الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة القوة الناعمة والخشنة لمصر في لبنان والسودان

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2020 / 8 / 17
السياسة والعلاقات الدولية


تمر مصر والدول العربية الآن بلحظة ظرفية حضارية حرجة ومفصلية للغاية، تتطلب منا ان نكون على قدر المسئولية بتطوير الخطاب سريعا بما يواكب قدر التحديات المطروحة على عاتق الذات العربية، من هذا المنطلق سأوجه نقدا مصحوبا بطرح بديل واضح (في حد أدنى وحد أقصى) بغرض ضبط السياسات الخارجية المصرية، وتعظيم قيمتها المضافة للصالح المصري والعربي عموما، تحديدا في شكل الحضور المصري الخارجي في الملف اللبناني بعد تفجير بيروت، وفي الحضور في الملف السوداني بعد الفيضانات وانهيار أحد السدود هناك، وأيضا بعد تجميد الطرفين المصري والسوداني حضورهما في مفاوضات سد النهضة.

إشادة في البداية بالحضور الصلب/ الخشن
في البداية يجب الإشادة أولا بسرعة الاستجابة والحضور المصري السريع في المشهد اللبناني بعد تفجير بيروت، حيث كانت مصر من أوائل الدول التي أرسلت المساعدات اللازمة عبر الجو، وألحقتها بجسر جوي يحمل الإمدادات الطبية والغذائية، مع تصريحات تؤكد على الدعم غير المحدود للبنان وشعبه.
كذلك في الملف السوداني أيضا بادرت مصر بإرسال وفد رفيع على رأسه رئيس الوزراء وعدة وزراء آخرين، للبلد الشقيق، مع مساعدات عاجلة تخص المتضررين من السيول وانهيار السد، ووعد بتعاون طبي وربط كهربائي والعديد من المشروعات المشتركة.

قياس رد الفعل
ما بين الصمت اللبناني أو السلبية السودانية
لكن من زاوية أخرى ومعايير قياس الأداء في السياسات الخارجية، إذا نظرنا لرد الفعل اللبناني تجاه المبادرة المصرية خاصة على المستوى الشعبي، سنجد صمتا كثيفا في مقابل حضور الحوار الشعبي النشط حول الأدوار الأخرى الغربية والشرقية، بما فيها الدور الفرنسي والإيراني و"الإسرائيلي" والخليجي والأمريكي، والحقيقة أن الذي يدير ملفات السياسة الخارجية المصرية عليه أن يدرس الأمر من هذه الوجهة، أي بالمقارنة مع باقي المشاركين والفاعلين في الملف، وما قدموه من مساعدات فعلية صلبة أو خشنة متنوعة، أو ما طرحوه من مبادرات سياسية أو ناعمة لتصور المشكلة اللبنانية تاريخيا أو تصور السبيل لحلها مستقبلا.
بالمثل عند تحليل رد الفعل السوداني تجاه المساعدات المصرية الصلبة أو الخشنة أو الملموسة، سنجد أن رد الفعل السوداني على المستوى الشعبي تجاوز فكرة الصمت في الملف اللبناني وعدم الحديث عن مساعدات مصر الصلبة أو تصورها السياسي أو الناعم الغائب، إنما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي اتخاذ البعض موقفا سلبيا من الحضور المصري في شكله الصلب أو المساعدات المقدمة، وفي موضوع الربط الكهربائي تحديدا، وأعاد البعض الحديث عن الربط بين مصر وبين السياسات الخليجية الإماراتية والسعودية، وموقفها الرافض لحركة الثورات العربية الجديدة في السودان وغيره من الدول العربية.

أولوية حضور القوة الناعمة قبل القوة الخشنة
ولو وفق الحد الأدنى
حقيقة ما كان ينقص الحضور المصري في الملفين هو الخطاب الناعم أو الخطاب السياسي القادر على اكتساب المكانة الجاذبة في البلدين وعند الشعبين، ولو بالحد الأدني..
أقصد بالحد الأدني، مثلا أن يتم تعيين مبعوث خاص للرئيس المصري في لبنان، ويبدأ بإعلان تفهمه للمطالب الشعبية الواسعة التي تطمح في التغيير، مع مطالبة جميع القوى السياسية اللبنانية بالعمل وفق حد أدنى يلبي الطموح الشعبي.
وفي الملف السوداني قد يكون الذي افتقده الوفد المصري هو فكرة الخطاب السياسي الناعم بحده الأدني، الذي يقوم على إعلان واضح بتفهم رغبات الشعب السوداني وثورته الكريمة، وحقه في التغيير ومطالبة القوى التقليدية في المجتمع بالعمل للاستجابة للمطالب الشعبية.

طموح الحد الأقصى للقوة الناعمة المصرية
تطوير سردية كبري ومشروع جديد يحتوي الشتات العربي
أما الحد الأقصى والذي سيكون هو الطموح المصري في إدارة ملفاته بالسياسة الخارجية، فسيعتمد على تطوير مصر لخطاب ناعم جاذب للطموح العربي الثوري الجديد، وقادر على احتوائه وتقديم المدد له، يقوم على تصور مصري جديد لشكل الإدارة السياسية في الدول العربية في عصر الحلم الثوري.. وهو حقيقية ما كان ينقص الحضور المصري في الملف السوداني واللبناني، وأيضا الملف الليبي (رغم محاولة إعلان القاهرة تحقيق حد أدنى من الحضور الناعم الجاذب للجميع).
وفق هذا التصور للحد الأقصى ستكون مصر في حاجة لتطوير خطاب ناعم جاذب، يطوي المسافة بين طموح الثورات العربية وبين أنطمة "دولة ما بعد الاستقلال" عن الاحتلال الأجنبي في القرن الماضي بمركزها العسكري الذي ساهم في التحرر في معظم الدول العربية، إذا طورت مصر مثل هذا الخطاب الناعم (وسعت لتطبيقه داخليا أيضا) سيمكنها أن تدعم وتعظم حضورها الصلب، وتعيد الأمل والروح للدول العربية، وسط تحديات واستقطابات حضارية إقليمية ودولية متعددة ومتداخلة.

نحو سردية كبرى
ومشروع مصري للقوة الناعمة الجاذبة
مصر في حاجة لمشروع حضاري جديد يصنع الجسر بين الواقع والحلم، بين الثورة و"دولة ما بعد الاستقلال"، أو كما يسميه البعض سردية كبرى جديدة، دون هذه السردية الكبرى الجديدة سيكون الحضور المصري في معظم الملفات الخارجية دون فاعلية يمكن البناء عليها، الوجود الصلب القائم على تدفقات نقدية ومساعدات عينية أو اقتصادية أو نوعية أو حتى عسكرية، دون حضور ناعم لخطاب سياسي يجذب الآخرين له طواعية ومن تلقاء أنفسهم، لن يكون له جدوى ولنراجع الملفات والحضور المصري حتى الان في الملف الليبي والسوداني واللبناني، وأيضا في ملف سد النهضة بمواجهة الأثيوبيين على المستوى الأفريقي والدولي ولكن لذلك حديث آخر.
على الإدارة السياسية المصرية الحالية أن تطور خطابا ناعما يبدأ بالحد الأدني، وهو إبداء التفهم لكافة المطالب الشعبية في علاقتها بالأبنية القديمة لـ"دولة ما بعد الاستقلال" عن الاحتلال، بتمثلاتها وتناقضاتها المتعددة في الوطن العربي.
ثم يكون الطموح القوي الذي يتطلب تجردا عن الذات وإرادة حديدية من الإدارة السياسية الحالية، هو الحد الأقصى لمشروع القوة الناعمة المصرية، الذي سيقوم على سردية جديدة تتصالح مع مطالب الثورات العربية الجديدة، وتقدم النموذج في تجاوز أبنية "دولة ما بعد الاستقلال"، بما يطرح السردية الكبرى المصرية الجديدة كنموذج حضاري للقوة الناعمة ينافس التمدد التركي والإيراني والصهيوني والهيمنة الأمريكية.

خاتمة: لا سياسات خارجية صلبة دون سياسات ناعمة
لكن هي حقيقة موجعة بكل تأكيد، أنه دون أن تعي الإدارة السياسية الحالية للبلاد بأهمية حضور وأسبقية الخطاب الناعم للوجود الخشن (سواء بالحد الأدنى أو الحد الأقصى)، فسوف تظل مصر تتخبط في الملفات الإقليمية والدولية على السواء مهما دفعت بتدفقات صلبة أو خشنة نوعية متنوعة، وسيتآكل وجودها لصالح تمدد الخطابات الناعمة الأخري ومشاريعها تجاه الذات العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو