الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدينة الثورة والاشكال الأولية للدين-القسم الثاني

صوت الانتفاضة

2020 / 8 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


((ان التكرار الطقسي يعد من أكثر الاستراتيجيات الاجتماعية الفاعلة في تأسيس علاقات السلطة وتثبيتها)) جوديث بتلر.
الطقوس في مدينة الثورة فعل يكاد لا ينفصل عن الواقع اليومي، فهذه المدينة تعد الممثل الرئيس لسلطة الإسلام السياسي، ولا تستطيع اية مدينة أخرى ان تنافسها بهذا الشأن، فكل المؤهلات والخصائص موجودة فيها، كثافة سكانية عالية، اغلب سكانها ينحدرون من مدينة العمارة في جنوب العراق، مجتمع عشائري بامتياز، مفاهيم الطائفة والدين والعشيرة قائمة بشكل عال، وهي الغالبة، واقع السكان الاقتصادي والمعاشي يكاد يكون متساويا، طبقيا، فجمهورها ما بين عامل وطبقة وسطى، مستوى التعليم والثقافة رديء بشكل عام؛ هذه الخصائص جعلت قوى الإسلام السياسي تتصارع عليها بشكل مميت، فالسيطرة عليها تعادل بشكل من الاشكال السيطرة على بغداد كلها.
الميليشيات المسيطرة في مدينة الثورة تقدم كل التسهيلات، وتوفر جميع مستلزمات الأفعال الطقسية، ففي الأيام التي تسبق "أشهر الطقوس" خصوصا شهر "محرم"، تستنفر كل الطاقات وتذلل كل المعوقات امام احياء هذه المناسبة، تتعطل كل جوانب الحياة في المجتمع، وبالأخص الجانب التعليمي المتمثل بالمدارس، الحزن يخيم على الناس، الجميع يرتدي الملابس السوداء، والاعلام والرايات تعلق على كل البيوت، مشاهد اللطم وضرب "الزنجيل" و"القامات" و "تطبير" الرؤوس تراها في كل مكان، إقامة المشاهد التمثيلية لما جرى في العصر المقدس، فضلا عن مكبرات الصوت التي تٌشغل "النعي واللطميات" ليل نهار، الجميع يشترك في ممارسة هذه الطقوس، "نساء أطفال شباب كهول"؛ التجار وقيادات الميليشيات وأعضاء مجلس النواب عن هذه المدينة -20 نائبا في كل دورة لهذه المدينة، تخص تيار اسلامي مسيطر فقط- والسلطة ذاتها تدعم بشكل غير محدود ممارسة هذه الطقوس، فتجد مثلا إقامة مجالس العزاء بشكل مفرط، وبدعم مادي مفتوح، ستون يوما من إقامة الطقوس، بشكل هيستيري ومتكرر، ستون يوما من غياب شبه تام للوعي، ستون يوما من عبادة الالم، ستون يوما من تثبيت وترسيخ وإعادة انتاج سلطة الإسلام السياسي، وفي المقابل فأن هذه السلطة وميليشياتها مستمرة في دعم هذه الطقوس ومنذ سبعة عشر عاما.
يقول مرسيا الياد في احدى مؤلفاته ((ان الحياة التي يعيشها الانسان الغارق في المقدسات، هي ليست فعلية، وبالتالي ليست حقيقية، ولا تجعله انسان حقيقي، ان حقيقته تكمن في لحظة ممارسته للفعل الطقسي)) وفي مدينة الثورة الغارقة في القدسي، تجد الاستعداد النفسي حاضرا عند الجماهير، فهم في شوق لممارسة الطقوس، تجد تلك المرأة المسنة وقد افترشت الأرض، وبدأت بتوزيع الشاي وعمل "السياح"، وتجد أولئك الشباب منهمكين بنصب الخيم "المواكب" على قارعة الطريق، وهم يوزعون الماء والكيك وأنواع العصائر، او تلك الفتيات وهن يدورن على البيوت مع "ملايتهن"، او تنظر الى الأطفال وقد ارتدوا الثياب السوداء، وبيدهم "الزناجيل"، او ترى مشاهد "التطبير" الدموية والعنيفة، او ترى النساء وهن يحملن اطفالهن "الرضع" ويسيرن مشيا على الاقدام لمئات الكيلومترات، كل تلك الممارسات الطقسية المتعبة والمنهكة والعنيفة، التي تجري في مدينة الثورة، بسبب ان القوى المسيطرة فيها لا يمكن لها الاستمرار في السلطة بدون ان تكون جماهير هذه المدينة غارقة في المقدس، تستمر بتقييدهم "بالسلاسل المغطاة بالزهور الوهمية"، حتى لا ينتبهوا الى حياتهم وواقعهم البائس والمزري بكل شيء، وقد نجحوا في ذلك، فلا احتجاج او اعتراض على السلطة في مدينة الثورة، ولا حديث عن الخدمات او عن البطالة، او عن الواقع الصحي او التعليمي او الاكتظاظ السكاني، لكنهم يحتجون اذا ما تم نقد "السيد" مثلا.
لقد حولت الميليشيات المسيطرة في مدينة الثورة كل شيء الى طقوس، فبدون الطقوس لا سلطة، والعلاقة واضحة بين الطقس والسلطة.
يتبع لطفاً.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست