الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملالي في خانة المعارضة -سطور من تاريخ الثورة الاسلامية في ايران-

ربيع نعيم مهدي

2020 / 8 / 15
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ملاحظة: في البدء لا بد من التنبيه الى ان المقال ليس إلا جزء من سلسلة مقالات تهدف الى تسليط الضوء على تاريخ الثورة الايرانية، والتي تسير على نهجها القيادات الحالية لإيران.
(1)
في مقالات سابقة أشرت الى ان حقيقة الثورة الايرانية تتلخص في كونها مجموعة انقلابات أنتجت نظام شمولي يحكم بإسم المقدس، أطلق على دولته "الجمهورية الاسلامية في ايران"، في سابقة لم يشهدها تاريخ التشيّع الاثنا عشري، حيث يجلس الفقيه على قمة هرم السلطة، التي كثيراً ما وقف علماء الإمامية على مسافة منها، لأن المنظومة العقائدية تشدد على ان العدل لن يتحقق إلا بإمساك الامام المعصوم لمقاليد الحكم.
ان هذا المفهوم المتجذر في عقائد الشيعة الامامية أضاف الى لائحة المعارضين للخميني الكثير من الملالي، فالنظام الذي نشأ بعد الثورة فرض واقع جديد تجاوز حدود "الولاية المقيّدة للفقيه"، وأصبح لدينا صنفين من الفقهاء، أحدهما يحاول التمسك بمنظومته العقائدية متخذاً دور المقاوم للخطاب الراديكالي للسلطة، والآخر يدور في فُلك السلطة، واضعاً المعارضين له في خانة أعداء الثورة حتى وإن كانوا من أساتذة الخمينيّ أو تلامذته، وهذا ما أوجب على الطرفين الدخول في عدة مواجهات كان أولها عندما دعا الخميني إلى مشاركة الشعب الإيراني في استفتاء عام لتحديد هوية النظام الجديد في أواخر آذار 1979، حيث ادعى انصار الخميني ان أكثر من 99 % من المصوّتين قالوا نعم لقيام نظام الجمهورية الإسلامية، لكن هذا الادعاء يفقد مصداقيته اذا علمنا أن العديد من المراجع والفقهاء لم يشاركوا في الاستفتاء ورفضوا مشروع الخميني لإقامة جمهورية إسلامية في ايران.
(2)
ان وجود المعارضة السياسية لأي نظام حاكم وفي أي مكان تعد من الأمور الطبيعية في الحياة السياسية المعاصرة، لكننا اذا نظرنا الى طبيعة الصراع السياسي بين السلطة والمعارضة في ايران سنجد ان الواقع لا يتحمل وجود نقيضين في دائرة واحدة، فالمواجهة التي نتحدث عنها لا تقبل بالحلول الوسط، ونتائجها غالباً ما كانت تصب في صالح الممسك بالسلطة، وعند النظر الى قائمة المعارضين للنظام الحالي في ايران نجد ان عدداً من الملالي الذين شاركوا في صناعة الثورة الايرانية قد تحولوا في مواقفهم الى معارضين، إذ تعرض اغلبهم للتنكيل والاقصاء على يد اصحاب التيار المتشدد - المتمثل بالخميني وانصاره -، والذي استطاع ان يحوَّلَ حتى المدارس الدينية الى احدى أدوات النِّظام السياسيّ، وهنا نجد ان ما انتجته الثورة كان انقلابًا على المؤسسة الدينية قبل ان يكون ثورة ضد نظام الشاه.
لكن الملفت للنظر عند البحث في تاريخ ثورة 1979 ان دائرة المعارضين لولاية الفقيه لم تقتصر على الملالي في الداخل الايراني، بل شملت في نطاقها مجموعة من علماء الشيعة ومراجعهم، وتراوحت المواقف ما بين الرفض والاستنكار، منهم السيد أبو القاسم الخوئي ومحسن الحكيم ومحمد حسين فضل الله وغيرهم كثير، وما يهمنا في هذا المقال هم الملالي الذين عارضوا تنظيرات الخميني في الداخل الايراني، فالأمر لم يقف عند حدود التنافس على الاعلمية والزعامة الدينية بل اتخذ شكلاً من الصراع السياسي، والذي خلع على الممسك بمقاليد الحكم ثوب الغاصب للسلطة، وهذا ما تؤكده وصية الشيخ محمد طاهر الخاقاني لأقربائه بالابتعاد عن نظام ما يعد الثورة.
(3)
ان المقولة المشهورة " ان الثورة تقتل ابنائها" قد تكتسب المصداقية عند النظر الى تاريخ الثورة الايرانية، والقتل هنا له اشكال مختلفة تبدأ بالإقصاء وتنتهي بالتصفية الجسدية إن لزم الأمر، لكن الملالي من المعارضين غالباً ما سلموا من التصفية الجسدية، فالشيخ محمد طاهر الخاقاني تعرض للإقامة الجبرية في مدينة قم ومُنع من العودة الى مدينة المحمرة، التي كانت مركز نشاطه في صناعة ثورة 1979، حيث ساهم الخاقاني في تنظيم اضرابات عمال النفط من خلال تكفله بدفع معاشاتهم للضغط على نظام الشاه، بعد اصداره لفتوى تحرم العمل في المنشئات النفطية .
شخصية أخرى لها وزنها في المجتمع الديني الايراني كانت ضحية للثورة التي ساهمت فيها، بل انها انقذت قائدها في وقت سابق من أذى نظام الشاه، هذه الشخصية هي للمرجع محمد كاظم شريعتمداري، ففي احتجاجات 1963 تعرض الخميني للاعتقال وحينها لم يكن مجتهدا، فما كان من شريعتمداري إلا وجّه رسالة معتبرا فيها ان الخميني مجتهدا، ليتم تحريره من السجن.
ان هاتان الشخصيتان لهما نوع من التميز بين المعارضين من الملالي، حيث ان اساس الخلاف بين شريعتمداري والخاقاني من جهة والخميني من جهة أخرى يتمحور حول نقطة رئيسية وهي تتعلق بتولي رجال الدين للسلطة، حيث عارض شريعتمداري نظرية ولاية الفقيه وطالب بالعودة إلى دستور 1906م، الذي لا يعطي الفقهاء إلا دور الإشراف على عمل السلطات التشريعية والتنفيذية.
وفي المحصلة تعرض الخاقاني بعد احداث المجزرة التي جرت في مدينة المحمَّرة في أواخر أيار 1979 للإقامة الجبرية في مدينة قم حتى توفي عام 1986م، ومصيره لا يختلف عن مصير شريعتمداري الذي توفي في العام ذاته بعد ان فرضت عليه الاقامة الجبرية لأربعة أعوام تقريباً، تكللت باتهامه بالتدبير لاغتيال قادة الثورة والتخطيط للانقلاب عليها.
(4)
في الحقيقة نستطيع القول ان شريعتمداري كان يمتلك سياسة ذكية في التعامل مع الخميني، فهو لم يكتف بالاعتماد على موقعه في الوسط الحوزوي، بل عمل بحنكة سياسية لو استمرت لكان واقع ايران اليوم مختلف كثيراً، وهذا ما أدركه الخميني مبكراً، حيث استشعر خطورة تأسيس حزب "خلق مسلمان" في آذار 1979 بمباركة السيد شريعتمداري، وهذا ما تؤكده رواية محمد تقي الفلسفي‏، الذي لعب دور الوسيط بين شريعتمداري والخميني، حيث قال الأخير: "إنهم – أي الغرب - يريدون من الآن تمهيد الأرضية لحرب بين المسلمين، فيقولون: الحزب الجمهوري الإسلامي وحزب خلق مسلمان، إن هذه ضربة للثورة واهدار لدماء المسلمين، يريدون ضرب هذه الثورة والقضاء على هذا الانجاز واحلال شيء آخر محله يضمن لهم مصالحهم".
وفي هذا الكلام ادراك للسياسة الذكية التي كان يتبعها شريعتمداري في معارضته لولاية الفقيه، والتي حسم أمرها بفشل الوساطة وتطور الخلاف الى ما عرف بمحنة شريعتمداري والتي كتب عنها الكثير، وبإمكان القارئ الرجوع الى ما كتبه رضا الصدر عن تفاصيل المواجهة بين الخميني وشريعتمداري .
(5)
وهناك شخصيتان من الملالي كان من المؤمل ان يكون لهما دور في معارضة ولاية الفقيه، احدهما محمود طالقاني والذي وصِف بأنه "روح الثورة"، وهو عضو في المجلس الثوري بالرغم من ميوله اليسارية، إذ يذكر عنه رفضه لولاية الفقيه بشكل غير مباشر، لكن وفاته التي حدثت في ايلول 1979 عجلت من نهاية المواجهة بينه وبين الخميني، وهنا لا بد من الاشارة الى ان ما يُثار عن اغتياله يفتقر الى الاثبات، فالرجل توفي بعمر يقارب السبعين عاماً.
أما الشخصية الأخرى والتي ما ان تُذكر حتى تُثار العديد من علامات الاستفهام، انها شخصية موسى الصدر، والذي اذا نظرنا الى الأحداث التي رافقت اختفائه في ليبيا وعلاقة القذافي بالنظام الايراني بعد الثورة، سنجد ان اصابع الاتهام التي تشير الى تورط الملالي بحادثة اختفائه لها ما يؤيد صحتها.
(6)
ان قائمة المعارضين لولاية الفقيه من الملالي في ايران لا يمكن حصرها بعدد محدد من الاشخاص، فكما اشرنا في صدر المقال ان الكثير من الاسماء تدور في احد الفلكيّن، فهي إما تدور في فلك السلطة وحول نجم الولي الفقيه، وتمارس دورها المرسوم في المعارضة بمختلف مسمياتها، أو انها تدور في فلك مدرسة النائيني ومؤيديها ممن ذكروا فيما تقدم، وهم في الغالب تعرضوا للتهميش والاقامة الجبرية والاحالة للقضاء في بعض الاحيان.
وهنا تجدر الاشارة الى عدة أمور مهمة، أولها طبيعة الصراع الغير معلن بين الملالي حول مسألة الأعلمية والزعامة الدينية، وبالتالي الاستحواذ على اكبر عدد من المقلدين والمؤيدين، كما ان طبيعة التركيبة الاثنية والعرقية للمجتمع الايراني تفرض على الممسك بالسلطة ان يغض النظر عن مفاهيم الديموقراطية وان يتعامل بنوع من الشمولية للحفاظ على وحدة البلاد وسيطرة العنصر الفارسي على الاراضي التي في حال فقدانها ستنهار ايران اقتصادياً، حيث ان اغلب الموارد تقع في اراضي ذات اقليات عرقية خضعت للحكم الفارسي في بدايات القرن الماضي. (وهذا ما يكون محور المقال اللاحق).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كم هو جميل ان نعرف عن الثورة الايرانية .
سهيل منصور السائح ( 2020 / 8 / 16 - 05:41 )
اشكرك جزيل الشكر على هذه المعلومات القيمة التي كنا نجهلها ونحن في انتظار تبيان ما نجهله حول الجمهورية الاسلامية الايرانبية ومعارضيها والتي جليت الويلات عليها وعلى المؤيدين لها.

اخر الافلام

.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ




.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب


.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام




.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ