الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا واليهود

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2020 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


في بداية تسعينات القرن الماضي كنت من بين الذين يتحلقون حول نجيب محفوظ في مساءات مواسم الصيف يومياً في حديقة فندق سان استيفانو الأمامية المطلة على البحر.
فوجئت ذات مساء ونحن نتبادل النقاشات المهمومة بالوطن وبالإنسان، مع الأديب والإنسان والأب الجميل،
بقدوم مجموعة أشخاص رحب بهم الأستاذ وجلسوا بيننا.
كانوا إسرائيليين، جاءوا من القاهرة لزيارة الإسكندرية،
لحضور احتفال عملية تبديل رئيس المركز العلمي الثقافي الإسرائيلي بالقاهرة.
والذي قالوا أنه سيكون الليلة في مطعم "سي جل" الشهير بالمكس.
يصعب على وصف حالتي النفسية بدقة في هذه الأثناء.
كنت فكرياً ونظرياً بريئاً تماماً من الميراث الناصري وكراهية اليهود والإسرائيليين.
لكن ليس الفكر النظري هو كل مافي الأمر.
كان لم يسبق لي أن رأيت واحداً من تلك الكائنات التي تصورناها عدوة وشيطانية.
لا أعرف إن كان قد ظهر على ملامح وجهي حينها حالة الاحتقان في سيكيولوجيتي.
جلست صامتاً أرقب كلامهم وابتساماتهم الودية التي يوزعونها على الجميع،
محتاراً فيما يموج داخلي من اضطراب ورهبة.
كانت الكائنات الغريبة هذه ترتدي ملابس مثل ملابسنا،
وتتحدث كما نتحدث نحن.
بعضهم يتحدث عربية سليمة تماماً،
والبعض يتحدث عربي مكسر، والبعض بالإنجليزية.
لم أنتبه لما كان يقال وقتها، وإن كان مجرد تبادل عبارات ودية.
كانت الشمس قد غرقت تماماً أمامنا في أقصى صينية البحر الفضية،
حين نهضت الكائنات الزائرة،
مع دعوة حارة لمن يريد مصاحبتهم إلى الاحتفال في "سي جل".
اعتذر الأستاذ نجيب عن الذهاب. ونهض البعض منا ليذهب معهم.
لفت انتباهي وأدهشني لحظتها مواقفة سيدتين قاهريتين على الذهاب معهم. وقد كانتا مواطنتين عاديتين لا تحسبان من المثقفين، وكانتا قد جاءتا لرؤية نجيب محفوظ ونوال شرف الجلوس معه.
ربما موقف هاتين السيدتين هو الذي أحرجني أمام نفسي،
أنا صاحب أفكار الإنسانية والسلام، الذي يقف متردداً مأخوذاً من الرهبة، وكأنه أمام كائنات فضائية جاءت من كوكب زحل.
ساحة الاحتفال في "سي جل" الذي لم يسبق لي دخوله كانت رائعة.
وكانت حالة الرهبة والاحتقان في رأسي مازالت كما هي.
انتظمنا على موائد مصريين وإسرائيليين.
هي مصادفة وحسن حظ معاً.
أن أجد في مواجهتي مباشرة زوجة رئيس المركز الثقافي الجديد.
كانت قريبة الشبه جداً من عمتي وكأنها أختها.
امرأة سمينة تميل بشرتها للبياض،
الفستان الذي ترتديه كأنها قد استعارته قبل الحفل من دولاب ملابس عمتي.
وتتحدث وتشير بيديها أثناء الحديث بعفوية وتلقائية تفيض بالطيبة الفطرية.
ها هي توأم عمتي تجلس أمامي،
تأكل معي جمبري وبربون حجر، بأحجام لم يسبق لنا أنا وعمتي أن رأيناها.
مع الموسيقى والمغنية الإسرائيلية التي أحيت الليلة، ومع وجه توأم عمتي وحديثها الطيب الودود،
هدأت نفسي.
وتضاءلت الرهبة من تلك الكائنات التي هبطت علينا في سان استيفانو،
إلى مستوى يقترب من الصفر،
وإن لم يصل إليه تماماً.
وإن كنت أرجو أن تزول تلك الرهبة يوماً إلى درجة الصفر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عميل.....!!!؟
عدلي جندي ( 2020 / 8 / 17 - 17:39 )
ثقافتنا البائسة
دمت بخير وسلام

اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل