضم 12 شهرا من عمر الافلاك والمخلوقات. اضاف اليها شذرة لازمة هي لحظة الثمالة الوجودية حيث تقطع سنة كاملة في ادنى جذباتها المعنوية.اما الدرة الاخيرة فلعلها من نصيب استاذه وساقيه كؤوس خمر كان مزاجها كافورا؛شمس تبريز*.فساعة من منادمته ربما تعادل سنة بحثية مضنية،في غياهب كوننا الشاسع المجاهيل. فالركض خلف سراب علم حصولي،لا يمنح غير عكازين من خشب رغم العناء والشقاء للوصول اليه،عجز كما قرر العرفاء.بينما العلم الحضوري،او اي علم لدني،يجلو الاف المجاهيل في ساعة كشف واحدة،ولك في قصة موسى والخضر متسع للتحقيق والتحقق.

1- راجع القصيدة كاملة ومتسلسلة،على غير ما تصرفت فيها بالتقديم والتأخير والحذف والتقطيع،لمقتضيات القراءة،في مختارات من الديوان المومأ اليه،صفحة 45،من جزئه الاول ترجمة إبراهيم الدسوقي شتا.
*ويمكن قراءة الترتيب الاربع عشري من وجهة اخرى،فقد يكون هذا العدد اشارة للمدة التي عاش فيها الرومي برفقة شمس قبل ان يقتل،والتي ذكر الافلاكي انها بلغت 15شهرا ولعل الشهر الذي احجم مولانا عن ذكره، يستبطن اسرار تلك العلاقة الفريدة.كما يمكن اخيرا اعتبار العدد محض صدفة لم يكن مولانا يقصد منها شيئا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع


.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح