الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السادية السلطوية والمجتمع البدائي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2020 / 8 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


لعل الكثير من الناس يشيرون إلى مرحلة تاريخية محددة من تقويمهم الزمني على أنه يمثل نوعا من الفاشستية أو النازية التي حكمت بلادهم، ومنهم العراقيون الذين يصفون حكومة البعث عموما ونظام صدام حسين تحديدا على أنه من أسوأ المراحل السوداء التي مرت على العراق، وليس دفاعا عن أحد ولا تبيضا لصفحات سوداء لم يعد بالإمكان تجميلها أو تزينها بأي حال، ولكن هذا القول فيه تجني على الحقيقية ليست حقيقة النظام بالتأكيد ولكنها حقيقة السلطة والإنسان من خلال نكران أن الفاشية والنازية ليست وليدة هذا النظام ولا الذي قبله ولا الذي بعده طالما أن القانون في جيب السلطة، عندما تغيب سلطة القانون ويغيب معها دور مؤسسة الشعب كقوة مراقبة وضبط حتى الأغبياء والجبان يتحولون إلى غول يأكل كل شيء أمامه، إنها متلازمة السلطة الخارجة عن القانون.
في كل دول العالم ومجتمعاته التي نهضت بالإصلاح وسارت في طريق التطور وضعت لنفسها فاصل بين حدية القانون وتجرده وعموميته المطلق وبين قدرة السلطة على أختراقه، هذا المبدأ العقلي المتمثل بالجزاء والثواب والمحاسبة الصارمة للسلطة بأعتبارها إدارة مكلفة مقابل اجر أو مقابل ألتزام محدد هو من صان عملية التطور والإنشاء وليس أي عنوان أخر لا ديني ولا سياسي ولا أيديولوجي، القانون هو دكتاتور المجتمعات الحديثة ودكتاتور مرن قابل لأن يتجاوب بإنسانية مع الناس لكنه شديد العقاب تجاه السلطة ومواردها والياتها.
الشعوب التي ما زالت ترى في السلطة قدرها وأنها تستحقها لأنها لا تستطيع تغيرها هي الشعوب البدائية حتى لو أرتقت في مباهج الحضارة وأستوردت من عالمها الخارجي كل وسائلها وحاجاتها من خارجها تبقى شعوب بلا هوية وبلا كرامة وبلا أنتماء سوى أنتماء التخلف الذي يجمعها بسلطتها ونظامها القانوني والدستوري، أي نظام حكم وأي بناء قانوني للمجتمع لا بد أن يمثل روح المجتمع من جهة وروح العصر ومقدار أهتمامه بقيمة الإنسان، عندما نصف مجتمع ما بأنه مجتمع بدائي لا نتجنى عليه ولا ننتقص من قيمته بقدر ما تعكي طريقة ونظام الحكم فيه هذه الروحية وهذا المعنى الذي هو بالأخر يمثل إنعكاسا حقيقيا لقيمته في المجتمع الإنساني ككل.
كل القادة الذين يتزعمون هذه النظم المنبوذة النظم التي لا تفهم حقائق التاريخ والزمن لم يكونوا كذلك في مراحلهم الأولى حين يتسنمون السلطة وهذا بالتأكيد ملاحظ من التجربة التأريخية لكل المجتمعات التي عانت من سادية السلطة وتعسفها، لكن من صنعهم كذلك طريقة تعاطيهم مع القانون الذي قبل به المجتمع وأرتضاه كقيمة أعتبارية عليا، فالأس الذي تبنى عليه نظم المجتمع يبنى على كيفية تعامل المجتمع مع القانون ومدى حرصه على أن يحترم مقوماته أولا ومنها حقوق الإنسان والقدرة على التعبير عنها ومقدار ما يتمتع به من حرية للوصول إلى أعلى درجات الكرامة والشفافية والتمثيل لنفسه في طريقة تعامله مع دور السلطة وحدودها.
النظام الفاشي الديكتاتوري الذي حكم العراق قبل 2003 لم يكن خارج هذا السياق التاريخي ولم يكن شاذا عن مجموعة الأنظمة البدائية في المنطقة وبعض العالم لأنه نتاج هذا المجتمع ونتاج فلسفة السكوت والتهاون عن حقه وعن إلزام أي سلطة أن تخضع لرؤيته في التحرر والإدارة السليمة أسوة ببقية الشعوب والأمم، فالنظام لا يلام عن أي تصرف طالما أن المجتمع هو من مكنه من ذلك وهو من سمح للديكتاتورية الفاشية أن تنمو وتتغول على حساب حقوقه وكرامته، هناك من يعترض بأن النظم تلك قامت على مبدأ القوة العسكرية أو الدينية دون أن تكون هذه القوة في توائم كامل أو إنصياع لإرادة المجتمع، وبالتالي فهي مغلوبة على أمرها ولا يمكنها أن تتحرر من كل ذلك لأنها لا تملك أسباب القوة، والحقيقة هذا القول غير سليم وتبريري للعجز في المجتمع، فالقوة التي يشير لها لم تكن مستوردة من خارجه ولا هي أيضا نتاج ثقافة خارجة، بل هي تطبيع وإرث لهذا العجز ولهذه الأستهانة بالمجتمع من جهة وعدم قدرة المجتمع على أن يعيد صيغ العلاقة السليمة مع هذه القوة مهما كانت فهي وليدته ونتاجه الطبيعي.
المجتمعات المسئولة عن تقرير مصيرها تنهض بالواجب ولا تتركه لأي قوة منفردة داخله وعليها أن تلتزم بالتعامل مع أي سلطة بناء على كونها صاحبة المشروعية الوحيدة، أي تنازل وأي تهاون ولو كان بسيطا سيغيب الحرية هذه شيئا فشيئا حتى تتلاشى في نظر السلطة ونظر المجتمع وتضعف إرادته في التغيير تنتظر الزمن أن يفعل ما يمكن معه أصلاح الحال، الزمن كقوة حاكمة لا يمكنه أن يصحح المسارات فقط بناء على إرادته هو ما لم يشارك المجتمع أصلا في حشر السلطة في المسببات الحتمية للتغيير، هذا هو الغائب عن تفكير المجتمعات البدائية التي تنتظر وتنظر الزمن وحده وهي تدفع كل تلك الخسائر بأنتظام وزيادة دون أن تحصد شيئا جادا في التحرر، الحرية هنا ليست قانون تمنحه السلطة ولا هو كسب متراكم بل هو قانون المجتمع بذاته كمجتمع إنساني وعليه أن يمارسها دون أذن ودون قرار من السلطة، هذه النقطة الثانية في جدلية السلطة والمجتمع، أما النقطة الأهم هو شعور المجتمع بأنه حر وبأنه هو من يقود التغيير وهو من يبني النظرية السياسية والقاعدة القانونية التي يرغب بها بعيدا عن فكرة كون السلطة هي الأب وهي الرب وهي القانون الأسمى.
إن أهتمام أي مجتمع بحريته وتقديسها وتقديمها على أنها الشرط الحضاري الوحيد الذي يمكن أن يقودها لتكون أمه حضارية قادرة على أن ترتقي وتتغير نحو عوامل التجديد والتحديث، هو الشرط الذي يجب أن يكون في أعلى سلم أهتماماتها وبعد ذلك كل شيء ممكن أن يكون جاهزا في متناول يدها، عندها لا يمكن أن نتصور ولا حتى من الممكن أن نشهد وجودا لسادية السلطة وتعسفها وخرق القانون تحت أي مبرر، هذا التقديس والأحترام للحرية هي أول الوعي الأجتماعي اللازم، وهو الركيزة التي تحمي المجتمع من النكوص والتراجع، ولا بد من تأسيس أطار حضاري جمعي له كواحد من أهم سمات المجتمع وأبرز عناوين الهوية الجمعية للمجتمع والفرد، فالسادية السلطوية لا تنمو بمجتمع يعرف حقوقه جيدا كما يعرف واجباته تجاه نفسه والغير، وكل هذا مفقود في مجتمعاتنا البدائية التي تعتاش على ظلم وتعسف السلطة وتتعامل معه على انه قدر محتم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة