الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وطن العمالة والإرتهان

عبدالله عبدالله

2020 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


كشف الانفجار الكبير الذي حدث في المرفأ البحري للعاصمة اللبنانية بيروت، حجم هشاشة هذا الكيان المصطنع، الذي أسسه المستعمر الفرنسي الذي يحاول إلى هذه اللحظة التمسك به بطريقة مثيرة للاستغراب. وأكثر المشاهد السوريالية التي حدثت، هو ذهاب إيمانويل ماكرون إلى معاينة الأضرار الناجمة من هذا الانفجار بطريقة الإقطاعي الحنون الذي يعطف على عبيده بين الفترة والثانية. ومن راقب أسلوب الخطاب الماكروني، يدرك مستوى التعالي في التخاطب الاستعماري مع الشعب اللبناني، بطريقة مقرفة مذلة.
الملفت للنظر، هو تصرف بعض المجموعات التي شاركت في انتفاضة 17 تشرين، في التهليل والتمجيد لزيارة رئيس يصنف في بلاده - العدو الأول للطبقة العاملة الكادحة المتضررة من السياسات المصرفية والنيو ليبرالية المتوحشة. بالإضافة إلى، أنه يمثل نظام ما زال يعتقل أهم ما ظهر في المقاومة اللبنانية العربية مثل المناضل جورج عبد الله، حيث تتواطئ الدولة الفرنسية باستمرار اعتقاله داخل السجون الفرنسية إرضاءً للرغبات الأمريكية الامبريالية الصهيونية.
قد يستغرب، المواطن العربي حالة التطبيل والتزمير اللبناني لرئيس دولة كانت وما زالت تستحقر لبنان بل تدعم طبقته السياسية الفاسدة وهي من أوصلت ميشال عون إلى سدة الرئاسة عبر التعاون مع الأطراف النافذة داخل الساحة اللبنانية، مثل حزب الله تحديداً الممثل الشرعي لنظام الخميني داخل لبنان وسورية.
في البداية، يجب معرفة أن العمالة والارتهان هما الصفات الرسمية للتعريف بالكيان المسخ الذي يسمى لبنان، حيث يسجل منذ ما قبل تأسيس ما يعرف بمتصرفية جبل لبنان، والأمارة وحتى إلى زمن الصليبيين وما قبله أنه هو بوابة قوى الاستعمار في الشرق العربي.
وبالرغم من بروز حركات التحرر الوطني ، في كافة الحقبات داخل الكيان المسخ، إلا أنها هزمت نتيجة ظروف ذاتية وموضوعية.
كانت الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية في الشرق العربي، ولا سيما سورية ولبنان هما موطئ القدم الأول لفرنسا وبريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة الأمريكية. حيث، كانت مهمتها الأساسية هو اختراق الخصوصيات الثقافية لدى هذه الشعوب المغلقة لفهم آلية التفكير والنظام الاجتماعي الخاص بهم، عبر مساعدات غذائية مالية وصلت إلى درجة أنها استطاعت تغيير ديانات الأفراد والمجموعات البشرية وخصوصاً في جبال الساحل السوري. بالإضافة إلى ذلك، تمكنت هذه الإرساليات من اختراق المسيحية الشرقية المتمثلة بطائفة الروم الأرثوذكس بطريقة انتقامية حمقاء، حيث يسجل التاريخ القديم والمعاصر موقف هذه الكنيسة ضد الغرب المستعمر منذ الحملات الصليبية، ومشاركتهم مع أبناء بلادهم ضد غزاة أوروبا وخصوصاً في فلسطين. وعلى ذكر فلسطين المحتلة، أيضاً رفضت هذه الطائفة، التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم وبل كان أوائل المحاربين ضده هم من أبناء هذه الطائفة حيث انتسب الكثير منهم داخل المجموعات اليسارية القومية العربية.
تأتي المرحلة الثانية، من الاختراق الجذري والذي بدأ من العاصمة السورية دمشق، بحكم إدراك القوى الاستعمارية ضعف الأقليات الدينية من التأثير على اللعبة السياسية بشكل كامل والكلفة المادية الباهظة للسيطرة الكاملة العسكرية على مناطق شاسعة كبيرة. مما جعل من الدولة الفرنسية بالدرجة الأولى التحالف ولو بطريقة غير رسمية مع النخب السياسية السورية، لضرب وجهاء الأحياء الدمشقية التي كانت ترفض فكرة الاستعمار من أساسه وتؤمن بالخلافة العثمانية التي بفضلها منحت هؤلاء رتب اجتماعية وضعتهم في سلم النبلاء. وهذه السياسة الفرنسية طبقت في لبنان الكبير الذي رسم وخطط له وفقاً لمزاج الضابط الفرنسي الأبله غورو. ولكن مع تراجع الدور الفرنسي- البريطاني في المنطقة، وتسليم الولايات المتحدة الامريكية مفاتيح هذا الشرق منذ انتصار مصر على دول العدوان الثلاثي (فرنسا-بريطانيا-إسرائيل)، أدركت القوى العميلة العربية وتحديداً في لبنان أن القرار الأساسي هو من واشنطن وليس باريس أو لندن. وهذا ما حدث بالفعل، بعد هذه الهزيمة حيث عزل الملك حسين قائد الجيش الأردني غالوب باشا (وهو بريطاني الجنسية- ويتبع للقصر الملكي الإنكليزي) وطبعاً من دون شك، سقوط ابن عمه فيصل الثاني بطريقة مذلة من دون تدخل بريطاني للإنقاذ حتى ولو على الهروب.
اكملت الولايات المتحدة الأمريكية السياسية الاستعمارية ولو بطريقة جديدة مختلفة عن السذاجة الأوروبية، حيث فهمت مكامن الضعف والثغرات التي يمكن اختراقها للمجموعات العربية المتفرقة. فعلى سبيل المثال، كانت الولايات المتحدة تتعاون بشكل مباشر مع الخائن بشير الجميل زعيم القوات اللبنانية، ولكنها في نفس الوقت تدعم بعض قيادات اليسار اللبناني في الحرب الأهلية، بحكم فهم أمريكا نفسها أن مشروع البشير الخائن، لا يبنى عليه وأن مصيره بأحسن الأحوال لاجئ في الدول الغربية مثلما حدث مع محمد رضا بهلوي (الشاه). وبالرغم من معرفة أمريكا نفسها، أن هذه القوى اليسارية العروبية، هي أقرب إلى موسكو وخصوصاً في الحرب الباردة، إلا أنها زرعت في داخلها شخصيات وقيادات لديها التأثير الأكبر على لبنان وحتى المنطقة العربية، وهنا خطورة الدور الأمريكي والذي خدمه بشكل مباشر وغير مباشر الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وتحديداً في لبنان.
وبعد انتهاء هذه الحرب، وفرض السلم الوهمي الهش تعاون النظام السوري بشكل مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية على ضبط إيقاع الوضع اللبناني من ناحية عسكرية أمنية، مما جعل للإدارة الأمريكية الوقت الكاف إلى اختراق البيئة الاجتماعية اللبنانية أكثر عبر المراكز التعليمية مثل الجامعة الامريكية اللبنانية واللبنانية الامريكية في العاصمة بيروت وبقية المؤسسات التي تدعمها أمريكا مثل الأنروا وغيرها. ويأتي ذلك في سياق، شراء رجل الأعمال السعودي- اللبناني رفيق الحريري كل الأصوات الشيوعية-اليسارية أو نفي بعضها بالتعاون مع الترويكا رئيس مجلس النواب وزعيم الدروز وليد جنبلاط والذي كانت سياستهم الأساسية هو ضرب النقابات اللبنانية.
إن ما زرعته أمريكا في ظل الوصاية السورية، أثمر بعد الانسحاب حيث أصبحت الجمعيات أكثر من إشارات المرور وجمعيها تحصل على تمويل بمبالغ ضخمة من دون إنجاز أي شيء يذكر سوى توفير وظائف للشباب اللبناني.
ووصل الأمر حالة الاسترزاق القذرة بعد الأزمة السورية - وهجرة اللاجئين من بلادهم المدمرة إلى لبنان، حيث يسجل وفقاً للأرقام غير المتداولة إلى وجود أكثر من 200 جمعية تختص بمشاكل اللاجئين السوريين.
يذكر أن مصدر أمني، يشير إلى أن هذا التمويل يأتي أيضاً من عصابات المخدرات لعملية تبييض الأموال مع رجال الأعمال الغربيين.
ومن هنا، تحول لبنان من اقتصاد خدماتي - سياحة ودعارة للسائح الخليجي، إلى اقتصاد الأموال المنهوبة للمشاريع الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. عبر طرح شعارات، تتعلق بالحريات والديمقراطية والمساواة واللاجئين وغيرها. وكلها لم يكن لها فائدة تذكر داخل لبنان، سوى تمكين بعض الشباب من تحصيل قوت يومهم بدلاً من التسول. مع التذكير، أن هناك أيضاً من استطاع أن يجمع ثروة مادية هائلة، وخصوصاً بسبب اللاجئين السوريين، وسرقة المساعدات التي تأتي إليهم من الخارج.
إن التحرر العربي المشرقي من الاستعمار يبدأ من بيروت وينتهي في بيروت، وترك بيروت الشوكة المزعجة في الخاصرة العربية الرخوة هو الذي سوف يسلط علينا العسكر المتأمرك والرأسمالية الامبريالية الغربية المجرمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم