الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من سيطرة الدين على الدولة إلى تسخير الدين أيديولوجيا

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2006 / 7 / 1
ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع


إن الحديث عن العلمانية يحيلنا إلى الأسس التاريخية و النظرية لهذا المفهوم الذي يعرف تداولا ملحوظا في أوساط السياسيين و المنظرين سواء منهم المؤيدين أو المعارضين ، كما لا يمكن تناول هذا المفهوم بالدرس و التحليل خارج علاقته الوطيدة بالدين و الدولة هذين المعطيين اللذين يرتبط كل واحد منهما بالآخر ، خاصة في مراحل سابقة من نشوء الدولة و ما رافق ذلك من سيطرة السلطة الحاكمة و فرض النظام السائد و هيمنة أيديولوجية الحكام على الساحة السياسية ، و كما هو معلوم فقد رافق نشوء الدولة بروز الإستغلال في أوساط البشرية كان أبرزها سيطرة الرجال على السلطة السياسية و الإقتصادية و بالتالي سيطرة الطبقات الحاكمة على دواليب الدولة و خيرات الشعوب ، و كان نشوء المجتمع المدني أو السياسي كما يسميه أرسطو ضرورة اجتماعية حيث دعا أرسطو لبناء مؤسسة البرلمان الذي يفتح المجال لحرية التعبير و الرأي و إشاعة المساواة و العدالة ، إلا إن المؤسسة البرلمانية التي أقامها اليونان مؤسسة نخبوية حيث تحرم المرأة و العمال و الغرباء من ولوجها ، كما أن تأسيس مثل هذه المؤسسة في المجتمع ضروري باعتبار " الإنسان إجتماعي بطبعه " كما يقول أرسطو ، الذي يتعارض نظرته إلى المجتمع و منظور صاحب " العقد الإجتماعي " جون جاك روسو الذي يقول : " أن الإجتماع من صنع الإنسان " و الذي يرى أن الإنسان قبل العقد الإجتماعي كان يعيش في حرية تامة و قرر الإتفاق مع الآخرين من أجل إقامة نظام إجتماعي تتحقق فيه العدالة و المساواة بين الأفراد ، الشيء الذي نتج عنه أسس بناء الدولة حيث يتم توكيل مجموعة من الأفراد على شؤون عامة الشعب لحماية مصالحهم و الدفاع عنها.
إن السيرورة التاريخية للحركة الإجتماعية تبين أنه بعد تعدد المصالح و تعارضها و بروز السيطرة و الهيمنة بالقوة أصبح الفرد في حاجة ماسة إلى من يحميه من بطش الآخرين ، فكان لا بد من صياغة قوانين من أجل حماية مصالحة التي اتخذت عدة أشكال بدءا بالتعلق بالقوى الخارجية الميتافيزيقية التي استعان بها لتفسير جميع الظواهر الإجتماعية و الطبيعية ، و استمد قوته خارج العالم المادي الذي يعيشه فوضع لكل ظاهرة تفسيرا ميتافيزيقيا و أصبح المعتقد جزءا من حياته اليومية و الذي تطور مع مرور الزمان إلى أن يصبح شموليا يتدخل في كل تفاصيل حياته ، إن ظاهرة المعتقد ظاهرة طبيعية في حياة الشعوب و التي عرفت تعبيرات متعددة و متنوعة حسب خصوصيات كل حضارة ، و تعتبر الكنيسة و الدير و المسجد أهم رموز المعتقدات الدينية الأساسية و الأكثر انتشار في العالم لكونها تستمد قوتها و حضورها في المجتمعات البشرية لكونها تعبيرات لديانات سماوية ، و التي تملك الشرعية التاريخية لما لها من تأثير كبير في تطور المجتمعات البشرية خاصة في مراحل تاريخية معينة و التي ترتكز على نشر العدل بين البشر ، لكنها في نفس الوقت لم تخل علاقاتها من صراعات تاريخية ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا حيث تسعى كل ديانة إلى السيطرة و الإستمرار على أنقاض الديانات الأخرى ، و لم تخل كذلك هذه الصراعات من سفك الدماء و انتهاك حقوق الإنسان خاصة في الوقت الذي أصبح فيه الدين جزءا من منظومة الدولة و الذي وصل حد اعتبارها المرجع الأساس في سلطة الأنظمة السائدة .
من المعلوم أن الديانة اليهودية كأول ديانة سماوية قد برزت على أنقاض الدولة الفرعونية كما جاء في أساطيرها انطلاقا من أن الحاكم الفرعون قد طغى في الأرض ، و جاءت الديانة اليهودية من أجل بسط العدل و المساواة بين الناس و القضاء على استبداد الفرعون و بالتالي أصبحت ديانة عالمية تنتشر في كل أرجاء العالم ، و وحدت الآلهة و نقلت مركزها من الأرض إلى السماء انطلاقا من أن الحلول يكمن وراء الطبيعة ، و تم تجاوز منظور تجسيد الآلهة في الأصنام كرموز مادية للآلهة بتجسيد إلاه واحد و موحد خارج الواقع الطبيعي الذي يعيشه الإنسان ، كل ذلك من أجل إسقاط نظام الفرعون و إقامة نظام بديل مكانه تسود فيه العدالة و بذلك يكون دور الدين هو تغيير النظام و بالتالي تجسيد دور سياسي بامتياز ، نفس ما قلناه عن الديانة اليهودية ينطبق على الديانتين المسيحية و الإسلام حيث الهدف الأساسي الذي من أجله تم بروزها هو تغيير الأوضاع ، إن الدين باعتباره منظومة فكرية ميتافيزيقية يستمد قوته من خارج العالم الطبيعي محاولا بسط سيطرته على الواقع المادي ساعيا في نفس الوقت تغيير هذا الواقع و التحكم في أحواله المادية و المعنوية ، كما لا يمكن أن يتم الحديث عن الدين خارج منظومة المجتمع الذي نشأ فيه و تطور داخله بحكم العلاقة الجدلية بين الدين و المجتمع حيث لا يمكن تصور مجتمع بدون عامل الدين و بالتالي لا يمكن تصور الدين بدون مجتمع متدين ، إن الدين يعتبر إفرازا طبيعيا للمجتمع الذي نشأ في أحضانه وفق أهميته التاريخية و الضرورية حسب متطلبات المجتمع في مراحل تاريخية محددة حيث شيوع سيادة الفكر الميتافيزيقي.
و انطلاقا من علاقة الديانة اليهودية بالحضارة الفرعونية التي عاشت تعدد الأديان وفق متطلبات قاعدة الظواهر الطبيعية التي يصعب تفسيرها علميا في تلك الحقب من الأزمنة حيث تعددت الآلهة و اختلفت بتعدد الظواهر الطبيعية و اختلافها، يمكن لنا تسجيل أن الحضارة الفرعونية هي حضارة قائمة على بناء دولة تهتم بجميع مناحي الحياة في مجتمع مادي يغلب عليه الإتجاه العملي في الحركة الإجتماعية التي عرفها المجتمع الفرعوني ، و يتجلى ذلك في عظمة المآثر التاريخية المتجلية في بناء الأهرامات و الكتابة الهيروغليفية و عملية التحنيط و الري و الزراعة ، مقارنة بالفكر الإغريقي الذي خلف لنا الفلاسفة الكبار و الرياضيين و الفلكيين و السياسيين و إرهاسات الديمقراطية و مؤسسات الدولة ، إن بروز الدين في علاقته بالسماء في المجتمع الفرعوني جاء نتيجة فقر هذا المجتمع للفكر الفلسفي و ضعفه أمام عظمة الظواهر الطبيعية المتنوعة التي لم يستطع تفسيرها علميا، و هذا لا يعني أن المجتمع الإغريقي خال من الدياناعت إلا أن بروز المفكرين و الفلاسفة الأوائل بهذه المجتمع و الإهتمام بالفكر العلمي مبكرا ساهم في محاولة التخلص من طابوهات الدين التي كان أرسطو أحد ضحاياها ، و مع بروز المسيحية كديانة سماوية ثانية بعد اليهودية و بناء الدولة الرومانية كدولة استعمارية أصبح للدين شأن آخر في حياة الدول ، حيث أصبحت الكنيسة مؤسسة ذات شأن سياسي في المجتمع تملك قوة التأثير المباشر على الإتجاهات السياسية في الدول ، و بلغ الشأن أوجه في الأنظمة الإستبدادية بأوربا بعد تحالف الإقطاع و الكنيسة في ظل أنظمة مطلقة للحكم الفردي للملك الذي يستغل الدين لبسط سيطرتة و استغلال خيرات الشعوب ، و أصبح الدين أداة أيديولوجية في يد الحكام الذين انتزعوا الدين من المجتمع و سخروه لتحقيق غاياتهم و بسط سيطرتهم و هيمة أيديولوجيتهم على المجتمع ، في هذه الظروف المأساوية التي وصل إليها الدين كمعطى مجتمعي ظهر الدين الإسلامي في الجزيرة العربية و كان هدفه الأساسي هو تحطيم تعدد الآلهة المتجسدة في تعدد الأصنام و توحيد الإلاه و نشر العدل ، و سرعان ما تحول إلى أداة أيديولوجية في أيدي الحكام لبسط سيطرتها على الشعوب خاصة في ظل الدولة الأموية و العباسية و العثمانية ، و بالتالي يتم من جديد نزع الدين من المجتمع من طرف الدولة لتوظيفه أيديولوجيا لأغراض سياسية من أجل مزيد من استغلال الإنسان و الطبيعة.
إن التفكير الديني قد رافق تطور حياة المجتمعات البشرية لكن أهميته في المجتمع أصبحت تتقلص بتطور التفكير العلمي الذي بدأ يستقل شيئا فشيئا في الفكر الفلسفي منذ القرن الثامن عشر ، و كان لظهور مفاهيم البرجوازية و انتصارها على مصالح الإقطاع في أوربا بعد الثورة البرجوازية أثر كبير في تحطيم تحالف الإقطاع و الكنيسة و الملكية و بناء دولة ديمقراطية برجوازية علمانية ، و هكذا تمت محاكمة العقل بأوربا و الدول العربية بالإحتكام إلى العلمانية كنمط الحكم أكثر فأكثر بالتخلص من الأحكام الميتافيزيقية و وضع القوانين الوضعية التي تراعي متطلبات المرحلة التاريخية ، و برز مفهوم العلمانية نسبة إلى العلم و العالم لأول مرة مع توقيع صلح وستفاليا عام 1648 الذي أنهى جحيم الحروب الدينية المندلعة في أوربا من أجل بناء الدولة القومية العلمانية ، و هكذا أصبحت الكنيسة مجردة من سلطانها على السياسة و بالتالي إبعاد الدين عن الدولة لفتح المجال ضد استغلال الدين لأهداف سياسية ، و تطور مدلول العلمانية ليتعدى فصل الدين عن الدولة و السياسة إلى فصل الدين عن جميع مناحي الحياة أو ما يسمى بهيمنة الدولة على الدين حيث تحكم الدولة في السياسة و الإقتصاد و الثقافة ، و كان لتطور الرأسمالية و بروز الفكر الإشتراكي أثر كبير في نشر مفهوم العلمانية كنمط التفكير و بناء الدولة ، و قد جوبه هذا الفكر بهجوم المتشبثين بالمنظور الديني للحياة خاصة بالدول العربية التي ما زالت تعيش في مرحلة ما قبل فصل الدين عن الدول كما هو الشأن بالنسبة للدول الغربية ، و قد تنامى هذا الهجوم من طرف الأنظمة العربية الرجعية التي تسعى إلى مزيد من استغلال الدين لبسط سيطرة الحكام على شعوبها ، و قد تم استغلال الصراع بين المنظومة الشرقية و الغربية خلال ما يسمى بالحرب الباردة من أجل توظيف الدين ضد حركات التحرر الوطنية ، كما أن قيام الدولة الصهيونية على أنقاض اليهودية ضد الديانتين المسيحية و الإسلام بالشرق الأوسط ساهم بشكل كبير في بروز الصراع بين الأديان و توظيف الدين أيديولوجيا من أجل أهداف سياسية و اقتصادية .
و قد تطور توظيف الدين أيديولوجيا في ظل العولمة الليبرالية المتوحشة مع بروز ما يسمى بالمحافظين الجدد بالبيت الأبيض و الدول الغربية ، و أصبحت المسيحية متألقة في الصراع بعد إقحامها من طرف بوش و أنصاره المحافظين الذين يوظفون الدين في كل خطبهم و طقوسهم السياسية و الدينية ، و كان لا بد من بروز عامل الدين في الصراع القائم اليوم على السلطة السياسية و الإقتصادية بعد اندحار عامل الأيديولوجية بشكل نسبي بعد انهيار المنتظم الشرقي ، و كان توظيف الدين الإسلام بارزا في الصراع خلال مرحلة الحرب الباردة الذي سخرته الإمبريالية ضد المد الإشتراكي في الدول العربية و الإسلامية و تعتبر أفغانستان مسرحا لهذا التوظيف ، كما وظفت الصهيونية الديانة اليهودية في الصراع بالشرق الأوسط لبسط السيطرة الإمبريالية على الخيرات الطبيعية بالمنطقة ، و كان لا بد من بروز الصراع السياسي و الإقتصادي اللذان يطفو على سطحهما الصراع الديني الذي يتخذ عدة أشكال ، فمن جهة يتم تأسيس منظمات ذات توجهات إسلامية تقاوم الغطرسة الإمبريالية و الصهيونية كما هو الشأن في أفغانستان و العراق و فلسطين و معظم الدول العربية ، و من جهة ثانية يتم إعلان الحرب على هذه المنظمات ذات التوجهات الإسلامية من طرف الإمبريالية و الصهيونية بدعوى الحرب على الإرهاب التي تنخرط فيه جميع الدول التابعة للهيمة الإمبريالية و الصهيونية ، و هكذا أصبح الدين مسخرا من جديد أيديولوجيا و سياسيا في الصراعات السياسية و الإقتصادية و العسكرية بعدما كان مبعدا عن الدولة و السياسية بعد نشأة الدولة العلمانية و انتزاعه من المجتمع و تسخيره من طرف الدولة.
إن أهمية العلمانية في حياة المجتمعات المعاصرة ملموسة خاصة بعدما وصل إليه الإنسان من تقدم تكنولوجي أصبحت معها المجتمعات متقاربة بشكل كبير ، و أصبحت معها حاجة المجتمعات إلى الدين فردية أكثر منها اجتماعية باعتبار الدين منظومة فكرية ميتافيزيقية بامتياز لا تملك وصفة خاصة بجميع أفراد المجتمع ، كما أن تعدد الأديان يفتح المجال أمام اختيار الفرد للمعتقد الذي يروق له وفق ما تنص عليه منظومة حقوق الإنسان باعتبارها قانونا دوليا متفقا عليه من طرف جميع الدول ، و يعتبر عامل الديمقراطية الذي لم يتحقق إلى يومنا هذا بشكل عام في جميع المجتمعات البشرية أمر ضروري لسيادة الفكر العلماني في ظل الدولة العلمانية ، التي يجب أن تسود فيها الحريات الفردية و الجماعية و التي يعتبر فيها المعتقد ملكا للفرد و ليس أداة في يد الدولة التي تعمل على تسخيره أيديولوجيا ، إن ما نشاهده اليوم من صراعات سياسية و اقتصادية و عسكرية التي تتزعمها الإمبريالية الأمريكية و الصهيونية العالمية و ردود الأفعال من طرف الشعوب المقهورة و التي يعتبر فيها الدين عاملا أساسيا ، لا يمكن تفسيره إلا بعدم قدرة المجتمعات البشرية على فرض سيطرتها على الدين الذي تم انتزاعه من طرف الدول التي تسيطر عليه من أجل بسط سيطرة السلطة السياسية الحاكمة و فرض الهيمنة الأيديولوجية للحكام ، و للخروج من هذا الصراعات المفتعلة لا بد من حوار المجتمعات البشرية على قاعدة فصل الدين عن الدولة و السياسة في أول الأمر و نشر حرية المعتقد بين أفرادها في مرحلة ثانية في أفق فصل الدين عن جميع مناحي الحياة بشكل شمولي ، إن تحقيق الدولة الديمقراطية العلمانية يتطلب أولا تحديد العدو الأساسي للبشرية و الذي يتجلى في الإمبريالية الأمريكية و الصهيونية العالمية ، و ثانيا تحديد آليات مقاومة السياسة الليبرالية المتوحشة التي لا يمكن البحث عنها خارج المنظومة الماركسية نقيض الرأسمالية و البرجوازية ، وثالثا عبر تفكيك التنظيمات السياسية ذات الأبعاد الدينية العنصرية و بناء التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين .
تارودانت في 29 يونيو 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوراق الجوافة..كيف تحضر مشروبًا مثاليًا لمحاربة السعال والته


.. دراسة: مكملات الميلاتونين قد تمنع الإصابة بحالة الضمور البقع




.. في اليوم الـ275.. مقتل 20 فلسطينيا بغارات على غزة| #الظهيرة


.. ترقب داخل فرنسا.. انطلاق الجولة الثانية للانتخابات التشريعية




.. اقتراح التهدئة.. تنازلات من حركة حماس وضغوط على بنيامين نتني