الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمارات العربية المتحدة.. فارس التطور والسلام

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2020 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


الإمارات العربية المتحدة .. فارس التطور والسلام
لم يكن اتفاق السلام والتعاون الذي عقدته دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة إسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 13 اغسطس من العام 2020، لم يكن غريبا أو صادما أو حتى غير متوقع. فمن يقرأ في السياسة، ومن يحلل الأمور في سياقها التاريخي، ومن يرى تغيرات العالم وتحالفات القادة وتبدل مراكز القوى، يدرك تماما أن العالم اليوم لن يكون كما كان في الأمس، وأن السياسة تخبرنا دائما بتغيراتها الجغرافية لما فيه مصلحة الاستقرار والسلام والتعايش والتوصل الي حلول دائمة مستقرة، بدلا من الحروب والصراعات والمشاكل التاريخية العالقة، وأن ونستون تشرشل كان صادقا جدا حين قال "في السياسة، ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة".
في هذا الإطار، قال الرئيس الامريكي دونالد ترامب عشية الاتفاق في بيان مشترك مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، انهم يأملون في أن "يؤدي هذا الاختراق التاريخي الي دفع عملية السلام في الشرق الأوسط". نعم ونحن نأمل معهم ذلك بالتأكيد، وهذا ليس انتقاصا من حقوق الشعب الفلسطيني، وليس ابتعادا عن الهوية العربية، وليس بالتأكيد ارتماءا في أحضان الغرب والإنصياع لأوامرهم بلا تخطيط. بل إن دعم جهود السلام، ومحاولة ايجاد رابط مشترك في الاقليم العربي، والتفرغ للبناء والتنمية والتطور، لن يتحقق الا إذا انتهينا من مسألة الصراع العربي الإسرائيلي بحفظ حقوق الشعبين، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها ولا التسويف بتأخيرها. من هنا، جاءت هذه الإتفاقية بإرادة حرة من الامارات العربية المتحدة، وبرغبة صادقة منها، كما عهدناها، في ايجاد الحلول العملية والواقعية لمشاكل العرب، وبرؤية ثاقبة وعقلانية للشيخ محمد بن زايد في استغلال الفرص وبناء الجسور وتغليب المصلحة السياسية الوطنية العربية على الشعارات المتهالكة واللطم العشوائي والتاريخ الزاخر بالمتاجرة بالقضية الفلسطينة. لقد استطاع محمد بن زايد، وبرؤية كاملة للإمارات العربية المتحدة، من وضع الدولة الإماراتية في مركز التأثير السياسي، وصنع القرار، وقيادة الأمة العربية الي صالحها السياسي والعلمي والثقافي والحضاري، بعد عقود طويلة من الهزائم والتخلف والانغلاق والكذب التاريخي.
يمثل اتفاق السلام الإماراتي الاسرائيلي، الثالث في المنطقة العربية بشكل رسمي، بعد أن وقعت مصر أول اتفاق ثنائي مع اسرائيل عام 1979، ثم مع الأردن عام 1944، ومع موريتانيا وقطر وسلطنة عمان والمغرب وتونس خلال تسعينيات القرن الماضي. ورغم أن علاقات اسرائيل مع الدول العربية والخليجية والاسلامية، ظلت تمارس بشكل سري وكما يقال من تحت الطاولة، إلا أن العلاقات الرسمية العلنية تبقي هي الإطار الصحيح للعمل السياسي المحترف، ويبقى قطار الاتفاقيات الباقية مجرد مسألة وقت لتحقيق السلام العادل والشامل والواقعي بين اسرائيل وبقية الدول العربية والخليجية والاسلامية لإنهاء القضية الفلسطينية بشكل عادل ودون مواربة أو لبس الأقنعة الكاذبة.
إن المكاسب التي تحققها مثل تلك الاتفاقيات، ليست قليلة أو هامشية أو مجرد حبر على ورق كما يدعي البعض، بل المكسب الحقيقي لمثل تلك الاتفاقيات، هو أن نعي جميعا أن السلام هو الطريق الصحيح والواقعي لتحقيق المكاسب مع دولة لم ترفع السلاح ضدنا، وأن الحروب العسكرية لن تكون أبدا الخيار المنطقي بعد أن امتلئت الأوطان العربية بأشلاء الجثث والضحايا والموتى والأطلال الخربة بأيادي عربية ومرجعيات اسلامية وصراعات أهلية عطلت التنمية العربية، وملئت بطون وقصور المتاجرين بفلسطين بملايين الدولارات والطائرات الخاصة والحسابات البنكية في دول الغرب وأوروبا. فما يريده هؤلاء الأدعياء، هو استمرار النحيب والبكاء على الأطلال، يريدون أن تبقى القضية الفلسطينية في حالة انسداد تاريخي مزمن حتى يمكنهم خداع المزيد من الاجيال الواعية وحصد الكثير من الأموال والسلطة والنفوذ. يريدون أن تبقى الشعوب العربية مغيبة عن الحقيقة، مغيبة عن أن الفلسطينيون يعيشون في مناطق 1948 أفضل مليون مرة من الفلسطينيين تحت ادارة حكم حماس وفتح وبقية الفصائل المتاجرة بالشعب الفلسطيني. يريدون أن نبقى متراجعين عاجزين وخائفين من مد أيدينا الي السلام والتعاون وبناء مجتمعاتنا الخليجية والعربية بأفضل المنجزات العلمية والتكنولوجية والطبية الاسرائيلية. يريدون أن تبقى الشعارات مرفوعة والاعلام محروقة بدلا من الاتفاقيات وحصد النتائج وتمثيل الواقع. فمن يرى الخطيئة في السلام والحب والتعايش وقبول الآخر المختلف، هو نفسه من يحمل عقلا أحاديا، وفكرا متعصبا، وهوية شمولية، وشخصية ازدواجية لا تزال تعيش النقص والأوهام، وتنسج من حولها الأساطير حتى تريد أن تقنع نفسها الهزيلة أولا، ثم الأخرين بأنها هي من تملك الحقيقة المطلقة وما عداها هو الباطل والكفر والخيانة والعمالة والتصهين وبيع القضية، الي آخر تلك المعادلات والمصطلحات التي تعبر عن افلاس فكري وضيق رؤية وكراهية لمن يطرح رأيا مختلفا.
لقد استطاعت الامارات العربية المتحدة اليوم، في ذكاء سياسي، أن تجعل الولايات المتحدة الامريكية الشرطي السياسي لإيقاف أي تهور سياسي تقدم عليه اسرائيل في مسألة ضم قطاعي غزة والضفة الغربية، ورغم اعتراف بنيامين نتنياهو بأن قرار الضم لا يزال ساريا، وأن ما حدث هو مجرد تأجيل، الا أن مثل تلك القرارات هي للإستهلاك المحلي وإرضاء اليمين المتطرف الاسرائيلي ومحاولة لكسب اصوات التشدد الديني اليهودي في أي انتخابات اسرائيلية مقبلة. بل باعتقادي سوف يكون قرار الضم أصعب أو سيواجه بالمزيد من العراقيل والتأجيلات بعد الاتفاق الثنائي مع الامارات العربية المتحدة.
وقال مستشار الرئيس ترامب جارولد كوشنر بعد الكشف عن الاتفاقية الثنائية "لا يمكنك حل المشكلات التي لم يتم حلها من خلال القيام بذلك بنفس الطريقة التي حاول بها الناس من قبل وفشلوا". وهنا أتفق معه تماما، بأننا اليوم، علينا أن نرى السياسة الدولية من منظور آخر، منظور غير تقليدي، منظور يختلف عن العاطفة الدينية والقومية والناصرية والبعثية والغوغائية وغيرها من الشعارات الفارغة التي يحملها الإخوان المسلمين وخلافة اردوغان، الذين استفادوا بمثل تلك الشعارات في تأبيد الاستبداد السياسي للأنظمة العربية، وترهيب الشعوب العربية من الحريات والحديث عن السياسة والديمقراطية وتداول السلطة والعلمانية، علينا أن ننظر الي المصلحة الوطنية أولا، أن نجد ونصنع التحالفات مع الدول الأقوى والمجتمعات المتقدمة، أن نقيس الايجابيات والسلبيات بدلا من أن نضع طاقية الخفاء حتى لا نرى الا أنفسنا، أن نرى المستقبل بعيون واضحة ورؤية متمكنة وإدارة عقلانية وتطلعات حضارية، تجعل من مجتمعاتنا دول تشارك غيرها من الأمم المتقدمة في رسم مسار التاريخ الجديد.
وبعد أن تنتهي جعجعة المرجفين، وداعمي الحروب والكراهية، لن يحدث على أرض الواقع الا شيئا واحدا، حيث سيلتقي في الأسابيع المقبلة، وفدان من اسرائيل والامارات لتوقيع اتفاقيات ثنائية تتعلق بالإستثمار والسياحة والرحلات المباشرة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة، بالإضافة الي العمل الجاد لإنشاء وقيام سفارات متبادلة.
في الحقيقة، لقد استطاعت دولة الامارات العربية المتحدة أن تستكمل دورها التكنولوجي والحضاري الريادي باتفاقية السلام والتعاون مع دولة اسرائيل. وبهذا تكون الأكثر قدرة على ايصال صوت العرب لأصحاب القرار في اسرائيل لدعم جهود السلام التاريخي، والتوصل الي اتفاقيات عادلة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني في صفقة القرن. فالسلام اليوم، وبعد الحروب والهزائم العسكرية العربية، هو لحظة تاريخية، تتجاوز تكلفة الحروب، لتخلق بيئة مستقرة مستدامة، فالسلام لا يقدر عليه ولا يصنعه الا الأبطال، وهكذا فعلت وقامت بدورها الإمارات العربية المتحدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تنويه
محمد علي ( 2020 / 8 / 18 - 07:34 )
الاردن وقعت اتفاقية السلام مع اسرائيل عام 1994 و ليس 1944 فارجو التعديل . و شكرا

اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال