الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الوجه الحداثي للهيمنة: الإمبريالية الفرنسية مثالاً

علي مقدّم

2020 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


في شهر كانون الأول من العام 2017، ومن ضمن جولة الرئيس الفرنسي إلى القارة الأفريقية، وقف ماكرون في جامعة واغادوغو في بوركينا فاسو في قاعة المحاضرات أمام مئات الطلاب (الذين خضعوا لإمتحانات حسن نية قبل السماح لهم بالحضور طبعاً)، وقف الرئيس "الشاب" لكي يتلو خطاب التنصل من الماضي الإستعماري لفرنسا، متوجهاً إلى عنصر الشباب بشعارات حداثية تحثهم على الإستثمار ببلادهم في مجالات عدة ومنها الطاقة. إنقطع التيار الكهربائي أثناء الخطاب، فعلّق ماكرون على الأمر قائلاً: "لست مسؤولاً عن إنقطاع التيار الكهربائي في جامعات بوركينا. إنها مهّمة رئيسكم". خرج رئيس بوركينا (كابوريه Kaboré) من القاعة على إثر هذه التفاهة، فعلّق ماكرون بعنجهيته المعهودة: "رئيسكم ذهب لكي يقوم بتصليح المكيّف في القاعة". هذا مثل بسيط من الطريقة الإستعلائية التي تعاطى بها خلال زيارته، طبعاً لم يتطرق  في خطابه لآليات الهيمنة الإقتصادية والثقافية التي تفرضها فرنسا على البلاد منذ عقود. حتى إنه تهرب من الإجابة على سؤال وُجه له من إحدى الطلاب في القاعة عن عملة الفرنك الأفريقي س.ف.أ CFA والتي تشمل 12 بلداً أفريقياً (المستعمرات الفرنسية القديمة) والتي يتم طبعها في بنوك فرنسا (من المتوقع أن يتم إستبدال عملة س.ف.أ بعملة إيكو ECO، وما هي إلا عملية إلتفاف على العملة القديمة تحت شعارات نيوليبيرالية لن تغير شيئاً من مضمون الهيمنة الإقتصادية) قائلاً أن فرنسا لا تجبر أحداً بالتعامل بهذه العملة. لم يذكر أيضاً أن لبلاده أكبر قاعدة عسكرية في واغادغو، تشكل غطاءاً إستراتيجياً لتواجد الجيش الفرنسي في الساحل الأفريقي ضمن عملية برخان، والتي تهدف إلى تأمين الحماية إلى الشركات الفرنسية في المنطقة كابويغ وبولوريه وغيرهم، وتؤمن عملية النهب الممنهج للموادالأولية وعلى رأسها اليورانيوم من النيجر.

زيارة هذا الرئيس الأخيرة إلى بيروت عقب الإنفجار في مرفأ بيروت، على إختلاف سياقها، إلا أنها تتضمن علامات مشابهة لكيفية تعاطي المستعمِر مع مستعمراته القديمة. فإعلانه عن مساعدات سيتم توجيهها مباشرةً للمنظمات الغير حكومية لأنه لا يثق بالطبقة السياسية الرسمية للبلاد، تُعتبر بأدنى المعايير إهانة واضحة وصريحة لعدد لا يُستهان به من مواطنين هذا البلد.

في لحظات حاسمة كالتي يعشيها لبنان والعالم الصراع الأيديولوجي يصبح واضحاً، صافياً لا ريب فيه. راقبوا معي المشهد: سنجد في كل بلد، من جهة، المهلل الذي ينتظر دوره للتعبير عن إمتنانه للعقلية الإستعمارية التي ستخلصه من الفساد والتخلف، أو "العقلاني" الذي يدعو لضرورة الحوار وللتفهم السيكولوجي للجماهير المهللة، ومن جهة أخرى سنجد الرافض لهذه المهزلة كالمتظاهرين في بوركينا الذين نددوا بالتواجد العسكري الفرنسي وبالسياسات الإمبريالية الفرنسية والذين منعوا من الدخول إلى الجامعة الذي يلقي بها خطابه، تماماً كالمتظاهرين في لبنان الذين طالبوا الرئيس الفرنسي بالإفراج عن الأسير المناضل جورج عبدالله القابع في السجون الفرنسية أثناء جولته التهريجية. هذا الرجل، على ما يمثل من أيديولوجية حداثية للإمبريالية الفرنسية، يحاول بشتى الوسائل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه المنظومة المهترئة.
ستكثر الخطابات المنددة بالفساد والمنادية بالإطاحة بكل الطبقة السياسية وما إلى هنالك من شعارات جميلة و"ثورية". لكن الواقع أراه من خلال البوارج الأجنبية التي ستصل إلى بيروت في الساعات المقبلة، هذه البوارج لن تكون لحماية المواطنين، ولا لمحاربة الفساد وإن تحمس لها بعض الشباب التائه. ما نشهده من أساطيل معادية على مرفأ بيروت هو الخوف من منطق إلى "ما بعد بعد حيفا"، هذا النهج لن يضعفه المنطق الطفولي "كلن يعني كلن". وللمعركة تتمة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر