الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وطن من اثنين

سليم البيك

2006 / 6 / 30
كتابات ساخرة


قد يفكر المرء بأن هذا الوطن الذي لم يبخل على أبنائه بالسجون
و السياط
و الأرق
و الترهيب
و القمع
و الإهانة
و البطالة
و التشرد
و الجوع
في الوقت الذي استكثر فيه عليهم الحرية
و الجمال
و الفرح
و الكلمة
و الفكرة
و العمل
و المأكل
و المسكن
و الحياة بسلام و سعادة
قد يفكر المرء بأن هكذا وطن لا يستحق التضحية حتى ولول برغيف خبز, فكيف لو بالمال و البنين و كل زينة في الحياة الدنيا؟
في وضعنا العربي المشرف, قد يبدو من الطبيعي أن يفكر البعض بهذه الطريقة, و هي طريقة مقلوبة بانقلاب وضعنا أصلاً. فإما أن هؤلاء يقعون في إشكالية الخلط و عدم التمييز بين الوطن و بين الأنظمة المسيطرة عليه و الحاكمة فيه, أو أن البعض الآخر مصاب بانفصام شخصية في وطنيتهم, و مرضهم هذا عادة ما يكون مزمناً. فهم يفصلون بين الوطن الحقيقي و ذاك المزور, و هذا ما لا يبدو مقبولا في مجتمعاتنا العربية فيكون العلاج المتعارف و المتفق عليه لهذا المرض هو "الحجر الصحي" و بزنازين, عفواً, بغرف مغلقة معزولة, تصنعها المجتمعات كي لا ينتقل المرض إليها, بعد ذلك يستلمهم الحاكم, ممثلاً بحفنة من أزلامه, من مجتمعاتهم ليبدأ معهم جلسات التحقيق, عفواً, العلاج, فسلامة المجتمع تقع على مسؤولية الزعران, عفواً, الأمن. و باعتبار أن هذا المرض مزمن, فمن المنطقي, و بحكم التجربة.. اسأل مجرب و لا تسأل حاكم, أن يقابله "حجر" حتى القبر, أما الحجر, فيتولاه المجتمع, و أما القبر, فيتولاه الحاكم.. بأمر الله.
هؤلاء المرضى, التعساء, يفرقون بين الوطن الذي يسمونه بالحقيقي و هو, كما يدعون, الناس
و التراب
و الرياح
و الورود
و البيت
و الحارة
و المدينة
و الرصيف
و سوق الخضرة
و الجيران- على أشكالهم-
و القطة التي تنتظر الطعام عند باب بيتك كل صباح
و العشيقة التي تعطي للوطن الحقيقي قيمة لا يكتمل إلا بها,
و بين الوطن المزور و هو, كما يدعون أيضاً, الدكتاتورية بأربابها
و مؤسساتها
و أحزابها
و نقاباتها
و أزلامها
و زنازينها
و زعرانها
و جيباتها.
الآن.. من المريض فعلاً؟
أهو من يصر على حالة عشق مع وطنه الحقيقي و على صون عذريته و صفائه و طهره من الأنظمة و دنسها, أم تلك المجتمعات التي لا ترى للوطن مبرراً بدون الطبقات و الأنظمة الاجتماعية و الثقافية و السياسية المسيطرة و الحاكمة؟ المجتمعات التي كبرت على أن الوطن هو كل ما يقع ضمن الممتلكات الشخصية لحاكمها.
لا يكون الوفاء إلا لواحد من الوطنين, إما الحقيقي و إما المزور, إما الطهارة و إما الدنس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل