الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللاسلطوية أو الأناركية بدأت أقتنع بالفكرة أكثر

احمد المغربي

2020 / 8 / 11
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


ملاحظة : كتبت هذه المقالة في بداية احتجاجات التي اندلعت في فرنسا بسبب العنف الذي واجهت به الدولة بجيشها و إعلامها حركة السترات الصفر و لأن ردة فعل ترامب و شرطته على الاحتجاجات التي حدثت في أمريكا لم تختلف عن صديقه الفرنسي ماكرون نشرت هذا المقال الذي يناقش موضوع الدولة و الأناركية و الماركسية
=====================================
على إثر هذه الاحتجاجات و المظاهرات التي تحدث في فرنسا عادت الأفكار الأناركية التي كنت قد اطلعت عليها بدافع فضول المعرفة كشبح منتشي بانتصار فكرته فقال الشبح ألأناركي و هو يضحك “هذه هي حقيقة الشيطان المسمى الدولة فمهما ارتدى الأقنعة الديمقراطية سيبقى شيطانا…”

و إدا استثنينا آراء الرجعيين الساعين للمحافظة على استقرار و استمرار البؤس و الظلم و الاضطهاد فقد اختلفت الآراء حول الاحتجاجات بين المحايد و المؤيد فهناك من يؤيدها مبدئيا و يتعاطف معها لكن لا يوافق على ما هو في نظره تخريب و عنف و هناك من يؤيد ما يسمى بالعنف و التخريب مبررا إياه بالعنف المتمثل في العنف اللفظي و السلوكي الذي قامت به الشرطة و الرئيس ردا على احتجاجات الشعب الفرنسي

فيعتبر المؤيد للعنف التخريب سلوكا دفاعيا مشروعا لأن في نظر المحتجين الرئيس لا يمثلهم و لا يدافع عن قضاياهم بل يعتبرونه عدوا ممثلا لأعدائهم و في الحقيقة احتجاجات السترات الصفراء يجب أن نتأملها جيدا لنصل لتحليل منطقي لما يحدث فبينما نفذ جزء من الشرطة أوامر قادتهم تضامن الجزء الآخر من الشرطة و الجيش مع الشعب و رفض قمعه رفضا مطلقا لوعيه بانتمائه للشعب و إدراكه أن الدفاع عن الشعب هو واجبه الحقيقي بالرغم من أن الطبقات الحاكمة و المتحكمة بالدولة لها رأي آخر حيث ترى في الجيش و الشرطة مجرد حراس لمصالحها. . .

و شخصيا أفضل تعريف مفهوم الدولة و واجبها الذي تستمد منه شرعيتها و تبرر به وجودها بدل إعطاء مواقف بدون دلائل و أسباب ففي التاريخ الحديث رسم الفلاسفة لوحات حاولوا من خلالها نفض غبار الغموض عن هذا الجهاز المسمى الدولة فهناك من رسم الدولة كجهاز مستقل محايد و هناك من رسمها كجهاز متحيز في صراع طبقي يقره كلا الرسامين في لوحتيهما ويختلف الرسامان فقط في موقف الدولة و موقعها في الصراع لكن بالرغم من اختلافهما في رؤية الدولة اتفق كلاهما على أن واجب الدولة هو بناء وطن يوفر الأمن و الكرامة و الحرية و المساواة لمواطنيه

و بناء هذا الوطن يوجب على جميع أفراده العمل بجد لا بأنانية و حين ندكر أفراد الوطن فنحن لا نستثني حكامه و رؤسائه لأن المسؤولية الكبرى في تسيير شؤون الدولة بشكل ديمقراطي يشارك فيه جميع المواطنين يتحملها الحكام و الرؤساء و السياسيين(باعتبارهم منتخبين ممثلين للأمة أو طبقات من طبقاتها) فالتخلي عن الأنانية واجب على الحكام و الرؤساء قبل المواطن البسيط لأن الهدف هو بناء وطن يعيش فيه الجميع بأمن و كرامة و حرية لا وطن يعيش فيه حكامه و رؤسائه في بدخ و رفاهية على حساب المواطن البسيط

و التأمل العميق في العلاقة بين الوطن و المواطن و الدولة يوصلنا لحقيقة أنه لا دولة بدون مواطن فالنجار و عامل النظافة والأستاذ و الفنان و المثقف و الفلاح و كل منتجي الثروات (المادية و الفكرية و الثقافية) مكونات رئيسية و ضرورية لبناء الوطن و واجب الدولة و مسؤوليتها و مصدر شرعيتها هو التنظيم و التسيير و التطوير لكن لا وجود للدولة و هذا الأخير بدون المواطنين و حرية التعبير فغياب الديمقراطية و حرية التعبير يحول الوطن لحظيرة مليئة بالبلطجية و الانتهازيين الذين يطبلون للتدبير و التبذير دون التفريق بينهما

و هذا النوع من السياسات الاستبدادية يؤدي لنتائج سلبية و كارثية فتصير الأنانية مبدأ مقدسا في المجتمع و تحوله لقطيع خال من القيم و الأخلاق لا يفرق بين الخطأ و الصحيح و تصبح الكراهية و الأنانية و الخبث الثالوث المقدس في المجتمع

و قد يسأل من قرأ العنوان و اتفق مع مضمون السطور السابقة عن علاقة كل هذا باللاسلطوية و الأناركية فهل يستطيع الإنسان العيش بدون دولة ؟ و هل سبق للإنسان أن عاش بدون دولة ؟

إلا أن الإجابة عن هذه الأسئلة ليست منفصلة عن تاريخ الإنسان و الدولة و ما طرحته و تطرحه هذه الأخيرة لتبرير وجودها فعند بدايتها كانت أوتوقراطية و ثيوقراطية و كانت تبرر وجودها عن طريق تحالف بين رجال الدين و الحاكم حيث كانت الدولة تختزل نفسها في حاكمها المطلق الذي يدعي تمثيل ظل الله في أرضه بتزكية من رجال الدين و كهنته لكن هذا التبرير صالح للدول البدائية فقط فبعد عصر الأنوار الذي نتجت عنه ثورات سياسية و اجتماعية جذرية قضي على هذا التبرير و زالت معه الدولة البدائية في أغلب بلدان العالم لتحل محلها الدولة الحديثة فحلت الديمقراطية مكان الأوتوقراطية و العلمانية مكان الثيوقراطية و ما عدا الرجعيين اتفق الجميع أن واجب الدولة المسيرة من طرف الشعب عبر ممثليه هو التدبير الحكيم عبر سياسات هادفة لبناء وطن يضمن لمن يعيش فيه الحرية و الأمن و الكرامة و المساواة

لكن حتى هذه الدولة الحديثة التي بنيت بتضحيات و جهد كبير من فلاسفة و كادحين عجزت عن تحقيق وعودها فالكادحين الذين ماتوا من أجل المساواة لم يجدوها في الدولة التي شاركوا في بنائها بدمائهم و جهودهم

و بعد طرد الحكم المطلق من الباب عاد من النافدة و هو مصمم على غزو العالم فقتل مبدأ الإخاء و قتل معه الشعوب و استمرت حروبه الاستعمارية لفترة طويلة انتهت بهزيمته على يد الدب الروسي لكن الهمجية و الغزو لم ينتهيا و تسبب حلم السيطرة على العالم و ثرواته الطبيعية و البشرية و صراع الإمبريالات في حربين عالميتين دمويتين

و قد يحتج بعض الشوفينيين و البراغماتيين على معارضتي للحرب بأن لهذه الأخيرة إيجابيات و فوائد بالنسبة للدولة الغازية إلا أن هؤلاء يتغاضون عن قصد عن ما تسببه الحروب للجميع و يغفل الشوفينيون أيضا أن الدولة فقط أداة في يد الطبقة الحاكمة و مهما ادعت الحياد و ارتدت الأقنعة القومية أو الوطنية بعد أن رمت قناع الدين الذي انتهت ًصلاحيته بعد ولادة الثورة التي قضت على سلطة الكنيسة فجميع الحروب و جميع توجهات الدولة عبر التاريخ كانت إنعكاسا لمصالح رؤوس هرم الدولة وحاكميها فكما قال الثوري الروسي فلاديمير لينين “عندما تزدهر الصناعة، يحقق أصحاب المصانع أرباحا طائلة، ولا يخطر ببالهم أن يتقاسموها مع العمال، لكن عندما تنشب أحد الأزمات يحاول أصحاب المصانع تحميل العمال كل الخسائر” و ما يقوم به رجال الأعمال في المصانع لا يبقى محصورا فيها بل يتمد لممارسة دولتهم مع الطبقات الشعبية و ما حدث خلال الحربين العالميتين و ما يحدث الآن في فرنسا يؤكد ما قاله الثوري و يكذب ادعاءات الدولة…

إلا أن الدولة كجهاز موجود في كل بقاع عالمنا اليوم يختلف تأثيره باختلاف مسيره(السلطة) فالدولة التي تصادر ممتلكات رجال الأعمال تختلف عن الدولة التي تقمع إضرابات العمال و إن شبهنا الدولة بالمسدس فالمسدس قد يحمله لص أو شرطي أو مقاوم مدافع عن نفسه لكن استعمال هذا المسدس يختلف باختلاف حامله و اختلاف ظروف الصراع المستعمل فيها و كما هو معلوم فقد عاش البشر لقرون بدون مسدسات لكنهم لم يعيشوا بدون صراعات و كانت صراعاتهم دائما تحل تارة بالسيف و تارة بالسلام الذي يأتي غالبا إما بعد حسمها بالسيف أو عبر الاتفاق الذي يكون دائما لصالح المتفوق في الصراع…

لكن السيف و المسدس لهما وظيفة ثابتة حيث يظلان وسيلة عنف توظف لتحقيق وخدمة غايات و مصالح متناقضة و يتفق الماركسيون و الأناركيون في وصف الدولة إلا أن الأناركيين يرفضون وظيفة الدولة كما يرفض المنافقون شرعية مقاومة المحتل بالعنف و التقى الأناركيون و المنافقون في هذه النقطة بالرغم من السور العالي الفارق بينهما لأن جزءا كبيرا من الحركة الأناركية يؤمن بأن القضاء على الدولة مستحيل بدون ثورة جذرية إلا أن كل فعل له رد فعل فكما تواجه المقاومة الاحتلال تواجه الثورة المنتصرة ثورة مضادة يستحيل هزيمتها بدون درجة عالية من التنظيم و الثقة التي لا تنالها الثورة المنتصرة إلا بتحقيق إنجازات و مكتسبات حقيقية تكسب بها عامة الشعب لصفها و في طريق الدفاع عن الثورة و تحقيق أهدافها تبني السلطة الثورية دولتها على أنقاض الدولة التي قضت عليها و هذا ما يرفضه كل الأناركيين بشكل مطلق حيث يرون كل أشكال الدولة كمصدر للشر و مفسد للبشر بينما يراها الماركسيون كجهاز سيزول بزوال أسباب وجوده…

و سوف نطلع على الماضي القريب لنرى هل في التاريخ الحديث فترة عاش فيها الإنسان بدون دولة لأن الجواب عن هذا السؤال سيساعدنا على توضيح إيجابيات و سلبيات تجربة مجتمع بدون دولة في العصر الحديث انطلاقا من تحليلها بشكل موضوعي غير منفصل عن سياق التجربة و خصوصياتها

فالمغرب في ماضيه القريب مر بفترة تسميها السلطة عصر السيبة و احتوت هذه التجربة في ممارسة القبائل الثائرة على بعض مبادئ مشروع الإدارة الذاتية الذي طرحه بعض المفكرين الأناركيين لكن هذه الفترة عليها بعض الغبار و تفاصيلها غير متوفرة بالكم و الكيف الذي نحتاجه لتكوين صورة واضحة عن التجربة إلا أن لها بعض أوجه التشابه مع تجربة “البلدة الحرة” كريستيانيا التي استقلت عن مملكة الدنمارك سنة 1970 فهذه البلدة الصغيرة استطاعت العيش بدون دولة و وضحت أن الإنسان لن يفنى إن اختفى الجهاز المسمى إلا أن هذه التجربة الأناركية الفريدة كشفت عن سلبيات مجتمع بدون دولة في ظل الشروط التي نشأت فيها الدولة الناتجة عن صراع طبقي فهذا المجتمع الصغير الذي عم التضامن بين أغلب أفراده سيطرت عليه عصابات صغيرة من المجرمين كما سبق أن سيطر الأقوياء في تجربة القبائل المتمردة و كما سبق أن اقترح المفكر الأناركي “باكونين” في رسالته لصديقه و نصيره ألبرت ريتشارد في طرحه لكيفية إدارة مجتمعهم الأناركي حيت قال له “بصفتنا قادة غير مرئيين وسط هذه الزوبعة البروليتارية فيجب أن يتم توجيهها، لا عن طريق السلطة الصريحة، ولكن عن طريق ديكتاتورية المتحالفين الجماعية ديكتاتورية لن يكون لها شارات عمل علنية ولا ألقاب ولا حقوق رسمية، وسيزيد من قوتها أنه لن يكون هناك أي مظاهر قوة لها هذه هي الديكتاتورية الوحيدة التي أقبلها” و اقتراح باكونين تجسد جزئيا في ممارسة زعماء القبائل الثائرة على السلطة المخزنية إلا أن اقتراحه يتناقض مع المبادئ الأساسية لفكر أساسه اللاسلطوية …

أما العصابات الصغيرة التي سيطرت على “البلدة الحرة” فتصبح مجرد قطط مشاكسة إذا قورنت بالنمور الأوليغارشية المسيطرة عن ثروات الأوطان الناطقة بالعربية ففي هذه الأوطان نجد شرذمة قليلة من المجرمين تستغل و تتحكم في حياة أغلبية المجتمع بمساعدة من الكهنة الرجعيين الذين يستغلون سلطتهم الروحية لتبرير الفوارق الطبقية و الدفاع عن العبودية و تكفير المبشرين و المدافعين عن الحرية…

إذن نستطيع أن نوضح انطلاقا من التجربتين الصغيرتين السابقتين أن الإنسان في عصرنا الحديث استطاع أن يعيش بدون دولة و لم يكن حاله أسوء من حال من يعيش في دول الشر الشمولية فبالرغم من أن التجربتين لهما طابعهما الخاص حيث أن القبائل المتمردة و مجتمع البلدة الحرة يمثلان نماذج لمجتمعات صغيرة إمكانية الإدارة الذاتية فيها أكبر من المجتمعات الكبيرة و بالرغم من أن التطور الثقافي و الاجتماعي الذي يلعب دورا مهما في الإدارة الذاتية جد متفاوت بينهما فقد فندت التجربة أطروحة هوبز و جسدت التضامن بين البشر كما أنها بينت السلبيات التي تنتج عن زوال الدولة في مجتمع لم تزل فيه الطبقات و تحيط به دول تعتبر وجود مجتمع بدون دولة تهديدا لوجودها كما حدث في تجربة القبائل المتمردة في صراعها مع المخزن و تجربة كريستيانيا مع مملكة الدنمارك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو