الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة السورية والعولمة (السلم المنهار)

عدي مروان ورده

2020 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


الثورة السورية والعولمة
السلم المنهار
جوهرية عصر العولمة تتمثل في انكسار تراتبية القوة في السلم الاجتماعي وفي السلطة أيضاً, حيث يمكن لشخص في قرية نائية أن يصبح عضواً في أحد برلمانات الدول المتقدمة إذا تهيأت له الظروف المناسبة وتَحصَّل على الكفاءات اللازمة للوصول إلى ذلك الموقع, فالمرونة لتنقل الأفراد ضمن السلطة والمجتمع هي السمة الأساسية للمجتمعات الحية والأكثر إنتاجية, والتي تلاحق الكفاءة الفردية أينما وجدت حتى في أدنى درجات السلم الاجتماعي وأكثرها تهميشاً,وفي سوريا ومنذ وصول الأسد الأب إلى السلطة تم إعادة تركيب أجهزة الدولة لتكريس طاقاتها للحفاظ على الهيكلية العامة لتراتبية القوة و النفوذ في السلطة وعدم السماح بأي تغير في التراتبية الطبقية للمجتمع السوري بما يؤثر على السلطة السياسية. وعلى المستوى الإقليمي (إيران) وعلى المستوى الدولي (روسيا والصين) استشعرت هذه القوى بأن أي خلل في تراتبية وضع النظام السياسي في سوريا قد يخلق إمكانية لدينامكية تؤثر على تراتيبة الوضع السياسي في تلك الدول. وعلى المستوى الثقافي رأت الطبقة الموالية للنظام على المستوى المذهبي والأقلوي أن أي خلل في تراتبية القوة القائمة سيشكل خطر على مستقبلها إما على المستوى الوجودي أو على مستوى خسارة امتيازات عديدة, وبالتالي الحفاظ على تراتبية الوضع السياسي في سوريا اعتبر أمراً حيوياً بالنسبة للداعم المحلي والإقليمي والدولي.
وعلى الرغم من أن مفهوم التراتبية يعتبر صلباً في ثقافة المجتمع السوري إلا أن الثورة السورية أحدثت تغيرات في هذه التراتبية نتيجة تعاطي المجتمع الدولي مع الحالة السورية ومع ملف اللاجئين, اشتملت هذه التغيرات على معطيين أساسيين وهما تحطم قدسية العداء لإسرائيل لتحل إيران محلها على الأخص ضمن الشارع الذي تضرر بشكل مباشر من التدخل الإيراني في الحرب السورية والمعطى الثاني هو فقدان الثقة بالإسلام السياسي الرسمي نتيجة علاقة بعض قيادته بإيران ونتيجة لتحارب الفصائل الإسلامية فيما بينها ونتيجة لسلوكها في المناطق التي تسيطر عليها. إغلاق العالم العربي والإسلامي أبوابه في وجه اللاجئين السوريين بينما استقبلت أوربا وكندا عشرات الآلاف منهم أيضاً دفع الكثير من السوريين في إعادة التفكير في هذا العداء المقولب للغرب وأنظمته السياسية, الثورة السورية أيضاً تم تقيمها أيضاً في كثير من الأحيان من وجهة نظر تراتبية فقد أخذ كثيراً على الثورة السورية بأنها ثورة أرياف على الرغم من المشاركة الفعالة لبعض مراكز المدن (حماه وحمص ودير الزور وبعض أحياء دمشق) حيث صرح المعارض السوري سمير نشار والذي يشغل صفة الناطق باسم الحزب الوطني الحر في تغريدة على موقع تويتر بأن الثورة فشلت عندما تريفت وبأن هناك تباين بين أدوات الاحتجاج بين الريف والمدينة حيث أدوات الاحتجاج بالمدينة ضد السلطة هي ، المظاهرة ، الإضراب ، الاعتصام ، ,العصيان المدني وأدوات الاحتجاج بالريف هي حمل السلاح فقط, بمعنى آخر أن أحد أسباب انتكاسة الثورة السورية هي خروجها عن اتباع تراتبية الريف الملتحق بالمدينة وعلى الرغم من أن تبعية الريف للمدينة بالمعنى العصري للكلمة هي تبعية إدارية محضة ولا تحوي أدنى إشارة إلى تراتبية في الوعي السياسي أو في أي نوع آخر من أنواع الوعي البشري, وفي الواقع السوري أساساً أدت سياسات الحكومات السورية المتعاقبة إلى تمدين الرييف وترييف المدينة والتي نتج عنها تعطيل للوظائف الإنتاجية لكل منهما على المستوى الزراعي والصناعي, إن امتلاك البيانات والمعلومات ضمن حقول معرفية مختلفة والتي يمكن أن تؤدي إلى تركيب وعي جديد لدى الأفراد من الصعب أن يكون اليوم حكراً على بيئة معينة بفضل الانتشار المتسارع لمستخدمي الانترنيت حول العالم مما يقوض يوم بعد يوم مفهوم تراتبية الوعي بين البلدان أو المناطق أو الأفراد.
المزاج السوري العام اليوم هو مزاج غير مستقر وعرضة للتخبط الدائم نتيجة للأزمات المعيشية والخدماتية الخانقة التي يعيشها الشعب السوري ونتيجة استشعاره, بأن التدخلات الإقليمية والدولية على اختلاف مشاربها لم تساهم في حل الأزمة السورية أو التخفيف من وطأتها إنما ساهمت في تعميق تأزمها, وانتقل المجتمع السوري من حالة تراتب سياسي صارم مترافق مع إجماعات فكرية ومسلمات من غير الممكن إحداث تغير في بنيتها إلى مجتمع بلا سياسية وبدون مسلمات جامعة لمكوناته حتى وإن كانت إجماعات خلبية حول الخطوط السياسية العريضة وعلى هذا المستوى أصبح المجتمع السوري مجتمعاً مُعلوم, أي مجتمع لا يوجد فيه إجماعات أفقية تجمع مكوناته المحلية و لا يوجد إجماعات عامودية تجمع الأفراد ضمن المجتمع المحلي الواحد إلا ضمن إجماع شكلي يتآكل باستمرار نتيجة الأزمات التي تتعمق باضطراد يوماً بعد يوم وكنتيجة حتمية أيضاً للانتشار الواسع للإنترنيت بشكل عام ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص وما تحدثه من تغيرات على مستوى الوعي العام للمجتمعات وأصبح من الصعب اليوم حصر تكون وعي الفرد ضمن الخطاب المتداول ضمن المجتمع المحلي, وما في جعبة المجتمعات المحلية في سوريا من موروث إثني أو مذهبي لا يحمل أي قيمة تنظيمية أو حضارية أو معرفية في عالم أصبحت التغيرات المتسارعة جزء من روتينه اليومي وبدل الانتعاش من هذا التقدم أصبح الشعب السوري يعاني من نقص في مقومات الحياة الأساسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات متواصلة في جامعات أوروبية للمطالبة بوقف إطلاق النار


.. هجوم رفح.. شحنة قنابل أميركية معلّقة | #الظهيرة




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل الغربي شمالي إسرائي


.. فصائل فلسطينية تؤكد أنها لن تقبل من أي جهة كانت فرض أي وصاية




.. المواطن الفلسطيني ممدوح يعيد ترميم منزله المدمر في الشجاعية