الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة السورية والحل التقني (بيان مشروع الحل التقني للأزمة السورية)

أنس نادر
(Anas Nader)

2020 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


الأزمة السورية والحل التقني
( بيان مشروع الحل التقني للأزمة السورية )

ما معنى أن يكون هناك ثمة حل تقني لواحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، ومفعمة بالأوجاع والأحزان والعذابات والانهيارات الأخلاقية بكل معانيها، فهل يصح التعامل بشكل آلي وتقني ومادي مع كل تلك الوجدانيات البائسة والعواطف الإنسانية المهشمة، أليس من الممكن أن تكون إرادة التغيير الحقيقية والخلاص من نفق مظلم أشد قتامة من دهاليزه المرعبة خلال الأعوام الفائتة دافعا لإيجاد آلية تحمل في طياتها نوع من الصلف المادي والعنجهية الفكرية في هزيمة المشاعر، وبنفس الوقت قدراً كبيراً من الصفح والغفران عن جلادينا.

مقدمة:
إن المقصود بالحل السياسي التقني في سوريا هو أن تستوي جميع الأطراف واقعياً على مبدأ الحياد المادي والمصلحي في رؤيتها للخلاص من الوضع الضبابي الحالي بغض النظر عن انتمائها وهواها السياسي فيما كانت مع السلطة او ضدها، ويتم ذلك برعاية فريق ثالث تقني التوجه ولا يدين بالولاء للنظام القائم ولا لمعارضته، ضمن مبدأ ورؤية تقنية لحل الأزمة، وهذا الإسقاط التقني هو منهج فكري تقني ومادي يستند على الحقائق والوقائع الموجودة على الأرض ويندرج على كل القضايا العقائدية السياسية بما فيها التحالفات الاقليمية للمعارضة او للنظام، وتوحيد الهدف المباشر بإتجاه المصلحة السورية المحررة من الايديولوجيات والتحالفات، فلا يوجد أي اعتبارات لأي نهج سياسي تبناه النظام القائم أو معارضيه كنظريات المؤامرة و الممانعة وتيارات المقاومة أو الشعارات الدينية والمطالبة بحسم عسكري خارجي واستجداء للقوى الخارجية للتدخل في الشأن الوطني، والنظر بروية وعمق للأسباب الإجتماعية والثقافية والتاريخية العميقة لتحولات الصراع، فلا يمكن الإستمرار بكتابة مستقبل جديد من تاريخ مرحلة انقضت وانصرمت بكل ما لها من حواضن بيئية سياسية وتاريخية أدت إلى إفرازها ونشوئها، وضمن عقلية أمنية اوعقائديات صُممت على مقاس منتصف القرن الماضي على شكل حركات تحررية رومنسية نتيحة تذوق طعم الحرية بعد أزمة تاريخ كامل لشعوب المنطقة منذ سقوط الدولة العباسية وانهيار حضارتها، فالمنطقة عمليا تحت سيطرة قوة غريبة تعاقبت في السيطرة على شعوب المنطقة وفرضت سيطرتها منذ ترهل العهد العباسي، من سلاجقة وزنكيين ومماليك أتراك وشركس وعثمانيين ثم أتت القوى الغربية بعد الحرب العالمية واستمرت حتى عام 1946 بالنسبة الى سورية، ومن ثم مخاض الحرية التي وِلدَت شعاراتها من رحم أوجاع تلك الفترة التاريخية وطبيعة الانكسارات والنكبات لشعوبها ودولها، ومنذ عام 1946 حتى عام 1970 أي ما يقارب 24 عام كانت سوريا للمرة الأولى تُحكَم من قبل مواطنيها، وتبع ذلك وصول الرئيس حافظ الاسد الذي استمر حكم عائلته ونظامه السياسي حتى هذه اللحظة عبر ابنه الرئيس الحالي بشار الأسد الذي عقبه في تولي السلطة، أي أن عائلة الأسد حكمت سوريا الى الآن لمدة خمسين عاما، أي ما يزيد عن ضعف تاريخ سوريا المستقل منذ أفول الدولة العباسية حتى الآن، وبالتالي الأزمة السورية ليست أزمة سلطة سياسية فقط، بل انها أزمة تاريخ وفقدان هوية ثقافية تاريخياً، وجمود فكري وعقائدي وسياسي بالمعنى المعاصر والحداثي، وحتى الطبيعة السياسية لسورية بعد الاستقلال اتسمت بالفوضى وبفوران قومي وعروبي ووطني حالم أدى إلى نفور من الدول الغربية ذات الطبيعة الرأسمالية والبراغماتية والتي تقاسمت حكم المنطقة وسلب خيراتها، وبالتالي كان البديل الإيديولوجي الطبيعي لشعوب المنطقة هو الفكر الإشتراكي الثوري الذي يتمثل بالمعسكر الإشتراكي المجابه للقوة الرأسمالية، وهذا ما أدى إلى استنساخ شخصية ستالين الصارمة والقيادية على معظم الدول العربية في سوريا وليبيا واليمن والعراق ومصر وغيرهم، وللأسف تبدت هذه الأزمات التراكمية في شعوب المنطقة في مرحلة صفرية زمنيا وحضاريا حيث لم يعد بالامكان التماشي مع الانفتاح الاقتصادي والسياسي للعالم، والاستمرار بهذا النهح الظلامي لحكومات استبدت بشعوبها كنتيجة لغياب حضاري وثقافي شبه كامل لشعوب المنطقة عن الانتاج المعرفي سوى التغني بأمجاد تاريخ منصرم استخدمته الحكومات الاستبدادية كموروث حقيقي وعقائدي للشعوب بإستثمار هذه العقائد كمسلَّمات ثابتة قُدسيّة وعِلوية لا يمكن المساس بها كالقضية الفلسطينية والمقاومة والممانعة والعداء التاريخي والديني لليهود وغيرها من المسلمات العقائدية والدينية لشعوب المنطقة، وبالتالي لا قضية تعلو هذه المسلمات ما أدى الى التغول بالاستبداد والجمود الفكري والسياسي.
وضمن هذه الرؤية لابد من تسطير تاريخ جديد للمنطقة ومن الافضل بكثير ان يَخط هذا التاريخ ابناؤه وليس المنتفعين السياسيين، ومن اجل ان يتم ذلك لا بد من التحرر من أوحال الماضي والانعتاق الفكري من كل القضايا والتيارات والاتجاهات والتحالفات، فإن الفكر التقني هو توجه وادراك للإزمات، والحلول العملية لما تعانيه المنطقة والشعوب، ولا بد من امتلاك الشجاعة اللازمة لمواجهة الحقيقة والاعتراف بالاخطاء والتحلي بالمسؤولية، فإن الفكر التقني السياسي للازمة لا يُعنى بحل الأزمة السياسية فقط بل يندرج على مرحلة تأسيس تُعلي من شأن المواطنة والهوية والمصلحة السورية الخالصة، وهذا لا يعني التخلي عن القضايا االمصيرية للمنطقة، ولكن لتحقيق القضايا العظيمة لا بد من الحصول على جيل واعي ومؤسَس وطنيا وثقافيا حتى يستطيع ان يكون قادرا على مواجهة الازمات والتقلبات الثقافية والحضارية والإقتصادية.
لذاك تنضوي خارطة الطريق للجنة التقنية على خطوات واضحة وعملية بعيدة عن المراوغة والمزاودة، كما يجب أن تتسم بالوضوح ضمن خارطة
طريق واضحة المبادئ والتوجه.

أولاً:
إن أهمية الرؤية التقنية للحل والحاجة الملحة في اللجوء الى المصلحة الوطنية السورية المَحضة تقنياً، هي القناعة بأن النظام السياسي الحالي والمعارضة السياسية والعسكرية كلاهما جسمين سياسيَين غير مؤهلين لقيادة الدولة السورية وذلك بعد تجربة أكثر من تسع سنوات من الحرب المروعة التي أدت الى فشل الدولة بشكل كامل وتشريد أهلها، واذا كان النظام السياسي ومعارضته يأنفا بأن يُحاسبا نفسَيهما فعلى الأقل التنحي جانبا وإعطاء الفرصة لدماء جديدة تضُخ الحياة في هذا البلد المنكوب، مع امكانية الإنفتاح على الجميع دون مزاودات وطنية، وتقبُّل الإمكانيات التقنية من أي جسم تابع للنظام السياسي القائم او معارضته. وبالتالي يتأتّى الخلاص من السجال والمزاودة السياسية والوطنية التي يُغالي بها الطرفان من ناحية، وتحفظ ماء الوجه كذريعة وسطيّة للانسحاب من مأزق الطرفين من ناحية أخرى، فالنظام الحالي غارق بأزمته الإقتصادية وبتبعيته السياسية التي مَزقت صفوفه، والمعارضة تائهة بدون وجود أو أي إعتراف من أي قوى سياسية او حتى شعبية.
ان كل ما حصل في هذا البلد من دمار وتشرد وتهجير لم يستطيع أن يغير كلمة واحدة من خطاب النظام الحاكم، كما أنه وبنفس الوقت لم تنتج المعارضة اي فكر حقيقي او طرح موضوعي للخروج من هذه المأساة أو حتى فكر سياسي يحمل هموم السوريين جميعا حتى هذه اللحظة، واكتفت بتحميل النظام كل المسؤولية والاستجداء بقوة الخارج لإزالته من جذوره مع عجزها الكامل عن إنتاج ثقافة بديلة او حتى طرح فكري او خارطة طريق توقف المأساة، وكانت كقوة ظل للجبروت القائم وشريكاً حقيقياً بالخيارات غير الوطنية التي أفرغت الدولة من مواطنيها واستقدمت بديل أجنبي له مطامع لا تنتهي، هذا إذا اعتبرنا ان هناك ثمة معارضة وليست سوى قوة ذات أجنندة خارجية على الأرض، وبعض المدنيين السياسيين الكارهين الذين أفرزتهم غالبا مخاوفهم من سقوط النظام، أما القوى الشابة الحقيقية المثقفة والواعية اللذين خرجوا عفوياً لتأسيس مستقبل سياسي جديد لهم، فقد قضوا نحبهم في السجون والمعتقلات والتهجير القصري او تحت قسوة ظروف الواقع القاهرة.
اننا لا ندَّعي أن هناك ثمة مشروعا مُنزَّه عن الخطايا والعثرات لهذه الرحلة القاتمة والمؤلمة، فإن ما حدث في سوريا هو طفرة قد تحصل مرة واحدة في تاريخ كل بلد، ولا احد يَعلو على المصير والقدر والواقع المرير البالغ التعقيد والأسى.
إن الحل التقني يعني انتقاء طرف ثالث من الشخصيات الوطنية سلوكياً وفكرياً كهيئة وطنية قادرة على أن تعلو على جراحها وتقدم حلول تقنية مترفعة عن المزاودات وتحمل على عاتقها التخلص من المزاودة الوطنية، والشد بإتجاه العمل الوطني والتقني بريئاً من ثقل ملمات التاريخ على كاهل الشعوب، وتحمل الفكر والرؤية التقنية بعيداً عن الشعارات والتحزبات والمرجعيات غير العملية والغير قابلة للتطبيق، وجلوس جميع الأطراف برعاية هيئة تقنية كطرف ثالث، وقبولهم الجلوس على طاولة واحدة دون شروط مسبقة تخدم النطام السياسي القائم أو أي من الجهات التي تعارضه، والأخذ بعين الإعتبار عميقا بأن كِلا الطرفين لا يمثلان الشعب السوري واقعياً، وإن جميع الإصطفافات هي تحشدات منفعية ووصولية غير معنية بالمصالح الوطنية، والسوريون داخليا وخارجيا هم فقط من يدفع فاتورة هذا الترهل الوطني.

ثانياً:
عدم النظر إلى شخصيات السلطة القائمة والمعارضة ورموزهما كأطراف قامت بتدمير البلد من أجل الصراع على السلطة، بل النظر اليها بعين عملية ومادية كتجربتين فاشلتين ولا بد من جسم سياسي بديل لهما، وبالتالي لا يحاسَب أي منهما محاسبة قانونية لفشل تجربته مقابل القبول بحل تقني وطني يرضي جميع الأطراف ويخدم المصلحة الوطنية السورية العامة.

( وعلى الرغم من القسوة التقنية في هذا البند والصلف المادي والفكري تجاه رهافة تضحيات من قضوا في هذه الحرب، إلا أن من أفضل السبل لتحقيق أحلام جميع من رحلوا خلال هذا النزاع الدموي هو الإنتقال في البلد إلى عهد سياسي جديد يحفظ ويحترم حقوق الجميع، وتتحقق فيه المواطنة والكرامة والعدالة والقانون، وهذا هو السبب الأساسي التي ضحّى الجميع بأرواحهم من أجل تحقيقه على مختلف معتقداتهم وتأويلاتهم للواقع والحقيقة، وتقنياً، أن تحقيق العدالة المثالية أمر غير قابل للتطبيق إسقاطا على التداعيات السياسية والتاريخية الآنفة الذكر أعلاه، ومرتكبوا الجرائم ليسوا سوى أداة عبَّرت عن ثقافة تسلطية وموروث قمعي لا مكان فية لرأي أو شريك آخر ضمن شرعية البقاء لمن يمتلك القوة في معركة وجود، ولا تَصُح ثقافة الانتقام او انتظار القصاص المثالي في مثل هكذا مخاص سياسي واجتماعي تراكمي كامن في التاريخ الثقافي والاجتماعي والسياسي والوجداني للشعوب في حين ان البلد تذوي وتترهل نحو الانهيار الكامل ولا تحتمل التوقف عند محاسبة الجُناة كفكرة في المثالية الميتافيزيقية العِلويّة الذي يشعر بها من بقي على قيد الحياة كحق مستعاد لمن رحل، كما أنه لا يمكن تقنياً أن يقبل أي طرف بحل سياسي يُفضي إلى محاسبته، وأنه مايزال هناك آلاف من نخبة الشباب والمثقفين والثوريين مغيبين قصرياً في غياهب السجون يستحقون محاولة حقيقية وجادة لإطلاقهم، والآلاف الآخرين مهددون بموجة نزوح وتهجير أخرى، ناهيك عن الفقر والمجاعة والقهر والتشرد والظروف المذلة لجميع السوريين في الداخل والخارج، وكل هذه العوامل في انتظار حل سياسي يقبل به الجميع ويسترجع البلد من الوصايات ويؤسس لمرحلة جديدة تحث الجميع على النظر عميقاً بما هو في الصالح الوطني لهذا البلد، وأنه بدون حل سياسي حقيقي البديل هو لا محاسبة ولا دولة ولا مواطنة ولاتحرير للمعتقلين ولا تحقيق لأي شيء سوى المزيد من اجترار الأحلام والمزاودات الفوقية سواء على من بقى أو رحل من هذه البلد) .

ثالثاً:

الإعلان عن بيان يتبنى التيار التقني والمتحرر من جميع الأجندات والتحالفات والإيديولوجيات العقائدية والسياسية والانتماء الكامل لحل وطني سوري عملي تقاني متحرر من آثام التاريخ وأزماته، ومن الشعارات والتحزبات المؤدلجة وطنياً، والشد بإتجاه الواقعية العملية للحل السياسي، والتأسيس لهيكلة دولة مدنية تقوم على أساس المواطنة ومتحررة من جميع الإثنيات والأعراق والطوائف والأخذ بالمنحى التقني المَحض بعيداً عن خطاب القوى السياسية المتصارعة على السلطة من نظام ومعارضة والحفاظ على مسافة واحدة من الجميع.

رابعاً:
انتقاء هيئة وطنية تقنية بجهود وطنية سورية ودعم دولي عربي من دول متضررة من الفوضى والأزمة السياسية السورية او الغير مستفيدة منها.

خامساً:
إن الهيئة التقنية تتكون من مجلس حكماء يُصادق على أن لا يكون جزءاً من مستقبل سوريا السياسي، بل لجنة تقنية تسعى لتشكيل صف سياسي تقاني غير تبعيّ ومن جميع الأطراف على أن يطغى على خطاب وفكر السلطة القائمة والجسم المعارض له، ويمكن أن يشغل أعضاؤها لاحقاً مناصب إدارية في الدولة وغير سياسية.

سادساً:
إن أهم أهداف اللجنة التقنية هو الخلوص إلى تشكيل مجلس عسكري تقاني يضم مختلف الطوائف والانتماء من الضباط الوسطيين والمعتدلين للحفاظ على مؤسسات الدولة وتنفيذ مخرجات الهيئة التقنية، والخلوص إلى مجلس مدني تقاني من كافة فئات الشعب يكون بمثابة حكومة مؤقتة تضم الكفاءات من جميع الأطياف.

سابعاً:
إن من أهم الثوابت التقنية والمادية التي تُسقط الهيئة التقنية ثوابتها عليه هي الهوية السورية وهي القادرة على إلغاء كافة الانتماءات العرقية والإثنية والطائفية دونها، والتركيز على المصلحة المباشرة لحامليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا