الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
لنتحاور بعيداً عن المقدسات
صالح بوزان
2020 / 8 / 16مواضيع وابحاث سياسية
كتب الأستاذ حيدر عمر تعليقاً على ما كتبته حول إيقاف الادارة الذاتية تنفيذ قرارها المتعلق بأملاك المغتربين. ووجدت في التعليق مناسبة لتوضيح بعض الأمور.
في البداية أريد القول إذا لم نتحاور بعيداً عن المقدسات السياسية والدينية سيكون حوارنا مجرد زيف وترفيه المتسكعين على هامش قضية الشعب والوطن. وأؤكد على ما قاله الأستاذ حيدر أننا نختلف في العديد من القضايا الفكرية والسياسية، ومع ذلك أرتاح للحوار معه لسبب رئيسي، وهو أنه يعبر عن قناعاته باستقلالية. وبالتالي فإن الحوار معه يدفعني إلى التعمق فيما يكتبه وما أكتبه.
يورد الأستاذ حيدر في تعليقه، من باب تأنيبي، وبكل تهذيب، ما في معناه لماذا لم أكتب شيئاً حول القانون الاشكالي الذي أحدث ضجة على صفحات الفيسبوك، فيقول:" القانون المثير للجدل لا تتطلب الرؤية العينية على الارض، بل قراءته بدقة و روية كافية لان يكوّن المرء فكرة كاملة عنه". يشير بهذا الكلام إلى تعقيب لي على تعليق سابق له، أنني لا أفهم بالقانون ولست موجوداً في الوطن حتى أعرف حيثيات مشكلة هذا القانون وأكتب عنه.
أكرر هنا أيضاً ما قلته سابقاً. فمن ناحية لم أستطع الحصول على النص الكامل للقانون، فما نُشر هو مجرد مقدمة وبندين من القانون، هذا ما قرأته على الفيسبوك. وأعتقد أن الأستاذ حيدر بالذات أدرك ما أدركته، فطلب من أصدقائه أن يرسل له أحدهم النص الكامل للقانون.
لدي مبدأ التزم به، وهو ما لا أفهمه لا أكتب عنه. ففي الفكر والفلسفة والسياسة يستطيع أي انسان أن يقول رأيه مهما كان مستوى تعليمه. لكن التطفل لمناقشة المسائل القانونية والرياضيات والفيزياء يتطلب المعرفة بهذه العلوم.
لاحظت أن العديد من كتابات الكرد حول هذا القانون لها خلفيات لا علاقة لها بالموضوع، وإنما لتسعير الصراعات السياسية، ومجرد تثبيت موقف. والصراع السياسي الكردي مازال يشبه صراع القبائل والعشائر الكردية. وللأسف يخضع لهذا النمط من الصراع حتى بعض الكتاب الكرد.
أقرأ للعديد من الكرد على صفحات الفيسبوك، يكتبون حول مسألة الفساد في الادارة الذاتية. وعندما أدخل على صفحاتهم أكتشف أن أغلبهم يعيشون في المهجر. أتساءل كيف عرف هؤلاء حقيقة الفساد في الادارة الذاتية وهم بعيدون عن الوطن؟ هل اكتشفوا أن أحد قادة الادارة الذاتية فتح له رصيداً في البنوك الأوروبية؟ هل سمع أن مظلوم عبدي اشترى له بيتاً في إحدى العواصم الأوروبية بملايين الدولارات؟ أعتقد ما يكتبه هؤلاء مجرد مرض مهجري. أما من يكتب في الوطن عن الفساد فإن رأيه يستحق التقدير والوقوف احتراماً له. ومع ذلك لدي استنتاج شخصي أن ثمة فساد موجود في الادارة الذاتية. استنتاجي هذا يستند على عامل واحد فقط، وهو أن أضعف جانب في الادارة الذاتية على ما أعتقد هو الجانب القانوني. وضعف القانون يفتح حكماً المجال للفساد.
ما يهمني في الادارة الذاتية هو الجانب الاستراتيجي. فأغلب ما أكتبه في القضية الكردية له علاقة بهذا الجانب سواء على صعيد القضية الكردية في السوري أو على صعيد عموم كردستان. عندما أنتقد قادة المجلس الوطني الكردي لا يعني ذلك أبداً أنني أقف إلى جانب حزب الاتحاد الديمقراطي. بل أنطلق من قناعة راسخة أن من المستحيل للقضية الكردية السورية أن تحقق أي مكسب من خلال التحالف مع الحكومة التركية أو مع الائتلاف السوري المعارض. ولعل انتقادي لحكومة اقليم كردستان العراق مبني أيضاً على هذه القناعة. فهناك وهم لدى قيادة الاقليم أنهم بإرضاء الحكومة التركية يستطيعون أن يحققوا ما يريدون. ولكن ما هي النتيجة حتى الآن؟ أليس اقليم كردستان العراق اليوم شبه مستعمرة تركية اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً وسياسياً، وبرضى قادة الاقليم؟
لا "تتنرفزوا".. فالحقيقة مرة.
يقول الأستاذ حيدر: " انا لست ضد وجود ادارة كردية تدير شؤون الكرد، بالعكس هذا بعض ما ناضلت في سبيله على مدى أكثر من اربعين عاماً سواء سياسياً او أدبياً و فكرياً". أحترم نضاله، ولا سيما أنه لا يتاجر بنضاله مثل بعض الكتاب الكرد. ولكن.. ألا نفهم من هذا الكلام وكأنه يضع وجود الادارة الذاتية وعدم وجودها في كفتي الميزان؟ لماذا لم يقل أن الادارة الذاتية انجاز مهم، ولكن يجب أن تتحرر من أخطائها ومطباتها لكي يساندها الشعب قلباً وقالباً؟
أريد القول بهذا الصدد، أن لا أحداً يستطيع أن يجلب للشعب الكردي إدارات مثالية. فما نصيغه فكرياً لا يعني أبداً أننا نستطيع تحقيقه كاملة على أرض الواقع. وقد وقع في هذا الخطأ جميع الأحزاب الثورية في العالم تقريباً. ولتأكيد هذه الحقيقة، أذكر هنا أن المشروع الذي وضعه الحزب الشيوعي البلشفي قبل ثورة اكتوبر، تبدد بعد نجاح الثورة، عندما قامت الحرب الأهلية. مع العلم أن الذين أعدوا المشروع وقاموا بالثورة كانوا من أكبر مفكري عصرهم.
إن الذين أسسوا الادارة الذاتية في روجافا ليسوا من كوكب آخر. إنهم من مجتمعنا الكردي السوري. وأستطيع توصيف هذا المجتمع بأنه مجتمع فلاحي وعشائري وما زال متخلفاً فكرياً وسياسياً واجتماعياً. وبالتالي من المستحيل ألا تقع هذه الادارة في الأخطاء والمطبات. لكن المهم أن تصمد وتصحح أخطاءها.
هناك فرق بين الأخطاء التي تحدث لغايات ضيقة والأخطاء التي تنتج عن عدم الاختصاص والخبرة والمعرفة. عندما بدأ حزب الاتحاد الديمقراطي بتشكيل هذه الادارة، كان يحمل عقلية الحزب الأوحد، وأن لا حقيقة خارجه. ولو يعود القارئ إلى كتاباتي منذ عام 2012 ولغاية معركة كوباني عام 2014 سيجد انتقاداتي اللاذعة لقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي ولقيادة الادارة الذاتية. كان لدى قادة هذا الحزب حينئذ مسعى واحد، وهو السيطرة على الشعب الكردي في سوريا وتوجيهه حسب رؤيته. وهذا كان وراء تأسيس المجلس الوطني الكردي أيضاً.
خضع قادة الادارة الذاتية لامتحان كبير في مواجهة الأخطار المصيرية، ودخلوا في معارك تطلبت تضحيات كبيرة خلال ست سنوات متواصلة. كل ذلك جعلهم ينزلون من برجهم العاجي ويقتربون من الواقع بهدف حماية الشعب والتراب. لقد علمتهم المعارك القاسية أن هناك فرق بين أن تجبر الشعب يسير وراءك وبين أن يساندك الشعب ذاتياً لقناعته أنك تضحي من أجله، وتسعى بكل امكانياتك لتحقيق حقوقه.
عندما نجدهم اليوم يعترفون ببعض أخطائهم ويقدمون الاعتذار للشعب ويتراجعون عن بعض قراراتهم التي لا يقبلها الشعب، فهذا مؤشر واضح على تغير ملموس في تفكيرهم وممارساتهم.
بالنسبة لي أساند هذا التحول، وأعتبره خطوة هامة نحو الالتصاق بالشعب واحترام انتقاداته وقبول الرأي الأخر. من كان يتوقع أن حزب الاتحاد الديمقراطي الذي كان يقول " أنا ولا أحد غيري" أن يدعو اليوم إلى التفاهم والشراكة مع المجلس الوطني الكردي ومع كافة الأحزاب الكردية السورية؟ كلنا يعلم أن قادة المجلس الوطني الكردي صفقوا في التلفزيونات للمحتل التركي وتكلموا باسم الحكومة التركية ومرتزقتها عندما قالوا: "سنحتل عفرين غصباً عنكم". بل استهزأوا بالمقاتلات والمقالين الكرد الذين قاوموا المحتل ببطولة نادرة واستشهدوا على ذرى جبال عفرين. ولم تتحرك فيهم نقطة دم كردية أمام جسد بارين كوباني.
بعض الساسة والكتاب الكرد الذين يريدون نسف المفاوضات فسروا دعوة قائد قوات سوريا الديمقراطي للتفاهم الكردي- الكردي بأنه يستنجد بالمجلس الوطني الكردي لإنقاذ الادارة الذاتية من "الورطة" التي وقعت فيها.
لا.. أيها السادة..!
المسألة ليست هكذا أبداً. فالمجلس الوطني الكردي لا يستطيع انقاذ شجرة زيتون من القطع في عفرين. المسألة تكمن في إدراك قائد قوات سوريا الديمقراطية وقادة الادارة الذاتية أن أعداء القضية الكردية، بدءاً من النظام السوري والائتلاف السوري المعارض والحكومة التركية وانتهاء بالروس والايرانيين، يسعون بشكل حثيث لاستخدام المجلس الوطني الكردي اقليمياً ودولياً كحصان طروادة لنسف ما حققه الكرد في سوريا. من هنا تأتي أهمية هذه الخطوة لإفشال مخطط الأعداء واسترداد حصان طروادة لصالح قضية الشعب الكردي السوري. وإذا نجح الحوار الكردي-الكردي، فسيكون خطوة هامة في تاريخ الحركة الكردية في عموم كردستان، ودلالة على تحرر الساسة الكرد من العقلية الكردية الكلاسيكية التي تأسست على النزاعات البينية منذ عقود.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. التعداد العام للسكان في العراق.. نتائج وأرقام مهمة! • فرانس
.. الحرب في أوكرانيا: مُسيّرات تُسقط أجهزة إرسال على أهداف نهار
.. كيف سيطرت قوات المعارضة السورية على حلب؟ شاهد ما كشفته مقاطع
.. كيف أصبحت الكفيفة سارة منقارة صوتا عالميا لذوي الهمم؟
.. إيران تعيد صديق قاسم سليماني إلى سوريا لمواجهة هجوم الشمال