الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ماذا في حديث جميل بايك..؟
صالح بوزان
2020 / 8 / 14مواضيع وابحاث سياسية
استمعت إلى حديث السيد جميل بايك الأخير حول الاتفاقية الاقتصادية بين الادارة الذاتية والشركة الأمريكية وحول الحوار الكردي- الكردي.
ما قاله بايك في العموم صحيح. فجميع الثروات في أي وطن يعود لكافة الشعب وليس لجزء منه. كما أن دور عبد الله أوجلان الفكري والسياسي في كردستان سوريا لا يستطيع أحد انكاره. وربما كان ذلك هو السبب في الهجوم الشرس على حزب الاتحاد الديمقراطي من قبل أعداء الشعب الكردي السوري بما فيهم اتهام بعض الأطراف الكردية هذا الحزب بالإرهاب، لأنه متأثر بفكر عبد الله أوجلان.
ولكن لدي ملاحظتان على حديثه:
تتعلق الملاحظة الأولى بحق استخدام الثروة. فحسب بعض الاحصائيات يعيش في شمال شرقي سوريا خمسة ملايين من السوريين. تعرضت هذه المنطقة وسكانها للدمار والتشريد والنهب وحتى التجويع نتيجة الحرب الأهلية. يدرك السيد بايك أن سوريا بلد ممزق اليوم. فهناك مناطق تحت سيطرة الدولة السورية مع هيمنة روسيا وايران عليها، وتعقد الحكومة السورية اتفاقيات اقتصادية وعسكرية وأمنية مع هاتين الدولتين المنتدبتين عليها في هذه المنطقة. وهناك مناطق محتلة من قبل تركيا يجري فيها التتريك والتغيير الديمغرافي وترتبط بتركيا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً. وتوجد مناطق تحت سلطة جبهة النصرة التي هي الأخرى ترتبط بتركيا مثل المناطق السابقة. وأخير هناك مناطق تحت سلطة الادارة الذاتية. تتعامل الدول الكبرى والاقليمية مع سوريا على أساس هذا الواقع. وبالتالي لا جهة من الجهات الثلاث (تركيا مجرد محتل أجنبي) لديها الحق الادعاء بأنها تمثل كافة الشعب السوري، وأنها الجهة الوحيدة المخولة باستخدام ثروات هذه المناطق دون غيرها.
تريد الادارة الذاتية تلبية احتياجات سكان مناطقها وكافة متطلبات المعيشة والسلامة وتمويل قواتها المسلحة للدفاع عنها. ليس لديها مصدر للتمويل سوى البترول والحبوب. وعندما تستخدم هذه الموارد فهي لا تذهب لجهة غير سورية، وإنما تذهب لقسم من الشعب السوري الذي يخرج البترول من مناطقه وبحاجة إلى متطلبات الحياة الأساسية. ولعل السيد بايك يعلم أن عائلة الأسد، منذ سبعينيات القرن الماضي كانت تضع يدها على البترول من خلف ظهر الشعب السوري، وتضع قسماً من وارداته في أرصدتها خارج الوطن. وربما سمع بفضيحة باسل الأسد بعد وفاته والكشف عن رصيده في فرنسا.
سعت الادارة الذاتية تكراراً ومراراً الاتفاق مع الحكومة السورية على كل شيء، بما في ذلك على البترول والغاز والحبوب، بشرط الاعتراف بالإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية. لكن الحكومة السورية رفضت هذا المطلب، بل طلبت من قوات سوريا الديمقراطية حل نفسها وتسليم سلاحها للجيش السوري، وكذلك تسليم كل منطقة الادارة الذاتية للحكومة بدون مقابل. لو كان السيد بايك في قيادة الادارة الذاتية هل كان سيقبل طلب الحكومة السورية هذا؟ لا أعتقد ذلك. واستخرج هذا الـ"لا أعتقد ذلك" من حديث جميل بايك نفسه، عندما يتحدث ما جرى في روجافا بالثورة. فما مبررات هذه الثورة التي قدمت أحد عشر ألف شهيد لتحرير هذه المنطقة من الجهاديين وفي النهاية تسليمها للحكومة السورية بدون مقابل. هل هناك قوة ثورية في العالم تقوم بهذا العمل العبثي؟
ملاحظتي الثانية تتعلق بالسيد عبد الله أوجلان. لا شك ما أشار السيد بايك إلى دور عبد الله أوجلان في كردستان سوريا صحيح . لكنه يدرك أكثر من غيره أن عبد الله أوجلان لغاية خروجه من سوريا كان يدعو كرد سوريا لدعم حركة حزب العمال الكردستاني ضد الحكومة التركية. لم يرد في برامج حزب العمال الكردستاني ولا في كلمات عبد الله أوجلان وكتبه حتى ذلك التاريخ أي شيء تتعلق بحقوق الشعب الكردي في سوريا. ما أعرفه أن حزب العمال الكردستاني خلال دعوته لكرد سوريا لدعم ثورته ضد الحكومة التركية كان يحتاج إلى خلق نهضة قومية بين صفوف الشعب الكردي السوري. فبدون التوعية القومية لن يذهب الكردي السوري إلى كردستان تركيا للقتال ضد الحكومة التركية. لقد كان حزب العمال الكردستاني هو الحزب الكردي الوحيد الذي دخل إلى كل بيت كردي في كردستان سوريا وخاطب الشاب والعجوز والفتاة والمرأة من أجل التوعية القومية.
عندما قامت الثورة السورية عام 2011 كان الشعب الكردي السوري جاهز من حيث الوعي القومي لتقرير مصيره. واستطاع حزب الاتحاد الديمقراطي الفتي قيادة نضال هذا الشعب بجدارة، بعكس الأحزاب الكردية السورية الأخرى التي كانت تعيش في حالة الشيخوخة الفكرية والسياسية والتنظيمية. لا يمكن انكار أن الفضل في هذه الجاهزية يعود إلى عمل حزب العمال الكردستاني السابق في سوريا.
قدم عبد الله أوجلان العديد من الأفكار السياسية الاستراتيجية للقضية الكردية من سجنه، ومنها للقضية الكردية السورية. وتبنى حزب الاتحاد الديمقراطي العديد من هذه الأفكار. لا تستوجب هذه المسألة تقديم الشكر لعبد الله أوجلان وتقديسه على منوال الأحزاب الشيوعية التي فرضت تقديس ماركس وانجلز ولينين وستالين وماو تسي تونغ وكاسترو وكيم ايل سونغ على الشيوعيين. الشخصيات التي تنتج أفكاراً لها تأثير على مصير شعوبها والانسانية لا تحتاج إلى الشكر والتقديس، بل إلى تقييم تاريخي منصف. لو نطبق هذه العقلية على الأوروبيين، فعليهم عندئذ أن يشكروا ويقدسوا قياماً وقعوداً، جان جاك روسو وفولتير وديفيد هيوم وآدم سميث وباروخ سبينوزا، والقائمة طويلة. هؤلاء المفكرون أخرجوا البشرية من الظلمات إلى النور. وبتقديري أن أفضل تكريم لعبد الله أوجلان هو قراءة ما يكتبه والاستفادة منها في النضال الوطني والقومي، وترك التاريخ بالذات أن يقوم بتقييمه.
إذا كان ذكر اسم السيد مسعود البرزاني في بيان الاتفاق السياسي بين الطرفين الكرديين السوريين أثار حفيظة السيد بايك، فأعتقد أنه يعلم أكثر من غيره أن قادة المجلس الوطني الكردي هم أزلام السيد مسعود البرزاني، وهم لا يفقهون لا في الفكر ولا في السياسة، بل يعملون بإيعازاته. فبدون موافقة السيد مسعود البرزاني لا يتجرأ قادة المجلس الوطني الكردي التوقيع على أي وثيقة. بمعنى آخر المسألة تنحصر في الاتفاقية وليس في التأثير على يقظة الشعب الكردي السوري خلال عشرين السنة الأخيرة.
في الختام أريد القول أن كلام جميل بايك يدل على حقيقتين. الأولى أن قادة روجافا باتوا ينطلقون في كل خطوة يخطونها من مصلحة شعبهم وإدارتهم وقواتهم المسلحة، وأن العلاقة بين الأحزاب الكردستانية الشقيقة لها فسحة من الاستقلالية الوطنية. والحقيقة الثانية أن عبد الله أوجلان لم يعد قائداً للحزب العمال الكردستاني، وإنما هو مفكر سياسي كردي استراتيجي، تشمل آراءه كل الحركات الكردية في عموم كردستان بغض النظر إن كنت تتفق مع آرائه أو لا تتفق. وبالتالي ممكن لقادة الحركة الكردية في أي جزء من أجزاء كردستان الأربعة الاستفادة من أفكاره دون أن تصبح هذه الحركة جزءاً من حزب العمال الكردستاني.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. شراكة استراتيجية- بين فرنسا والسعودية.. لماذا الآن؟ | المسائ
.. من هي الأسماء التي يمكن أن تخلف ميشال بارنييه؟
.. هل تنجح واشنطن وتل أبيب في تحييد نفوذ إيران في الشرق الأوسط؟
.. مراسل الجزيرة: قوات المعارضة تحاول فرض طوق على مدينة حماة
.. مشاهد لزيارة قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني لقلعة ح