الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مانيفستو ضد مهربي الشعر

حازم العظمة

2006 / 7 / 2
الادب والفن


لأن الشعر يتعرض لما يتعرض له من إنتهاكات و إدعاءات سأعرض عليكم مشروعاً لحماية الكتابة الشعرية ممن يزعمون الشعر ، و من الواضح أن الأثر السلبي الذي تسببه كتابات تدعي الشعر لن يكون الأخير في ما نراه الآن من الخفة و الاستسهال في هذالإدعاء و أنا أعني هنا أطناناً من الكتابات ، كتابة ما ، تسجل أمامها أو في مقدمتها هذه العبارة : " شعر"، يضاف إلى ذلك سهولة الطباعة و النشر و كذلك النشر الألكتروني

و ثمة الآلاف حولكم – أحدكم ربما- ممن يحسبون أنهم إن أصدروا كتاباً ، أو قصيدة- و لو في الإنترنت - ثم مهروه بهذه البطاقة أصبحوا فعلاً ، و فوراً " شعراء " ، و حتى أزيل أي التباس محتمل أو سوء فهم سأبادر فوراً لأشرح أن نشر الكتب و القصائد لا يثبت ،و المقابل لا ينفي ، صفة " شاعر " عن كاتبه، و انا أعتقد أن ثمة شعراء لم ينشروا في حياتهم قصيدة واحدة فيما هم شعراء حقاً بعكس ما هو شائع و "متفق عليه" ..

الموضوع يتعلق بمسألة أوسع حتى ، أعني أن علينا أن ننظر إلى الكتابة بصفة عامة ، أية كتابة بطريقة موازية ، أو مشابهة إن أحببتم ، هنا أيضا ً أحب أن أسجل وجهة نظري : كونك " كتبت" لا يعني ، بالضرورة أنك ، أنت صاحبها هذه الكتابة ، صرت ، أو صار ، "كاتباً " ..

أشعر في مرات كثيرة أن وضع عبارة " شعر" في غلاف كتاب ما ، غرضه إزالة الإلتباس ، و أولاً لصاحبها ، شيء ما يوحي أن لديه شك خفي غير معلن في نفسه قبل أن يكون في الآخرين
فلربما بدون " البطاقة" هذه سيظن بعضهم أن النص – النصوص هذه مقال أو مقالات ، أو ربما " خاطرة "و " خواطر" ، مع أنني لا أعرف تماماً ما هي هذه " الخواطر" ، أو ربما ظن أحدهم ، إن كان جاهلاً ، أنه أمام ما يسمى بـ " النص المفتوح " و ثانية سأعترف بأنني ، أنا أيضاً ، لا أعرف ما هو هذا " النص المفتوح"
رغم أنني متأكد ، تقريباً ، أنه ليس عكس " النص المغلق" .. اعذروني ثانية فأنا لا أعرف ماهو هذا الأخير .. أيضاً .

سمعتم ربما بأن " اليونيسكو" لها لجنة لحماية التراث الإنساني من معالم أثرية أو طراز عمارة فريد أو مكتبات قديمة و جديدة لها هذه الصفة : تراث إنساني ، و ما أفكر فيه هو لجنة مشابهة تحمي الشعر لأنه تراث إنساني ، لكنه تراث إنساني حي و متجدد ، ساسرع إلى القول ، قبل أن تصلني الردود السريعة الجاهزة ، أننا هكذا لا نضع الشعر في متحف و نحنطه، بل نعامله كما نعامل الينابيع المتدفقة السريعة و كما نعامل مساقط المياه الهائلة التي رذاذها يبرق في شمس مائلة بدورها سريعة تلمع صادرة من نهارات سريعة لنقل في منابع النيل

المشكلة في الشعر أن لا تعريف له ، مع أنه بديهي لدرجة أنك تعرفه من أول لحظة حين تصادفه و رغم عدم تحديده هذا فالجميع يعرفونه ، لكنهم يعجزون في تحديد أوصافه ، فإذا حاولوا أن يصفوه ، في غيابه، تلعثموا و ترددوا و تحدثوا ساعات بدون طائل

تماماً كما تتردد و تتلعثم و تضطرب في وصف جميلة ما ، يكفي ان تمر الجميلة حتى تشرح بعبورها ، و إن كان خاطفاً ، كل شيء

الوهلة الأولى ( نعم ربما تكون هذه هي العبارة المناسبة ).. هي تماماً ما سأقترحه كـ " معيار" و " مواصفات" تصلح في تمييز الشعر عن ادعاءه ..

الحدس أيضاً عبارة مناسبة ، ما أقترحه هو استخدام " اللامعايير " و " اللا مواصفات" لأنه كما هو و كما نعرفه كائن لا يحدد .. ، و هش و متبدل و غامض ، رغم وضوحه ، و تصيبه الجراح هيناً و هينة ً، و يموت كما يموت حيوان صغير في لحظة إن حجزته في قفص أو تعريف أو دائرة أو بين متفلسفين أو عباقرة و منظرين و "اتحاد"أو " بيت" و يموت سريعاً إن تفحصه عن كثب – كما يقال - " النقاد" و " الأنثروبولوجيون "و "البيولوجيون " و علماء اللسانيات .. خاصة

الذين أقترحهم للهيئة التي لها أن تصف كتابة ما بأنها " شعر " أو لا ، لن يتفحصونه و لن يضعوا علامات و " نقاطاً " و " روائز " و لن يقارنوه بجداول أو بـ " أعمدة" إيقاعية ، و لن يصنفوا الشعر في " موزون" أو " نثري"و " متزن " أو " غير متزن " أو " وطني " و " عاطفي ".. أو " عدمي" و " عبثي" و خاصة "وجداني " ...
فتصنيف الشعر هكذا يصيبه بالسكتة (الشعرية)... حسبُ سيقولون هذا شعر أو لا

إلا أن قرارهم هذا لن يلزم أحداً
لن يلزم أحداً لأننا لو اعترفنا بأن الشعر لا يخضع للمواصفات و لا يصلح لجمعية " المعايير و الأوزان" و جمعية " حماية المستهلك" كما هو الحال مثلاً مع F.D.A (وكالة الدواء و الغذاء الأمريكية) أو ما يشابهها من وكالات عربية – إن وجدت – لعدنا بالوراء
إلى شيء ما يشبه "محاكم تفتيش " شعرية فيما الشعر لا يتنفس في المحاكم و يضيق بالمختبرات و بالحواجز و الأقفاص و لا يتنفس إلا في فضاء الحرية ...

الحرية، بما في ذلك حرية اللاوزن و لكن حرية الوزن أيضاً ...

ثم أن هؤلاء الذين سأعينهم – ستعينونهم أنتم ربما- لجنة لتقييم و قياس القصائد و "فرز" الشعراء عن غيرهم .. و وضع بطاقات (ترخيص) ممهورة بخاتمها ( و ليكن هذا الخاتم " شعر" بنفس الخط الذي كان لعنوان المجلة التاريخية الشهيرة " شعر " ، فهذا يعطيه مصداقية أكيدة .. ) أقول : هؤلاء ألن يقعوا تحت تأثير العلاقات العامة و الخاصة و ميكانزمات المحاباة و الترويج ... ،ألن يقعوا في نفوذ دوائر المافيات ، نعم سمعتم جيداً : المافيات .. "الثقافية"و السياسية و دور النشر ، و جمعيات رعاية الصم و البكم و لجان الدفاع عن الحياة البرية و .. و ..

ثم ما الذي نفعله بهؤلاء الذين يطلبون من الأطفال و التلاميذ في المدارس ، في بلاد غير هذه طبعاً ، أن يكتبوا قصيدة .. ، و ما يكتبونه ، الأطفال ، يسمونه ، معلموهم ، قصائد ، هكذا بدون مواربة... ، طبعاً هذا لا يحدث عندنا ، لأننا بعد لم نغادر السلطة البطريركية للمتنبي .. و البحتري و الجواهري .. ، و أقصى ما نعلمه لأطفالنا من "الحداثة" سليمان العيسى ...

و لأننا نقيم سوراً (عربياً ) عظيماً بين الشعر و "غيره" ( لأن الشعر ديوان العرب..) فنحن لا نعرض أطفالنا لمخاطر أن يقرأوا "مغامرات شعرية"...
المغامرات بصورة عامة- شعرية أو لا - فاسدة و تفسد الأجيال و النشأ ..
لذا و حرصاً على قيمنا العربية و الإسلامية، و عاداتنا و تقاليدنا، أطفالنا لا يقرأون غير " عيون الشعر "... حتى لا تفسد ذائقتهم
" عيون الشعر " هذه ربما هي المسؤولة ، بطريقة ما عن أن الأطفال بعد أن غادروا مدارسهم غادروها و هم يمقتون الشعر ...

ثم ألا تلاحظون معي أنني في هذا المقال- المانفستو ، انتقلت من موقف إلى نقيضه و لكن ببراعة .. و أنني بعد أن اقترحت هيئة- لجنة (عالمية) لحماية الشعر من أدعيائه تخليت سريعاً عن هذه الفكرة بل و هزئت بها و دعوت –مواربة- لأن يكتب الشعر أي أحد ...
أقول "ببراعة" و أخشى أن يتهمني أحدكم بالغرور أو بالنرجسية... مثلاً








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر