الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أثر تقديس الانتفاضة على توازن القوى البرجوازية (ساحة الحبوبي نموذجاً)

فالح مكطوف

2020 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


تميزت الانتفاضة في مدينة الناصرية عن غيرها من مدن العراق المنتفضة بهذا الإصرار العجيب على المطاولة بذات الحضور والتفاني والإقدام، ففي الأيام الأخيرة وعلى التوالي قام معتصمو ساحة الحبوبي وعلى اختلاف مشاربهم ورؤاهم وأهدافهم من الانتفاضة، بالتظاهر ضد التيار الصدري على الرغم من أن هذا التيار يعتبر نفسه جزء من انتفاضة أكتوبر وفقا لحساباته الشخصية التي لم يفلح بفرضها على المنتفضين أو إقناعهم بانه جزء منهم، وكثيرا ما عبر عن انزعاجه بظهور منافس تمكن من سحب البساط منه وسبب له الإحراج فأولئك يدركون أن هذا التيار يعد جزء لا يتجزأ من السلطة وجزء من تقاسم المناصب منذ سقوط النظام، وبعدها ذهب المعتصمون إلى حرق مقر ما تسمى بحركة (الأوفياء) كردة فعل متوقع منهم بسبب الاعتقاد بسعي هذه الحركة إلى محاولة إحداث كارثة بتفجير ساحة الحبوبي حسب ما تواتر من أخبار. ويعلم الجميع أن هذه المدينة سواء في زمن النظام السابق أو الحالي، قد ضحت بخيرة شبابها الذين أعطوا أرواحهم في سبيل تغيير الأوضاع المأساوية التي يمر بها البلد عموماً ومحافظة ذي قار على وجه الخصوص، ولاسيما اليوم حيث يستشري الفساد من قبل الأحزاب المتواجدة التي تتحكم بالمحافظة مثلها مثل مدن الوسط والجنوب ومنذ سقوط النظام السابق إلى اليوم ــ وبشكل غير مسبوق ويتفوق حتى على ذلك النظام المجرم ــ حيث مارست تلك الأحزاب كل الحيل التي ربما تكون مستوحاة من فتاوى إجرامية تخص سرقة المال العام بحجة عدم وجود مالك له مثلما يتوارد من بعض المصادر، كل ذلك في سبيل السرقة والاستحواذ على مقدرات الجماهير. ولكن ما يلاحظ على معتصمي الحبوبي هو وقوفهم في منتصف الطريق بين تقديس ساحة الحبوبي وتقديس الانتفاضة وخيامها، وهذا بدوره أدى وفي نهاية المطاف إلى تحولهم لمجرد جماعة ضغط تتميز بالقوة والنزاهة ويحسب حسابها من قبل الجميع لا أكثر ولا أقل، وبين عدم وجود لا نية ولا خطة ولا أفق للتقدم بثقة لإدارة المحافظة ومجلسها وتحقيق مطالب واقعية للجماهير.
والحقيقة أن أفق إدارة المدينة واستلام (السلطة) من قبل منتفضي الحبوبي منعدم وغير موجود تماماً، وهذا هو أحد أهم نقاط ضعفهم، فهم يقبلون بزهو استمرارهم في البقاء إلى ما لا نهاية في ساحة الحبوبي ليكونوا جاهزين لجميع الطوارئ ــ كحرق مقر (الأفياء) مثلاً ــ ولكن هذا الزهو والتفاخر وإن كان يعد إيجابياً كونه يولد شعوراً بالقوة ليديهم، إلا أنه وعلى الصعيد العملي لا يغير شيء، فالأحزاب في الناصرية بإمكانها أن تحكم وتستلم الرواتب وتعقد الصفقات المشبوهة وتمارس الفساد وتبيع المناصب وتقتل المتظاهرين، دون أن يكون لها أي مقر، فحرق المقرات لا يوصل إلى أي نتائج على صعيد إدارة المدينة واستلام السلطة فيها، وإنما يؤكد فقط أن منتفضي الساحة لديهم القدرة في تحقيق التوازن مع الأحزاب الحاكمة في المدينة على صعيد الجرأة والتضحية، بل ربما تكون لديهم الأرجحية والمبادرة أيضا.
إن عدم الذهاب إلى المحافظة والمجلس لغرض الحكم وإدارة المدينة وليس لغرض الحرق، لن يجعل ابدأً من (ساحة الحبوبي) مقراً لإدارة الناصرية وأقضيتها مهما بقى المنتفضون فيها، وهذا ربما يأتي من أن هنالك أفق سائد يقدس الانتفاضة ويرى فيها هدفاً وليست وسيلة، وهذا الموضوع بحد ذاته يحسب سلباً على منفضي الحبوبي، ويضعهم أمام سؤال جوهري وهو إذا لم تبحثوا عن السلطة وتغيير وضع المحافظة فإلى أي هدف تسعون؟ لاسيما أن الانتفاضة والاعتصام ونصب الخيام هي مجرد وسائل، ولكن أي هدف يمكن أن تحقق هذه الوسائل؟
نعم إننا نرى وبكل بساطة أن هنالك جمع في ساحة الحبوبي جعل من الوسائل أهداف ونتائج، وهذا سبب عدم مغادرته ساحة الحبوبي باتجاه الاستيلاء على المحافظة والمجلس وإقامة بديل الجماهير، وهنا نقف في سؤال آخر بحاجة إلى إجابة لم تتوفر بعد، ما هو هذا البديل الذي يطرح على طاولة المعتصمين؟ طبعاً إذا كان البديل هو إبدال عبد المهدي وانتخابات مبكرة فإن هذا الموضوع قد تحقق فعلاً من خلال مجيء الكاظمي وهذا بحد ذاته يعد مبرراً إلى رفع الخيم من الساحة حيث حققت الانتفاضة أهدافها، أما إذا كان الهدف هو السلطة فلابد من تحديد ملامحها الرئيسية والتي يمكن أن تكون بأربعة نفاط مهمة وضرورية وحيوية ويمكن تطبيقها خلال ثلاثة أشهر، وهي حل المليشيات مهما كانت مسمياتها، توفير فرصة عمل للعاطلين أو ضمان بطالة، محاسبة قتلة المتظاهرين، توفير الخدمات. ولكننا لم نلمس أي مبادرة بهذا الاتجاه، وما يؤسف له هو أن هذه الفرصة إذا لم تتحقق فإنها تضيع والى الأبد، على الأقل، لان المنتفضين الذين يدركون تماما أن من يحكمكم ويتحكم في المحافظة منذ ثمانية عشر سنة ليس أفضل منهم، لم يتحركوا بشكل جدي لإنجاز المطالب الضرورية للانتفاضة، كما أنهم لم يدركوا بأنهم أجدر بإدارة شؤون المحافظة وبإمكانهم أن يجروا انتخابات من خلال ممثلي الأحياء السكنية أو أماكن العمل وتشكيل مجلس محافظة حقيقي يمثل الناس ومطالبهم دون المرور بالوسائل البيروقراطية والرشاوى التي تستعملها أحزاب السلطة الحاكمة في المدينة وفي تلك اللحظة فقط سوف يتبين حجم هؤلاء وحجمكم الحقيقي.
ولكن ومع تأخر البديل غير المرئي وغير المتحقق بسبب عدم التفكير بطرحه أصلا كبديل واقعي من قبلهم ، وفي ظروف تختارها البرجوازية في أوقات مناسبة حسب خبرتها وقراءتها، تأتي دائما اليد (العطوفة والحنونة) لجناح من أجنحتها لا لكي تحقق العدالة فهذا ليس من مزاياها وإن كانت تتستر بها، ولكن تأتي لكي تنافس على سحب البساط من الجناح الآخر المتمثل بالأحزاب الإسلامية الغارقة في الفساد وحلاوة الدولار، وكذلك استغلالاً للقطيعة النهائية بين من انتفض في أكتوبر وأحزاب السلطة في المحافظة، ــ ولعل التظاهرة ضد التيار الصدري في ساحة الحبوبي خير دليل على ذلك ــ هذه اليد هي (يد الحكومة الجديدة) والتي كان مجيئها قد عبر عن أفق ورضا كثير من المنتفضين وطموحاتهم ولا سيما في الشق المضاد لتلك الأحزاب والمليشيات والمضاد للحكومة الإيرانية، كما ذكرنا ذلك في موضوع سابق، تأتي تلك اليد هذه المرة لتحدد هدف الانتفاضة، وبخطاب واضح يعبر جوهره عن استحالة أن تكون السلطة للجماهير واستحالة تحقيق تلك الأهداف التي اشرنا إليها وحددنا سقف لها زمني محدد، وهي المطالب التي لم يسعى إليها المنتفضون، بل الهدف من وجهة نظر سلطة الكاظمي يكمن في السعي الخفي لاستغلال جزء من المنتفضين كونهم ضد الأحزاب الإسلامية، وكذلك بتعويض ضحايا الانتفاضة والجرحى وشمولهم بقانون مؤسسة الشهداء ورصد مبالغ لمدينة الناصرية المدينة التي ضحت كثيرا كل ذلك لإدامة ذات النظام، وبذلك يفلح هذا الجناح الطموح بالتفوق على جناح السلطة الحاكمة في المدينة، وربما يصفق جزء من المعتصمين في ساحة الحبوبي اليوم للكاظمي لانهم يشتركون معه في العديد من المزايا والطموحات واستبعاد موضوع السلطة المباشرة للجماهير ومطالبها الضرورية التي تتعارض مع سلطة الكاظمي والتي لم يطرحها المعتصمون لا ضمناً ولا بشكل سري.
لذا نرى أنه وفي تقييم موضوعي لآفاق المنتفضين ودون الإغراق في المبالغات والمزايدات التي تثير السخرية، نرى أن معظمهم جعل ميزان القوى يسير إلى انتصار الأفق الذي يمثله الكاظمي على أي أفق آخر، وإن من الواضح أن مصلحة الكاظمي تكمن في بقاء المعتصمين في ساحة الحبوبي كقوة ردع تعيد التوازن بين الكتل البرجوازية وأحزابها قيما إذا اختل.
ويقينا أن جميع قوى السلطة الحاكمة اليوم أو التي ستأتي غداً سواء بدعم أمريكي أم إيراني فإنها لا تأتي إلا للتقليل فرص عيش الجماهير برفاه وأمان، ولكن هل هنالك فرصة أن يعزل المعتصمون أفقهم عن الآفاق البرجوازية ويتمسكون بمطالب الانتفاضة، وما مدى واقعية هذه الفرصة؟ في رئينا أن هذا التوجه بات في طور التقلص وهو يسير باتجاه الضعف وبحاجة إلى إحياء حقيقي وأناس يتمتعون بآفاق حقيقية لكي يوجهوا البوصلة باتجاه مطالب الجماهير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم